عاشت سبتةوالفنيدق تحت نفس الضغط الجوي الذي نتجت عنه تساقطات مطرية مهمة أغرقت المدينتين. سبتة أعلنتها السلطات الإسبانية مدينة منكوبة وأعلنت اللون البرتقالي وطلبت تدخل الجيش. الشيء الذي تحقق لها ساعات قليلة بعد معاينة الأضرار التي خلفتها الأمطار الطوفانية. أما الفنيدق فعوض أن يأتي إليها الجيش لكي يساعد السكان على إزالة المياه والأوحال وإنقاذ ما يمكن إنقاذه، فقد اكتفت السلطات بإرسال جحافل من سيارات قوات التدخل السريع تحسبا لغضب شعبي محتمل. هذا هو الفرق بين الأنظمة الديمقراطية والأنظمة المتخلفة. الأولى تعتبر أمن الشعب وسلامة ممتلكاته من أولوياتها، أما الثانية فتعتبر أمن الدولة وسلامة منشآتها ومؤسساتها من أولى أولوياتها. أما الشعب فليذهب إلى الجحيم. إن ما وقع في العديد من المدن المغربية بسبب الفيضانات كان يفترض تدخلا عاجلا للجيش لمساعدة المواطنين بإمكانياته التقنية وخبرته الكبيرة التي لا تتوفر للمجالس البلدية ومجالس المدينة وعمالاتها. وعندما نرى كيف حشدت الدولة ثلاثة آلاف رجل أمن وقوات مساعدة بسياراتهم وعتادهم وقنابلهم المسيلة للدموع من أجل محاصرة مدن صغيرة كصفرو وسيدي إفني، ثم نرى كيف تعجز الدولة عن إرسال شاحنة عسكر واحدة إلى الفنيدق لمساعدة المواطنين كما صنع الإسبان في سبتة، نفهم أن ما يهم الدولة في نهاية المطاف هو مكافحة الاحتجاج، أما الفيضان والكوارث الطبيعية فليس أمام المواطنين سوى مكافحتها بأذرعهم العارية. وإذا كان من حسنة لفيضان الفنيدق فهي تعريته للغش الذي بني عليه المستشفى الذي دشنه الملك قبل أسبوع. فبعد باب المستشفى الذي انهار ساعات قبل الزيارة الملكية وأرسل امرأة إلى المستعجلات، هاهو سور المستشفى ينهار بدوره بعد الزيارة الملكية. والجميع يعرف أن المستشفيات تبنى عادة في أمكنة محصنة ضد الفيضانات وتأخذ تصاميم بنائها في الاعتبار أهمية وحساسية هذه المؤسسة العمومية، بحيث يجب أن تكون آخر مكان تتسرب إليه الأمطار في كل المدينة. فالمفروض في الكوراث الطبيعية أن يكون المستشفى ملجأ آمنا للمتضررين والمصابين، لا أن يتحول أطباء المستشفى وممرضوه إلى منكوبين يفرغون أروقة المستشفى من المياه التي غمرت غرفة العمليات وغرفة الفحص بالراديو. وقبل الزيارة الملكية للمستشفى متعدد التخصصات تعرض كل المستخدمين والأطر بالمستشفى لعملية تفتيش مهينة من طرف فرقة خاصة بالأمن، خوفا من إخفاء أحدهم لرسالة موجهة للملك، شملت حتى تفتيش الأطراف الحساسة في أجساد عاملات التنظيف. وعندما طالب أحد الأطر رجل الأمن باحترام طبيبة وعدم تفتيشها بتلك الطريقة المهينة، قال له: - آش من طبيبة ولا زمر، أنا دكتور وفرشخت ليه راسو قدام البرلمان... وما وقع للمستشفى متعدد الاختصاصات الذي دشنه الملك قبل أسبوع قبل أن تغمره المياه، والأبقار التي دخلت تسرح بعد انهيار السور، يطرح على وزارة الصحة ومندوبها بتطوان أسئلة محرجة تتطلب إجابات عاجلة. كيف يعقل أن ينهار باب المستشفى حتى قبل أن يدشنه الملك، وكيف يعقل أن ينهار سور المستشفى بعد تدشينه وتتسرب المياه إلى مخزن الأدوية وتتلف المعدات الطبية التي صرفت على اقتنائها ميزانيات باهظة من أموال دافعي الضرائب. ثم كيف يعقل أن يعلن المسؤولون للملك أن المستشفى يتوفر على 12 تخصصا، في الوقت الذي لا يوجد فيه سوى طبيب متخصص في الأطفال وطبيب إنعاش بينما كل الأطباء المتبقين هم تابعون لمستشفى محمد السادس بالمضيق. ويبدو أن لعنة ما تطارد المستشار الملكي مزيان بلفقيه. فبمجرد علمه بسقوط باب المستشفى هرع إلى مكان الحادث لكي يساند أخاه مندوب وزارة الصحة بتطوان وقريب وزير الصحة السابق بيد الله، مندوب الصحة بالفنيدق، وعوض أن يحاسبهما المستشار على خدمة «كور وعطي لعور» شدد على إحاطة الحادث بالسرية والحيلولة دون وصوله إلى علم الصحافة. ويبدو أن أغلب المسؤولين الذين يقترحهم مزيان بلفقيه لشغل مناصب المسؤولية في المؤسسات العمومية تجري بذكر كوارثهم الركبان. فأخوه مندوب وزارة الصحة بتطوان قدم للملك مستشفى تسقط أبوابه وأسواره حتى قبل افتتاحه. والمهندس شويحات الذي اقترحه بلفقيه ليكون عاملا على خنيفرة انتهى مغضوبا عليه بعد الزيارة الملكية لعمالته، فتمت إقالته من منصبه وفتح تحقيق حول ممتلكاته. خصوصا قصره الفاخر بالرباط. أما عبد الحنين بنعلو الذي أتى به مزيان بلفقيه من مركز الطاقات المتجددة إلى المكتب الوطني للمطارات، فقد رأى الجميع كيف أن قطرات من الأمطار حولت المحطة الثانية في مطار محمد الخامس والتي افتتحت قبل سنة فقط، إلى حوض مائي يتفرج عليه السياح ويصورونه بهواتفهم وكاميراتهم للذكرى والتندر. عندما تسيل «القطرة» من سقف محطة المطار الدولي الأول للمملكة سنة واحدة بعد افتتاحها، وتتسرب المياه إلى مخازن مستشفى متعدد الاختصاصات لم يمض على تدشينه أسبوع، فهذه إشارات واضحة إلى وجود اختلالات خطيرة تهدد أمن ومستقبل البلد برمته. وإذا كانت المطارات والمستشفيات تتعرض لكل هذا الغش في البناء فكيف سيكون حال المؤسسات الأخرى التي لا تحظى بالزيارة الملكية من أجل تدشينها. ولهذا السبب نرى اليوم أن ساعة من الأمطار كافية لكي تقتلع الأرصفة والطرق وتجتاح البيوت والمحلات. وحتى ساحة مولاي الحسن المقابلة لصندوق الإيداع والتدبير بالرباط، والتي صرف عليها الصندوق من ميزانيته أمولا طائلة، يمكن لكل مار من أمامها أن يلاحظ في الطابق الأرضي للساحة بركتين مائيتين خلفتهما الأمطار الأخيرة. وعندما نعرف بأن الأشغال في هذه الساحة فاقت السنتين وأعيد اقتلاع الأرصفة مرتين لتغيير إما لون الرخام أو شكله، وفي الأخير عندما تسقط الأمطار الأولى تتجمع البرك في الساحة، نفهم أن «الخدمة المعاودة» ليست خطأ عابرا وإنما هي سياسة معتمدة في المغرب كله. والغريب في أمر هؤلاء المسؤولين الذين يشرفون على بناء المؤسسات التي سيأتي الملك لتدشينها، لكي تسيل «القطرة» من سقوفها بعد ذلك، هو أن فيلاتهم وقصورهم التي يشيدون لا تتسرب إليها مياه الأمطار ولا تسيل منها «القطرة». ولعل عبد الحنين بنعلو مدير المكتب الوطني للمطارات سيتساءل معنا لماذا سقطت «القطرة» في المحطة التي أشرف على بنائها في مطار محمد الخامس بغلاف مالي تجاوز المليار و34 مليون درهم، بينما لم تسقط فوق رأسه قطرة واحدة من سقف قصره بطريق زعير بالرباط. ولو أن الكبدة التي لدى بعض المسؤولين على القصور والفيلات التي يشيدونها هي نفسها الكبدة التي لديهم على المؤسسات والمنشآت العمومية التي يتولون مسؤوليتها، لكان المغرب بخير. إن الذين يجب أن يتابعهم القضاء بالإخلال بالاحترام الواجب للملك هم أمثال هؤلاء المسؤولين الذين ينصبون للملك الكاميرا الخفية، ويمثلون أمامه دور المسؤولين الورعين الذين يقضون كل وقتهم في خدمة الصالح العام. وبمجرد ما تختفي آخر سيارة في الموكب الملكي، يجمعون الزرابي والورود ويهزون «الكالات» ويشرعون في «ترياب» الحفلة. وما وقع في مسجد محمد السادس بتطوان بعد انتهاء حفل إحياء ليلة القدر ومغادرة الملك للمسجد، شيء مخجل ويستحق فتح تحقيق مستعجل. فبمجرد ما غادر الملك حتى شرع عمال في اليوم الموالي ساعة الإفطار في تفكيك المكيفات الهوائية من المسجد وأخذوها إلى مكان مجهول، تاركين خيوطها مرمية أمام ساحة المسجد. كيف يعقل أن يسمح المسؤولون في تطوان بانتزاع مكيفات الهواء من مسجد لم يمض على تدشينه من طرف الملك سوى يوم واحد. وهل سيأتي الدور بعد المكيفات الهوائية على الثريات والزرابي ومكبرات الصوت واللوحة الرخامية التي تحمل اسم محمد السادس هي الأخرى، أم أن أصحاب الوقت هؤلاء سيأخذون حتى المصاحف التي يقرأ بها عباد الله الحزب. مخجل حقا.