أثار ظهور صحافيتين محجبتين على القناة الثانية (دوزيم) جدلا كبيرا في الوسط الإعلامي الوطني، لاسيما أنها المرة الأولى التي يُسمَح فيها للمحجبات بتقديم تقارير أو نشرات إخبارية، إلا أن هذه الخطوة جَدّدت أهمية طرح السؤال حول التلفزيون الذي يحبه المغاربة لمغربهم الجديد. في بداية النقاش، لا بد من التأكيد أن مديرية الأخبار في القناة الثانية سبق أن خصصت تقارير عن مسؤولات مُحجَّبات ودعمت، في النسخة الأخيرة، فاعلة جمعوية قبل ساعات من الإعلان عن نتائج «خميسة» للسنة الماضية، وثاني المعطيات الأساسية أن ظهور صحافيات محجبات على القناة الثانية ينسجم مع مبدأ «تكافؤ الفرص» في المنشآت العمومية. كما ينسجم مع مبدأ قدسية القبول بالاختلاف والاختيارات بصرف النظر عن الانتماءات والمرجعيات الأخلاقية أو الدينية أو السياسية المتباينة، وثالث المعطيات أن ظهور صحافيات مُحجَّبات على شاشة مغربية يُجسِّد انعكاسا طبيعيا لمكون موجود في الأصل في المجتمع، على اعتبار أن المحجبات يُمثّلن شريحة مهمة من المجتمع، وبروز المحجبات في هذه الحالة محاولة من «دوزيم» لطي صفحة المنع والمصادرة في حق الآخر والإقرار بحق المغاربة في تلفزيون قريب منهم ويتقاسمون معه قواسمَ مُشترَكة. وبغضّ النظر عن القراءات العديدة التي تتّجه في مضمونها نحو تبنّي فرضية بداية توجه جديد لمديرية الأخبار التي تديرها سميرة سيطايل مع موضوع الصحافيات المحجبات، لاسيما مع اكتساح حزب العدالة والتنمية، ذي المرجعية الإسلامية للانتخابات التشريعية. يفرض الحدث مناقشة هوية التلفزيون الذي يُحبّه المغاربة، لأن الأمر لا يتعلق، في نهاية المطاف، بصورة محجبات على شاشة مغربية، بقدر ما هو إشارة رمزية على إمكانية تدشين بداية «مصالحة» التلفزيون المغربي مع مشاهديه. إن مصالحة التلفزيون مع المُشاهِد المحلي تفرض أن يكون هذا التلفزيون مُواطِنا يستوعب كل الأطياف المجتمعية والثقافية والسياسية، ولا يمكن أن تُختزَل المواطنة في «الحجاب»، ونقر أن مبادرة السماح لصحافيات متحجبات بالظهور على قناة مغربية قد يكون منطلقا أو خطوة رمزية للتعدد، إلا أن الأساسي أن يفتح التلفزيون ذراعيه لهموم المغاربة وحاجياتهم، على أن الخبر الذي يُقدّم خدمة عمومية يمكن أن يحظى بمتابعة مهمة بصرف النظر عن مُقدِّمه وشكله، لأن جوهر التلقي في تلك الحالة هو الشأن الوطني، الذي يتجاوز الأشخاص واختياراتهم. إن مصالحة المغاربة مع تلفزيونهم تنطلق من الإنصات إلى نبض الشارع والكف عن سياسة التعتيم والتضليل وغضّ الطرف عما يحدث في المغرب، إذ في ظل الثورة الإعلامية، يصير العالم الإلكتروني الافتراضي سلطة تتحدى كل السلط بدون قيد أو شرط، والكلمة للمواطن.. وستجد كل ممارسة رقابية على هموم المغاربة موطئ قدم لها في الشبكة العنكبوتية بعد دقائق من وقوع الحدث. إن مصالحة المغاربة مع تلفزيونهم تُدشَّن بإعادة النظر في الشبكة البرامجية للقنوات العمومية بما يضمن حيّزا مُهمّاَ من الإخبار -الوظيفة الأهم والأرقى للإعلام- يتجاوز صيغة النشرات «العابرة»، التي يفرض التّنوعُ في المواد وقِصَرُ المدة المخصصة للنشرات أن تقدم فلاشات للمغاربة تكون حاسمة في جعلهم يهاجرون جماعيا إلى الفضائيات العربية، التي تقدم أحيانا مقاربة غير سليمة أو مادة إخبارية غير دقيقة.. وبغياب «المناعة» المحلية، يصير للمقاربة الأجنبية نصيب غير يسير من الصحة والمصداقية.. إن مصالحة المغاربة مع تلفزيونهم تمر، بالضرورة، عبر تقوية النقاش السياسي بدل وجعله موسميا مرتبطا بالمواعيد الانتخابية وبالمساهمة في رقيّ التواصل السياسي، بما يفتح «شهية» المغاربة لمتابعة نقاشات تهُمّ واقعهم وترسم أحيانا مستقبلهم، وإن أي مقاربة للإعلام السمعي -البصري المستقبلي لا تأخذ بعين الاعتبار هواجس المواطن وهمومه هي مقاربة قاصرة وتهدد بمزيد من «هجران» المغاربة قنواتهم رغم الإجراءات «الترقيعية» والطارئة الأخيرة.