سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
حميش يوجه رسالة «استجداء» إلى رئيس الحكومة القادمة والمثقفون يتساءلون عن مسوغاتها الرسالة شبيهة بتلك الرسائل التي كان يبعث بها القدامى إلى أولياء نعمهم
في أول سابقة ونادرة يعرفها مغرب اليوم، وجّه بنسالم حميش، وزير الثقافة في الحكومة المنتهية ولايتها، رسالة مفتوحة إلى رئيس الحكومة القادمة، يُحذره فيها من «حراك قد يتحول إلى غليان إذا لم تحقق الحكومة الجديدة مطالب الشغل والحياة الكريمة للمغاربة»... وقد استغرب الكثيرون مضمون هذه الرسالة والغاية من وراء نشرها في هذا الوقت بالذات، متسائلين عن لماذا لم يتحمَّل حميش هذا «العناء» عندما كان في موقع يخول له اتخاذ القرارات والمبادرات؟! وقد جاءت صيغة الرسالة شبيهة بتلك الرسائل التي كان يبعث بها «العلماء» القدامى إلى أولياء الأمور، محاولين رسم خارطة طريق في إدارة شؤون الحكم. وفي هذا، لم يخرج حميش عن أسلوب كتابته الذي يمتح من نصوص تراثية. وقد ذهب صاحب رواية «مجنون الحكم» إلى «نصح» رئيس الحكومة القادمة ب»عدم القبول بضغوطات الأحزاب المرشحة للائتلاف الحكومي المرتقب، والتي ترمي إلى ترشيح أسماء «مستلهكة» لمناصب وزارية، وبعدم القبول بشخصيات من عديمي الكفاءة وقليلي الخبرة.».. ويشار إلى أن حميش كان من أكثر الوزراء إثارة للجدل وقطع حبل التواصل مع المثقفين، مما دفع بهؤلاء إلى مقاطعته والدعوة إلى إقالته. في هذه الرسالة المطولة، يُرجَّح أن تكون الحكومة الجديدة ائتلافية، بالقول إن الحياة السياسية في المغرب لا تقوم بنيويا على الثنائية، أو حتى الثلاثية القطبية (يمين، يسار، وسط)، لذا فالراجح أن تكون الحكومة الجديدة بالضرورة ائتلافية، نظرا إلى نمط الاقتراع الانتخابي والتعدد الحزبي المفرط. ونبّه حميش إلى أنه «من الواجب أن يمتنع رئيس الحكومة المقبل عن القبول بفرض الأحزاب المرشحة للائتلاف الحكومي أسماء «تعب» مشهدنا السياسي منها، لما أمضته من سنوات طوال في ولايات وزارية، يمكن بالحجة والدليل الكشف عن أنها، عدا تصريف الأعمال العادية، لم يُجْد أداؤها نفعا مؤثرا ولم تصلح ما اعوَجّ وعضل في قطاعات ترأسوها». ويقول «مجنون الحكم» في هذا الإطار: «إن واجب إفساح المجال لنخب جديدة هو ما قصده وعناه جلالة الملك محمد السادس في خطاب ذكرى 20 غشت الأخير، في هاتين الفقرتين النيّرتيْن: «كما يجدر بها (الأحزاب) أن تفسح المجال للطاقات الشابة والنسوية، بما يفرز نُخَبا مؤهلة، كفيلة بضخ دماء جديدة في الحياة السياسية والمؤسسات الدستورية (...) فشباب المغرب، الواعي والمسؤول، يوجدون اليوم في صلب مشروع التحديث الدستوري، من حقوق وواجبات وهيآت المواطنة الفاعلة، لتعزيز انخراطه في مختلف الإصلاحات الديمقراطية والأوراش التنموية». الظرفية التاريخية اليوم، إقليميا وعالميا، صعبة عصيّة، وهي مغربيا كذلك، قياسا إلى أي ظرفية عرفها مجتمعنا وحكوماتنا المتعاقبة منذ الاستقلال. فالحراك الشبابي والاجتماعي الذي يشهده المغرب منذ مطلع هذه السنة 2011، ولا يريد أي مواطن غيور أن يتحول إلى عراك، من الخطأ الاستخفاف به أو اعتباره سحابة أو موجة عابرة، بل إنه شفرة عمقية وفورة حتمية تمخّضتا، ولو بعديا، عن سنوات الجمر ومعالجات أمنوية طال أمدها، ودارت في حلقات غير إنمائية ولا منتجة. ولذا نعتبر الخطاب الملكي ليوم 9 مارس حجرا أساسا لتوجه فيصلي جديد وواعد، يُعبّر مضمونه عن إرادة جلالة الملك الاستجابة لإرساء قواعد الإصلاح الشامل وتمتين انطلاقة المغرب نحو الدمقرطة النافعة والتنمية المطّردة والعدالة الاجتماعية». وكتب بنسالم حميش، في رسالته المفتوحة إلى رئيس الوزراء القادم، مشيرا إلى الظرفية والسياق الذي تأتي فيه الحكومة القادمة داعيا إلى ضرورة وضع ذلك في الحسبان: «حكومتك تأتي في بدايات ذلك الحراك غير المسبوق، وليس من باب عدوى «الربيع العربي» ومحاكاته، بل بفعل الضائقات والمكبوتات المتراكمة، وسينزع مدّه إلى الغليان والتأجج إذا لم تشرع حكومتك جديا، ولو تدريجيا، في تحقيق مطالبه التي يتصدرها الحق في الحياة الكريمة، ومفتاحُها الحق في الشغل (كما ينص عليه الدستور الجديد في الفصلين ال20 وال30). ويضيف موضحا أن أصعب إشكال هو إشكال حملة الشهادات. ويقول في هذا الإطار: «الإشكال الصعب، أو عصب المأساة في تلبية ذلك الحق لحملة الشهادات خصوصا، يكمن في أن هؤلاء هُم إجمالا خريجو تعليم عمومي ضعُف أداؤه منذ ثلاثة عقود ويزيد، رغم أن الدولة ترصد له، كما يأتي ذكره، ميزانية ضخمة، فبات يمنح دبلومات تضاءلت قيمتها عموما عبْر السنين في سوق التوظيف والشغل. وإن وضع جامعاتنا، بكل تخصصاتها، يشكل أبلغ تعبير تركيبي عن صعوبة تلك الحالة المستفحلة سنة بعد أخرى، ساهمت في تكريسها وترسيخها وزارات متعاقبة وأطر التدريس، المقصّرون والمتهاونون، وأيضا الطلبة المستسهلون والانتهازيون... فأضحينا أمام معضلة صلبة النشأة، معقدة المفاصل والخيوط، متناسلة الآثار والعواقب: فلا القطاع الخاص يقبل توظيف أولئك المتخرجين (ولو كانوا دكاترة) ولا هؤلاء يريدون العمل في هذا القطاع غير مأمون الجانب في نظرهم، ولا الوظيفة العمومية، المكتظة، تستطيع ماليا استيعاب أفواجهم المتكاثرة سنويا، ولا حملة الشهادات يبغون عن القطاع العمومي بديلا، لكونه عندهم الأضمن والأرْيح». ولم يكتف وزير الثقافة «الراحل» بالحديث عن معضلة الشغل، فقد صار في كل «واد»، حيث تحدث في ميادين أخرى، كالتعليم والثقافة وغيرها. وفي الوقت الذي خلّفت هذه الرسالة استغراب الكثيرين، أثار نشرها في المواقع الإكترونية الكثير من الردود، إذ اعتبر البعض أن الرسالة ما هي إلا رسالة استجداء وطلب عمل... كما وصفت أخرى حميش بأنه «أسوأ وزير في الحكومة المغادرة»، وهو الذي فشل في تدبير حقيبة الثقافة.