موكوينا: سيطرنا على "مباراة الديربي"    موتسيبي: كأس أمم إفريقيا للسيدات المغرب 2024 ستكون الأفضل والأنجح على الإطلاق    الصويرة تستضيف اليوم الوطني السادس لفائدة النزيلات    ضمنهم موظفين.. اعتقال 22 شخصاً متورطين في شبكة تزوير وثائق تعشير سيارات مسروقة    مهرجان "أجيال" بالدوحة يقرب الجمهور من أجواء أفلام "صنع في المغرب"    طقس حار من السبت إلى الاثنين وهبات رياح قوية مع تطاير الغبار الأحد بعدد من مناطق المغرب        صادرات الصناعة التقليدية تتجاوز 922 مليون درهم وأمريكا تزيح أوروبا من الصدارة    الرئيس الصيني يضع المغرب على قائمة الشركاء الاستراتيجيين    افتتاح أول مصنع لمجموعة MP Industry في طنجة المتوسط    وهبي: أزماتُ المحاماة تقوّي المهنة    خبراء: التعاون الأمني المغربي الإسباني يصد التهديد الإرهابي بضفتي المتوسط    الإكوادور تغلق "ممثلية البوليساريو".. وتطالب الانفصاليين بمغادرة البلاد    المغرب التطواني يُخصص منحة مالية للاعبيه للفوز على اتحاد طنجة    حكيمي لن يغادر حديقة الأمراء    المحكمة توزع 12 سنة سجنا على المتهمين في قضية التحرش بفتاة في طنجة    ابن يحيى تشارك في افتتاح أشغال المنتدى البرلماني السنوي الأول للمساواة والمناصفة    بوريطة: المقاربة الملكية لحقوق الإنسان أطرت الأوراش الإصلاحية والمبادرات الرائدة التي باشرها المغرب في هذا المجال    من العاصمة .. إخفاقات الحكومة وخطاياها    مجلس المنافسة يفرض غرامة ثقيلة على شركة الأدوية الأميركية العملاقة "فياتريس"        "أطاك": اعتقال مناهضي التطبيع يجسد خنقا لحرية التعبير وتضييقا للأصوات المعارضة    لتعزيز الخدمات الصحية للقرب لفائدة ساكنة المناطق المعرضة لآثار موجات البرد: انطلاق عملية 'رعاية 2024-2025'    هذا ما قررته المحكمة في قضية رئيس جهة الشرق بعيوي    مندوبية التخطيط :انخفاض الاسعار بالحسيمة خلال شهر اكتوبر الماضي    فاطمة الزهراء العروسي تكشف ل"القناة" تفاصيل عودتها للتمثيل    مجلس الحكومة يصادق على تعيين إطار ينحدر من الجديدة مديرا للمكتب الوطني المغربي للسياحة    المحكمة الجنائية الدولية تنتصر للفلسطينيين وتصدر أوامر اعتقال ضد نتنياهو ووزير حربه السابق    طبيب ينبه المغاربة لمخاطر الأنفلونزا الموسمية ويؤكد على أهمية التلقيح    قانون حماية التراث الثقافي المغربي يواجه محاولات الاستيلاء وتشويه المعالم    توقعات أحوال الطقس غدا السبت    الأنفلونزا الموسمية: خطورتها وسبل الوقاية في ضوء توجيهات د. الطيب حمضي    ما صفات المترجِم الناجح؟    خليل حاوي : انتحار بِطَعْمِ الشعر    الغربة والتغريب..    كينونة البشر ووجود الأشياء    الخطوط الملكية المغربية وشركة الطيران "GOL Linhas Aéreas" تبرمان اتفاقية لتقاسم الرموز    المجر "تتحدى" مذكرة توقيف نتانياهو    رابطة السلة تحدد موعد انطلاق الدوري الأفريقي بالرباط    بنما تقرر تعليق علاقاتها الدبلوماسية مع "الجمهورية الصحراوية" الوهمية    مفتش شرطة بمكناس يستخدم سلاحه بشكل احترازي لتوقيف جانح    القانون المالي لا يحل جميع المشاكل المطروحة بالمغرب    "سيمو بلدي" يطرح عمله الجديد "جايا ندمانة" -فيديو-    بتعليمات ملكية.. ولي العهد يستقبل رئيس الصين بالدار البيضاء    العربي القطري يستهدف ضم حكيم زياش في الانتقالات الشتوية    لَنْ أقْتَلِعَ حُنْجُرَتِي وَلَوْ لِلْغِناءْ !    تجدد الغارات الإسرائيلية على ضاحية بيروت الجنوبية عقب إنذارات للسكان بالإخلاء        تفكيك خلية إرهابية لتنظيم "داعش" بالساحل في عملية مشتركة بين المغرب وإسبانيا    الولايات المتحدة.. ترامب يعين بام بوندي وزيرة للعدل بعد انسحاب مات غيتز    وفاة شخصين وأضرار مادية جسيمة إثر مرور عاصفة شمال غرب الولايات المتحدة    أول دبلوم في طب القلب الرياضي بالمغرب.. خطوة استراتيجية لكرة القدم والرياضات ذات الأداء العالي    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    تشكل مادة "الأكريلاميد" يهدد الناس بالأمراض السرطانية    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بنسالم حميش يوجه رسالة مفتوحة إلى رئيس الحكومة المقبلة
نشر في لكم يوم 24 - 11 - 2011

حذره في حالة عدم تحقيق الحياة الكريمة للناس فسوف يتحول الحراك إلى غليان
وجه بنسالم حميش، وزير الثقافة، في الحكومة المنتهية ولايتها رسالة مفتوحة إلى رئيس الحكومة المقبلة المنتظر انبثاقها منة مجلس النواب الذي سينتخب أعضائه يوم 25 نوفمبر. وجاءت رسالة الوزير المثقف على شكل وصية واستخلاص للعبر من تجربته الوزارية.
وفيها يحذر حميش، وهو أيضا روائي وفيلسوف، رئيس الحكومة المقبلة من كون "الظرفية التاريخية اليوم، إقليميا وعالميا، صعبة عصية، وهي مغربيا كذلك قياسا إلى أي ظرفية عرفها مجتمعنا وحكوماتنا المتعاقبة منذ الاستقلال"، قبل أن يضيف الوزير في رسالته/الوصية: " فالحراك الشبابي والاجتماعي الذي يشهده المغرب منذ مطلع هذه السنة 2011، ولا يريد أي مواطن غيور أن يتحول إلى عراك، من الخطأ الاستخفاف به أو اعتباره سحابة أو موجة عابرة، بل إنه شفرة عمقية وفورة حتمية تمخضتا، ولو بعديا، عن سنوات الجمر ومعالجات أمنوية طال أمدها، ودارت في حلقات غير إنمائية ولامنتجة".
وخاطب حميش رئيس الحكومة المقبل قائلا: "حكومتك تأتي في بدايات ذلك الحراك غير المسبوق، وليس من باب عدوى "الربيع العربي" ومحاكاته، بل بفعل الضائقات والمكبوتات المتراكمة، وسينزع مدُّه إلى الغليان والتأجج إذا لم تشرع حكومتك جديا، ولو تدريجيا، في تحقيق مطالبه التي يتصدرها الحق في الحياة الكريمة ومفتاحُها الحق في الشغل".
ودعا حميش مخاطبه إلى "القطيعة مع سياسة ترك الحبال على الغوارب ودار لقمان على حالها (سياسة "سلّك")، إذ أن زمننا هذا هو زمن التنافسية الاقتصادية، والتكتلات الاتحادية والتعاونية، وتسارع الأحداث الجسام الفيصلية (أهمها في منطقتنا "الربيع العربي" وثورة الشعوب ضد أنظمة الظلم والطغيان). وبالتالي، أمسى اليوم من المستعجل إحداث قطيعة جذرية مع مسلكيات التلاعب بالوقت وتمضيته هباء منثورا، وإلا ارتدت علينا عقارب ساعاته بعواقب وخيمة سيئة (كما حدث لنا فعلا طوال عقود مضت)."
وفيما يلي نص الرسالة المفتوحة التي حصل موقع "لكم" على نسخة منها:
رسالة مفتوحة
إلى رئيس الحكومة المقبلة
من بنسالم حِمِّيش
وزير الثقافة
من أهم المطالب الدستورية التي كانت تتقدم بها الأحزاب الوطنية منذ سنوات خلت – علاوة على استقلال القضاء وفصل السلط وتوازنها - هو تقوية سلطات الوزير الأول وتوسيع صلاحياته. وها إن الدستور المغربي الجديد (المصوت عليه شعبيا بأغلبية فائقة في يوم فاتح يوليوز 2011) يحقق ذلك المطلب في المادتين 91 و92، وكلتاهما ترفع وظيفة الوزير الأول إلى مقام رئيس الحكومة وتدستر تقوية وضعه الاعتباري ودوره القيادي. وهذا التشريف المقرون بتكليف غير مسبوق في تاريخ المغرب المستقل يستتبع وجوب تحلي ذلك الرئيس بفذوذية وألمعية متجليتين لديه أساسا في صفات وخصال محمودة : الرؤيا وبعد النظر، الكفاءة الراسخة العالية والنجاعة التدبيرية، الاقتدار التواصلي والاستقامة الخلقية، وأيضا - وبالتأكيد – الشجاعة والاقدام اللذان أوصى بهما جلالة الملك في خطاب الذكرى السادسة والثلاثين للمسيرة الخضراء المضفرة.
إلى ذلك الرئيس، المنتظر ظهوره من الحزب الذي سيحتل الرتبة الأولى في الانتخابات التشريعية المقبلة، أوجه هذه الرسالة المفتوحة.
السيد الرئيس،
إن جميع من يريدون الخير لوطننا العزيز سيعبرون لك عن متمنياتهم الحارة الصادقة بالنجاح والتوفيق لعمل حكومتك، الذي نترقب أن يكون هادفا دؤوبا، ولسياستها التي نريدها متوخية النتائج والعائدات الملموسة.
الحياة السياسية عندنا لا تقوم بنيويا – وليس ظرفيا – على الثنائية أو حتى الثلاثية القطبية (يمين، يسار، وسط)، لذا فالراجح أن حكومتك ستكون بالضرورة، هي أيضا، ائتلافية، نظرا لنمط الاقتراع الانتخابي والتعدد الحزبي المفرط ؛ لكن لكي يكون الائتلاف مستوفيا لشرطي التماسك والعمل الحكومي المنتج، الملقحين ضد خطر التعثرات وعدم الاستقرار، يجدر بك منذ البدء أن تتوفق في تشكيل حكومة من ضمن حلفائك الحزبيين (وربما أيضا من خارجهم)، حكومة قوية ذات أغلبية برلمانية منسجمة متضامنة، لا تشوبها شوائب المزاجية والتهاون. وعلاوة على ذلك، وحتى لا تضطر إلى ممارسة حقك المنصوص عليه دستوريا في إعفاء هذا الوزير أو ذاك وتعيين خلفه بعد استئذان جلالة الملك (كما في الفصل 47)، قد يكون من الأنسب – تجنبا للإرتجاجات والمطبات – أن تطلب من شركائك الحزبيين، قبل تكوين حكومتك وتوزيع الحقائب الوزارية، إيفاءك لكل حقيبة بمرشحين على الأقل من ذوي الكفاءات المثبوتة، والسير العلمية المعتبرة، والوضع الصحي والأخلاقي السليم. وقد يحق لك أن تذهب إلى طلب إشراك أسماء بعينها، يُشهد لها بالنبوغ والمروءة وحسن البذل والعطاء. نجاحك الرئاسي رهين بهذا الاشتراط ومرتبط به عضويا أيما ارتباط. مثلك كمثل قائد سفينة تمخر عباب بحر هائجٍ مائج، وعليه أن يتوفق في إيصالها إلى مرافئ الأمان، معولاً على علمه وأيضا على أداء ربابنته جميعا لمهامهم بحنكة وإتقان. ومعنى ذلك عمليا أن تحيط سياستك وعملك بوزراء لهم، كل في قطاعه الخاص، نفس المحاسن والميزات التي لك على الصعيد الحكومي العام، وأن يعمل هؤلاء مع أطر أكفاء أمناء، يرتاحون إليهم ويثقون بهم. وهذا ما يمكنك السهر على إنجازه بفضل المسطرة الميسرة التي يخولك إياها الدستور الجديد (كما في الفصل 92). وهذا النهج الجديد الذي قوامه وشعاره : دستور جديد، فاعلون جدد، يلزمك بالتحفظ بل بالممانعة على ترك قيادات الأحزاب المرشحة للائتلاف تفرض عليك أسماء تعب مشهدنا السياسي منها، لما أمضته من سنوات طوال في ولايات وزارية، يمكن بالحجة والدليل الكشف عن أنها، عدا تصريف الأعمال العادية، لم يُجد أداؤها نفعا مؤثرا ولم تصلح ما اعوّج وعضل في قطاعات ترأسوها ؛ كما أن ممانعتك المشروعة يحسن أن تطال أيضا عديمي الكفاءة وقليلي الخبرة والدربة و"الأبراتشيين" من أي حزب وصنف كانوا. إن موقفك ذاك لمن شأنه أن يقطع الطريق على زمر الانتهازيين والوصوليين – وما أكثرهم ! – وبالتالي أن يفرج عن ذوي الطاقات والمؤهلات التي يقصيها ويهمشها داخل أحزابها محترفو السياسة السياسوية والماهرون في تدبير أساليبها، من مناورة ومواربة ومخاتلة ولغة خشبية وحسابات ضيقة ومطامع ذاتية جامحة.
إن واجب إفساح المجال لنخب جديدة هو ما قصده وعناه جلالة الملك محمد السادس في خطاب ذكرى 20 غشت الأخير، وذلك في هتين الفقرتين النيرتين : «كما يجدر بها ]الأحزاب] أن تفسح المجال للطاقات الشابة والنسوية، بما يفرز نخبا مؤهلة، كفيلة بضخ دماء جديدة في الحياة السياسية والمؤسسات الدستورية] ...[ فشباب المغرب، الواعي والمسؤول، يوجد اليوم في صلب مشروع التحديث الدستوري من حقوق وواجبات وهيئات المواطنة الفاعلة، لتعزيز انخراطه في مختلف الإصلاحات الديمقراطية والأوراش التنموية».
الظرفية التاريخية اليوم، إقليميا وعالميا، صعبة عصية، وهي مغربيا كذلك قياسا إلى أي ظرفية عرفها مجتمعنا وحكوماتنا المتعاقبة منذ الاستقلال. فالحراك الشبابي والاجتماعي الذي يشهده المغرب منذ مطلع هذه السنة 2011، ولا يريد أي مواطن غيور أن يتحول إلى عراك، من الخطأ الاستخفاف به أو اعتباره سحابة أو موجة عابرة، بل إنه شفرة عمقية وفورة حتمية تمخضتا، ولو بعديا، عن سنوات الجمر ومعالجات أمنوية طال أمدها، ودارت في حلقات غير إنمائية ولامنتجة. ولذا نعتبر الخطاب الملكي في يوم 9 مارس حجرا أساسا لتوجه فيصلي جديد و واعد، يعبر مضمونه عن إرادة جلالة الملك الاستجابية لإرساء قواعد الإصلاح الشامل وتمتين انطلاقة المغرب نحو الدمقرطة النافعة والتنمية المطردة والعدالة الاجتماعية.
السيد الرئيس،
حكومتك تأتي في بدايات ذلك الحراك غير المسبوق، وليس من باب عدوى "الربيع العربي" ومحاكاته، بل بفعل الضائقات والمكبوتات المتراكمة، وسينزع مدُّه إلى الغليان والتأجج إذا لم تشرع حكومتك جديا، ولو تدريجيا، في تحقيق مطالبه التي يتصدرها الحق في الحياة الكريمة ومفتاحُها الحق في الشغل (كما ينص عليه الدستور الجديد في الفصلين 20 و30).
الإشكال الصعب، أو عصب المأساة في تلبية ذلك الحق لحملة الشهادات خصوصا، يكمن في أن هؤلاء هم إجمالا خريجو تعليم عمومي ضعف أداؤه منذ ثلاثة عقود ويزيد، وذلك بالرغم من أن الدولة ترصد له، كما يأتي ذكره، ميزانية ضخمة، فبات يمنح دبلومات تضاءلت عموما عبر السنين قيمتها في سوق التوظيف والشغل. وإن وضع جامعاتنا بكل تخصصاتها يشكل أبلغ تعبير تركيبي عن صعوبة تلك الحالة المستفحلة سنة بعد أخرى، ساهم في تكريسها وترسيخها وزارات متعاقبة وأطر التدريس المقصرون والمتهاونون، وأيضا الطلبة المستسهلون والانتهازيون. فأضحينا أمام معضلة صلبة النشأة، معقدة المفاصل والخيوط، متناسلة الآثار والعواقب : فلا القطاع الخاص يقبل توظيف أولئك المتخرجين (ولو كانوا دكاترة)، ولا هؤلاء يريدون العمل في هذا القطاع غير المأمون الجانب في نظرهم، ولا الوظيفة العمومية المكتظة تستطيع ماليا استيعاب أفواجهم المتكاثرة سنويا، ولا حملة الشهادات يبغون عن القطاع العمومي بديلا، لكونه عندهم الأضمن والأريح.
معضلة عصية، لنا ما يكفي من التقارير والدراسات لمعرفة مسبباتها ومواطن دائها واختلالاتها، وهي إن تفاقمت فستهدد المستقبل بالجدب والضمور، وتجعل مغرب الغد ومرافقه العمومية، لا سمح الله، بين أيادٍ قاصرة وسواعد منكسرة، فيحدث ذلك أكثر فأكثر نزوح أفواج من الكفاءات إلى البلدان الغربية أو استفراد القطاع الخاص بما يكفيه منها.
الاقتراحات العلاجية في الموضوع ذاته، التي ترد من هنا وهناك، داعية إلى مهننة التعليم بتوجيه التلاميذ غالبيا إلى معاهد التكوين المهني، إن هي إلا اقتراحات محدودة التأثير والجدوى، لكون البطالة تطال أيضا هذه المعاهد نفسها، ولأن الغاية المتوخاة من التعليم عبر كل أسلاكه هي أيضا – وبالأولى – خلق مجتمع العلم والمعرفة والبحث المعمق وتقوية البلاد بالأطر العليا ونخب التنمية الشاملة. ولهذه الغايات جميعها وإظهارا لأهميتها الحيوية المحورية رُصدت لذلك القطاع برسم قانون المالية 2011 ميزانية تمثل %29 من ميزانية الدولة العامة، أي 51 مليار درهم، تفوق حتى ميزانية الدفاع الوطني، هذا فضلا عن ميزانيات القطاعات الوزارية الأخرى.
وأما الكلام التهويني الذي نسمعه عادة عن عالمية ظاهرة البطالة فمردود عليه، لكونه يتغاضى عن تأمل الحلول العملية المطبقة والمبادرات الاستباقية والوقائية، وعن استلهام أنفعها وأنجعها، ولو في مرحلة تجريبية انتقالية. وحتى لا نعدد الأمثلة، لنكتف بمثال واحد قريب منا تاريخيا وعلائقيا. ففرنسا الجمهورية الخامسة أنشأت في 1958، بإيعاز من مؤسسها الرئيس شارل دي غول، نظام التأمين على البطالة، الذي تطور مع حكومة ميشل روكار في 1988 نحو خلق "الدخل الأدنى للإندماج" (RMI)، ثم حل محل هذا الأخير في 2009 "دخل التضامن الفاعل" (RSA). ومثل هذه الحلول، محاطةً باحتياطات واشتراطات، هي ما يتبدى اليوم الأنسب عندنا للأخذ والإعمال، وذلك بموازاة مع تعميق البرنامج الاستعجالي لوزارة التربية الوطنية والتعليم، وبالأخص الرفع من النصيب الاستثماري والجهد الإصلاحي لفائدة منظومة التعليم الأساسي (تحسين الرواتب والتعويضات والترقيات ؛ تشغيل آليات تنافسية لبروز مدارس أنموذجية ؛ تجميع الوحدات التعليمية في العالم القروي عبر شبكة طرقية ونقلية ميسرة ؛ إنشاء مقاصف ومطاعم من طرف الوزارة الوصية، مدعومة من المبادرة الوطنية للتنمية البشرية وأطراف أخرى، إلخ). وهذه الإجراءات الإصلاحية وغيرها في منظومة التعليم الأساسي هي الأدعى لتأهيله وتمكينه، في المديين المتوسط والأبعد، من إنعاش نظام التعليم كله وتجديد صلاته ومعابره وتمتينها مع سوق المقاولة والشغل والانفتاح على الحداثة والقيم والثقافة.
السيد الرئيس،
قضية التعليم ستفرض نفسها على حكومتك كقطب محوري وركن ركين، لكن جميع القضايا والملفات تظل متداخلة متعالقة، ولا يحسن النظر فيها إلا بنيويا وشموليا. ويبقى في حكم الممكن معالجتها حسب سلم أولويات وروزنامة دقيقة، جدية ووفية، وذلك بموجب سلطاتك الدستورية الموسعة والصفات المفترضة فيك – المذكورة أعلاه – علاوة على فضيلتي الشجاعة والجرأة، فتقول لا حيث يجب عليك ذلك عينا، وتسعى جاهدا مع فريقك إلى تفكيك وإزاحة ممارسات وعادات فاسدة، ما أضر بنظامنا السوسيو-اقتصادي سواها. ولنا أن نذكّر اختصارا ببعض الأمثلة على وجوه التداخل والتعالق بين الملفات والمشاريع المشار إليها أعلاه، كإصلاح منظومة التعليم بدءا من التعليم الأساسي، وكخلق صندوق التعويض عن بطالة حملة الشهادات وتمويله من صندوق التضامن الاجتماعي الموعود أو من صندوق مخصوص، وكالحسم في مشكل صناديق التقاعد على نحو يعيد الاعتبار ماديا ومعنويا إلى شرائح اجتماعية تتسع أعدادها في الوظيفة العمومية سنة بعد أخرى ؛ وكل ذلك وغيره يستتبع قطيعات ومحاربات، من أهمها :
1 - القطيعة مع سياسة ترك الحبال على الغوارب ودار لقمان على حالها (سياسة "سلّك")، إذ أن زمننا هذا هو زمن التنافسية الاقتصادية، والتكتلات الاتحادية والتعاونية، وتسارع الأحداث الجسام الفيصلية (أهمها في منطقتنا "الربيع العربي" وثورة الشعوب ضد أنظمة الظلم والطغيان). وبالتالي، أمسى اليوم من المستعجل إحداث قطيعة جذرية مع مسلكيات التلاعب بالوقت وتمضيته هباء منثورا، وإلا ارتدت علينا عقارب ساعاته بعواقب وخيمة سيئة (كما حدث لنا فعلا طوال عقود مضت). الحكامة الجيدة هي أيضا التدبير الجيد للزمن بالأجندة المحكمة، والبرمجة الحكيمة، والمواعيد المستجابة مع الانجازات المهيكلة الرافعة، التي تتأبى التسويفات والإبطاءات المخلة المعرقلة. فكما ورد في خطاب 20 غشت المذكور أعلاه : «فكل تباطؤ من شأنه رهن دينامية الثقة، وهدر ما يتيحه الإصلاح الجديد من فرص التنمية، وتوفير العيش الكريم لشعبنا الأبي ؛ فضلا عن كون كل تأخير يتنافى مع الطابع المؤقت للأحكام الانتقالية للدستور».
2 - محاربة التبذير وإهدار المال العام. وقد يلزم وضع مرصد لهذه الظاهرة السالبة من أجل تهوينها فاستئصالها. وهذا ما سيسهم في سن سياسة ترشيد نفقات الدولة وكل الميزانيات الوزارية والقطاعية، وبالتالي مغالبة العجز المالي العمومي البالغ 6 % في السنة الجارية (35 مليار درهم).
3 - اتخاذ كل الإجراءات العملية والوقائية ضد الثالوث السالب المقوض : الأمية، الفقر، الهشاشة، وكلها بؤر متلازمة تغذي في ما تغذيه إفساد الاستحقاقات الانتخابية، ويحط استشراؤها من قيمة الديمقراطية وفعاليتها، ويعرقل التنمية ويخرق معاهدة حقوق الإنسان ل 1948 وكل المواثيق الدولية والدينية.
4 - السعي الدؤوب إلى اجتثاث الفساد، الذي ظل عقودا طوالا عقبة كأداء أمام السلط التنفيذية، ومرضا خبيثا ينهش نسيجنا الاقتصادي والاجتماعي، وذلك بالرغم من مقتضيات زجرية أو وقائية ضد ضروب شتى من الفساد، كالرشوة والتلاعب بالصفقات العمومية وشراء الذمم، وغير ذلك. وسيكون على حكومتك مهمة لا محيد عنها، هي الزيادة في تقوية الترسانة القانونية والعدلية لتسريع تنفيد الأحكام القضائية وتفعيل المساطر والاتفاقيات المتعلقة بالحد من تفشي ظاهرة الفساد في اتجاه التخلص منها ؛ هذا علما بأن التحدي الأكبر الذي يجب رفعه هو مغالبة تلك الظاهرة طيَّ تخفيها ولامرئيتها، أي حين تصير الرشاوى من الحجم الكبير، وناتجة عن توافقات وتواطؤات بين فرقاء متنفذين، ما زالوا وطيدي الصلات باقتصاد الريع والاقطاع.
السيد الرئيس،
وضع المغرب اقتصاديا واجتماعيا ليس كما نرتضيه ونتمناه، مع أن حصيلة حكومة السيد عباس الفاسي قابلة لأن يُرتكز عليها ويُعوّل، لأنها إجمالا جيدة بالرغم من الظرفية العالمية الصعبة التي عاصرتها (الأزمات الاقتصادية المتكررة، منذ أزمة السوببرايم في 2008 بالولايات المتحدة، غلاء أسعار المحروقات والمواد الأولية، اختلالات بل جنون الأسواق المالية الغربية، تفاقم المديونيات والعجز المالي العمومي، ركود معدلات النمو، إلخ). لذلك سيكون عليك كما على كل عضو في حكومتك، انطلاقا من تلك الحصيلة، مضاعفة الجهود والاستعانة بالهيئات والمجالس العشرة المدسترة، وجعل المعرفة النيرة في خدمة ثقافة النتائج الجيدة، وذلك قصد النهوض أكثر بكل القطاعات المهيكلة الأساسية وهي، علاوة على الصحة والتنمية الاجتماعية والخدمات :
1 - قطاع التربية والتعليم، وذلك، كما سبقت الإشارة، عبر إصلاحه جذريا وتقوية نسيجه وتحسين مردوديته العلمية والتشغيلية...
2 - قطاع الثقافة الذي، ككل منظومة حية، يعرف في البلدان المتقدمة تطورات وطفرات نوعية في الوضع والوظائف، إذ أنه أمسى أكثر فأكثر حقلا للاستثمار في التنمية البشرية وقطاعا للإسهام في خلق مناصب الشغل والتقدم الاقتصادي والاجتماعي، وبالتالي فقد ولّى زمن اعتبار الثقافة نشاطا ثالثيا غير منتج أو ترفا لتزجية فترات الفراغ و«قتل الوقت». وعلى وزير الثقافة المقبل أن يستجيب لهذه التحولات ويضطلع بمهامها، ولو كرهت لوبيات الريع والابتزاز والسمسرة.
3 - قطاع الاقتصاد والمالية، وهو بالطبع والضرورة الناظم الأفقي المحتاج دوما إلى تأهيله وتمنيعه بنسبة نمو دالة، تحاذي % 6 على الأقل (من دون احتساب عائدات الفلاحة غير القابلة للتوقع)، كما أوصت بذلك منظمات مالية عالمية كصندوق النقد الدولي (تقرير يوليوز 2011)، وهي النسبة التي إذا ما تحققت ونمت، فمن شأنها أن تنعش سوق العمل وتخفف من وطأة البطالة البالغة، حسب تقرير بنك المغرب (2010)، «نسبة شبه مستقرة في 1،9 %، بحيث سجلت 7،13 % في المناطق الحضرية و9، %3في المناطق القروية»، ناهيك عن كون البطالة في الحواضر تمس بشكل مقلق الشباب وحملة الشهادات (كما فاتت الإشارة) ؛ هذا في حين أن مشروع قانون ميزانية 2012 لا يتوقع برسم هذه السنة سوى 8،4 أو 5 % كنسبة للنمو السنوي للناتج الداخلي الخام، وقد تقل إذا بلغ سعر برميل النفط 108 دولارا، كما توقعته مؤخرا المندوبية السامية للتخطيط. وعلى أي حال - وللتذكير فقط - فإن هذه النسبة، حسب تقرير البنك الدولي (1996): «بلغت طوال الست سنوات الأخيرة ]السابقة على هذا التاريخ3 [،4 % في المعدل، ويلزم أن يصل سريعا إلى %7 لإرجاع البطالة إلى حدود متحملة». لكن – وهذا ما يلزم تذكّره دوما - يجب التأكيد على أنه حتى لو تحققت هذه النسبة، بل تضاعفت تقريبا كما في 1994 و1996، فلن يكون لها أي وقع دال إذا لم تؤثر إيجابا على المؤشرات السوسيو-اقتصادية الحيوية : التحكم في نسبة النمو الديمغرافي، انخفاض البطالة، تقليص الفوارق الاجتماعية والجهوية، التخفيف من عبء المديونية الخارجية التي تبلغ اليوم حوالي 12 مليار دولار و% 3 لفوائدها. وكتذكير تاريخي نافع يحسن أخذه في الحسبان، اعترفت الأمم المتحدة نفسها في تقريرها عن سبعينيات إقتصاد العالم الثالث بأن «النمو الخاضع لأحادية الاقتصاد المتري والمردودية ليس تنمية». ولهذا السبب ما كان للنمو القياسي لسنة 1994 (%12) أن يدوم ويؤثر إيجابا، سيما وأن ارتفاع نسبته مدين لفصل زراعي جيد معطاء.
السيد الرئيس،
وزيرك في الاقتصاد والمالية، الذي ستختاره، ولا شك، من صفوة الصفوة خبرةً وبعدَ نظر ونزوعا إنسانيا - ويحسن أن يعمل إلى جانبه موظف سام في الميزانية بدرجة كاتب الدولة – وزيرك هذا قد يكون كينزي التوجه (نسبةً إلى جون كينز J. Keynes)، يرى أن التقدم الاقتصادي يتأتى بخفض نسب الفائدة وسن سياسة الأوراش الكبرى والاستثمارات المجدية وترشيد نفقات الدولة، سياسة تتوخى إنعاش الاستهلاك وبالتالي الإنتاج وسوق الشغل، أي اجتناب الركود والبطالة، ولو بتحمل نسبة ما من التضخم (وهي كذلك عندنا برسم 2011، أي 5،%1). ذلك أن سؤال الأسئلة الذي يُرجى أن لا يقصر وزيرك المذكور وخبراؤه في طرحه وإيلائه الصدارة ليس نسبة النمو كرقم أو مؤشر مكتف بذاته بل إنه، كما ذهب اقتصاديان (حاصلان على جائزة نوبل) أمرتييا سين وجوزيف ستيكليتز : كيف هي حال الناس ؟ لذلك أحسنَ برنامج الأمم المتحدة للتنمية (PNUD) صنعا حين تبنى التنمية البشرية مؤشرا أساسيا لتقييم أي سياسة اقتصادية والحكم لها أو عليها من حيث درجة تمكين الناس من ممارسة حقوقهم في الصحة والسكن اللائق والخدمات والتعليم والثقافة، وجعل حياتهم ذات يسر و جودة ومعنى. وذلك ما يؤكد عليه تقرير سين- ستيكليتز- فيتوسي (2009) كمعايير جديدة للإقتصاد الحي، تفوق نوعيةً ودلالة معياريْ نسبة النمو والناتج الداخلي الخام. (وقد صنف ذلك البرنامج الأممي المغرب مؤخرا في المرتبة 130، مع أن من الممكن انتقاد بعض وجوه موضوعيته...).
وكخلاصة لما سبق، لا أجد أبلغ ولا أوفى مما ورد في فقرة لمدير بنك المغرب السيد عبد اللطيف الجواهري، وهي : « وبالنظر للظرفية الداخلية والخارجية الراهنة، فإن الإسراع في تنفيذ التدابير الرامية لملاءمة نظام التربية والتكوين مع الحاجيات، ومواصلة نهج سياسة جريئة في مجال البحث والتطوير، وضمان فعالية العدالة والإدارة العمومية، وتحسين مناخ الأعمال، وإضفاء المرونة على سوق الشغل بالإضافة إلى تعزيز محاربة الفساد، كل ذلك قد أصبح أكثر إلحاحا».
السيد الرئيس،
مواضيع أخرى شتى متشعبة لا يتسع لها حيز هذه الرسالة، لذا أختم حديثي بصوغ بعضها لماما في ثلاثة أسئلة لا غير :
1- ستجد حكومتك أمامها ملفات ساخنة أخرى عديدة، منها مثلا كتلة الأجور البالغة 96 مليار درهم، ضمنها كلفة الحوار الاجتماعي (13،5 مليار درهم)؛ ومنها صندوق المقاصة، الذي يثقل كاهل ميزانية الدولة بل يرهقها بغلاف قدره 46 مليار درهم، سيما وأن سوق المواد الاستهلاكية الأولى (السكر والطحين وغاز البوطان والغزوال) غير مستقرة بل آيلة أسعاره إلى الارتفاع. فهل ستعمل حكومتك بوصية الاتحاد العام لمقاولات المغرب على لسان رئيسه السيد محمد حوراني، وهي دمجه في المبادرة الوطنية للتنمية البشرية؟ أم أن حكومتك ستفضل على هذا الخيار وصية تقرير بنك المغرب الأخير، وهي تحديد وظيفة ذلك الصندوق في استهداف الفئات الاجتماعية المعوزة حصريا، أي بإعمال نظام بطاقات التزود بأثمنة مخفضة، كما الحال في تعاونيات الخدمات الاجتماعية مثلا، أو "بتخيل آلية" أخرى (كما وعد بذلك الوزير السيد مزوار في حواره مع L'Economiste (19-08-2011) ؟
2- هناك موضوع يعتبره عدد من مدبري شؤون الاقتصاد والمال موضوعا شبه محرم (طابو)، هو ما تسميه الدولة الفرنسية الضريبة على الثروة (ISF)، السائلة منها والعقارية وعلى المواريث، وهي ضريبة قائمة على قاعدة أن من يتربح ويملك كثيرا، عليه أن يسهم في مداخيل الخزينة العامة على النحو المستحق والأنسب. فهل ستكون لحكومتك جرأة طرح هذا الموضوع على بساط البحث والتشريع، أو على الأقل تفعيل الضرائب المنصوص عليها أصلا، آخذة بمبدأ العدالة الضريبية وغير مفزوعة أو متأثرة بمحاذير المهولين من مخاطر تعاظم التملصات الجبائية وتهريب الرساميل إلى الأبناك الحرة ومناطق "الأوفشورينغ" الآمنة؟
3- في مجال الصحافة، علاقات بعض اليوميات والأسبوعيات كانت سيئة مع حكومات سابقة، وساءت أكثر مع الحكومة المنصرفة، وذلك من باب ممارسة تلك الصحافة لشتى صنوف القذف والتشهير والمس بكرامة وزراء وبأعراضهم أحيانا، فهل ستقدم حكومتك، السيد الرئيس، على تفعيل قانون الصحافة وأيضا المجلس الوطني للصحافة، الذي من مهامه الأساسية صيانة هذه السلطة الرابعة عن العبث والتضليل، وتخليق معاملاتها مع مختلف الفاعلين في السلط الأخرى، انطلاقا من مبدأ أن للإعلاميين الحق في التزود بالمعلومات والأخبار من مصادرها الموثوقة، ولهم في قراءتها وتأويلها الحرية المقرونة بحس المروءة والمسؤولية ؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.