رغم اعتذار بعض المثقفين والكتاب المصريين عن المشاركة في فعاليات الدورة 17 من المعرض الدولي للنشر والكتاب بالبيضاء، نظرا للظروف التي تئن تحت وطأتها أرض الكنانة، فدور النشر والمؤلفات المصرية ستؤثث أروقة المعرض، بل إن الكتب التي ستعرض قد وصلت إلى البيضاء. هذا ما أكده وزير الثقافة، بنسالم حميش، خلال ندوة صحفية عقدها بالعاصمة الاقتصادية، مساء الجمعة الماضي، لتسليط الأضواء على دورة المعرض التي ستنعقد من 11 إلى 20 فبراير الجاري تحت شعار رئيس هو: «القراءة الهادفة لبناء مجتمع المعرفة»، والتي ستكون إيطاليا ضيفها الشرفي بعد أن احتفى المعرض بمغاربة العالم في الدورة السالفة. قرار الاحتفال ببلد صاحب «الكوميديا الإلهية»، دانتي ، تم، يشرح الوزير، بفعل «رمزية هذا القطر وأنموذجيته في عالم التراث المادي وغير المادي وعطاءاته المتألقة المبدعة منذ عصر النهضة حتى زماننا الحاضر». سفير روما لدى الرباط، الذي حضر الندوة الصحفية إلى جانب بنسالم حميش واضطرته التزاماته إلى مغادرتها قبل اختتامها، بدا مبتهجا من هذا الاختيار، خاصة وهو يتزامن مع إحياء الذكرى 150 لميلاد إيطاليا كدولة موحدة. كميا، ستشهد الدورة هذه «توسعا دالا سواء من حيث عدد الناشرين والعارضين الذي ارتفع إلى 724، أو عدد البلدان المشاركة الذي بلغ 40، أو من حيث المساحة الإجمالية للمعرض التي تم رفعها إلى23 ألف و800 متر مربع خصص منها 11 ألف متر مربع لأروقة الكتب. (...) وذلك لاستيعاب طلبات المشاركة الواردة على الوزارة من داخل المغرب وخارجه». هذا وسيشارك مبدئيا في ندوات المعرض ومحاضراته وقراءاته ما لا يقل عن 230 مدعوا من المغرب وبلدان عربية وإفريقية وأوربية. وكما جرت العادة منذ سنوات، فقد توخت الوزارة، وهي تسطر البرنامج الثقافي العام للمعرض، ربط صلة مباشرة بين الجمهور العريض والعديد من الأسماء الفكرية والإبداعية، المغربية والعربية والدولية. ولذا، سيفتتح فعاليات الدورة الفيلسوف وعالم الاجتماع الفرنسي إدغار موران بلقاء ستحتضنه قاعة محمد عابد الجابري يوم الجمعة 11 فبراير ابتداء من الساعة الرابعة زوالا، علما أن فرنسيا آخر هو دومينيك دوفيلبان، الوزير الأول السابق، كان قد افتتح الدورة السالفة للمعرض بمحاضرة في موضوع «الثقافة من أجل الحياة في عالم اليوم». موران، البالغ من العمر 89 سنة والذي صدر له مؤخرا كتاب سجل رقم مبيعات قياسي: «السبيل»، سيلتقيه رواد المعرض مجددا يوم الاثنين 14 فبراير عبر مشاركته في ندوة «العالم المعاصر والحاجة إلى الفلسفة»، وهي الندوة التي سيتدخل خلالها أيضا جون فيراري وبنسالم حميش. وقبل ذلك، أي يوم الأحد 13 فبراير، سيساهم صاحب «الفكر والمستقبل» و»ثقافة أوروبا وبربريتها» (اللذين صدرت ترجمتهما العربية عن دار توبقال المغربية)، سيساهم في ندوة «العولمة محط سؤال» إلى جانب ميشيل مافيزولي، عالم الاجتماع الفرنسي المتخصص في مقاربة اليومي والصورة والأسلوب في الحياة الاجتماعية. فريدريك ميتران، وزير الثقافة الفرنسي الحالي وأحد رموز المحسوبين على اليسار الذين استقطبهم الرئيس اليميني نيكولا ساركوزي إلى خندقه إعمالا لسياسة «الانفتاح» التي سنها لخلق المزيد من التشرذم في صفوف يسار الجمهورية الخامسة، فريديريك ميتران اسم وازن آخر سينصت إليه زوار المعرض، يوم السبت 12 فبراير، حين سيتساءل، رفقة نظيره المغربي بنسالم حميش،»حول الثقافة». وإذا ما استثنينا الأسماء المغربية التي ستكون مشاركة طوال مدة الدورة، فثمة وجوه عديدة ومتنوعة سيمنح المعرض لزواره فرصة اللقاء بها والإنصات لمقاربتها حول تيمات بعينها، أو الإنصات لجديد إبداعها. هكذا، وحسب البرنامج الرسمي للدورة، وبغض النظر على الحضور المغربي، فإنه من المنتظر أن يشارك ضمن فعاليات المعرض، على سبيل المثال لا الحصر، كل من عبد الوهاب مؤدب، كاظم جهاد، عبد الكريم كاصد، واسيني الأعرج، صمويل شمعون، سلوى النعيمي، هاني نقشبندي، الحبيب السالمي، رثيد بوجدرة، صلاح فضل... هذا التعدد في الوجوه التي ستحضر الدورة، يسنده تعدد في المجالات التي ستتم مقاربتها بالإضافة إلى المجال الأدبي المحض بشتى تعبيراته. هكذا، ستعرف قاعات الندوات الكبرى لقاءات ستسائل الثقافة كخالقة لفرص الشغل، التصوف، فكر ألان غريش، إيطاليا بعيون مغربية، العلاقات المغربية الإسبانية، القرائية الأمازيغية وبناء مجتمع المعرفة، موسوعة المقاومة المغربية، السياسات الثقافية في مجموعة من الدول، القمة الثقافية العربية، الاتحاد المتوسطي، العلاقة بين الكاتب والناشر، المعارض العربية للكتاب، الثقافة والاقتصاد والتكنولوجيا الحديثة، نشر وتوزيع الكتاب الجامعي، النشر عربيا بصيغة المؤنث، المثقفون والإعلام، السياحة الثقافية، مبادئ ومرتكزات أهداف الجهوية الموسعة، الإسلام في أوربا، اتحاد المغرب العربي، الدبلوماسية الثقافية، تجديد الفكر الديني، وضع اللغة العربية، حياة يهود مراكش، النهوض بثقافة حقوق الإنسان، الأدب الحساني، تحالف الحضارات وثقافة السلم، صورة المغرب في الكتابات الإسبانية، كتابة تاريخ الزمن الراهن، خطاب الأزمة، العولمة... المعرض سيتحول، من جهة أخرى إلى رحم للوفاء والذاكرة. وفي هذا السياق، ستحمل قاعاته الكبرى أسماء رموز ثقافية غادرتنا خلال العام الماضي (محمد عابد الجابري، محمد أركون، إدمون عمران المليح وأحمد عبد السلام البقالي)، مثلما ستحتضن الدورة قراءات في ذاكرة الثلاثة الأوائل. وسيكرم المعرض كذلك كل من الشاعر المغربي الكبير والمتألق محمد بنطلحة والمسرحي عبد الكريم برشيد. وإضافة إلى الفضاء المخصص لأدب الطفل وكتبه، سيحتضن المعرض المباراة الثانية للاستظهار والإلقاء. إيطاليا_، سيحتضن رواق ضيف الشرف وقاعات المعرض الكبرى أنشطة متنوعة منها أساسا: - ندوة الكاتب والسلطان المتمحورة حول كتابات دو أميسيس عن رحلته للمغرب في عهد الحسن الأول، وهو الكتاب الذي يلاحظ عدم إنجاز ترجمته العربية بمناسبة الدورة، - إيطاليا المتحركة، - فديريكو الثاني والبصمة العربية في المعمار الجنوب الإيطالي. أجل، ستحل إيطاليا إذن ضيف شرف على الدورة 17 من المعرض الدولي للنشر والكتاب بالبيضاء، لكن أحد أكبر كتابها المعاصرين، أمبرتو إيكو، ليس مدعوا رغم المكانة التي يحتلها عالميا وعربيا ومغربيا. مثلما لا يتضمن برنامج الدورة مساءلة للأحداث والتحولات الجارية الآن في الساحة العربية، خاصة في تونس ومصر، لكن مناقشة هذه الأحداث ستتسلل، بدون شك، إلى بعض الجلسات المخصصة للوضع الثقافي عربيا.