حصلنا أمس (يقصد الأربعاء) على وجه القيادة العسكرية المصرية الحقيقي، ذاك الذي تتطلع إليه في أمل جميع المجتمعات الديمقراطية في العالم. إنه وجه تعب، بلا رؤية، وجه مشير شيخ وقع من نصيبه أن يقود شعبه في أشد اللحظات الحاسمة في تاريخه الحديث، لكنه غير قادر وغير عالم كيف يفعل هذا. إنهم، أي المشير طنطاوي والجنرالات الخاضعين له، مصابون بنوع من الشلل وبعجز سياسي مخيب للآمال. إنهم الأشخاص الذين سيُنحيهم الإخوان المسلمون في الشارع المصري في أول فرصة عن الحكم. وإذا كان ما يزال يوجد في إسرائيل أو في الولاياتالمتحدة أو في كل مجتمع ديمقراطي آخر شخص يؤمن بأن الجماعة العسكرية في مصر ستأتي المنطقة بالخلاص فهو يحلم. إذا كانوا في إسرائيل خائبي الآمال من تحليل التهديد والبرنامج الزمني الذي تعرضه الإدارة الأمريكية بشأن التهديد الإيراني، فكيف تكون الحال مع مصر؟ يجب علينا أن نكون أكثر قلقا وشكا في تقديرات أصدقائنا لما يجري في أرض النيل. إنهم، في الحقيقة، يحلمون أحلام يقظة. إلى أمس (يقصد الأربعاء) كانت ما تزال توجد توقعات من خطبة الطنطاوي. لم يعتد هذا الرجل الظهور على الملأ وأن يخطب خطبا حاسمة تحمل البشرى. وإلى اليوم (يقصد الخميس) كان يرسل متحدثين عسكريين ليؤدوا العمل. وأمس (يقصد الأربعاء) خرج هو نفسه إلى الجمهور وكان مقدار خيبة الأمل كمقدار التوقع، فمثل خطبة مبارك حقا بعد نشوب الثورة في يناير: كانت قليلة جدا ومتأخرة جدا، لم تكن أية بشرى ولم يكن أي أمل، وما قاله يمكن فقط أن يؤجج الشارع أكثر وأن يُقصر مدة حكم الجماعة العسكرية. وعد الطنطاوي بإنشاء حكومة جديدة وعلى رأسها مختص، وكأن الحكومة المصرية التي استقالت لم تكن حكومة يرأسها مختص. وتحدث عن انتخابات رئاسية بعد ثمانية أشهر. ويوجد هنا في ظاهر الأمر تنازل منه، فهو مستعد لتقديم موعد انتخابات الرئاسة من أجل غير مسمى في 2013 إلى يونيو 2012، لكن هذا خطأ بصري، فالأشهر الثمانية تُعد دهرا طويلا عند الجمهور الغاضب في ميدان التحرير الذي يريد ديمقراطية على عجل.. إنهم يريدون الجيش في الخارج، والآن. وحينما يعد الطنطاوي أيضا بأن الجيش لا يريد الحكم وأنه يأمل فقط أن ينقله إلى أيد مدنية فإنهم لا يصدقونه. إن الوحيدين المستعدين لتبني الصفقة التي تم التوقيع عليها أمس (يقصد الأربعاء) بين الجماعة العسكرية والأحزاب الإسلامية والتي تتحدث عن موعد متفق عليه للانتخابات الرئاسية، وعن تعويض عائلات المصابين وخفض مستوى العنف هم قادة حزب «الحرية والعدالة»، وهو الحزب الكبير للإخوان المسلمين. إن هدوءا تكتيكيا في هذا الوقت سيُمكنهم من دخول انتخابات مجلس الشعب يوم الاثنين القريب في جو هادئ وحصد أكثر المقاعد؛ وتأجيل انتخابات مجلس الشعب إلى أجل غير مسمى بسبب أحداث الشغب في الشوارع سيكون بالنسبة إليهم عُطلا شديدا جدا. ما يزال الشارع لم يتبنَّ دعوتهم إلى الهدوء؛ لكن حتى إذا هدأت شوارع القاهرة إلى يوم الاثنين القريب فسيكون هذا بفضل الضغط الذي سيستعملونه على مؤيديهم لا بفضل الجيش. طلب الطنطاوي، الذي احتفل في الواحد والثلاثين من أكتوبر بيوم ميلاده السادس والسبعين، إلى الرئيس مبارك قبل سنتين أن يخرج للتقاعد؛ وقد كان متعبا آنذاك، وضاق ذرعا لأنه كان وزير الدفاع مدة عشرين سنة.. لم تكن له مطامح سياسية قط، وليس هو من طراز أنور السادات الذي كان جنرالا عاد إلى النماء حينما بلغ القيادة السياسية؛ ومأساته الشخصية الكبرى أن ليست له أية خطة هرب.. ليست له الآن أية خطة تنحٍ تُمكنه من الخروج بسلام وألا ينهي حياته المهنية الطويلة كما أنهاها مبارك. لا يفهم الطنطاوي ولا جنرالاته في السياسة، فالرئيس مبارك لم يدعهم يمسون السياسة، وأصبحوا فجأة يُصرفون أمور دولة، فلا عجب أنهم لا يفهمون الشارع ولا يعملون مثل إدارة شرعية تفرض سلطتها. إن ما يهم الجماعة العسكرية ثلاث مصالح مركزية: المصلحة القومية في الحفاظ على المساعدة الأمريكية للجيش، والامتناع عن مواجهة عسكرية مع إسرائيل، وفي الصعيد الاقتصادي: مصلحة الجيش ألا يمسو بميزانيته وألا يتدخل المدنيون بمشروعاته الاقتصادية، والمصلحة الشخصية هي أن يكون العسكريون منيعين في وجه جهاز القضاء المدني.. قد تكون الجماعة العسكرية مستعدة للنضال عن هذه المصالح. إن الصراع على صورة مصر في بداية الطريق فقط. وقد خسرت الجماعة العسكرية النقاط في الجولة الأولى. والأمل في إسرائيل ألا يسقطوا بالضربة القاضية في الجولة التالية. إن مأساة مصر أخذت تزداد عمقا. ويبدو أنه لا توجد هناك أية جهة لها قاعدة جماهيرية واسعة وخبرة في الحكم كافية لتصريف أمور 88 مليون شخص، مع اقتصاد محطم وفوضى تنتشر إلى جميع أنحاء الدولة. عن «يديعوت»