عاشت طنجة أجواء مفاجأة انتخابية حين استطاع حزب العدالة والتنمية، الإسلامي المعتدل، الفوز بثلاثة مقاعد انتخابية من بين خمسة مقاعد مخصصة للدائرة الانتخابية طنجة أصيلة. وحقق حزب العدالة والتنمية تقدما كاسحا على صعيد الدائرتين الانتخابيتين لمدينة طنجة، بحصوله على 4 مقاعد من أصل 7، حيث فاز بمقعد رابع في دائرة عمالة فحص أنجرة بجهة طنجة تطوان. وبتمكن حزب «المصباح» من تحقيق مراده بالدائرة الانتخابية طنجة أصيلة، حيث تمكن من حصد 3 مقاعد عوض اثنين خلال الاستحقاقين البرلمانيين السابقين، يكون هذا الحزب قد خلق سابقة على مستوى مدينة البوغاز، فإلى جانب النائبين البرلمانيين محمد نجيب بوليف وعبد اللطيف بروحو، وصل إلى البرلمان أيضا عبر لائحة «المصباح» محمد الدياز، الرئيس السابق لجماعة حد الغربية، وسعاد بولعيش في دائرة فحص أنجرة. وعلى الرغم من أن طنجة شهدت واحدة من أكثر مستويات المقاطعة على المستوى الوطني، فإن ذلك لم يمنع «العدالة والتنمية» من الفوز بما يقارب نصف الأصوات المعبر عنها. وتُعرف طنجة بكونها أكبر قلاع حركة 20 فبراير، والتي نظمت مؤخرا مظاهرات حاشدة دعت إلى مقاطعة الانتخابات البرلمانية على اعتبار أنها «مسرحية هزلية» و»تكريس للفساد». وتمكن عمدة المدينة فؤاد العماري، عن حزب الأصالة والمعاصرة، من ولوج قبة البرلمان لأول مرة في تاريخه السياسي، وهو مطمح عزيز عليه على اعتبار أن منصب العمودية لن يدوم له أكثر من بضعة أشهر مقبلة، أي فقط في انتظار إجراء انتخابات جماعية سابقة لأوانها، وفق ما هو متوقع. وكانت مصادر مطلعة قد أشارت من قبل إلى دعم قوي تلقاه فؤاد العماري من شقيقه النافذ إلياس العماري، الذي قدم إلى طنجة لحشد الدعم له عبر لقائه بعدد من «الأعيان والنافذين» بالمدينة. من جانبها تمكنت وكيلة لائحة التجمع الوطني للأحرار، سعيدة شاكر، من ضمان مقعد برلماني، وهي التي حظيت بدعم كبير من قريبها، البرلماني السابق محمد بوهريز، وهو المنسق الجهوي للحزب بجهة طنجة تطوان. وفي تعليقه على هذه النتيجة، قال النائب البرلماني عن العدالة والتنمية بطنجة، عبد اللطيف بروحو، إن حزبه استفاد مما وصفها «نسبة المشاركة الوازنة» بمدينة طنجة، الذي قال إنها تجاوزت 40 في المائة، مبديا تنويه حزبه بهذه النسبة وتفاجؤه «الإيجابي» منها. وكانت أرقام رسمية أشارت إلى أن طنجة، وإلى حدود ظهر الجمعة، عرفت نسب قياسية في مقاطعة الانتخابات، بحيث لم يتعد عدد المصوتين 8 في المائة، غير أنه لوحظ أن نسبة المشاركة ارتفعت بشكل ملحوظ مساء يوم الاقتراع. وأشار بروحو إلى أن «الربيع العربي» كان له تأثير مباشر على العملية الانتخابية التي صبت في مصلحة «المصباح»، معتبرا أن صعود ثلاثة مرشحين من لائحة الحزب بطنجة يمثل «تجديدا للثقة» في العدالة والتنمية، معتبرا ذلك «رسالة واضحة لرموز الفساد في المدينة». وأضاف بروحو أن السير العام للعملية الانتخابية كان في عمومه عاديا، مع تسجيل استعمال «غير مسبوق للمال» في بعض المناطق، ومحاولة بعض أعوان السلطة التأثير في المصوتين، إلى جانب ما وصفه «تعسفات» صادرة من بعض رؤساء المكاتب ضد مراقبي حزب «المصباح»، لكنه قال إن تلك كانت ممارسات فردية، واعتبر أن السلطة ظلت على الحياد بطنجة. وكانت مصادر متطابقة أشارت إلى أنه تم إنزال كبير للمال من طرف عدد من المرشحين المعروفين بشراء الأصوات، وأن عددا من هؤلاء المرشحين لقوا هزيمة مروعة رغم الأموال الضخمة التي خصصوها لحملتهم الانتخابية. وشهدت هذه الدائرة سقوطا «مدويا» ل3 برلمانيين اعتادوا ولوج مجلس النواب، ويتعلق الأمر بأقدم برمانيين بالمدينة، عبد الرحمان أربعين، الذي اعتاد ولوج البرلمان منذ سنوات الثمانينيات، والذي غير ثوبه السياسي مؤخرا من حزب «الأحرار» إلى الحركة الشعبية، عندما رفض حزب «الحمامة» منحه تزكية وكالة اللائحة. كما فشل وكيل لائحة الاتحاد الدستوري، محمد الزموري، في الحفاظ على مقعده البرلماني لولاية رابعة، وهو المتهم بالتورط في ملفات «فساد عقارية»، والذي أصر حزبه على منحه التزكية رغم رفض أبرز أعضائه بمدينة طنجة، ومن بينهم رئيس مقاطعة طنجة المدينة الذي استقال لهذا السبب. ولم تشفع الحملة الانتخابية الواسعة للزموري في حصد مقعد برلماني، حيث ذكرت بعض المصادر أنه صرف مبالغ مالية كبيرة، واتهمته عدد من الجهات بتوزيع مئات عشرات الأكباش خلال عيد الأضحى من أجل الظفر بأصوات المعوزين. كما سجلت هذه الاستحقاقات سقوط مرشح حزب الاستقلال محمد الحمامي، رئيس مقاطعة بني مكادة، الذي استقال مؤخرا من حزب «الأصالة والمعاصرة» بعد رفض منحه التزكية كوكيل للائحة، وهو ما استجاب له حزب الاستقلال الذي اعتقد أن الحمامي يستطيع «ضمان» مقعد برلماني بسهولة، نظرا لما تردد عن شعبيته الكبيرة بمنطقة بني مكادة. وعلق مراقبون على سقوط هذه الأسماء، بأن «التصويت العقابي» كان سببا رئيسيا لهذه النتيجة. وعلى مستوى الدائرة الانتخابية الفحص أنجرة، ذات المقعدين البرلمانيين، تمكنت وكيلة لائحة العدالة والتنمية، سعاد بولعيش، من تصدر النتائج ضامنة مقعدا برلمانيا لحزبها، تلاها عبد الواحد الشاط، من حزب التجمع الوطني للأحرار، في الوقت الذي سجلت فيه مفاجأة «من العيار الثقيل» بسقوط لائحتي «الأصالة والمعاصرة» و»الاستقلال»، اللتين كانت التوقعات تشير إلى أنهما الأوفر حظا بهذه المنطقة القروية. وعلى مستوى عدد الأصوات، سجل حزب العدالة والتنمية تقدما بفارق كبير عن باقي المنافسين، حيث حصد 43 ألف صوت بدائرة طنجة أصيلة، بنسبة تجاوزت 50 في المائة. من ناحية أخرى، سُجلت مجموعة من الملاحظات، حيث ظل مجموعة من داعمي المرشحين يقودون الحملة الانتخابية يوم الاقتراع، إذ إن عددا منهم عمدوا إلى طرق أبواب المنازل بالأحياء الشعبية طالبين من ساكنيها دعم مرشحيهم، حسب ما أكده مجموعة من شهود عيان، بينما لوحظ أن عدد المصوتين الشباب كان أقل من نظرائهم المتقدمين في السن. في حين صنع جانبا من الحدث «المعتقل السلفي» السابق محمد الفزازي، الذي كان من أكبر دعاة المقاطعة سابقا والمحرمين للعملية الديمقراطية عموما، حيث أدلى بصوته لأول مرة في حياته، ويُعتقد أنه صوت لصالح حزب «العدالة والتنمية»، على اعتبار العلاقة الجيدة التي تجمعه بقياديي هذا الحزب.