في الوقت الذي يكاد يتفق كثير من الفنانين والنقاد على قلتهم والمهتمين باللوحات الفنية على ازدهار الحقل على مستوى إنتاج اللوحة التشكيلية بالمغرب، من حيث بروز عدد من الأسماء الفنية وتعدد أساليبها، يشير هؤلاء ومن ضمنهم الفنانون إلى ضبابية تسويق اللوحة وغياب قوانين ضابطة وواضحة تعطي لكل ذي حق حقه وعلى رأس هؤلاء طبعا الفنان الذي يعد الخاسر الأكبر.
يذهب الكثير من المتتبعين لتجارة اللوحة إلى القول بأن ميزان تسويق اللوحة التشكيلية بالمغرب مختل وغير عادل بين أطرافه الفاعلة. وهذا ما يردده أيضا المشتغلون في دنيا التشكيل، الذين يعدون المصدر الأول ضمن السلسلة الإبداعية، التي تمد سوق التشكيل ب«السلع». وإذا كان الفنان هو الوقود الذي لا يمكن أن تنطلق السيارة بدونه، فإنه يصرخ بأنه لا يجني من وراء عمله المضني سوى فتات لا يغني ولا يسمن من جوع، في حين أن أصحاب القاعات والمروجين يستحوذون على حصص الأسد. وهذا ما اتفق عليه كافة من استقصت «المساء» آراءهم حول هذه السوق، التي يعلو فيها غبار كثير. وعلى ذلك يرون أنه لابد من لجم شره «رجال الظل» الذين يبيعون ويشترون في اللوحة في المغرب وسن تعاقدات أخلاقية وقانونية واضحة تضبط عملية البيع والشراء، خاصة أن أغلبية القاعات التي يتم فيها العرض توجد تحت ملكية خاصة لأشخاص هم في الغالب لا علاقة لهم بالفن لا من قريب ولا من بعيد، إذ محركهم الأول والأخير ليس إلا ما تضخه اللوحات من مال في أرصدتهم. وفي هذا الإطار يسوق أحد الفنانين، فضل عدم ذكر اسمه، مثال صاحب قاعة باعها بما يفوق المليار بعدما طبقت شهرتها الآفاق بفضل عرق جبين الفنانين . وعلى ذلك، فإن هذا الفنان دعا إلى ضرورة تنظيم هذه السوق، فليس من المعقول أن يبقى المجمعون وأصحاب القاعات يعيشون على ظهور الفنانين، في حين لا يجني الفنان سوى المرض.
وعمن هم المقتنون للوحة في المغرب، يقول الفنان التشكيلي عبد السلام القباج إن الزبون الأجنبي يأتي في المقام الأول، ثم بعد ذلك تأتي الأسرة الميسورة. ويضيف بأنه «بالرغم من أن مجتمعنا يسعى إلى تحقيق التقدم الاجتماعي فإنه بكل أسف نلاحظ عدم اكتراث الأغلبية بالتشكيل باعتباره حاجة ماسة وملحة وأساسية في المجتمع». والأغلبية، كما يقول، ترى في التشكيل مجرد انشغال ثانوي وتزجية وقت الفراغ الزائد للتفرج على اللوحة، في حين، يضيف القباج، أن الفن التشكيلي هو ثقافة نظرية لا يمكن الاستغناء عنها. وعن واقع تسويق اللوحة يصرح القباج بأن «الكثيرين اعتبروا هذا الفن مجرد بزنس وتجارة لا تقاس بمدى قيمتها الفنية بقدر ما تقاس في رأي المتاجرين بميزان الربح، مع العلم بأن التشكيل المغربي، سواء كان تشخيصيا أو تجريديا أو حتى فلكلوريا، أصبح يتمتع الآن بسمعة عالمية، كما أنه غدا مصدر إلهام لمجموعة من الفنانين العالميين نظرا لغناه التقني والأسلوبي. وفي ورقة عن واقع التشكيل في المغرب في لقاء سابق عن حوار الثقافة، كان الناقد حسان بورقية دقيقا في التشريح وذهب إلى أنه لابد من ضرورة إسماع صوت الفنان، والتشكيلي بالأخص، خاصة بعد أن تحولت بعض المعارض إلى مقابر للفن التشكيلي بالمغرب، مشيرا إلى غياب مجلات متخصصة في الفن التشكيلي، وإلى الاعتباطية والمزاجية التي تتحكم في المؤسسات الثقافية الرسمية، الجهوية على الأخص، مؤكدا على أهمية الدور الذي تلعبه التربية والتعليم والجمعيات الثقافية، لافتا النظر إلى ضرورة مطالبة الدولة بتهييء مناخ مناسب للفنون والإبداع. ويتأسف أحد الفنانين أن الطامة تكبر حينما يتحول الفنان هو الآخر إلى تاجر لا يرحم، وساق في هذا الإطار تجربته مع فنان بمدينة الدارالبيضاء كان يشتري منه لوحاته ولوحات فنانين آخرين مغمورين بثمن بخس فيبادر إلى بيعها في الخارج لعلاقاته الخاصة، فيجني منها الأرباح الخيالية، في حين أن الفنان الحقيقي يبقى خارج الضوء وخارج الاستفادة من عمله الذي عانى من أجله ماديا ومعنويا، خاصة أنه كثيرا ما يختلط الحابل بالنابل مما يجعل ضرورة ضبط عقارب ساعة تسويق اللوحة أمرا بالغ الأهمية من أجل أن تتضح الرؤية أمام الجميع؟ ويستفيد الجميع عبر تعاقدات أخلاقية وقانونية تطهر هذه السوق من الطفيليين، سواء على مستوى الابداع أو المتابعة النقدية أو تسويق اللوحة.