عدناني مولاي أحمد فنان تشكيلي من الرشيدية، يزاوج بين النحت والرسم لتمييز تجربته الإبداعية، وينفتح على مواد ومصادر عديدة لإغناء مشروعه بأسلوبه الفني. وعلى الرغم من قيمة أعماله، وعلى الرغم من مساره الإبداعي الطويل، وعلى الرغم من تنظيمه لمجموعة من المعارض، يبقى اسمه مغمورا استجابة لقدر المركزية الثقافية الذي يثبت النسيان والتهميش كحقيقة مركزية بالنسبة إلى أسماء الهوامش، وفي هذا الحوار يقربنا الفنان عدناني من تجربته ومن انشغالاته ومن بعض أحزانه وأحزان الواقع الفني بالمغرب. - متى بدأت الرسم؟ < برز ولعي بالرسم في الطفولة، ومن الوقائع الأولى التي تحضرني هي أنني كنت أحفظ القرآن في البيت، حيث كان أبي يكتب لي ما علي أن أحفظه فوق اللوح من آيات قرآنية، وكانت أمي تكلف بتلقينها لي، إلا أنني في يوم بدا لي أن أرسم فوق اللوح رسومات عديدة، ولم يعجب أبي بهذا، لكنه لاحقا تفهم هذه الرغبة التي اجتاحتني في ما يخص الارتباط بالرسم. وبعد هذا تعمقت تدريجيا في مشواري التعليمي في المجال الفني عبر التعلم الشخصي والانفتاح على أفكار ونظريات ومعارف في المجال، حيث قرأت عن أغلب المدارس المغربية واطلعت على خصوصياتها، وعلى الرغم من أنني لا أمتلك تكوينا أكاديميا في المجال، فقد راكمت بعض المعرفة بهذا الفن، وسمحت لي الممارسة باكتساب تجربة في استعمال الألوان وممارسة التشكيل وصياغة ملامح تميز أعمالي. - هل كان يهمك أن تبدع وفق مدرسة أو مرجعية ما؟ هل يمكن أن نتحدث عن انطباع تجربتك بأسلوب اتجاه محدد؟ < في البداية (الستينيات) كنت أعجب بالأعمال الواقعية، لكنني لم ألتزم لاحقا بمدرسة محددة، وقد وجدت في التجريد لاحقا بعضا مما بحثت عنه في الحياة للتعبير عما يهمني التعبير عنه. وعموما، لا يمكن أن أربط تجربتي باتجاه معين أو بمرجعية محددة أو بنمط خاص، وذلك ببساطة لأني إنسان عاشق للحرية كاره للقيود، لأنها تقتل الأفق الخلاق، والحرية هنا ترتبط بالضرورة بالمسؤولية في معناها الإنساني، أي إنني أتشبث بالحرية البانية للجمال وللمعنى الجميل للإبداع والإنسانية، فالقوالب المسبقة تقيد حرية الإبداع. - هل من غايات محددة تفعّل لديك الارتباط بالتشكيل؟ < برأيي، مهما كان الفن، أي فن، مرتبطا بذات صاحبه فلابد أن يكون مرتبطا بالمتلقي الذي يتوجه إليه الفنان، لهذا أعتبر أن أهم ما يهمني، بالإضافة إلى التعبير عبر الفن، هو التواصل مع جمهور الفن، لكن على هذا المستوى يمكن أن أتحدث عن وجود عوائق كثيرة تعطل هذا التواصل الإيجابي، وما أومن به أساسا هو أن على الفن أن ينجز رسالته الخاصة. - ما الذي يحدد اختياراتك على مستوى المواد والألوان والعناصر التكوينية للوحة؟ - أنا أشتغل في الغالب على الألوان القريبة من الطبيعة، لكنني أنشغل أيضا ببعض الأشياء التي تبدو مهملة ومن دون قيمة، كتوظيف جزئيات لا ينتبه إليها نهائيا، لأنني من هذا أرغب في منح معنى لكل ما يبدو من دون قيمة، وهذا ما قد يفعل أسئلة كثيرة لدى المتلقي. في ما سبق اشتغلت بالكولاج وأشتغل بأشياء أخرى مختلفة، وقد أعود إلى ما اشتغلت به سابقا، والأساسي هو أن أحافظ على حريتي كمرتكز لإبداعاتي، وفي غياب هذه الحرية لا يبقى معنى للإبداع. - حدثنا عن بعض معارضك؟ < عرضت في لقاءات عديدة هنا بالراشيدية، وفي قاعة النادرة، وفي المركز الثقافي العراقي وفي مراكش، وشاركت في معارض جماعية، إلا أن عملي سابقا لم يكن يسمح لي بأن أحضر بكثافة في مناسبات وفضاءات أخرى، كما لم تسمح لي ظروف أخرى لأكون فاعلا في المجتمع الفني حتى أعرف أكثر، لكنني أقول هكذا شاء قدر الله. - هل من مواضيع محددة تحسها قريبة من اهتمامك؟ < الفنان ابن يومه وبيئته، وأعتبر مناخات الظلم والمصائب والكوارث والحروب المميزة لوجودنا تجد تعبيرا عنها في أعمالي التجريدية وفي لوحاتي. أظن أن الفنان عليه إيصال رسالة مرتبطة بالحاضر والمستقبل دون نسيان الأمس. - هل من موقف لديك بصدد الوضع التشكيلي بالمغرب؟ < أعتبر نفسي غير مؤهل لإصدار موقف حول الوضع التشكيلي بالمغرب، ولكن، حسب ما يظهر للجميع، الأساسي ألا تحكم المحسوبية والأشياء السلبية التعاطي مع الفن والفنانين. يجب أن يتم إبراز الفنانين والاعتراف بهم ومنحهم ما يستحقونه وفق مبدأ الاستحقاق، وأقول هنا أن المؤهل للحكم والتمييز هو الأكفاء من النقاد والعارفين والفنانين والمتخصصين، وألا يقتصر الحكم والتمييز والمكافأة أيضا على فناني الرباط والبيضاء والمراكز، بل أن يتم الانتباه لكل الفنانين في كل الوطن، وأن يصدروا أحكامهم بكل موضوعية. وشخصيا، سيشرفني أن يقال إن أعمالي ليست في المستوى ومن دون قيمة، لأن هذا الحكم سيكون منصفا وعادلا لأنه غير خاضع لمبدأ المحسوبية ونوعية العلاقة مع الفنان، ويعترف لي ضمنيا بأنني ساهمت بشيء ما حتى وإن لم يكن في المستوى المطلوب، وأن علي العمل أكثر لتطويره، لكن ألا ينتبه إليك نهائيا أو أن تقيم أعمالك حسب منطلقات غير موضوعية فهذا أمر مرفوض. ما أومن به شخصيا هو الأحسن والأجمل وفاعلية المجهود المبذول، في عمل أو تجربة، وما يميزها جماليا ومعرفيا، لكن، رغم هذا، أؤكد من جديد أنني لست في مستوى الحكم على الوضع التشكيلي المغربي. - هل صحيح أن الوضع الفني ووضع التشكيل لا تحكمه علاقات عادلة؟ < هذا ما أشرت إليه، وهو موجود في كل مجالاتنا وفي كل الدول العربية، وربما العدوى انتقلت إلى مجتمعات كان يعد فيها هذا من كبار العيوب. ما يحصل هو تقييم الأعمال وفق منطق الزبونية والعلاقات والقرب والمصلحة الخاصة، فكلما توفرت مصلحة للبعض في الاستفادة منك ومن أعمالك، تحدثوا عنك أو روجوا لأعمالك وقدموا لك بعض الخدمات، وكلما انتفى ذلك بقيت منسيا في الظل. - كثيرا ما نسمع بأن أسماء معينة هي التي تحضر أكثر ويتم الحديث عنها أكثر وتستفيد أكثر، وهذا ما يضر بكل الأسماء المتبقية؟ < هذا واقع، لكن المفارقة هي أن الأسماء الكبيرة تحضر بالضرورة، وهذا أمر منطقي، لكن ما لا يفهم هو عملية إبراز أسماء جد عادية من طرف جهات، فيما تغيب أسماء أخرى رغم قيمتها وأهمية إسهامها الإبداعي والفني. - من موقعك، ما هي الأشياء التي يمكنها أن تساهم في تثبيت علاقات عادلة في المجال الثقافي والتشكيلي عامة؟ < ما يسمح بذلك هو التربية الأصيلة، أي تأصيل العدالة في جوهر الناس وحياتهم ومحيطهم وتعليمهم وتربية الأجيال على السلوك الحضاري والصدق وقول الحق والحرية... لكن للأسف هذا ما لا يحصل، خاصة أن كل علاقاتنا ترسخ عكس هذا، بل إن ما هو سلبي قد تحكم حتى في علاقاتنا بالدين، حيث أصبح التركيز على المظاهر والشكليات والادعاء، وبقي الجوهر بعيدا، أي السلوك والتعامل الإيجابي وقول الحق والاعتراف لمن يستحق... إن ما نحتاجه هو أن نتعلم قول الحق حتى عن أنفسنا وأن ننصف الناس، وهذا بالضبط ما نص عليه ديننا، لكننا أهملنا كل شيء، فلا معاملة ولا احترام ولا اعتراف والإقصاء سيد المجال. - لماذا، بنظرك، الاهتمام بالفن مسألة نخبوية، والتفكير في اقتناء لوحة مسألة غير مهمة للكثير من الذين يمتلكون إمكانية ذلك؟ < اقتناء لوحة بالنسبة إلى أبناء الشعب البسطاء مستحيلة، لأنه يحتاج إلى توفير قوته وخبزه، ويكابد من أجل لقمة العيش أولا وما هو ضروري، أما أصحاب الأموال فيشترون كل شيء ولديهم إمكانيات تسمح لهم بشراء البشر كذلك، لكنهم طبعا لا يشترون اللوحات، وهذه مسألة طبيعية لأن الإنسان غير النقي وغير المخلص لا يمكنه أن يفكر في الارتباط بالفن، وإن فعل واقتنى لوحة، يكون ذلك لأهداف مالية وتجارية أساسا وليس لغايات فنية أو ثقافية أو بغاية تشجيع الفنان، فحين نصل إلى هذا المستوى سنتحدث عن تحقق السلوك الحضاري في مجالنا. - هل من شيء يشغلك أكثر في الحياة والإبداع؟ < الهم الكبير الذي أحلمه ثقلا يعذبني هو المزابل ومآلها، في المغرب وفي الكون، وهذا ما يدفعني إلى التساؤل كيف يمكن أن أكون مفيدا على هذا المستوى. الأرض أمنا وقتلها مستمر بشكل فاجع، وعلينا أن نحبها. حب الأوطان من الإيمان، وأملي هو أن يتعمق الوعي بالحاجة إلى تنقية الأرض والوطن والمحيط الذي نعيش فيه، وأنا في تجربة الكولاج الفني التي أنشغل بها أحاول توظيف الكثير من العناصر المرمية والمهملة أكانت سلاحا أم أخشابا أم عناصر أخرى لأني أومن بأن التحويل لهذه الأشياء المرمية في العملية الفنية هو صيغة رمزية للقول بأننا هنا من أجل الحفاظ على المعنى الجميل للحياة فوق الأرض.