مرت الذكرى السابعة لوفاة الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات، وكانت تلك مناسبة لاستذكار جهاد ذلك الرجل. كان مولده في الرابع والعشرين من شهر غشت عام ألف وتسعمائة وتسعة وعشرين. في بداية الخمسينيات من القرن الماضي أطلق عرفات اسم ياسر على نفسه، خلال سنواته الأولى في عمله الفدائي، اسم أبي عمار تيمنا بعمار بن ياسر الصحابي الجليل. كان والد عرفات يعمل تاجر أقمشة في منطقة السكاكيني في مدينة القاهرة، وكان عرفات هو الثاني من بين سبعة إخوة، أصغرهم فتحي وهو الوحيد الذي ولد في مدينة القاهرة؛ أما والدته فهي زهوة، وهي من عائلة مقدسية وقد توفيت في عام ألف وتسعمائة وثلاثة وثلاثين. وكانت أول مرة ذهب فيها عرفات إلى القدس حين أرسله والده مع أخيه فتحي للعيش مع عائلة أمه على مدى أربع سنوات مع عمه سالم أبو السعود. في عام ألف وتسعمائة وأربعة وأربعين، التحق ياسر عرفات بجامعة الملك فؤاد في مصر التي تخرج منها عام ألف وتسعمائة وخمسين. وفي مرحلة لاحقة، قال إن مناقشاته مع اليهود وقراءاته حول الصهيونية، وخاصة أعمال ثيودور هرتزل أعطته فهما حسنا عن طبيعة الحركة الصهيونية. وفي جامعة فؤاد، تبنى عرفات المفاهيم القومية وعمل على تهريب السلاح إلى فلسطين التي كانت تحت الانتداب البريطاني في تلك المرحلة. وعندما نشبت حرب عام ألف وتسعمائة وثمانية وأربعين، ترك الجامعة لبعض الوقت من أجل الانضمام إلى أولئك الذين قرروا الحرب ضد القوات الإسرائيلية. ولم يحارب عرفات في تلك الفترة إلى جانب الفدائيين الفلسطينيين بل حارب إلى جانب جماعات الإخوان المسلمين على الرغم من عدم انتمائه رسميا إلى تلك الجماعة. وكان عمل ياسر عرفات في تلك الفترة مركزا على منطقة غزة؛ وعندما بدأت الأمور تميل لصالح إسرائيل في عام ألف وتسعمائة وتسعة وأربعين، عاد ياسر عرفات إلى القاهرة من جديد ليواصل دراسته الجامعية في الهندسة المدنية، وهي المرحلة التي ترأس فيها اتحاد الطلبة الفلسطينيين. وبعد حرب السويس في عام ألف وتسعمائة وستة وخمسين، وافق الرئيس جمال عبد الناصر على دخول قوات الطوارئ التابعة للأمم المتحدة إلى سيناء وقطاع غزة، وأدى هذا الإجراء إلى طرد جميع الفدائيين العاملين في تلك المنطقة، وكان من بينهم ياسر عرفات الذي جاهد من أجل الحصول على فيزا إلى كندا. وفي عام ألف وتسعمائة وسبعة وخمسين، تمت الموافقة له بفيزا إلى الكويت استنادا إلى مهنته كمهندس مدني؛ وهناك اتصل بصديقين هما صلاح خلف أبو إياد وخليل الوزير أبوجهاد، وكانا ينتميان إلى جماعة الإخوان المسلمين المصرية. وقد ساعد أبو إياد عرفات على الحصول على وظيفة كمدرس في الكويت. وخلال هذه الفترة، بدأ عرفات يطور علاقاته مع الفلسطينيين، وشيئا فشيئا كون المجموعة التي أصبحت تعرف باسم فتح ولا يعرف، على وجه التحديد، تاريخ تأليف هذه المجموعة. لم يتبن عرفات الإيديولوجيات التي كانت سائدة في الدول العربية في ذلك الوقت بخلاف الفصائل الأخرى التي تبنت المواقف السائدة في مصر والعراق وسورية والمملكة العربية السعودية. وفي عام ألف وتسعمائة واثنين، غادر عرفات مع رفقائه القريبين إلى سورية. وكان أعضاء فتح في هذه المرحلة نحو ثلاثمائة، ولكنهم لم يكونوا من المقاتلين. وبتزايد العمليات الفدائية التي قادتها فتح، قامت إسرائيل بهجومها على مدينة الكرامة بالطائرات والدبابات وكان صمود فتح بطوليا. وفي عام ألف وتسعمائة وستين، بدأت الحكومة الأردنية تضيق بالمقاومة الفلسطينية وتعتبر قواتها المسلحة دولة في داخل الدولة. وقد حاول الملك حسين تخفيف الوطأة، ودعا ياسر عرفات ليصبح رئيسا لوزراء الأردن. رفض عرفات ذلك، مؤكدا ضرورة قيام دولة فلسطينية بقيادة فلسطينية. عرفات طالب بإسقاط الملك حسين، وقد أمر الملك حسين جيشه بطرد جميع أفراد المقاومة من شمال الأردن. استطاع عرفات بعد ذلك أن يدخل سورية مع ألفين من أتباعه بمساعدة منيب المصري والسفير السعودي في الأردن. ولكن بسبب الخلافات بين حافظ الأسد وعرفات، عبر عرفات إلى لبنان حيث أقام قيادة جديدة هناك. وبما أن لبنان كان تحت حكومة ضعيفة في ذلك الوقت، فقد أصبحت منظمة التحرير الفلسطينية دولة في داخل دولة. في عام ألف وتسعمائة واثنين وسبعين، قامت جماعة أيلول الأسود، التابعة لفتح، باختطاف طائرة سابينا المتجهة إلى فيينا وأجبرتها على الهبوط في مطار بن غوريون في اللد. أما في ميونيخ حيث كانت تجري الألعاب الأولمبية، فقد قامت جماعة أيلول الأسود باختطاف وقتل أحد عشر من الرياضيين الإسرائيليين، وقد اتهم محمد عودة بتدبير هذه العملية. المؤرخ بني موريس اعتبر جماعة أيلول الأسود فرعا من حركة فتح. وقد أصدر عرفات أوامره على الفور بعدم القيام بعمليات خارج إسرائيل والضفة الغربية وقطاع غزة. وفي عام ألف وتسعمائة وأربعة وسبعين، وافق المجلس الوطني الفلسطيني على برنامج النقاط العشر بموافقة عرفات ومستشاريه واقترح البرنامج حلا توافقيا مع إسرائيل. البرنامج دعا إلى سلطة فلسطينية في كل الأراضي المحررة، ويشمل ذلك الضفة الغربيةوالقدسالشرقية وقطاع غزة. هذه النقاط أثارت كثيرا من عدم الرضى بين الفصائل الفلسطينية، وتكونت على الفور منظمة للرفض. وقد اتهمت الولاياتالمتحدة وإسرائيل في هذه المرحلة ياسر عرفات بعملية اغتيالات الخرطوم، وهي العملية التي قتل فيها خمسة دبلوماسيين وخمسة أشخاص آخرين. في عام ألف وتسعمائة وأربعة وسبعين، أعلنت منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الوحيد والشرعي للشعب الفلسطيني، وقد قبلت عضوا في جامعة الدول العربية في قمة الرباط وأصبح عرفات أول ممثل لهيئة غير حكومية يخاطب الجمعية العامة للأمم المتحدة. وفي خطابه، قال إنه يحمل غصن الزيتون بيد والبندقية بيد أخرى، وقد استقطبت خطبته تعاطفا دوليا للقضية الفلسطينية. الرئيس حافظ الأسد الذي خشي ضعف نفوذه في لبنان، أرسل جيشه إلى جانب قوات الصاعقة التي تدعمها سورية وأيضا الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين والجناح الراديكالي المسيحي لمحاربة منظمة التحرير والحركة الوطنية اللبنانية. وفي عام ستة وسبعين، قامت قوات من المليشيات المسيحية بدعم من الجيش السوري واللبناني بمحاصرة معسكر تل الزعتر في بيروت. وكان رد منظمة التحرير والحركة الوطنية اللبنانية بمهاجمة بلدة الدامور، حيث قتل ثلاثمائة وثلاثون وجرح كثيرون، وقد سقط مخيم تل الزعتر في أيدي المسيحيين بعد ستة شهور من الحصار وقتل آلاف الفلسطينيين، مما جعل عرفات وأبوإياد يوجهان اللوم إلى نفسيهما. مركز عمليات فتح انتقل إلى تونس، وفي عام ألف وتسعمائة وخمسة وثمانين، نجا ياسر عرفات من غارة إسرائيلية قامت بها مقاتلات إسرائيلية في عملية أطلق عليها اسم «الرجل الخشبية». وفي الخامس عشر من نوفمبر عام 1988، حدث تحول رئيسي في الاتجاهات عندما أعلن ياسر عرفات دولة فلسطين المستقلة، وقبل في شهر دجنبر من العام نفسه ياسر عرفات قرار الأممالمتحدة رقم 242 الذي يعترف بحق إسرائيل في العيش في سلام، وكان ذلك من شرط المفاوضات بين الولاياتالمتحدة ومنظمة التحرير الفلسطينية، التوجه كان نحو إقامة دولة فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة، وقد انتخب ياسر عرفات بواسطة المجلس الوطني الفلسطيني ليصبح رئيسا لهذه الدولة. عرفات شغل في هذه المرحلة بمباحثات أوسلو السرية التي انتهت بما أطلق عليه اتفاق أوسلو. الاتفاقات لم تختلف عن غيرها، قبول عرفات لنبذ العنف مع وعود للفلسطينيين لم تجد طريقها إلى التنفيذ؛ ولكن في العام الذي تلا منح عرفات ورابين وبيريز جائزة نوبل للسلام. في عام 1994، انتقل عرفات ليجعل قيادته في غزة. وفي عام 1996، انتخب بنيامين نتنياهو رئيسا لوزراء إسرائيل وكان معارضا لقيام دولة فلسطينية. الرئيس كلنتون حاول في واي ريفر أن يقرب بين عرفات ونتنياهو، وقد استمرت المحاولات مع خليفته إيهود باراك. وفي عام 2000، انفجرت الانتفاضة الثانية، وجاء شارون إلى الحكم ففرض على عرفات البقاء في المقاطعة. الغرب اعتبر استمرار ياسر عرفات في القيادة دليلا على مهارته وحنكته التكتيكية، ورأى البعض أن استمراره كان بسبب اعتقاد إسرائيل أن قتله سيجعل منه شهيدا، كما أن التخلص منه قد يجعل بعض المنظمات الأخرى أكثر قوة. إسرائيل حاولت اغتيال ياسر عرفات في مناسبات عدة، ولكنها لم تستخدم رجالها بل استخدمت بعض من تعاونوا معها، ولكن جميع المحاولات باءت بالفشل، وكان عرفات يقول إنه لم ينم في مكان واحد مدة يومين. صعود حماس وهجماتها المتتالية على إسرائيل وضعت ضغوطا على عرفات، ولكن عرفات اعتبر هذه الهجمات ضغوطا على إسرائيل نفسها. وأخيرا، مرض عرفات، وكانت البداية عندما استفرغ وظن أن الأمر كان تسمما، وقد نقل إلى فرنسا ولم يستطع الأطباء أن يحددوا سبب مرضه. وقد حاولوا جميعا إبعاد الشكوك عن إسرائيل التي اتهمت بتسميمه. وأخيرا، فارق عرفات الحياة وأقام له الرئيس شيراك جنازة رسمية. وأقيمت له أخرى في القاهرة حضرها عدد كبير من الزعماء العرب، وقد صلى عليه شيخ الأزهر سيد طنطاوي قبل دفنه في رام الله. يوسف نور عوض