في الوقت الذي تتساقط فيه اقتصاديات دول الاتحاد الأوروبي الواحدة تلو الأخرى مثل قطع الدومينو، وفيما أعلنت كل من اليونان وإيطاليا عن تبني إجراءات التقشف من أجل الخروج من أزمتيهما وبالتالي إنقاذ العملة الموحدة الأورو، والبقاء في الاتحاد الأوروبي، يؤكد العديد من الخبراء الاقتصاديين أن كلا من البرتغال وإسبانيا في طريقهما إلى إعلان الأزمة والالتحاق بنادي الدول المهددة للأورو. بعد اليونان التي كانت على مشارف الإعلان عن إفلاسها بسبب عدم قدرتها على سداد ديونها، قبل أن يتدخل الاتحاد الأوروبي لمساعدتها على إيجاد حل لوضعيتها الاقتصادية الهشة التي أضعفت العملة الأوروبية الموحدة «الأورو»، أعلنت إيطاليا عن تطبيق إجراءات التقشف بسبب مرور اقتصادها بأزمة كبرى، مما أدى إلى تقديم رئيس الوزراء الإيطالي، سيلفيو برلسكوني، استقالته من الحكومة بعد مصادقة مجلس النواب الإيطالي على ما يعرف بقانون الاستقرار المالي أو «رزمة التقشف» التي تم الاتفاق عليها مع الاتحاد الأوروبي، والتي تتضمن خطوات تقشفية بشأن التقاعد وتحرير السوق وتقليص النفقات الإدارية. ورغم أن كثيرا من الاقتصاديين متفائلون بخصوص فعالية هذه الإصلاحات وقدرتها على النهوض بالاقتصاد الإيطالي، إلا أن أبرزهم، وهو الاقتصادي نورييل روبيني، صاحب التوقعات الشهيرة بالأزمة المصرفية العالمية لسنتي 2008 و2009 وما صاحبها من ركود اقتصادي في جميع أنحاء العالم، يتوقع أن تفشل حزمة إصلاحات مالية طارئة لإيطاليا في إبقاء تكلفة اقتراضها في الأسواق المالية عند مستويات في المتناول. وقال إن البلد يواجه خطر التخلف عن سداد الديون، والخروج من منطقة الأورو، في حال عدم اتخاذ مزيد من الإجراءات الصارمة. وأضاف روبيني أن اليونان والبرتغال وإسبانيا تواجه أيضا خطر الخروج من الوحدة النقدية. «أعتقد أنه في الأشهر الإثني عشر المقبلة سيكون هناك احتمال كبير لفشل «الخطة الأصلية» بالنسبة إلى إيطاليا. «قد تضطر إيطاليا إلى إعادة هيكلة ديون، ثم قد تضطر إلى الخروج من منطقة الأورو». وقال إن هناك «احتمالا كبيرا» لأن تخرج اليونان من منطقة الأورو في غضون 12 إلى 18 شهرا، وإن البرتغال «هي حالة بتر رباعي مثلها مثل اليونان». ورأى «أنهما من الصغر، بحيث إذا جرى تحصين إيطاليا وإسبانيا وسمح لهما بالخروج، فإنه يمكن القيام بالأمر بطريقة شبه منظمة.. لكن إذا خرجت إيطاليا أو إسبانيا فإن هذا يعني عمليا تفكك منطقة الأورو». مغاربة إيطاليا في خطر بسبب إجراءات التقشف التي أعلنت عنها إيطاليا، يتهدد المهاجرون المغاربة في هذا البلد الأوروبي خطر البطالة وعدم القدرة على البقاء في هذا البلد بسبب فقدان مصادر عيشهم مثلما وقع للعديدين منهم خلال الأزمة الاقتصادية العالمية في سنتي 2008 و2009. غير أن ما ينتظرهم هذه المرة أشد قساوة، حيث تشمل خطة التقشف الإيطالية خفضا ضخما لأوجه الدعم الإقليمي والتسهيلات الضريبية للأسر، فضلا عن خفض الشريحة الأكبر من المعاشات وتسريح الموظفين وتسريع وتيرة الخوصصة وفرض ضرائب جديدة. وينتظر أن يكون قطاع البناء أكبر متضرر من أزمة المديونية هذه، وهو القطاع الذي يشغل عددا كبيرا من أفراد الجالية المغربية المقيمة بإيطاليا، التي تعتبر ثالث أكبر جالية مغربية بالخارج بعد كل من فرنساوإسبانيا، حيث يبلغ عدد المهاجرين بشكل قانوني 366 ألف نسمة، مشكلين بذلك ثالث جالية أجنبية بعد الرومانيين والألبان. وستتجلى انعكاسات الأزمة على المهاجرين المغاربة بالديار الإيطالية، في ثلاثة جوانب، أولها تزايد نسبة البطالة في صفوفهم، وتدهور ظروف عملهم ووضعهم الاجتماعي عموما، وانخفاض حجم تحويلاتهم لبلدانهم الأصلية، وتراجع مستوى عيشهم وتزايد حجم الفقر في صفوف المهاجرين، مع احتمال متزايد لظاهرة عودة المهاجرين إلى وطنهم الأم، المغرب. وبين النصف الأول من 2008 والنصف الأول من 2009، وبسبب الأزمة الاقتصادية العالمية التي ضربت أنحاء متعددة من العالم ومن بينها إيطاليا، سجل تراجع إجمالي في تحويلات الجالية المغربية بنسبة 12.31 في المائة، ولكن هذه النسبة العامة تخفي تفاوتات كبيرة بحيث إن التحويلات الآتية من فرنسا، التي تضم أكبر جالية مغربية في العالم، انخفضت بقرابة 14 في المائة، وفي إسبانيا ب 26 في المائة، وفي إيطاليا ب 13 في المائة، وفي بريطانيا بنسبة قاربت 26 في المائة. وفي إسبانيا، التي كانت من أكثر الدول الغربية تضررا من الأزمة، تفاقمت نسبة الفقر في صفوف غير المولودين فيها والقادمين من دول لا تنتمي للاتحاد الأوربي، ومنهم المغاربة، بحيث تتراوح نسبة الفقر في صفوف هذه الشريحة بين 36.9 و38 في المائة، وفي إيطاليا تراوحت النسبة بين 27.1 و27.8 في المائة، مقابل نسبة تتراوح بين 27.2 و28.5 في المائة في فرنسا. وقد صنفت دراسة أجريت خلال سنة 2007 الأسر المنحدرة من أصول مغاربية ضمن الأسر المهاجرة الأكثر فقرا في القارة الإفريقية. وتعتبر وضعية المهاجرين المغاربة في إيطاليا أصلا من ضمن أكثر وضعيات الهجرة هشاشة في أوروبا، أولا لجدة الهجرة المغربية إلى الديار الايطالية بالنظر للاستقرار الحديث والمكثف للآلاف من المغاربة في مختلف مدنها، وأيضا بالنظر إلى مختلف المشاكل التي قد تتولد عن هذا المد الهجري في بلد مضيف مثل إيطاليا الذي لم يعتد على وجود الكثير من الأجانب على أراضيه ولم يكن على استعداد للانفتاح على حضارات أخرى للتبادل مع ثقافات من آفاق أخرى. فعلى عكس الاعتقاد بكون أفراد الجالية المغربية في إيطاليا، قد يكونون الأفضل وضعا في المستقبل القريب من نظرائهم، بفضل توفر فرصة الاستفادة من تجارب سابقة في دول الهجرة التقليدية، سجلت وضعية المهاجرين المغاربة في إيطاليا تراجعا كون أن العيش في بلد مثل إيطاليا لم يجنب الذين اختاروه كبلد إقامة مواجهات قاسية وحتمية مع قضايا شائكة عاشها مهاجرون آخرون على مستوى الهوية والاندماج والتعايش وغير ذلك في بلدان أوربية أخرى. وإذا تركنا جانبا الأزمة الاقتصادية وأزمة المديونية، فإن الجالية المغربية بإيطاليا تواجه منذ أعوام طويلة مشاكل متعددة تشمل التجمع العائلي، بما في ذلك التحاق الزوجات والأبناء القاصرين بالآباء الذين سبق أن هاجروا، بالإضافة إلى مسألة اندماج الأطفال الصغار في الحياة المدرسية، وأيضا الاستمرار في التشبث بالثقافة والحضارة المغربية وتلقين الأطفال الصغار اللغة العربية من أجل الحفاظ على الارتباط بالبلد الأصل المغرب وضمان استمرارية التواصل ما بين الأجيال. كما أن من بين المشاكل التي يعانيها المغاربة، كون السواد الأعظم من صغار أبناء الجالية المغربية في إيطاليا الذين تجاوزوا التعليم الإلزامي والتحقوا بالسلك الثانوي، هم قلة قليلة، وذلك لكون الآباء يفضلون أن يلتحق أبناؤهم بعالم الشغل عوض معاهد التكوين المهني لتعلم حرفة، أو لمتابعة دراستهم والوصول إلى أعلى المراتب والدرجات العلمية، أو أنهم يعملون على التخلي عنهم كليا وتركهم يواجهون مصيرهم في الشوارع مع كل المشاكل المحتملة التي بإمكانها أن تصادفهم، سواء تعلق الأمر بمسألة الهوية، الانحراف، الاستغلال والانفصال عن الأسرة. هذا، ويلاحظ أيضا وجود عدد من الأطفال القاصرين غير المصحوبين، الذين يعيشون في الملاجئ لبضعة أيام ويفقد أثرهم في ما بعد. أما بالنسبة إلى النساء المتزوجات واللائي يعشن على الأراضي الإيطالية فتواجههن مشاكل من نوع خاص ذات بعدين، الأول علاقتهن بأزواجهن التي ليست جيدة دائما، كون هؤلاء يرفضون أن يعتبروهن نساء يجب أن يتمتعن بكامل حقوقهن، بل ينظرون إليهن فقط كربات بيوت، وأن التحاقهن في إطار التجمع العائلي في إيطاليا هو هدية منهم وليس حقا. وبخصوص النساء اللائي يلتحقن بمفردهن بإيطاليا فهن يواجهن بالإضافة إلى كم المشاكل الاجتماعية، الأفكار المسبقة عن المرأة العربية والمسلمة لدى متخيل المجتمع المضيف، الذي يجد أفراده صعوبة في فهم القيم الاجتماعية والثقافية للمسلمين. ويضاف إلى كل ذلك وجود المشاكل القانونية المترتبة عن الاختلاف ما بين القوانين الإيطالية والمغربية. أسباب الأزمة الإيطالية اهتمت مجلة «التايم» الأمريكية بالأزمة الاقتصادية الإيطالية من خلال مقال تحليلي للأسباب الخمسة التي تبين حجم المخاطر الاقتصادية التي تشكلها إيطاليا. وأكدت المجلة أنه في حال استمرار العائدات في الارتفاع، فإن ديون البلاد التي تقدر ب 2.6 تريليون دولار قد تصبح ديونا لا يمكن تحملها. وهو ما جعل المجلة تقول إن تنامي الضغوط المالية على إيطاليا وما تشهده روما من اضطرابات سياسية هي الأحداث الأكثر رعبا التي يمكن أن تتمخض عن أزمة الديون المتصاعدة في منطقة الأورو. ورأت أن ما يحدث في إيطاليا الآن يفوق في أهميته ما يحدث في أي مكان آخر بالنسبة إلى الاقتصاد العالمي، وعللت ذلك بخمسة أسباب. يتمثل السبب الأول في كون إيطاليا أكبر من أن تتعرض لخطر الانهيار، حيث أوضحت المجلة أن إيطاليا كبيرة للغاية لدرجة يصعب إنقاذها. وحتى إن نجح الأوروبيون في توفير السيولة النقدية، تتابع «تايم» فإنه سيكون من المستحيل سياسيا أن يستخدموها في خطة إنقاذ لإيطاليا. السبب الثاني هو أنه للخروج من أزمتها، يتعين على إيطاليا «استئصال» بعض المشكلات الاقتصادية العميقة. ورغم اختلاف الأسباب التي قادت إيطاليا إلى السقوط في فخ أزمة الديون الأوروبية دون غيرها من البلدان في القارة العجوز، فإن إيطاليا مطالبة الآن تغيير بنية اقتصادها، عن طريق تحرير أسواق العمل، وزيادة المنافسة للحصول على قدر أكبر من الإنتاجية وخلق فرص عمل أكبر. ومع أن عملية كهذه ليست سهلة، فإن المستثمرين سيضغطون على روما من أجل السير في دورة إصلاح مكثفة، واتخاذ تدابير كان ينبغي تقديمها على مدى سنوات عديدة. أما السبب الثالث فيتعلق بنظام إيطاليا السياسي ومدى قدرته على إحداث هذا الإصلاح المتسارع أم لا. وهنا، أكدت المجلة الأمريكية أن أنواع الإصلاح التي تحتاجها إيطاليا لن تحظى بأي شعبية لدى المتظاهرين. وتعني تلك الإصلاحات ضرائب مرتفعة، مع خدمات حكومية أقل ومزيدا من المنافسة. السبب الرابع يتمثل في كون إيطاليا قد تتسبب كذلك في اتساع نطاق العدوى. ففي وقت كانت تشير فيه الحسابات المالية إلى أن إيطاليا كانت أقل عرضة لخطر التعرض لأزمة الديون بالمقارنة مع اليونان أو إيرلندا أو البرتغال أو إسبانيا، أظهرت حقيقة انغماس إيطاليا في أزمتها الراهنة كيف أثرت بشكل كبير أزمة ديون منطقة الأورو في جوهر الوحدة النقدية. كما أشارت طبيعة المشكلات الإيطالية إلى أن نسختها من أزمة الديون قد تستمر لبعض الوقت. أما السبب الخامس والأخير، فيتعلق بكون إيطاليا قد تكون التهديد الأكبر على الاقتصاد العالمي في الوقت الراهن. ويمكن إدراك ذلك الخطر من خلال النظر إلى نوعية الفوضى التي أحدثتها دولة اليونان الصغيرة بالنسبة إلى الأسواق العالمية. وأوضحت «التايم» أن إيطاليا غير المستقرة، التي تعتبر ثامن أكبر كيان اقتصادي في العالم، قد ترسل موجات معدية إلى أنحاء العالم كافة، قد تنافس، أو حتى قد تتجاوز، تلك الموجات التي خرجت من وول ستريت في 2008، وهو ما يدعو إلى الخوف مما يمكن أن يحدث مستقبلا.