في ظل تفاقم الأزمة المالية، راجعت اللجنة الأوروبية توقعاتها للنمو الاقتصادي في المنطقة الأوروبية التي لم تعد تترقب سوى نمو بنسبة 1.5 في المائة في السنة الجارية و0.5 في المائة في السنة القادمة. وضعية جعلت اللجنة لا تستبعد حدوث ركود في تلك المنطقة. توقعات اللجنة خبر سيء لبلد مثل المغرب الذي يرتبط أداء اقتصاده بشكل كبير بما يقع في منطقة اليورو شريكه الرئيسي. خبر يطرح تساؤلات حول مدى متانة التوقعات التي بنت عليها الحكومة الحالية توقعاتها للنمو في مشروع قانون المالية، بل إن الركود الذي تنذر اللجنة بإمكانية وقوعه في الاتحاد الأوروبي يطرح تساؤلات حول توقعات النمو التي تبشر بها البرامج الاقتصادية. توقعات اللجنة الأوروبية التي كشفتها في أواخر الأسبوع الماضي، تشكل «آخر ناقوس خطر»، حسب ما نقل عن المفوض الأوروبي في الشؤون الاقتصادية والمالية، حين تقديم توقعات اللجنة للسنوات القادمة. فاللجنة لا تترقب سوى نمو ب 1.5 في المائة في السنة الجارية، معدل ينتظر أن ينحدر إلى 0.5 في المائة في السنة القادمة. علما أن تلك التوقعات بالنسبة للسنتين كانت في الربيع الماضي على التوالي 1.6 في المائة و 1.8 في المائة. ويترقب خبراء اللجنة الأوروبية أن يعرف الاقتصاد الأوروبي انتعاشة طفيفة في سنة 2013، إذ يراهنون على نمو ب 1.5 في المائة في الاتحاد الأوروبي، و1.25 في المائة في منطقة اليورو، نتيجة استعادة الثقة في الأسواق على إثر برامج التقشف في بلدان أوروبية وتطبيق إجراءات من أجل تطويق الأزمة. التوقعات الجديدة دفعت ماركو بوتي، المدير العام للشؤون الاقتصادية والمالية في اللجنة الأوروبية، المكلف بالتقرير حول توقعات الخريف، إلى التأكيد على أنه «لا يمكن استبعاد ركود عميق وممتد وتوترات جديدة في الأسواق المالية». لم تفاجئ التوقعات الجديدة للجنة الأوروبية المراقبين، فهي تخفض انتظاراتها في ظل تفاقم التباطؤ الاقتصادي العالمي، خاصة إثر وقوع منطقة اليورو في أزمة المديونية في ظل الصعوبات التي تواجهها إيطاليا وتمكن الركود من الاقتصاد اليوناني. في نفس الوقت سوف يتعمق الركود في البرتغال. ولم تسلم فرنسا من النظرة المتشائمة للجنة الأوروبية، حيث خفضت توقعات النمو بالنسبة للشريك الأوروبي الأول للمغرب إلى 0.6 في المائة في السنة القادمة، فيما كانت تراهن السلطات العمومية على نمو ب1 في المائة. ويتجلى من تقرير اللجنة الأوروبية أن سوق الشغل سوف يعرف معدلات بطالة متباينة، لكن سيظل في مستويات مرتفعة بعدما وصل حاليا إلى 9.5 في المائة. وتعتقد اللجنة أن سوق الشغل سوف يطبعه الركود في سنة 2012 بسبب نمو ضعيف في 2011 - 2013، حيث يعتبر قاصرا عن بث دينامية جديدة في سوق الشغل. و في تناوله للمالية العمومية يشير التقرير إلى أن العجوزات الموازنية في الاتحاد الأوروبية لن ترتفع عن 4.7 في المائة في السنة الجارية، فيما لا تتعدى 4 في المائة في منطقة اليورو. وتتوقع اللجنة الأوربية تحسنا ملموسا للمالية العمومية في السنة القادمة، حيث يرتقب أن ينخفض العجز الموازني إلى مادون 4 في المائة في الاتحاد الأوروبي و 3.5 في المائة في منطقة اليورو. غير أن التقرير يشدد على أن معدل المديونية، الذي يمثل جوهر إشكالية الأزمة الحالية، سوف يواصل اتجاهه الصعودي ويتجاوز 90 في المائة في منطقة اليورو في السنة القادمة. وتتوقع اللجنة ألا يتعدى معدل التضخم في منطقة اليورو 2 في المائة في سنة 2012، مستفيدا من انخفاض أسعار الطاقة، وهو توقع تبنيه اللجنة على ضعف النشاط الاقتصادي وتواضع تطور الأجور في السنة القادمة. توقعات اللجنة الأوروبية يعضدها التقرير الشهري للبنك المركزي الأوروبي الذي أكد أن النمو في منطقة اليورو سوف يكون أدنى من المتوقع في سنتي 2012و2013، و كذلك على المدى البعيد. ففريق الخبراء الذي يستشيره فصليا البنك المركزي الأوروبي، حيث توقعوا نموا في حدود 1.6 في المائة في 2011، وهو مستوى يرتقب أن يتراجع إلى 0.8 في المائة في 2012، قبل أن يرتفع إلى 1.6 في المائة في 2013. وعلى المدى الطويل، أي خلال خمس سنوات يرتقب أن يصل معدل النمو إلى 1.8 في المائة. وقد أشار البنك المركزي إلى أن «التوقعات تمت مراجعتها نحو الانخفاض، أساسا بسبب تطور أزمة الديون السيادية والمحيط الخارجي لمنطقة اليورو الأكثر سوءا مما كان متوقعا». وفي قراءتها لانعكاسات تلك التوقعات على المغرب، تشير مديرية التحليل والدراسة التابعة للتجاري للوساطة، إلى أن ما تضمنه التقرير يشكل خبرا غير سار للاقتصاد المغربي، فتراجع منطقة اليورو التي تضم أهم شركاء المغرب التجاريين، يمكن أن تنتقل عدواه إلى الاقتصاد الوطني عبر العديد من المنافذ التي تتمثل في الطلب الخارجي الموجه للمغرب مما قد يفاقم عجز الميزان التجاري بفعل تقلص حجم الصادرات، والقدرة الشرائية للمغاربة المقيمين بأوروبا الذين ستتقلص تحويلاتهم ومراجعة السياح لمخططاتهم في السفر إلى المغرب، و قد يطال ذلك الاستثمارات الخارجية في المغرب. وقد يلمس التأثير أكثر على مستوى المالية العمومية، ففرضيات مشروع قانون مالية السنة القادمة، بنيت على توقع نمو اقتصادي ب 1.5 في المائة في أوروبا، وهو معدل خفض إلى 0.5 في المائة، حسب التقرير الأخير للجنة الأوروبية. وضعية مثيرة للقلق، حسب خبراء التجاري، بالنسبة لميزان الأداءات الذي ستضغط عليه الظرفية غير الملائمة.