لم تكن طنجة في حاجة إلى انتظار بداية الموعد الرسمي للحملة الانتخابية لكي تدشن الدخول الرسمي استعدادا لانتخابات أواخر الشهر الحالي، لأن الحملة بدأت قبل أسابيع طويلة، واستعملت فيها كل الوسائل، بدءا بقفة الخضر، وانتهاء بكبش العيد. ومنذ أن تم الإعلان عن تنظيم الانتخابات في الخامس والعشرين من نونبر الحالي، فإن المرشحين الكبار عملوا مبكرا على استقطاب الأصوات، وشوهد سماسرة لأباطرة الانتخابات وهم يطرقون أبواب سكان فقراء أو نساء أرامل لكي يوزعوا المال أو هبات عينية، وكانت تلك الهبة مقرونة دائما باسم المرشح الذي يمنحها. ورغم كل ذلك، ومع أن هذا جرى في أحياء ومناطق واسعة من طنجة، إلا أن السلطات المحلية لم تتحرك، وهو ما جعل السكان يتوقعون أن الانتخابات المقبلة لن تكون مخالفة لكل الانتخابات السابقة، التي يلعب فيها المال دورا محوريا في استقطاب الأصوات وكسب الرهان. وتتربع طنجة باستمرار على رأس المدن التي تعرف نسبة قياسية في انخفاض أعداد المصوتين، وهو ما يفسره مراقبون بكون سكان المدينة يعيشون واقعا مريرا وسط فساد عارم، بالإضافة إلى ما يقولون إنه تواطؤ واضح من السلطات المحلية، وإغماض العين من جانب السلطات المركزية، التي تمارس مع الفساد في طنجة دور القرد، الذي لا يرى ولا يسمع ولا يتكلم. وقبل بضعة أسابيع، خرجت في طنجة مظاهرات عارمة كانت تطالب بمنع من يسميهم المتظاهرون «أباطرة الفساد» من الترشح للانتخابات، ورددوا أسماء هؤلاء، غير أن كل أولئك «الأباطرة» سيتقدمون للانتخابات، وبدا منذ الآن أن الخارطة البرلمانية والانتخابية في المدينة تم رسمها سلفا، حيث ستعود الحيتان الكبيرة إلى مقاعدها البرلمانية و«كأن كل هذا الحراك الشعبي مجرد وهم»، وفق ما يقوله السكان. كما أن متظاهرين في طنجة سبق أن نظموا مظاهرات طريفة استعملوا فيها المكانس، دلالة على ضرورة كنس كل الوجوه المعروفة باحتكارها الفوز في الانتخابات، ووجهوا بذلك رسائل واضحة إلى السلطات المركزية، التي يبدو أن اهتمامات الشارع الطنجي آخر ما يوجد في أولوياتها. وقبل بضعة أيام فقط، سرت في المدينة إشاعة قوية تقول إن وزارة الداخلية رفضت قبول ملفين انتخابيين لشخصين قويين في المجال الانتخابي، هما عبد الرحمن أربعين، المنتمي حديثا لحزب الحركة الشعبية، ومحمد الزموري، المنسق الجهوي لحزب الاتحاد الدستوري، وهو ما أجج افتراضات بكون ذلك سيكون بداية لمنع أسماء كثيرة من خوض الانتخابات، غير أن هذه الإشاعة سرعان ما ذابت كما تذوب حبة ملح في قعر كأس، وتأكد أن لا أحد سيتم منعه من خوض الانتخابات، بالرغم من كل الملفات التي يتداولها السكان. وحسب مصادر مطلعة، فإن سبب منع كل من أربعين ومحمد الزموري، لم يكن راجعا إلى قرار بالمنع، وإنما كان السبب راجعا إلى مشكلة قانونية «بسيطة» تم التوصل إلى حلها، وسلم وصل الترشح فعلا للزموري وأربعين. وكان البرلمانيان المذكوران قد قضيا عدة ولايات متتالية تحت قبة البرلمان، وتوجه لهما، إضافة إلى مرشحين آخرين، تهم بسبب علاقتهما بقضايا «فساد في مجال العقار والتهرب الضريبي». وكانت عدة هيئات جمعوية وحقوقية طالبت بإصدار قرار رسمي يمنع مجموعة من الأسماء من الترشح، وهي الأسماء التي قضت عدة ولايات برلمانية، أو تلك المرتبطة أسماؤها بملفات «الفساد»، وكان اسم الزموري وأربعين إلى جانب أسماء أخرى مثل أحمد الإدريسي ومحمد الحمامي ومحمد بوهريز، على رأس تلك الأسماء. غير أن المثير هو أن أحزابا تقول عن نفسها إنها تمتلك الشرعية التاريخية، تسابقت لخطب ود مرشحين يثار حولهم جدل كبير، مثلما فعل حزب الاستقلال، الذي رمى بمناضليه القدامى في أقرب سلة مهملات، وانحنى على يد البرلماني محمد الحمامي، الذي غادر للتو حزب الأصالة والمعاصرة. وكانت مصادر تحدثت من قبل عن مرشحة تنتمي لحزب عريق، سافرت إلى سجن «عكاشة» بالدار البيضاء، للقاء مهرب مخدرات شهير، من أجل أن تطلب منه دعمها ماديا لخوض الانتخابات. وتقول أرقام رسمية نشرت بالموقع الرسمي للبرلمان المغربي إن الأغلبية الساحقة من أباطرة الانتخابات في طنجة لم يسبق لها أن قدمت أي سؤال كتابي أو شفوي طيلة الولاية التشريعية الممتدة من 2007 إلى 2011، وأن البرلماني عبد الرحمن أربعين، مثلا، الذي وضعه حزب الحركة الشعبية على رأس لائحته، قدم سؤالين كتابيين خلال نفس المدة، وصفر سؤال شفوي، فيما اكتفى محمد الزموري ب9 أسئلة كتابية فقط، ولم يقدم طوال مسيرته البرلمانية أي سؤال شفوي، بينما لم يقدم محمد الحمامي أي سؤال واكتفى بصفر كبير. وتنبئ المؤشرات بأن نسبة مقاطعة الانتخابات التشريعية المقبلة بمدينة طنجة قد تكون وازنة إذا لم يتم تدارك الموقف، كما كان الحال بالنسبة إلى الاستحقاقات البرلمانية لسنة 2007 والمحلية لسنة 2009، إذ كانت جهة طنجة تطوان من بين 3 جهات التي سجلت أقل نسب مشاركة وطنيا.