سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
حسون: لست قاضيا سيئا ووزير العدل لم يجرؤ على متابعة قضاة مرتشين ذكرهم نيني بالاسم القاضي السابق للمساء الرميد كان وارء التحاقي بالعدالة والتنمية ومنعي من الترشح قرار موجه ضد هذا الحزب
لعل أحسن لقب يليق بالقاضي السابق جعفر حسون هو لقب «رجل الممنوعات الثلاثة»، فالرجل أوقف من مهنة القاضي، بتهمة تسريب أسرار المجلس الأعلى للقضاء، ومنع من المحاماة بدعوى أن «القاضي السيء لا يمكن أن يكون إلا محاميا سيئا»، بتعبير وزير في الحكومة الحالية. وها هو يمنع من الترشح للانتخابات التشريعية بمبرر أنه لم يمض على عزله سلك القضاء أكثر من سنة. فهل يحصد جعفر حسون ما زرعت يداه في حقل القضاء، أم أن أيادي خفية تتربص بجعفر حسون تحت جنح الظلام؟ - تم منعك من الترشح باسم العدالة والتنمية بتارودانت، ماهي حيثيات هذا القرار؟ ظاهريا يبدو أن القرار يستند إلى معطيات قانونية تتعلق بأهلية ترشيحي كقاض لم تمض على مغادرته سلك القضاء سنة كاملة كشرط لأهلية الترشيح، طبقا للمادة السابعة من القانون التنظيمي لمجلس النواب كما تم تعديله مؤخرا. والحال أنني غادرت سلك القضاء على صعيد المزاولة الفعلية منذ 19 غشت 2010 إثر قرار التوقيف الذي أعلن عنه آنذاك عن طريق وكالة الأنباء الرسمية، علما بأن المقتضى القانوني المعتمد يستعمل، صراحة ولفظا، تعبير المزاولة الفعلية، التي يأتي قرار العزل لمجرد إعطائها صبغتها القانونية. غير أن للقضية كما لا يخفى بعدها السياسي الذي يستهدف حزب العدالة والتنمية كحزب معارض تعرض باستمرار لشتى أنواع التضييق والحصار، ليس آخرها البيان الحكومي الصادر صراحة ضد الحزب في سابقة خطيرة وفريدة تضع الدولة نفسها في مواجهة حزب سياسي. القرار يعكس أيضا بعدا انتقاميا واستهدافا واضحا وصريحا لشخصي المتواضع كوكيل للائحة المصباح يندرج ضمن سلسلة المضايقات والتحرشات التي ما فتئت أتعرض لها، بدءا من فصلي تعسفيا من سلك القضاء ومنعي من الانخراط في مهنة المحاماة بتوالي الطعون الكيدية، ثم انتهاء بحرماني من ممارسة حقوقي المدنية والسياسية كأي مواطن. - وكيف ستتعاطى مع هذا المنع؟ هناك مستويات متعددة للتعاطي مع القرار. على المستوى القانوني والقضائي نحن عازمون على ممارسة كل الطعون والإجراءات الممكنة والمتاحة قانونا. وعلى المستوى السياسي خياراتنا مفتوحة على كل أشكال النضال السياسي المشروع. - في أي سياق جاء قرار ترشيحك للبرلمان على رأس لائحة المصباح؟ جاء في سياق المشاورات مع إخوة ربطتني بهم علاقة صداقة فكرية، فقد التقيت في عدد من المحاضرات الفكرية بالأستاذ مصطفى الرميد، وكذلك سعد الدين العثماني، الذي هو ابن بلدتي بحكم انحداره من سوس. إذن حضوري الفكري والثقافي جعل ثمة وشائج تنمو بيننا، إلى أن جاءت المبادرة من الأستاذ مصطفى الرميد، ولو لم يسع إلي لكنت أنا الذي سعيت إليه، لأنه كان لابد لتحركاتي من إطار سياسي. من جانب آخر، فخياراتي السياسية الحزبية ما كانت لتذهب في غير اتجاه العدالة والتنمية لاعتبارات عدة، أهمها أن الحزب له مكانته وإشعاعه السياسي الوازن وله مصداقيته، وأهم من هذا وذاك بالنسبة إلي هو استقلالية قراراته، وأنا لي حساسية كبيرة تجاه موضوع الاستقلالية باعتبار هذه الاستقلالية هي سبب كل متاعبي التي لازالت مستمرة إلى الآن، كما هي سبب متاعب الحزب والحصار الذي يتعرض له. فضلا عن أنني تربيت في بيت متدين محافظ، وهذه العناصر مجتمعة سهلت انتمائي إلى العدالة التنمية. - ما الذي قادك تحديدا إلى العدالة والتنمية؟ هل الحاجة إلى الانتماء إلى إطار سياسي أم الحاجة إلى حاضنة حزبية بمواصفات معينة تقودك نحو البرلمان؟ مسألة الترشح للبرلمان لم تكن واردة لدي بالمرة، بل كان الأهم هو تأطير فعلي فكري في إطار حزبي يتسع لانشغالاتي المتنامية بالشأن العام في بعده الحقوقي والسياسي، وقد تكون لذلك صلة بالحراك السياسي الذي يعيشه الوطن في سياق الربيع العربي الذي أعاد للعمل السياسي اعتباره ووهجه. - هيئة الترشيح الحزبية كانت قد اختارت محمد أوريش وكيلا للائحة المصباح بدائرة تارودانت الجنوبية، قبل أن تتدخل قيادة العدالة والتنمية لتضعك على رأس اللائحة. ألم يخلق هذا حالة من الاستياء والرفض؟ بتاتا. الذي وقع هو أن الأجهزة المحلية للحزب تفكر على مستوى الانشغالات والاهتمامات المحلية، في حين أن الأمانة العامة للحزب تفكر وطنيا ومن خلال بعد استراتيجي، وهذا ما يعطي للأمانة العامة امتياز التفكير وفق استراتيجية وطنية وفي إطار الصلاحيات المخولة لها قانونيا. الرائع في حزب العدالة والتنمية هو هذا التجاوب والانسجام التلقائي بين مناضلي الحزب والأمانة العامة، والذي سهلهُ أن المناضلين في حزب العدالة والتنمية متشبعون بثقافة نضالية تجعل المناصب والكراسي آخر شيء يتم التفكير فيه. كل ما هناك هو أن أجهزة الحزب على المستوى المحلي حاولت أن تفهم دواعي وخلفيات وأسباب قرار الأمانة العامة، وهذا من حقها. وبمجهود بسيط وفي مدى زمني محدد عرض الدكتور لحسن الداودي، الذي أوفدته الأمانة العامة، حيثيات القرار الذي لقي تجاوبا تلقائيا، ومن حينها اعتبروني مرشح الحزب في المنطقة، وأكثر من هذا أحاطوني بعناية خاصة، أرجو أن أكون في مستواها وفي مستوى طموحات مناضلي الحزب محليا ووطنيا. - مضت سنة على توقيفك من مهامك بصفتك قاضيا. كيف تقيم الآن ما حدث؟ مازلت أحاول فهم ما جرى، فقد مرت المسألة في ظروف يلفها الغموض، حيث أعلن فجأة في الوكالة الرسمية، هي وكالة المغرب العربي للأنباء، عن نبأ توقيف عضوين بالمجلس الأعلى للقضاء بتهمة تسريب أنباء للصحافة حول نتائج انتخابات المجلس الأعلى للقضاء التي كانت قد انتهت لتوها، ثم تسارعت الأحداث ليتم توقيفي من جميع مهامي القضائية والتمثيلية. وهنا كان لجوئي إلى القضاء من أجل إلغاء قرار التوقيف. لم أكن أراهن كثيرا على كسب القضية بقدر ما كان هدفي التفاعل مع الرأي العام من خلال إذكاء نقاش عمومي حول الدوافع والخلفيات الحقيقية للقرار، لأنه إلى حدود نهاية دورة المجلس الأعلى لم تكن هناك أي إرهاصات تشير إلى حدث بهذا الحجم، علما بأن الذرائع التي يستند إليها قرار التوقيف، وهي تسريب أسرار المجلس للقضاء إلى الصحافة، تبقى ذرائع غير مقنعة، فأنا لم أكن أعتبر يوما أن المجلس الأعلى للقضاء، الذي أصبح الآن المجلس الأعلى للسلطة القضائية، يشتغل على أسرار، فالأمر لايعدو مقترحات تتعلق بالمسار المهني والإداري للقضاة، تصبح بعد ذلك قرارات تصل في النهاية إلى أصحابها، ويعرف الناس أن القاضي الفلاني تحول إلى المنطقة الفلانية أو رقي إلى الدرجة الفلانية. نحن إذن أمام مجموعة من القرارات ذات صبغة إدارية، ولست أدري من أضفى عليها طابع السرية أو القدسية، مع العلم بأنني لازلت أعلن براءتي التامة والنهائية من أي تسريب، فقد كنت أكثر الأعضاء تحفظا لأنني كنت أعلم بأنه يغفر لباقي القضاة ما لايغفر لي شخصيا. - لماذا يغفر لباقي القضاة ما لا يغفر لك؟ هل كان يُتربص بك؟ بالتأكيد، وقد كانت هناك مؤشرات كثيرة على ذلك. فمنذ البداية لم أكن مرحبا بي كعضو بالمجلس الأعلى للقضاء، الذي كان حكرا على ثلة من «أعيان المهنة» ، الدين أفرزتهم طريقة التصويت بالأظرفة المفتوحة والمتحكم فيها، والتي كانت معتمدة آنذاك قبل اعتماد الاقتراع السري على عهد الوزير عمر عزيمان، الذي تنبه إلى خطورة الطريقة التقليدية، فكان ذلك إيذانا ببداية تشكل نخبة جديدة قُدِّر لي أن أكون في طليعتها. ولم يكن الأستاذ محمد بوزوبع الذي تسلم الوزارة بعده ينظر بعين الارتياح إلى عضوية قاض مشاكس جاء إلى المجلس من باب العمل الجمعوي كمؤسس للجمعية المغربية للدفاع عن استقلال القضاء. وقد جاء حدث توقيع القضاة على العريضة الاحتجاجية في نوفمبر2003 على إثر الاعتقال التحكمي لزملائهم على خلفية ما كان يعرف بقضية بارون المخدرات منير الرماش، التي كان لي شرف تأطيرها لتؤكد هذه المخاوف. بالنسبة إلي فقد كنت أتحرك من خلال تصور للعضوية يتجاوز مجرد تسجيل الحضور إلى الالتزام الفعلي بحماية الضمانات والحقوق المهنية للقضاة. وقد يكون ذنبي في هذا كله أنني حاولت أن أتماهى مع الخطاب الرسمي المتعلق بإصلاح القضاء، والذي يبدأ مع استقلالية القاضي، وكنت أمارس هذه القناعات من داخل المجلس الأعلى للقضاء، فكانت لي تحفظات على مجموعة من القرارات، وهذا ما تشهد به المحاضر الرسمية لو أتيح لها أن تُعلن، وهذا موضوع آخر لأنني أعتبر نشر هذه المحاضر مطلبا يندرج في إطار الشفافية، التي هي قرينة الحكامة الجيدة والتدبير الجيد للمسار المهني للقضاة وللشأن القضائي عموما كشأن بالغ الحساسية، لأجل هذا وغيره كانت آرائي في الغالب لا تروق. - هذا يعني أن المناداة بإعمال الشفافية في القضاء تكلف صاحبها. بالتأكيد، كما هو الحال في كل المجالات الأخرى، يكون التعتيم هو الطريقة المفضلة لتفادي أي نقد أو محاولة للتغيير، وأي محاولة لتسليط الضوء على زوايا الظل والعتمة يتم التصدي لها من طرف قوى مقاومة التغيير بالحزم والصرامة اللازمة. - في 2003، بعد توقيعك على تلك العريضة وتوزيعك لها، هل أوحي لك بما يفيد بأنك محط عدم رضى جهات عليا؟ لم يوح إلي لأنني لست نبيا ولم تكن هناك إشارات، بل تم توقيفي من مهامي بالمجلس الأعلى ومن مهامي القضائية، وعرضي على نفس المجلس بهيئة تأديبية، وقد جاءت العواقب سليمة نسبيا لأنني خرجت منها بعقوبة توبيخ مع نقل تأديبي نظرا لأن الحدث آنذاك كان قد أخد بعدا دوليا، حيث دخلت على الخط منظمات حقوقية وقضائية دولية مثل منظمة « ميديل» M.E.D.E.L وهي جمعية قضائية تنشط على المستوى الأورومتوسطي، وكذا الفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان F.I.D.H، ومنظمة محامين بلا حدود، فضلا عن تضامن المنظمات الحقوقية والمدنية الوطنية، التي أعبر لها عن شكري وامتناني بالمناسبة. لقد كان من الممكن أن أتعرض في 2003 إلى ما تعرضت له في 2010، أي أن قرار عزلي تأخر بستة سنوات غير أن الضغط الحقوقي حال دون ذلك حينها، لكن هؤلاء الناس احتفظوا لي بالحساب إلى ما بعد. - على ذكر استقلالية القضاء. كنت رئيسا للمحكمة الإدارية بمراكش، هل طُلب منك يوما تنفيذ قرارات معينة خارج القانون؟ ليس المهم ما تتعرض له من ضغوط أو تدخلات، المهم هو كيفية التعاطي مع هذه الضغوط التي هي جزء من مخاطر المهنة. - ولكن الجهات التي عزلتك من مهامك لم تقل إنها فعلت ذلك لأنك كنت تدافع عن استقلالية القضاء، بل قالت إنها ضبطتك «متلبسا» بالارتشاء من طرف مطبعي. ما حقيقة ذلك؟ (يضحك) لم أسمع من قبل بحكاية ضبطي متلبسا، كل ما هنالك أنه بعد صدور قرار العزل، وبالضبط من أجل تبرير هذا القرار القاسي تم الترويج لحكاية ارتشاء مجردة وبدون تحديد أي واقعة مضبوطة، أما الشخص الذي تتحدث عنه فهو رجل أعمال شاب وصاحب مطبعة تعرفت عليه من طرف بعض القضاة أثناء الحملة الانتخابية للمجلس الأعلى للقضاء، ثم نشأت بيننا صداقة بحكم أنني اكتشفت أنه ابن بلدتي من منطقة سوس فتوالت بيننا الزيارات والمجاملات في الأعياد والمناسبات العائلية، كما هو الشأن في العلاقات الاجتماعية عامة، ولازالت هذه الصداقة مستمرة إلى حد الآن، بالرغم من كل ما حدث، وهي علاقة لا أشعر حيالها بأي حرج بحكم أنه رجل أعمال يشتغل في مجال نظيف، كما أنه لم تكن له قضايا أو نزاعات معروضة أمام القضاء. عندما طبع بعض منشوراتي اتصلت به لمعرفة ثمن الطبع، فأخبرني بأن المبلغ هو 600 درهم، وأضاف «اعتبرها هدية مني». هل مبلغ 600 درهم ليس رشوة بنظرك؟ العبرة في الرشوة ليست في قيمة المبلغ مهما كان زهيدا، بل في مقابلها من الخدمات التي يطلبها الراشي وفي علاقتي بمن تعني. إذ لم يحدث أن تجرأ ذلك الشخص على مفاتحتي في أي طلب يتعلق بمجال وظيفتي القضائية أو التمثيلية. وهذا سر استمرار علاقتي به، ثم إنني كرئيس للمحكمة الإدارية بمراكش، بل طيلة مساري القضائي الذي امتد على مدى 25 سنة، كانت تعرض علي قضايا بمئات الملايين، وقد كان بإمكان من يتهمني اليوم جزافا أن يجد في هذه الحصيلة ولو قضية أو واقعة أو حتى شبهة ارتشاء. - وما قصة «السلهام» وتذكرة الطائرة؟ يتعلق الأمر بنفس الشخص، صديقي المطبعي الذي كنت في ضيافته بالدارالبيضاء، ورافقني إلى منطقة الحُبوس لاقتناء لباس تقليدي، فأبى إلا أن يهديني هذه البذلة التقليدية وكذا تذكرة الطائرة إلى طنجة لحضور احتفالات عيد العرش. كل ذلك في إطار المنافع والهدايا المتبادلة عادة بين الأصدقاء. - بالعودة إلى مسارك المهني، هل تعرضت يوما إلى محاولة إرشاء في قضية كانت معروضة عليك؟ كل قاض معرض لهذا. تبقى شخصية القاضي ومدى قوة جهاز المناعة لديه واستعداده الشخصي للتصدي لأي مساومة وفرض احترامه. في القضاء هناك قضاة يفرضون هيبتهم من بعيد، ويشيع بين الناس ذلك، فلا يجرؤ أحد على مساومتهم. - سبق أن صرحت بأن المشاكل التي حدثت لك في سلك القضاء كانت من فعل جهات أرادت استعادة المحكمة الإدارية بمراكش. هل كانت هذه المحكمة «محررة» من قبضة وزارة العدل أو جهات أخرى؟ المحكمة الإدارية بمراكش كانت قلعة حصينة ضد التعليمات والتوجيهات والضغوط، كما أنني حاولت أن أجعل منها قلعة للقانون في قراءته المتنورة في أبعادها الحقوقية، وقد كنت أحاول تأطير القضاة من حولي في هذا الاتجاه. - من جملة الملفات التي عرضت على أنظار هذه المحكمة وأثارت جدلا واسعا ملف إلغاء عُمدية مراكش. هل بلغك حينها أن الحكم أغضب قيادة الأصالة والمعاصرة؟. حين نصدر أحكامنا لم نكن نهتم كثيرا بما قد تثيره من ردود أفعال بقدر ما نحرص على تحري حكم القانون بغض النظر عن مواقع الأطراف. وقد كان طبيعيا أن تثير بعض الأحكام، أو بالأحرى بعض القضايا، اهتمام الرأي العام، لكن ما لم يكن غير مقبول هو تلك الحساسية الزائدة التي أخذ بها الحكم أو الأحكام التي تشير إليها، حيث جاءت لجنة من وزارة الداخلية للتحقيق مع والي الجهة على خلفية الحكم، لتكتشف أشياء أخرى تمت إثارتها بصفة عرضية من قبيل المخالفات المتعلقة بقانون التعمير، تماما كما اكتشف وزير العدل، وهو يحقق في وقائع تسريب نتائج دورة المجلس، حكاية ارتشاء خيالية لا تستند إلى واقع ليتضح ارتباط ذلك كله بنفس السياق، حيث تم توقيف الوالي. حينذاك أصبح الجميع يتوقع أن يحدث شيء من هذا مع المحكمة الإدارية، لكن ذلك اعتبر حسابا مؤجلا. - بعد توقيفك من القضاء، حاولت الاشتغال محاميا، لكنك منعت. ماذا حدث؟ حدث أن نفس الجهات التي وضعت سيناريو ومونطاج توقيفي من مهامي بصفتي قاضيا لم تكن تريد أن تبدو متساهلة، بل أرادت أن تظهر بمظهر الجادة فيما تفعل، وهذا يعطي انطباعا بأنني مستهدف؛ فبالنظر إلى كل المراحل التي قطعها الملف: تقبلك نقابة المحامين بكل ترحيب وأريحية، بل إن النقابة لم تتحدث إلي في موضوع الالتزامات المالية لعلمها بوضعيتي آنذاك، لأفاجأ بنفس الآلية تتحرك ضدي؛ حيث طعن الوكيل العام لاستئنافية بني ملال ضد قرار الهيئة، ومع هبوب رياح الربيع العربي، ممثلا في حركة 20 فبراير، وفي سياق الانحناء للعاصفة، صدر حكم مرن نسبيا يقضي بإلغاء قرار مجلس هيئة المحامين وإعادة الملف إلى نفس الهيئة للنظر فيه من جديد، وهو ما اعتبرناه إشارة في سياق التهدئة، وبعد إجراء المسطرة من جديد أكد المجلس نفس قراره السابق، فتم الطعن فيه من جديد من طرف الوكيل العام للملك، وصدر بعد ذلك حكم بإلغاء قرار مجلس الهيئة لم نبلغ به رسميا بعد، علما بأننا عازمون على المضي في المسطرة إلى نهايتها. - وزير العدل المغربي صرح في هذا الموضوع لإحدى الجرائد الفرنسية قائلا: «القاضي السيء لا يمكن أن يكون إلا محاميا سيئا». نعم لقد كنت قاضيا سيئا، أي أنني لم أكن من طينة القضاة الذين يستجيبون بسهولة، ويبحثون عن الحظوة، فأنا أعتبر القضاء حظوة في ذاته، لكنه حظوة لها ضريبتها. - وزير العدل قال لنفس الجريدة الفرنسية أيضا إنه كان يحترمك، لكنك الآن انتهيت. هل ترى من موقعك كصحفي أنني انتهيت؟ هل كنت ستسافر كل هذه المسافة من الدارالبيضاء إلى تارودانت وتشد الرحال لمحاورة شخص انتهى وانتهى أمره؟ سنحتكم إلى التاريخ لنعرف من منا انتهى وانتهت صلاحيته، ومن لازال يحتفظ بزخمه وبمساره. لقد كان هناك من يتوقع أن يكون قرار عزلي من القضاء بمثابة الضربة القاضية التي ستجعلني أنزوي في ركن، لكنني سرعان ما استأنفت أنشطتي، فأنا أشتغل مستشارا قانونيا لدى المنظمة الدولية للشفافية، ضد الرشوة، وأعتقد أن مصداقية هذه المؤسسة تكفي للرد على كل الاتهامات والقذف الجزافيَ بدون دليل، فهل يعقل أن تقبل هذه المؤسسة من تحوم حوله أدنى شبهة أن يشاركها مسارها في محاربة الفساد والارتشاء؟ كما أنني ولله الحمد لا زلت حاضرا بقوة على المستوى الفكري من خلال المشاركة في كل الندوات والنقاش العام الذي يميز المرحلة، بل أضفت إلى حضوري الفكري والمهني بعدا سياسيا بالتحاقي بحزب سياسي له حضوره الوازن في الساحة السياسية، وعازم على خوض غمار الانتخابات النيابية بكل الزخم المهني والحقوقي لشخص ينطلق من جديد وليس شخصا انتهى. - على ذكر الرشوة. اتهمك وزير العدل أيضا بالارتشاء.ما هو ردك؟ وزير العدل اتهمني بكل المحرمات. أما مسألة اللجوء إلى القضاء، فكنت أنتظر من وزير العدل أن تكون لديه وقائع محددة، وتكون له الجرأة الكافية للجوء إلى القضاء. - لقد قال إنه ترفع بداية عن الزج بالقضاء فيما من شأنه أن يُسوّد صورة المؤسسة القضائية، ولكنك دفعته إلى ذلك؟ من السهل الاختفاء وراء الذرائع والظهور بمظهر المتعفف المترفع حين لا نملك الجرأة على مواجهة المواقف. هل هي نفس الذرائع التي تمنع وزير العدل من تحريك ملفات الفساد الكبرى والرشاوى الكبرى التي صدرت في تقارير رسمية من المجلس الأعلى للحسابات، وما زال الرأي العام يطالب بتحريكها من مختلف المنابر. وبالمناسبة فقد نشر مدير جريدتكم الأستاذ رشيد نيني في نفس الظروف وفي عموده الشهير مقالات في شأن قضاة أشير إليهم بالاسم والصفة كمتورطين في علاقات مشبوهة مع أباطرة المخدرات وفي قضايا رشاوى كبرى لم يجرؤ وزير العدل أن يحرك حيالها خنصره. وقد نالني شخصيا نصيب من هذه المقالات، لكن بعد قرار العزل وفي سياق تبريره. - أن يقول وزير العدل عكس ما يُضمر، هل يعني ذلك بأنه ضعيف أو مضغوط عليه؟ هذا شأنه. - كيف تعلق على مشهد قضاة يؤسسون ناديهم في الشارع العام؟ أن يجد القضاة أنفسهم مجبرين على عقد جمعهم التأسيسي في الشارع العام أمر مخجل ومقلق على حد سواء ومؤشر على استمرار نفس النهج القديم على مستوى الممارسة ويشكل نوعا من الاستهانة والاستخفاف بالوثيقة الدستورية، التي أصبحت تكرس هذا الحق الذي ناضلنا من أجله، كما ناضلت من أجله كل الجمعيات والمنظمات الحقوقية الوطنية. ولا يسعني هنا إلا أن أحيي إصرار وصمود القضاة في نادي القضاة بالمغرب. هذه للأسف بعض المؤشرات السلبية التي تعطي انطباعا بأن هناك اتجاها نحو إفراغ الوثيقة الدستورية من أي محتوى. هذه المؤشرات السلبية هي التي تعطي المشروعية للتشكيك في قدرة الأجهزة الحالية على التنزيل الفعلي لأحكام الدستور وتدفع بالتالي باتجاه خيارات صعبة لا نريدها ولا نتمناها لهذا الوطن العزيز. - كيف تلقيت السجال الذي اتهم فيه حميد شباط نائبة لوكيل الملك بفاس بأوصاف لا أخلاقية، كما اتهم رئيس نادي القضاة بالكذب؟ حميد شباط معروف بإطلاقه تصريحات لا تكترث بأي ضابط. التعامل مع هذه القضية كان يجب أن يكون قانونيا صرفا، أي أن تحسم القاضية المعنية بالأمر فيما إذا كانت لها رغبة في متابعة الشخص الذي وصفها بتلك الأوصاف في تصريحاته أم لا.