د- من الرأسمالية الفاسدة إلى أخواتها: ذكرنا أن أصل الرأسمالية الفاسدة متفرع عن بيروقراطية إدارية وسياسية فاسدة، تحولت إلى رأسمالية فردية وعائلية فاسدة، سليلة نظام سلطاني تقليدي بأعيانه وأعوانه. وقد انضم إلى هؤلاء رأسماليون فاسدون آخرون استفادوا من واقع الفساد والتحقوا بالرأسمالية الإدارية والسياسية الفاسدة، فاحتلوا المجالس ودخلوا البرلمان وتحكموا في المؤسسات والممتلكات والصفقات والأموال العامة. وبما أن أخوات الرأسمالية الفاسدة كثيرات، فإننا سنكتفي بالإشارة إلى بعض النماذج منها في السياق الحالي: - المضاربون العقاريون: يأتي المضاربون العقاريون على رأس شركات الرأسمالية الفاسدة، ذلك أن نظام الرأسمالية الإدارية والسياسية الفاسدة فشل في بناء اقتصاد وطني قوي وفي توجيه الاستثمارات إلى صناعة متطورة وإلى أنشطة تجارية متنوعة، بل عوّض النظام هذه الأهداف التنموية بسياسة الاقتصاد الإسمنتي، سواء في إطار تجديد البنيات الأساسية بعد تأخر كبير أو في إطار السكن الاقتصادي بعد 50 سنة من الاستقلال من خلال وسطاء مضاربين؛ وفي ظل غياب أية رقابة شعبية على الصفقات وعلى المشاريع، تفتحت شهية المضاربين العقاريين الذين احتكروا القطاع مستغلين بنية الفساد الإداري، حيث تم الترامي على الوعاء العقاري للدولة وللمواطنين ولسكان دور الصفيح بأثمنة زهيدة وإعادة بيعها، بعد بناء مغشوش، بأسعار خيالية. لقد انتظر النظام 50 سنة كاملة إلى أن ارتفعت أثمنة العقار ليفوت الوعاء العقاري المغربي بأثمنة زهيدة إلى أشخاص فرديين يطردون الفقراء من سكناهم ويعيدون بيعها لهم في أماكن نائية وبعيدة عن مقرات عملهم بأثمنة باهظة وخيالية. فماذا كان النظام سيخسر لو مكن السكان من أراضي سكناهم وحفزهم على بنائها بشكل جماعي وتصاميم تخفض التكلفة، حيث يتمكنون من الحصول على سكن لائق بأثمنة أقل بكثير من الأثمنة المعروضة من طرف العقاريين الفاسدين؟ وماذا كان سيحدث لو تكلف النظام ببيع الأراضي بأثمنتها الحقيقية ومكن سكان دور الصفيح من سكناهم بأثمنة معقولة ورمزية؟ وفي ظل اتساع الصفقات الإسمنتية وعقود التوريد والخدمات المغشوشة، تناسلت الشركات التي تقدم إلى الدولة أشغالا وخدمات كبيرة ومتنوعة يتم من خلالها، وعبر العلاقات الزبونية الفاسدة وفي غياب كلي للشفافية وعبر خرق فاضح للقوانين ودون اكتراث لمعايير السوق وأخلاقيات العمل ومواصفات الجودة، تحويل الأموال العامة إلى الخواص؛ فقد طالعنا في الصحافة العديد من التفويتات للأراضي بأثمنة زهيدة لا تصدق والتي استفاد منها عدد من الأشخاص على حساب ذوي الحقوق الأصليين أو المستغلين لعقود من الزمن. وبمعية ذلك، تم الترامي على ممتلكات الدولة والخواص وتحويلها إلى ملك خاص من طرف أسماء معروفة وبارزة. وتداولت الصحافة واقع أراضي لهيئات حكومية قد لا يتصور أحد أن يطالها التلاعب. كما تابعنا، عبر الصحافة كذلك، صراعات لمؤسسات عقارية، إذ تم تبادل استغلال النفوذ والمحسوبية وعدم احترام ضوابط السوق بين أطرافها، وبلغ أثرها حد التهديد بسحب الاستثمارات من السوق المغربي، بل وتم استغلالها لتوجيه رؤوس الأموال نحو الأسواق الخارجية للهروب من الرقابة. - أباطرة المخدرات: وإلى جانب المضاربين العقاريين والمستفيدين من البيروقراطية الإدارية والسياسية الفاسدة، هناك أباطرة المخدرات والدعارة والتهريب والذين يعملون في الظلام وخارج القانون بمعية الرأسمالية الفاسدة ولصالحها. لقد سمعنا الكثير عن أباطرة المخدرات وعلاقاتهم بالإدارة وبالسياسة، وعن صراع اللوبيات الإدارية ومواقع النفوذ؛ وبات التصريح علنيا بأن البرلمان المغربي يعج بأباطرة المخدرات الذين يشيدون قلاعهم داخل جميع الإدارات. وقد انتقلت هذه الفئة من الاستثمار في السياحة والترفيه والدعارة إلى العقار والزراعة، أي من الهوامش والساحل إلى الداخل. - المستثمرون الأجانب: في ظل سياسة السوق المفتوح والحسابات السياسية الفجة وجلب الاستثمار، عملت الرأسمالية الفاسدة على عقد شراكات غير مبدئية مع عدة جهات أجنبية أصبح لها نصيب الأسد في الأنشطة الاقتصادية والخدماتية المغربية. وقد عملت الرأسمالية المغربية الفاسدة على الحصول من خلال الرأسمالية الأجنبية على صفقات وأموال عمومية غير مشروعة. 2 – الآثار الخطيرة للفساد الاقتصادي وعلى كل حال، فمن الرأسمالية التقليدية ما قبل 1956 إلى الرأسمالية العائلية الفاسدة، مرورا بالبيروقراطية الإدارية والسياسية وبالرأسمالية الفردية الفاسدتين، ثمة مسلسل فظيع وبشع من تفقير المغاربة، دولة وشعبا، مجتمعا وأفرادا، بفعل حدة النهب وقوة الفساد اللذين لم ينقطعا لأزيد من 60 سنة متتالية، حيث تم تحويل الأموال العامة إلى أموال خاصة بطرق غير مشروعة وشطط سلطوي مافيوي، وحيث ظل الفساد يترعرع وينمو عوض بناء اقتصادي وطني قوي إلى أن أضحى النظام عاجزا كليا عن تحمل مسؤولياته الدستورية في توفير أسس ومقومات العيش الكريم وضمان السلامة النفسية والروحية والعقلية والجسدية للمواطنين، وبذلك تم ترصيص جدار عزل طبقي بين الرأسمالية الفاسدة بكل روافدها وصورها التي تزداد شراسة يوما بعد يوم وبين عامة الشعب التي فقدت الأمل في الحلم وفي تحسين أحوالها. أما الطبقة الوسطى، التي طالما سمعنا أنها تشكل مفتاح تحقيق الانتعاش الاقتصادي وردم الهوة بين الفوق والتحت، فقد تم تدمير كل مقوماتها واندحرت إلى القاع غير قادرة على تلبية الحد الأدنى من حاجياتها رغم مؤهلاتها المغربية والمهنية، ولم تعد نموذجا لأبناء الفئات المقهورة الذين يرون فيها نموذجا للإفلاس، ذلك أن تدهور القوة الشرائية لهذه الفئة جعلها هي وكل الفئات المأجورة تغرق في بحر القروض الصغرى التي نسجت خيوطها مافيا المال بإحكام كوسيلة لتعويض جمود المداخيل وتقهقر الأجور والرواتب في ظل تغطية الفرد الواحد لتكاليف عيش أزيد من عشرة أفراد الأسرة الصغيرة والكبيرة. وقد بلغت الهوة الطبقية حدا لا يطاق إذا ما قارنا بين دخل الفئات الكادحة التي تعيش على أقل من عشرة دراهم لليوم وبين فئات تنعم بدخل خيالي يعد بملايين السنتيمات يوميا، بل بالمليارات بالنسبة إلى بعض الأسماء، إذ لم يعد ممكنا في مغرب اليوم الحديث عن العدل الاجتماعي وعن كينونة مغربية موحدة وهوية مشتركة، فعدم تكافؤ الفرص وتمايز العيش والتمييز أمام القانون وانحياز القضاء إلى الفاسدين ضد الضعفاء أعطى للمغاربة هويات متناقضة تعبر عن ذاتها في كل مجالات الحياة. ومجرد القيام بعمليات حسابية بسيطة يظهر أن غلاء المعيشة وتطور تكاليف الحياة اليومية من الستينيات إلى الآن مقارنة بتطور الأجور قد تضاعف آلاف المرات، حيث لم تعد للزيادة في الأجر أية قيمة من سنة إلى أخرى، خصوصا وأن الزيادات لا تحدث إلا مرة في 10 سنوات في أحسن الأحوال. ولعل تخصص البيروقراطية الإدارية والسياسية في تفقير الدولة والشعب وتشييد إمبراطورياتها الخاصة قد جعل الاقتصاد المغربي يصاب بالشلل والعجز على مدى الثلاثين سنة الأخيرة، حسب ما تظهره بيانات تطور الناتج الإجمالي الوطني والصادرات مقارنة ببعض الدول العربية القريبة منا أو مقارنة بدول ذات اقتصادات متطورة، فلقد كان الناتج المحلي المغربي حوالي 15.4 مليار دولار سنة 1982 في وقت كان فيه ناتج تونس هو 08.7 مليارات دولار وكوريا الجنوبية 74.5 مليار دولار والصين 266.2 مليار دولار؛ وفي سنة 2002 أصبح الناتج المحلي الإجمالي للمغرب هو 43.7 مليار دولار وناتج تونس هو 25.1 مليار دولار وكوريا الجنوبية 605.4 مليارات والصين 1434 مليارا، مما يعني أن الناتج المحلي المغربي قد ارتفع بنسبة 183.8 في المائة وتونس 208.6 في المائة وكوريا الجنوبية 712.6 في المائة والصين 438.7 في المائة. وبذلك يكون الاقتصاد المغربي هو الاقتصاد البطيء من بين جميع الاقتصادات موضوع المقارنة، بل إنه يعد أبطأ 3 مرات من اقتصاد الصين و5 مرات من اقتصاد كوريا الجنوبية، حسب الأرقام أعلاه والتي مصدرها (IMF, International Financial, statisties yearbook, 1900.2004). يتبع...