في خطوة، محمودة ولا شك، تؤسس لتقليد كتابة المذكرات عند المغاربة لدى من عايش وقائع مهمة وشخصيات ذات تأثير في تاريخ المغرب عبر مستويات عدة، أصدر الصحافي المعروف مصطفى العلوي كتابا في هذا الباب اختار له عنوان: «مذكرات صحافي وثلاثة ملوك» عن منشورات «أخبار اليوم»، وقد أعده للنشر يونس مسكين، الصحافي بذات الجريدة، ويقع الكتاب في 320 صفحة من القطع المتوسط. في هذه المذكرات، يقلب العلوي، الذي عايش وقائع واحتك بشخصيات ذات تأثير، أوراق الماضي ليتذكر علاقاته بتلك الشخصيات «ذات الوزن الكبير» التي وجهت الأحداث وألقت بظلالها على تاريخ المغرب المعاصر. ولم يفت العلوي، وهو يسترجع شريط الأحداث، أن يستحضر مسيرته المهنية التي غلفتها ضربات أليمة في أوقات عدة، فقد «تأرجحت بين الاستعادة المؤلمة لتفاصيل محن ومصائب طالت شخص العلوي أو تركت آثارها في مسار دولة خرجت منذ ستة عقود من الاستعمار المباشر»؛ وفي هذا الإطار، يروي في الصفحة 253: «بعد خروجي من محنة الاختطاف والاحتجاز في دار المقري (1963)، وبعد المخطط الأوفقيري، الذي أرغمني على التوقيع على محضر يقول إنني كنت أتجول في الجزائر أثناء فترة اختفائي مقابل الإفراج عني، فوجئت بعالم جديد وأنا أستأنف إصدار جريدة «أخبار الدنيا»، وبمغرب يعيش صورة تكاد تطابق تلك التي كانت تسود في أمريكا الجنوبية تحت حكم الجنرالات؛ فكان الجنرال محمد أوفقير هو من يغطي على دهاء وبلاء الحسن الثاني، وأصبح المغرب وقتها مرتعا لرجال المخابرات والبوليس الذي يترصد ضحاياه في الشوارع والمنتديات، بالإضافة إلى المحاكمات التي كانت تشمل المناضلين الحقيقيين المنسيين للاتحاد الوطني للقوات الشعبية، في وقت كانت توجد فيه قوات مسلحة معارضة للنظام ومستقرة في الجزائر. وكانت الساحة المغربية تغلي بأسوأ التوقعات؛ وهي فترة، ولسوء حظ أجيالنا الجديدة، باتت منسية». ولم يفت مصطفى العلوي، في مذكراته هاته، الحديث عن تجربته الإعلامية، فقد خصص حيزا هاما للحديث عنها، ولاسيما في محطاتها الهامة كتغطياته للمؤتمرات الصحافية التي كان يعقدها الملكان الراحلان محمد الخامس والحسن الثاني، وتغطيته لحرب فيتنام واعتقاله من طرف ضباط إسرائيليين أثناء العزو الإسرائيلي للبنان صيف عام 1982. ويروي الكتاب تفاصيل دقيقة عن طفولة مصطفى العلوي وانتقال عائلته من فاس إلى سلا ومتابعته للدراسة إلى جانب شخصيات ستطبع تاريخ البلاد فيما بعد وتتولى مسؤوليات كبرى حاليا؛ كما يتطرق لبدايات الصحافية ويستعرض تفاصيل لمْسَ أحد مسؤولي وزارة التربية الوطنية، حيث كان يعمل موظفا في مكتب الضبط، لموهبته، مما دفعه إلى حثه على التوجه إلى فرنسا لتلقي تكوين أكاديمي في مجال الصحافة، ليعود بعدها مصطفى العلوي إلى المغرب ويبدأ رحلته مع «صاحبة الجلالة»، وذلك بتأسيسه لصحيفة «المشاهد». وأشرف العلوي بعد إنهاء تجربة «المشاهد» على مجموعة من الصحف ك»الفجر» الحكومية و»أخبار الدنيا» وغيرهما. ودافع العلوي، في المذكرات، عن نزاهة الصحافيين، مؤكدا أن المهنة «تخليد لمواقف وتبليغ رسالة»؛ وفي المقابل، حمل بشدة على الصحافيين المرتشين. ويتضمن الكتاب مجموعة من الوثائق المهمة والنادرة التي يعود بعضها إلى أكثر من نصف قرن، وتضم صورا له ولشخصيات أخرى ورسائل ومقابلات وغيرها. وفي حديثه عن بعض الشخصيات المثيرة للجدل، يتحدث عن عبد السلام ياسين بقوله: «أعتقد أن عبد السلام ياسين، مؤسس حركة العدل والإحسان، هو، ككثير من الشخصيات الأخرى، ضحية لسوء الفهم، سوء فهم ينطلق من كونه في حالة افتراض أنه كان في صراع شخصي مع الحسن الثاني، فما هو مبرر خلافه مع الملك محمد السادس؟ إلا إذا كان الأمر يتعلق بخطوط حمراء لأجهزة سوداء، تضع الخطوط التي لا يجب تجاوزها، لا من طرف الملك ولا من طرف غيره». وفي تقديمه للكتاب، قال يونس مسكين إن فكرة تسجيل مذكرات العلوي كانت مختمرة في ذهن الرجل «كما لو كانت تنتظر من يستحثها على الظهور... ويخرجها إلى قراء متعطشين إلى ما فعله وقاله أو عجز عن فعله»، وأضاف أن الصحافي مصطفى العلوي حطم طابو الأرشيف الشخصي للشخصيات التي تؤثر في مصير البلاد وتتقلد مسؤوليات جسيمة لكنها في المقابل تمتنع عن نشر شهاداتها حول هذه الفترات». وفي حديثه عن ملوك المغرب الثلاثة، ذكر العلوي أن الملك محمد الخامس كان يلتقي بالصحافيين يوميا في تمام الساعة الخامسة في القصر الملكي. أما عن الملك محمد السادس، فقد وصفه ب«الشخص الطيب» وب»صاحب النوايا الطيبة»، وقال إنه تدخل، في أكثر من مناسبة، لإخراجه من السجن بعفو ملكي. وأضاف مصطفى العلوي، في الكتاب، أن الملك محمد السادس أنقذ حياته من خلال التكفل بمصاريف علاجه في إسبانيا من مرض خطير اسمه «موت الأعصاب».