قضى الشاعر الكبير أحمد فؤاد نجم في سجون مصر أكثر من 18 سنة، لذلك فإن سلاطة اللسان التي تحلى بها لم تأت من فراغ، أو لم تكن سلاطة «مستريحة»، لقد أدى الثمن مثل غيره من أبناء الشعب المصري العظيم من أجل حياة أفضل، ومثل باقي المناضلين في البلاد العربية من المحيط إلى الخليج. سيكون من قبيل التذكير فقط أن نقول إن الشاعر الفرنسي الكبير لويس أراغون كان يرى في شعره قوة تسقط الأسوار كما أسماه الأديب والناقد الألمعي الدكتورعلي الراعي الشاعر البندقية، بينما الرئيس الراحل السادات نعته بالشاعر البذيء ولقبه بآخر الصعاليك المحترمين وبشاعر تكدير الأمن العام. لقد كانت هزيمة 67 قاصمة للجسد العربي وللحلم في القبض على اللحظة التاريخية، وحتى يومنا هذا يظل طوفان 1967 هو اشد التجارب الجماعية إيلاما بالنسبة إلى المصريين الذين عاصروا الحدث ويتذكرون تلك الأيام العصيبة صيف عام 1967، وبالنسبة إلى العرب جميعا الذين شاركوهم هذا الحلم. ويرى أحمد فؤاد نجم أن الهزيمة قد جعلت منه شاعرا، يقول: «هزيمة 67 جعلت مني شاعرا». إنه بابلو نيرودا العربي الذي تسافر قصائده من الشرق إلى الغرب مخترقة الحدود ودون حاجة إلى جوازات المرور. يقول نجم في إحدى المقابلات معه: «قبل 5 حزيران/يونيو عام 1967 كنا نصدق ما تقوله لنا وسائل الإعلام الحكومية عن قوة مصر العسكرية. كنا نصدق أننا أكبر قوة ضاربة في الشرق الأوسط». وأضاف: «قبل الحرب مباشرة كتبت قصيدة «رسالة» عن مواطن مصري صعيدي كتب خطابا إلى ابنه الجندي في الجبهة يحثه فيه على القتال بشجاعة لتحرير فلسطين والأخذ بثأر شقيقه الذي قتله الإسرائيليون». في تلك الأيام كان نجم نجما حقيقيا، يتصدر المظاهرات ويكتب شعره في المساء ويلحنه الشيخ إمام في الصباح، وآلة إنتاج الوعي الشعبي على أشدها، يقول نجم: «في تلك الأيام كنت أكتب قصيدة جديدة كل بضعة أيام. في الصباح أقرأ القصيدة على الشيخ إمام وفي المساء تصير أغنية جاهزة لإسماعها للناس». وبسرعة كان يجري إعداد مجموعة كبيرة من الأغنيات السياسية أغنيات تتحدث عن الحاجة إلى مكافحة الطغيان والقمع وعن تحرير الأرض المحتلة عن حرب شعبية على طريقة الحرب الفيتنامية وعن الأحرار في كل مكان في العالم من هوشي منه إلى تشي جيفارا. لقد خاصم أحمد فؤاد نجم نظام عبد الناصر في البداية، لكنه عاد وامتدحه في قصيدة مؤثرة، رغم أن هذا الأخير قد رمى به في السجن، وفي قصيدة «زيارة إلى ضريح ناصر» رفع نجم ناصر إلى مصاف القديسين وأنهاها قائلا: «وإن كان جرح قلبنا.. كل الجروح طابت». يقول نجم «ناصر كان ديكتاتورا مثل أي ديكتاتور آخر لكنه كان رجلا شريفا. زعيم وطني حقيقي ليس مثل الذين حكموا مصر من بعده». ورغم ذلك لا يفقد الأمل في تحرير الأراضي المغتصبة من العدو الإسرائيلي، وفي الوحدة العربية مهما كان هذا الهدف بعيدا، لأنه هدف نبيل ليس عندي تصور جديد، وإنما أكيد أن هذه الوحدة هدف نبيل، ولكني أعتقد أن تحرير فلسطين هدف أقرب، تخيل معي تحرير فلسطين وسقوط الدولة العنصرية الموجودة فيها ماذا يمكن أن يحدث في المنطقة؟ أعتقد أن تحقيق الوحدة يظل أمراً صعباً مادام هذا الكيان مزروعا في جسد الأمة، وطالما أن بعض الأنظمة العربية لا تفهم مصالح شعوبها، تصور هذه أمريكا تقول جهاراً نهاراً ويسمعها الأطفال في المدارس أنها تضمن أمن إسرائيل وتضمن تفوقها العسكري المطلق على جميع الدول العربية، ومع ذلك نطلع نحن على الناس ونقول: أمريكا هي الوسيط وراعي السلام أي سلام يقصدون!». في القصيدتين اللتين نختم بهما هذه الجولة في عالم أحمد فؤاد نجم الفاجومي العظيم، نقترح قصيدة لها نكهة خاصة لأنها تتكلم عن مصير الثورة الخائبة، ألا وهي قصيدة «شيد قصورك عل المزارع» والتي رددناها جميعا وترنحنا على وقعها بصوت الشيخ إمام، ثم قصيدة «كلام عن سماسرة» وهي ترصد مصر ما بعد الانفتاح، ومصر اقتصاد السوق وكيف تحولت القيم، وأصبح كل شيء سواء، في نبرة هي منتهى السخرية المرة التي يمكن أن ينتجها شاعر حديث. « شيد قصورك ع المزارع» شيد قصورك ع المزارع من كدنا وعمل إيدينا الخمارات جنب المصانع والسجن مطرح الجنينة واطلق كلابك في الشوارع واقفل زنازينك علينا وقلّ نومنا في المضاجع أدي احنا نمنا ما اشتهينا واتقل علينا بالمواجع احنا اتوجعنا واكتفينا وعرفنا مين سبب جراحنا وعرفنا روحنا والتقينا عمال وفلاحين وطلبة دقت ساعتنا وابتدينا نسلك طريق مالهش راجع والنصر قريب من عنينا النصر أقرب من إدينا «كلام عن سماسرة» كلام عن سماسره كلام عن دعاره حاجات مش صحيحه جمل مستعارة وعايزين يخلوا البلد أردغانه وعايزيني أسيب البلد من زمان وانا مش ح اسلم واسيب الامان ولا بالبوليس والنيابه كمان فيا أيها الشعب كمل جميلك وصبرا والزم حتيجي المصاري وتأكل وتشرب تبع ما يآتيلك وتغرق في بحر العبيد والجواري وترسم حياتك حسب مايرائيلك وتملا الحواري فساقي وقصاري تسبح بحمدك وتشكر جميلك وفضل الزباله وطفح المجاري ختاما سلاما وآخر كلاما ضرورا يسود الهدوء والوئاما فماذا والا ح طربقها واللا اهرب فلوسي واسافر قواما سلام عليكم وسلمون وموز بصفتي رئيسا وأبا وجوز