«العروسة ديال شحال هذي ماشي بحال ديال دابا» هكذا عبرت منية المعروفة ب«رمسيس» عن الفرق بين عروس الماضي وعروس القرن العشرين. ورغم اشتغالها في مجال الأعراس والحفلات، بشكل عام، فإن موقف منية من الطريقة، التي كانت تقام بها مراسيم الزفاف تحديدا، يفضي إلى أنها كانت تتمتع بالجمالية و«الحلاوة» في البساطة، حيث كانت العروس تكتفي بزي واحد غالبا ما يكون محلي الصنع، أما اليوم فأصبحت ثورة الملابس والحلي الموجهة إلى المناسبات تغزو الأسواق المغربية بشكل كبير، فتجد جميع التلوينات والأشكال. وقالت «رمسيس» إنه رغم ظهور تحسينات كبيرة، بل تحريف كلي للباس التقليدي، الذي يمزج بين الأصالة والمعاصرة، إلى درجة أنه اختفت مع هذه التحسينات تلك اللمسة التقليدية الأصيلة، التي تستمد أصولها من الثقافة الشعبية في مجتمعنا، أضحى العرس أكثر تعقيدا من قبل، فعلى سبيل المثال، أصبح تجار معدات وأدوات وألبسة المناسبات والحفلات يجدون أنفسهم في حيرة، وأتعبهم الركض وراء آخر الصيحات والسعي نحو الأفضل، خاصة أمام المنافسة الشرسة، التي يعرفها القطاع في السنوات الأخيرة بهدف تصدر المراتب الأولى لإرضاء الأذواق. وما زاد الطين بلة هو أن كل الملابس والحلي والمجوهرات تحتاج إلى ما يسمى في ثقافة الأعراس ب«الطاقم»، أي كل بذلة تستلزم نوعا معينا من الحلي والألوان، وتتطلب أشكالا محددة من تسريحة الشعر وتناسق ألوان الماكياج. وأضافت منية أنه رغم كون المستثمرين في مجال تنظيم الحفلات والأعراس ارتأوا في البداية ضرورة تسهيل هذا القطاع وتطويره، مع الحفاظ على الجانب التقليدي، الذي يميز الصنع المغربي، فإن الأمر زاد تعقيدا، سواء على المستوى المادي أو على مستوى الذوق، بعد اكتساح موديلات مشرقية وغربية مجال تزيين الحفلات، والتي تعرف تهافتا كبيرا من قبل الزبناء، وبات من الضروري البحث عن الأنواع الأكثر طلبا بدل البحث عن الأصالة. حفلات القصر.. مسؤولية كبرى بعض منظمي الحفلات المعروفين والمشهورين حالفهم الحظ في اقتحام أسوار القصر الملكي، ومعرفة ماذا يجري في كواليسه، وكيف يتم تنظيم الحفلات والمناسبات والأعراس. منية كانت من بين اللواتي حالفهن الحظ في تنظيم عدد من المناسبات والأفراح في خدمة الأميرات وخدمهن، أو المقربين منهن. وأوضحت منية أن الثقة التي حظيت بها لولوج القصر ليست دائما متاحة للجميع. وأضافت منية أن حجم المسؤولية يتضاعف أكثر عندما يتعلق الأمر بتنظيم حفل ما أو مناسبة، علما أنها تتكلف فقط بالجانب التزييني، أي كل ما له ارتباط باللباس والحلي وأدوات الزينة، أما جانب الطبخ فتشرف عليه النساء المكلفات بالمطبخ داخل الأسوار. تقول منية، وهي تعبر عن فخرها بخدمة أميرات القصر، إن الجميل في مراسيم الطقوس التي تحييها شخصيات القصر أنها لا تبتعد عن كل ما هو أصيل والحفاظ على اللمسة التقليدية في ملابس الأفراح، ووصفت ذلك قائلة إن «أميرات القصر يهوين القفطان والتكشيطة البلدية».وأضافت أنهن يتعاملن بتواضع مع كل المحيطين بهن، ولا تتردد المقربات من الأميرات في الحضور شخصيا لحجز كل ما يناسبهن من مستلزمات الاحتفاء بالزفاف وتحديد موعد إعداد ما تم طلبه. وتوضح منية أن المقابل المادي، الذي يتقاضاه منظمو الحفلات والأعراس، إذا ما تعلق الأمر بإحياء حفلة رفيعة المستوى داخل القصر، لا يناقش، إذ لا يتم تحديد أي ثمن قبل أو بعد تنظيم الحفل، بل إن الأميرات يسددن ذلك بمقابل مضاعف، دليلا على سخائهن وكرمهن، تضيف منية، التي وصفت الأجواء التي تمر بها المراسيم قائلة إنها تكون تحت مراقبة عدد من الحراس، لكن حضور الأميرات إلى حفل زفاف المقربات من القصر أمر ضروري، سواء كن صديقاتهن أو خدمهن. ولم تتردد منية في وصف شعورها حول تجربتها الأولى في تحمل مسؤولية تدبير أول حفل زفاف إحدى خدمات القصر، معبرة عن فرحتها بمقابلة أميرات القصر عن قرب، وقد غيرت تلك النظرة التي كانت لديها حول الأميرات، إذ فوجئت بمدى طيبوبتهن مع المحيطين بهن بشكل تحس معه بنوع من الارتياح في التقرب من نساء القصر.
تجارة الأموات لم يقتصر نشاط منظمي الحفلات والأعراس فقط على إعداد السهرات وغيرها، وإنما تجاوزه إلى تجارة لم تكن معروفة أو مألوفة من قبل في المغرب، ألا وهي تجارة المآتم، التي أضحت هي الأخرى تنافس حفلات الزفاف، نظرا للأرباح الكبيرة التي يجنيها أرباب المقاولات والشركات المتخصصة في تنظيم الحفلات. غير أن هذه الثقافة لم تعرف بعد انتشارا واسعا بين جميع الشرائح الاجتماعية، ولا تتعاطى لها سوى الفئات الميسورة والبورجوازية، التي تتبنى الثقافة «المستوردة» من الدول الغربية، كوضع الورود على مقابر الموتى الأثرياء. ويبدو الأمر جليا للناظر العادي في زيارته لإحدى المقابر، حيث يجد بعض القبور منقوشة بإتقان ومكتوب عليها اسم المتوفى، بل إن بعض القبور وضعت عليها قطع من الرخام، ومنها ما بني بشكل يلفت الانتباه كرمز إلى أن الهالك كان قيد حياته «أرستقراطيا» أو شيئا من هذا القبيل. ومع استيراد الثقافة الغربية في عدد من المجالات، فإن منظمي الحفلات والأعراس لا يتوانون عن التهافت على إدخال تحسينات على المنتوج، الذي يقدمونه للزبائن لضمان الاستمرارية في سوق تعرف انتشار تُجار الأعراس والمآتم في ظل المنافسة الشرسة وغير الشريفة التي يشهدها القطاع. ونظرا لاكتساح هذا النوع من التجارة للأسواق المغربية في جميع المناسبات، مفرحة كانت أم حزينة، بدا للمزاولين لهذا النشاط ضرورة تخصيص جزء رئيسي من نشاطهم لتنظيم العزاء لدى العائلات الثرية، التي تسعى دائما إلى إبراز أي طبقة اجتماعية تنتمي إليها، حتى اختلط الحابل بالنابل، فتبدو الأجواء أقرب بعرس منها إلى جنازة تفترض أن تتم في جو يملؤه الخشوع والدعاء للمتوفى بالرحمة والمغفرة، غير أن الأجواء التي لا تغيب عنها الأكلات الفاخرة والمشروبات من جميع الأشكال والألوان والكراسي الأنيقة تجعل المدعو لا يحس بأنه يعيش لحظة عزاء، خاصة أن أغلب المدعوين تجدهم منغمسين في الأكل والثرثرة، فالجنازة في الماضي كانت تمر على إيقاعات الصياح والنواح، أما اليوم فحقنة «التريتور» مغروسة في أوساطنا المغربية، وشعارها هو «البروتوكول». «الماساج.. بيريتيف العروسة» تقول نادية، وهي عروس مقبلة على الزواج، كاد قطار الزواج أن يتركها على رصيف الانتظار بعدما تجاوز عمرها الثلاثين، إن العروس لم تعد تقبل ب«الحمام البلدي ب10 دراهم». وأضافت نادية، التي صادفتها «المساء» في إحدى الشركات المتخصصة في تنظيم الأعراس والحفلات، ضاحكة: «كنا كنعقلو على جداتنا كيمشيو الحمام ويديو الملحة والشمع». ويتم ذلك في أوساط تملؤها زغاريد عائلة العروس دون الخروج عن نطاق الطقوس والعادات القديمة. واستطردت العروس قائلة: «على الرغم من تأخري في الزواج في سن مبكرة، فإنني أطمح إلى أن أعيش كل لحظة كأميرة». وتقول نادية إن أغلب العرائس اليوم «فيهم لعياقة ديال والو»، مضيفة أن حفلات الزفاف أصبحت تتجاوز المألوف وتتطلب الكثير من الإمكانيات المادية. ولم تتردد نادية في الحديث عن الجانب المادي بتفصيل، قائلة إنها حددت موعدا في أحد صالونات التجميل والماساج بمبلغ تجاوز أربعة آلاف درهم. واستدركت قائلة إن سمعة المكان تستحق دفع المبلغ المطلوب لأنه «هاي كلاس». وتضيف نادية أن الحمام العادي، الذي كانت تستحم فيه العروس لا تستغرق فيه أكثر من نصف يوم على أقصى تقدير، بعد أن يتم حجز الحمام وتنظيفه و«إطلاق» مختلف أنواع البخور والعطور فيه. ويكتسي هذا اليوم خصوصية فريدة، حيث تذهب كل نساء عائلة العروس إلى الحمام في جو تملؤه أهازيج النساء وزغاريدهن مع استعمال آلات موسيقية يدوية ك«الطعارج» و«البنادر»، فيتحول الحمام من فضاء للاستحمام إلى فضاء مصغر للاحتفال بنكهة خاصة وسط شموع محاطة بالعروس. الجوانب السلبية في الحمامات العصرية أو صالونات التجميل والماساج تتمثل في هدر الوقت والمال معا، فقد يتطلب الأمر في بعض الأحيان ثلاثة أيام، كل يوم يخصص لمهمة معينة، تقول نادية: «نهار ديال البخار..نهار ديال المساج..كل نهار ديال شي حاجة». وتضيف نادية أن عروس اليوم يصل بها الأمر في بعض الأحيان إلى الاستعداد لمراسيم الزفاف سنة قبل موعد الزواج.