إذا كان الخرف يتميز أساسا بنقص الوظيفة الفكرية المكتسبة أو فقدها مع ضعف التيقظ أو غيابه، فإنه ينقسم على العموم إلى نوعين: نوع قابل للعلاج ولو نسبيا، وبالتالي للتراجع، ونوع غير قابل للعلاج، وبالتالي غير قابل للتراجع. ومن هنا فإن اكتشاف الأسباب القابلة للعلاج سيمكن من التدخل للتخفيف من الخرف أو معالجته. وإذا لم يكن السبب قابلا للعلاج فإن التعرف عليه يفيد في إعطاء فكرة عن درجة تطور الحالة وعن مآلاتها المحتملة وعن كيفية التخفيف منها. إن تشخيص الخرف سهل على العموم، لكن فائدته محدودة إن لم نتعرف على نوعه وعلى أسبابه. وهذا يحتاج إلى فحص سريري دقيق وإلى فحوص مخبرية وإشعاعية متعددة، يحددها الطبيب على ضوء الأعراض المصاحبة. وإذا فشلت الاختبارات الأولية في تحديد السبب، فقد يلجأ إلى اختبارات أكثر تطورا وأكثر دقة. كما يحتاج إلى مقابلة أحد أفراد العائلة لتدقيق الحالة وتمييزها عن الأمراض المشابهة. ويعد المتخصصون عادة أكثر من خمسين سببا متنوعا للخرف، ونستعرض هنا أهمها. أولا - أهم الأسباب القابلة للعلاج أو التحسن: وهي لا تشكل بمجموعها إلا حوالي عشرة إلى خمسة عشر بالمائة من مجموع أسباب الخرف. نذكر منها: 1 - نقص بعض الفيتامينات بسبب سوء التغذية أو غيره، وذلك مثل نقص الفيتامين ب 12 وب 3 وب 9، وأيضا النقص أو الزيادة في كالسيوم الدم. 2 - أمراض عضوية مثل نقص الغدة الدرقية وبعض إصابات الدماغ وأمراض الجهاز العصبي مثل مرض باركنسون ومرض هنتيجتون والأورام الدماغية ونزيف الدماغ وموه الرأس ومرض الزهري العصبي والسيدا. 3 - إدمان الكحول أو المخدرات أو الإفراط في الحبوب المنشطة والأدوية النفسية، والتسمم بالمعادن الثقيلة مثل الرصاص. 4 – أسباب استقلابية مثل الفشل الكبدي، أو الفشل الكلوي. ويؤدي هذا الأخير إلى تبلون الدم (المسماة اليوريميا)، وهي تسمُّم ناتج عن تراكم الفضلات النتروجينية في الدم بسبب عجز الكُليَتين عن إزالة هذه الفضلات عن طريق التبوّل. فهذه الأسباب يمكن أن تعالج أو أن يخفف منها، وهو ما سيؤثر إيجابيا على وضعية المريض الذي ستعرف أعراضه تراجعا سريعا أو بطيئا، كليا أو جزئيا. ثانيا - أهم الأسباب غير القابلة للعلاج، وهي الأسباب الأكثر انتشارا والتي تؤدي إلى تلف غير قابل للتراجع في نسيج الدماغ. ومن هذه الأسباب أساسا: 1.مرض ألزهايمر، وهو مرض مزمن بطيء التطور، يؤدي إلى تلف نهائي في وظائف الدماغ مثل الذاكرة ومهارات التفكير. ويعتبر مشكلة صحية اجتماعية إنسانية آخذة في الازدياد والانتشار في مختلف البلدان. وهو السبب المباشر لأكثر من ثلثي حالات الخرف عبر العالم. 2.الخرف الوعائي، وفي مقدمتها الاحتشاء الدماغي المتعدد، الناتج عن ترسبات أو تجلطات داخل الأوعية الدموية الدماغية. وتصاحبه عادة أمراض أخرى مثل تصلب الشرايين ومرض السكري وارتفاع ضغط الدم. وهو السبب الثاني الأكثر انتشارا بعد مرض الزهايمر. 3 - الصدمات المتكررة للدماغ، مثلما يقع في الملاكمة وبعض الرياضات الأخرى. هذه هي إذن أهم أسباب الخرف، لكن هناك عاملان يؤثران في فاعلية هذه الأسباب، هما: - عامل التقدم في السن، فظهور الشيخوخة يؤدي في أحيان كثيرة إلى هشاشة النسيج العصبي المركزي، وبالتالي إلى ظهور أعراض الخرف. - وجود حالات مشابهة في العائلة الواحدة، بسبب دور العامل الوراثي في ذلك. وأيا كان فإن علاج حالات الخرف ينطلق أساسا من ضبط أسبابها وعواملها، حتى يتمكن المختص من التعامل معها بشكل سليم. طبيب مختص في الأمراض النفسية