نظمت الزاوية الريسونية، خلال الأسبوع الماضي وعلى مدى ثلاثة أيام، الملتقى التواصلي الأول للزوايا الشاذلية بالمغرب تحت شعار «تفعيل التصوف السني أحد المكونات الأساسية في الهوية الإسلامية للمملكة المغربية»، حضره العديد من الفعاليات الصوفية بالمغرب. وأوضحت ورقة الملتقى، التي حصلت «المساء» على نسخة منها، أن الهدف هو تطبيع التصوف السني في الحياة العامة المغربية «عبر نسج علاقات وطيدة مع الفعاليات المتعددة للشعب المغربي ومختلف شرائحه الاجتماعية، وكذا تقريب وإدناء هذا التصوف من العاملين في الفقه الإسلامي والدعوة الإسلامية ببلادنا وإزالة الجفوة ما بين العلماء وما بين الساهرين على الزوايا المغربية، لتمتين عرى الإتصال بين الفريقين بما يخدم بلادنا ويساهم في نهضتها وتأهيلها لتبوؤ مكانتها في القرن الواحد والعشرين، وبما يدفع نحو التنمية المندمجة والنهضة الشاملة و تثبيت المصالح العليا للوطن في حدوده الحقة و ضمن سيادته الكاملة و في إطار التلاحم الوثيق والروابط الروحية الجامعة بين الأمة و بين إمارة المومنين». وأكدت الورقة على أن انعقاد الملتقى بضريح مولاي عبد السلام بن مشيش يرمي إلى «لفت الانتباه إلى مقام الشيخ الصالح مولاي عبد السلام بن مشيش المتوفى في جبل العلم ما بين 622 و 625 هجرية، إذ يجب أن يكون للمغاربة الرمز الروحي الذي يجمع الشمل و يلم الشعث باعتباره كان ولا يزال الرمز الديني الكبير الجامع بين شرف النسب النبوي وشرف النسبة الصوفية الجنيدية السنية، ومنبع جميع مدارس الزوايا والطرق الشاذلية وطنيا ودوليا حيث إن الاجتماع جنب مرقده الطاهر كان من العادات التي درج عليها المغاربة أبا عن جد». وأوضحت الورقة أنه في ضريح مولاي عبد السلام كان ينادى بالجهاد وكانت تبرم عقود البيعات الشرعية للسلاطين المغاربة، وفيه كانت تتم استشارات أهل الحل و العقد في الأمور الجليلة التي تهم حاضر الوطن ومستقبله، كما ظل ضريحه «ملهما لكل المكرمات والأعمال المجيدة والأفعال الصالحة لأبناء هذا الوطن». وتطرق المشاركون في الملتقى إلى بعض المحطات التاريخية الهامة في تاريخ المغرب التي شهدها ضريح مولاي عبد السلام بن مشيش، فخلال أول حملة صليبية ضد المغرب عند احتلال مدينة سبتة عام 1415 نودي للجهاد وسط القبائل المغربية، ونفس الأمر حصل عند معركة وادي المخازن في غشت عام 1578، وخلال الاحتلال الإسباني للمنطقة عام 1913، كما كان الضريح قبلة الرحلة الشهيرة التي قام بها الحزب الوطني أيام الحماية في الشمال، وإليه كان كبار علماء المغرب يشدون الرحال للزيارة الشرعية مثل العلامة التاودي ابن سودة المتوفى عام 1209 هجرية ومن قبله ومن بعده من كبار علماء القرويين العامرة كآل الصقلي وآل الكتاني وآل كنون وغيرهم كثير، بل حتى علماء الصحراء المغربية والشمال الإفريقي وعلماء العالم الإسلامي كانوا إذا وصلوا للمغرب لا يمكن إلا أن يزوروا هذا الضريح، كل ذلك ضمن الزيارة الشرعية المسموح بها شرعا. وأوضح المنظمون أن الهدف من الملتقى ومن جمع الزوايا الشاذلية هو نفض الغبار عن هذه الزوايا المنتمية كلها إلى أبي الحسن الشاذلي المدفون في مصر في 655 هجرية، والذي ورث سر شيخه مولاي عبد السلام بن مشيش، بعدما اعترى كثيرا من هذه الزوايا الوهن والضعف وحان الوقت لإنهاضها ودفعها للحركة والحيوية للاضطلاع بدورها التربوي ووظيفتها الوطنية وتجديدها بما تقتضيه الشريعة الإسلامية وترشد إليه نصوص الكتاب والسنة وما كان عليه السلف الصالح، وأضاف المنظمون أن هذه الزوايا يجب أن تعود لمهمتها في التوجيه والتربية والتعليم وتحفيظ القرآن الكريم ونشر مكارم الأخلاق وإقامة مجالس الذكر والحض على البر والمعروف والإصلاح بين الناس والتوجه إلى الله تعالى بأداء الفرائض واجتناب النواهي وإحياء التراث الصوفي بالبحث عنه و طبعه ونشر تراجم الشيوخ ومناقبهم وآدابهم، وحفظ كتبهم وأشعارهم وجلب التلاميذ إلى هذه الزوايا وتزويدهم بالكتب والخزائن العلمية والمراجع الفكرية وإقامة أنشطة وربط الاتصال فيما بينهم لمزيد التعارف والتعاضد والتعاون. وقال المنظمون إنه ليس معنى تسمية الزوايا الشاذلية بالمغرب إلغاء غيرها من الزوايا أو الطعن فيها أو إهانتها أو الانتقاص من قدرها، «وإنما من أجل المسألة التنظيمية وفي سبيل الحصر والتنظيم والضبط اقتصرنا في هذه المرة على الزوايا الشاذلية باعتبارها مغربية أصيلة وذات مشرب مشيشي عتيق كخطوة أولى، في انتظار توسيع الأنشطة الصوفية لتشمل كل الزوايا والجهات والجمعيات والجماعات ذات الصلة بالتصوف الصحيح».