تطبع «الاستثنائية» الدورة الخريفية للبرلمان المغربي، التي افتتحها الملك محمد السادس، على جميع المستويات. الظرفية التي تأتي فيها هذه الدورة تجعلها استثنائية بكل المقاييس. كما أن الخطاب الملكي نفسه اعترف بهذا المعطى حين أكد الملك محمد السادس في خطابه لنواب الأمة أن «المناسبة ليست مجرد رئاسة افتتاح دورة تشريعية عادية، وإنما هي لحظة قوية لاستشراف الولاية البرلمانية الأولى، في العهد الدستوري الجديد، وتدشين مرحلة تاريخية في مسار التطور الديمقراطي والتنموي للمغرب». ولم يسلم جدول أعمال دورة أكتوبر الحالية من هذا الطابع. الاستثنائية ستطبع هذا الجدول على أكثر من صعيد، لا سيما مدة الدورة، وهي ما يفصل المغرب عن أول انتخابات تشريعية في العهد الدستوري الجديد، وهذا ما يعني ضرورة أن يعكف البرلمان بمجلسيه، النواب والمستشارين، في هذه المدة على قصرها، على بذل قصارى الجهود من أجل توفير كل الشروط الضرورية والظروف الملائمة من أجل انتقال سلس وناجح نحو مرحلة تنزيل مضامين الدستور الجديد على أرض الواقع. وقد كان لافتا أن الخطاب الملكي أدرج نقطة واحدة تكتسي أهمية بالغة في جدول أعمال الدورة الحالية، وهي أن يتحمل كل الفاعلين في هذا التحول الحاسم «مسؤوليتهم كاملة ومواصلة الجهود لإنجاح الانتخابات المقبلة». وينسجم هذا التوجيه الملكي مع توقعات متتبعي الشأن السياسي المغربي بأن يتمكن تخصيص ما تبقى من عمر البرلمان الحالي، خصوصا مجلس النواب، من استكمال التحضير للاستحقاقات التشريعية المقبلة الأولى من نوعها، التي ستجرى بالمغرب تحت مظلة الدستور الجديد. وعلى هذا الأساس، ستكون الدورة الخريفية الحالية، وهي بمثابة خريف للبرلمان الحالي، امتدادا للدورة الاستثنائية التي تعيش المؤسسة التشريعية على إيقاعها منذ أسابيع. وإذا كانت الدورة الاستثنائية انعقدت خصيصا للتعجيل بمناقشة القوانين الانتخابية والمصادقة عليها، فإن ملاحظين توقعوا أن تستمر سيطرة هذه «النصوص الاستعجالية» وسطوتها على بقية القانون، وإن كانت من قيمة مشروع قانون المالية. وقد كان عبد الواحد الراضي، رئيس مجلس النواب، أكثر وضوحا في هذا السياق، حين فضل الحديث، على هامش افتتاح دورة أكتوبر الحالية، على رهانات مرحلة ما بعد الاستحقاقات المقبلة، حيث أكد أن «المؤسسة التشريعية لما بعد الاستحقاقات مدعوة-وليس ستكون مدعوة- للمصادقة على ما يفوق 20 قانونا تنظيميا تشكل امتدادا للدستور وتنزيلا للإصلاحات التي جاء بها». وفي هذا السياق، يبدو أن تصريحات كبير ممثلي الأمة تؤكد أن المخاوف التي عبر عنها مسؤولون عن مؤسسات عمومية تنتظر المصادقة على تعديلات همت قوانينها الأساسية من إمكانية تأخير البت في هذه التعديلات إلى مرحلة ما بعد انتخابات 25 نونبر. وكان عبد العالي بنعمور، رئيس مجلس المنافسة، قد أثار هذه الإشكالية في آخر خروج إعلامي له بمناسبة الكشف عن التقرير السنوي لمجلس المنافسة، حيث عبر عن مخاوفه من أن يحول تركيز المؤسسة التشريعية في دورة أكتوبر على مناقشة مشاريع القوانين الانتخابية والمصادقة عليها دون اعتماد القانون الأساسي الجديد لمجلس المنافسة، الذي ينقله من هيئة استشارية إلى مؤسسة ذات سلطات تقريرية. ولا تفند توقعات متتبعي شأن الحياة السياسية المغربية، التي تعيش على إيقاع انتظار ما ستأتي به مرحلة «العهد الدستوري الجديد»، مخاوف عبد العالي بنعمور وبقية رؤساء ومسؤولي المؤسسات العمومية، الذين ينتظرون المصادقة على نصوص جديدة أو مجرد تعديلات على إطارها القانوني. وكانت القوانين الانتخابي «أكدت، بوضوح، أنها ستكون الأكثر أهمية في جدول أعمال ما تبقى من عمر البرلمان الحالي، أو على الأقل غرفته الأولى، التي تنبثق عنها الأغلبية الحكومية ويعين رئيس الحكومة من الحزب الذي يتصدر نتائجها، حين تم سحب مشروع قانون المالية لسنة 2012 بعد فترة وجيزة من إحالته على المؤسسة التشريعية. وقد كان هذا القانون، الذي سحب لفسح المجال أمام النصوص الاستحقاقية، يعتبر في «الفترات العادية» أهم قانون يصادق عليه البرلمان المغربي في السنة كلها، وليس في دورة أكتوبر وحدها. ولا تزال تداعيات سحبه تثير تساؤلات عديدة في الوسط السياسي المغربي، وثمة من يطالب بالكشف عن الأسباب الحقيقية الثاوية وراء سحب مشروع قانون بهذا القدر من الأهمية. ومن هذا المنطلق، ستنطلق الدورة الخريفية من النقطة التي وقفت عندها أنشطة البرلمان في جدول أعمال الدورة الاستثنائية. ومعلوم أن المصادقة على القوانين الانتخابية والتحضير للاستحقاقات المقبلة بشكل عام كانت القضية الأكثر أهمية في جدول أعمال الدورة الاستثنائية. وبتعبير آخر ستخصص الدورة الخريفية، العادية، بمقتضى قانوني، بجدول أعمال الدورة الاستثنائية. ويفسر هذا الأمر بوضوح كيف سارع مجلس النواب، مباشرة بعد الخطاب الملكي الافتتاحي لدورة أكتوبر، إلى عقد جلسة عمومية لمناقشة كل من القانون التنظيمي لمجلس المستشارين والقانون التنظيمي للجماعات الترابية. وإذا لم تتم المصادقة على هذه القوانين بسبب عدم اكتمال النصاب القانوني للشروع في مناقشتها في جلسة عمومية، فإن المسارعة إلى عقدها مباشرة بعد الخطاب الملكي تعطي إشارة واضحة عن الأهمية التي توليها المؤسسة التشريعية في دورتها الحالية للقوانين الانتخابية، والنقطة الوحيدة في جدول الأعمال توفر كل الضمانات القانونية لتكون الاستحقاقات المقبلة نزيهة وشفافة. أما مناقشة بقية مشاريع القوانين والمصادقة عليها، وفي مقدمتها مشروع قانون المالية للسنة المقبلة، فهي مسطرة سلفا في جدول أعمال أول برلمان في العهد الدستوري الجديد.