في إطار الانفتاح على حوار الثقافات ومد جسور التواصل بين الحضارات زار كلية الآداب والعلوم الإنسانية، جامعة محمد الخامس أكدال بالرباط، وفد يمثل باحثين ألمانا من جامعة فيرسبوك الألمانية، يضم أساتذة وطلبة باحثين في مجال العلوم الإنسانية وحوار الحضارات والديانات، بهدف التعرف عن كثب على التجربة التي راكمتها الكلية في مجال الحوار الحضاري، بعدما دخل هذا المصطلح حيز التداول المعرفي والسياسي منذ نحو عقد من الزمن، على خلفية التوترات العالمية وبروز ظواهر العنف والتطرف ذات الخلفيات الدينية، سواء في العالم الإسلامي أو في الغرب، حيث بات واضحا ظهور وتنامي التيارات اليمينية المتطرفة التي تستند إلى أساس عقدي. الوفد الألماني، الذي ضم حوالي خمسة وعشرين باحثا من الجنسين، ينتمون إلى الطائفتين المسيحيتين الأبرز وهما البروتستانتية والكاثوليكية، عقد في اليوم الأول من الزيارة التي استمرت أربعة أيام لقاء مع عميد كلية الآداب والعلوم الإنسانية الأستاذ عبد الرحيم بن حادة، الذي لعب دورا في تمهيد الطريق أمام هذه الزيارة الأولى من نوعها لوفد ألماني جامعي، تم التطرق فيه إلى مختلف القضايا التي تشغل الجانبين، كما تم تدارس أشكال التعاون العلمي والأكاديمي بين الجامعتين، والبحث عن آفاق أوسع للتعاون في المستقبل، وأعرب أعضاء الوفد عن ترحيبهم بأي تعاون بين الجانبين، كما أبدوا إعجابهم بالتقدم الحاصل على المستوى الأكاديمي داخل الجامعة فيما يتعلق بفتح ورش حوار الحضارات والديانات داخل الكلية. وخلال الأيام الثلاثة الأخرى عقد الوفد لقاءات متواصلة مع الباحثين في ماستر المذاهب العقدية في الديانات، تحت إشراف الدكتور محمد أمين السماعيلي، وشكلت تلك اللقاءات والندوات مناسبة بالنسبة للوفد للتعرف على مضامين ومحاور هذا الماستر الذي فتح لأول مرة في الجامعة المغربية قبل أربع سنوات، كأول وحدة دراسية للبحث في العقائد والديانات، خرج أولى دفعاته نهاية موسم السنة الماضية، كما كان له الفضل في فتح أول تخصص في سلك الدكتوراه حول نفس الموضوع هذا العام. وقد شكلت تلك اللقاءات أيضا فرصة لتبادل الرأي والخبرات بين الطرفين، والاطلاع على التجربة الألمانية في مجال حوار الحضارات والثقافات، ويذكر أن وزارة الخارجية الألمانية تدعم مشروعا إعلاميا وفكريا يشرف عليه المركز الاتحادي للتعليم السياسي ومؤسسة دويتشه فيله الإعلامية ومعهد غوته ومعهد العلاقات الخارجية من خلال منابر مشترك على شبكة الأنترنت يهتم بقضايا العالم الإسلامي وحوار الأديان. وهكذا تم التطرق إلى قضايا تهم الحوار المسيحي الإسلامي ودور الجماعتين، وخصوصا عبر ماستر المذاهب العقدية في الديانات، في تطويره ومأسسته، وبحث القواعد الأساسية التي من شأنها أن ترسخ التعايش بين الديانتين، بما يحفظ الهوية المغربية في إطار الخصوصية الدينية والثقافية، وكذا المستقبل العلمي للقاءات الثقافية الإسلامية والمسيحية بين الجامعتين الألمانية والمغربية، ومد جسور الحوار بين النخب العلمية في ألمانيا والمغرب بشكل خاص، لتحديد مستقبل التعايش والتساكن والتحاور، والتعاون في المجالات العلمية الدينية والثقافية. وقد تمكن الباحثون المغاربة من التعرف أيضا على أشكال الحضور الإسلامي في ألمانيا، وحرية ممارسة المسلمين لشعائرهم الدينية في إطار مجتمع علماني. وقال الدكتور محمد أمين السماعيلي في تصريح خاص ل«المساء» إن زيارة الوفد الألماني تندرج في إطار الأهداف التي أنشئ من أجلها ماستر المذاهب العقدية في الديانات، وهي معرفة المتدينين في العالم ومد جسور التواصل معهم، مضيفا بأن الانفتاح على الآخر يظل ركنا أساسيا في المنظومة التي يرتكز عليها ماستر المذاهب العقدية في الديانات، التي سبق لها أن استقبلت في السنة الماضية وفدا أمريكيا من جامعة جورج واشنطن، كما أوفدت بعثة علمية لمجموعة من الباحثين إلى الجامعة المذكورة لمدة شهر مكنتهم من التعرف عن قرب على تجربة تدريس حوار الأديان والحضارات في الجامعات الأمريكية.