بعد أزيد من ثلاثة أيام على إعلان نبأ إزاحة بيير كازالتا، المدير الفرنسي لقناة ميدي سات، وما رافقه من أنباء حول احتمال إفلاس المؤسسة، وحده خبر تعيين عبد السلام أحيزون، المدير العام لشركة اتصالات المغرب، رئيس مجلس إدارة للقناة كسر طوق الغموض الذي يلف وضع المؤسسة. رسميا، لم تعلن إدارة القناة تفاصيل ومبررات التحولات التي تعرفها، وتساؤلات كثيرة تتناسل حول ما ينوي المساهمون في رأسمالها القيام به، أبرزها ما ينتظر العاملين في المؤسسة من صحفيين وتقنيين وموظفين. ذلك أن أي تغيير في طبيعة اشتغال القناة، من وضعها الحالي كقناة موضوعاتية إخبارية إلى قناة عامة، يفترض تغييرات جذرية في طبيعة الطاقم الصحفي والبنيات التقنية، بعد أن كانت الاستراتيجية السابقة تقوم على أساس طاقم صحفي إخباري محض. أعلى درجات التوجس تسجل في صفوف الصحفيين الأجانب العاملين في المحطة، والذين يشكلون الأغلبية، باعتبارهم سيكونون الهدف الأول لأي تحول، سواء على المستوى التحريري باعتبار تخصصهم الإخباري وعدم إمكانية إدماج غالبيتهم في أي تصور لإعطاء بعد مغاربي لهذه القناة، أو من الناحية المادية، حيث يستفيد الصحفيون الأجانب من أجور استثنائية توازي ما هو معمول به في كبريات القنوات الخليجية، فيما يتمتع الفرنسيون منهم بعقود عمل فرنسية، بناء على «كوطا» مخصصة لهم بفعل المساهمة الفرنسية في رأسمال القناة. هذه المساهمة الفرنسية تطرح بدورها استفهامات كبيرة، بعد تردد أنباء حول إمكانية سحبها لعدم رضى الجانب الفرنسي على النتيجة المحققة، خاصة بعد رحيل جاك شيراك عن قصر الإليزيه وعدم استعداد خليفته ساركوزي للاستمرار في هذه المغامرة، بل وإعلانه استراتيجية إعلامية جديدة، هدفها خلق قناة قوية ناطقة بالعربية تنافس نموذج الجزيرة، عوض الاكتفاء بتجربة محدودة إقليميا. رحيل الفرنسي بيير كازالتا يؤشر على فشل المشروع التلفزي الوحيد الذي أنتجته الموجة الأولى لترخيصات الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري، وفق التصور الأول الذي كان يحكمها من خلال محاولة استنساخ تجربة إذاعة البحر الأبيض المتوسط في مؤسسة تلفزيونية، وهو ما ظل كازالتا متمسكا بإمكانية نجاحه إلى آخر اللحظات، من خلال مراهنته على «سخاء» المساهمين المغاربة بعد أن يئس من الدعم الفرنسي؛ وكان هذا الرهان قائما على انتظار تدخل جهات نافذة لدى المساهمين المغاربة، مما انعكس في الفترة الأخيرة على الخط التحريري للقناة، بإمعانه في تعقب الأنشطة الملكية وبث خطاب العرش مباشرة. دفتر تحملات ميدي سات ينص على ضرورة استقرار حصص المساهمين طيلة فترة الترخيص الممتدة لخمس سنوات؛ وأي تغيير في بينة المساهمين يحتاج إلى مصادقة الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري، بل إن علاقة إذاعة «ميدي 1» بالقناة تطرح بدورها تساؤلات، باعتبار أن مساهمة الإذاعة بنسبة 14 في المائة في رأسمال القناة جعلتها بمثابة «عرّاب» يبرر إحداثها، لتنصيص التشريعات الجديدة على ضرورة توفر أحد المساهمين على خبرة كافية في المجال السمعي البصري. وإزاحة بيير كازالتا وإرغامه على العودة إلى قلعته الإذاعية قد ينعكس على العلاقة بين المؤسستين اللتين عرفتا، خلال مدة إشرافه عليهما، علاقات تنسيق وتبادل مكثفة.