انبعث دخان وسائل أسود حارق، في منتصف الأسبوع الماضي، من شق في دوار «تيفولتوت» في ورزازات. أزيد من 40 بركانا يوجد تحت منطقة إفران لوحدها. جبل «روغو روغو»، الذي يختبئ فيه «الحراكة» في الريف هو بركان. ملايين الأطنان من الحمم البركانية المتّقدة تجري تحت مدن في وسط المغرب. قبالة السواحل الأطلسية المغربية، وبالضبط في جزر الكناري، توجد أخطر وأنشط براكين العالم. آلاف الهزات الأرضية سجلت خلال يوم الاثنين الماضي فقط، منذرة بانفجار بركان قد يغطي دخانه الصحراء بكاملها. تتوالى العلامات والتحذيرات، واضعة خطرا لم يكن في الحسبان أمام أعين المغاربة: خطر البراكين. «إنه بترول.. لا إنه تشقق ناجم عن نيزك فضائي.. إنه بركان»... ما زالت هذه الافتراضات تتوارد إلى أذهان سكان دوار «تيفولتوت»، البعيد عن ورزازات بكيلومترات قليلة. ما يزال العديدون منهم يتحلقون حول تلك الحفرة، التي أحاطتْها السلطات المحلية بسياج حديدي و«بيشان» خاصة بالأعراس، فاغرين أفواههم، محاولين كبح شلاّل أسئلة.. مخاوف.. اندهاش.. وهم ينظرون إلى ذلك السائل الأسود، الذي يظهر متجمدا وسط شق أرضي. فجر الأربعاء من الأسبوع الماضي. كان يوما كسر إيقاع حياة سكان دوار «تيفولتوت»، العادي جدا. قد تجف المراعي و«العزايْب»، التي يرعون فيها مواشيهم بسبب تأخر الأمطار، قد تعصف بدوارهم الصغير عاصفة رملية تنقشع بعد حين... أما أن يظهر بركان، فذلك الذي لم يكن في الحسبان. هرع السكان إلى خلاء غير بعيد عن الدوار، بعدما سمعوا دويَّ انفجارات قوية، رأوا مشهدا غريبا: دخانا أسود كثيفا يتصاعد من حفرة.. الأرض تنشق ويخرج منها سائل أسود قائظ. الأسلاك الكهربائية التي كانت موجودة فوق الشق ذابت من فرط «صهد» هذا السائل. بدا كأنه بترول، قبل أن يتجمد ويتحول إلى قطع صخرية قاسية. حدث لم تألفه حتى السلطة المحلية، التي سارعت إلى تطويق الحفرة بسياج وأجزاء خيام أعراس. الخميس، صباح الواقعة، حل رجال أمن، ثم بعدهم، فريق تابع لوزارة الطاقة والمعادن. القلوب ترتجف من شدة الخوف، ماذا لو انفجر بركان الآن؟ ماذا لو ضرب زلزال؟! مرت كل هذه الاحتمالات في أذهان فريق علمي تابع للمعهد العلمي في الرباط حل بمكان الحادث يوم الجمعة، وتواصلت أبحاثه في المكان حتى يوم الأربعاء الماضي. الفريق ضم أنس عمران، رئيس شعبة علوم الأرض في المعهد العلمي، وخبراء أجانب، من بينهم مختصة إيطالية في الجيولوجيا والبراكين وخبير آخر قدِم للتو من روسيا، فضلا عن عالم إيطالي. جمع الفريق عيّنات من السائل الذي انبعث من الشق الأرضي. أحدثت حفر لمعرفة عمق الشق، كما درس المنطقة بشكل دقيق. انتقل الفريق بالعيّنات إلى الرباط، قصد إخضاعها لفحص في المعهد العلمي، قبل نقلها إلى مختبرات في دول أوربية لتحليلها، على اعتبار أنه لا توجد مختبرات في المغرب، كما أوضح خبراء في الجيولوجيا والبراكين، التقتْهم «المساء». بدورنا، انتقلنا إلى المعهد العلمي، لنعرف حقيقة ما جرى ونكتشف مدى خطورة التهديد الذي تُشكّله البراكين. «هييرو» يثور نحن الآن داخل المعهد العلمي في الرباط. معهد تابع لجامعة محمد الخامس للعلوم، الموجودة بمحاذاته، رغم أنه لا تناط به مهام التدريس. في مدخل المعهد، حيوانات قديمة مُحنَّطة. كبش غابة ضخم غريب الشكل كان يعيش في خلاء المغرب، رأس كبير لأسد الأطلس، وإلى جانبه ضبع وقنفذ ضخم وقط متوحش وحيوانات وكائنات حية أخرى. جماجم ديناصورات و«غوريلا» وحيوانات أخرى تُدخل الرهبة إلى القلوب... كان المعهد قد خلا من الإداريين عندما حلّت به «المساء». في جناح شعبة علوم الأرض، باحث وأستاذان. قابلت «المساء» أحدهما. داخل قاعة مبعثرة، أوراق منتشرة في أرجاء المكان وصخور بألوان مختلفة، زاحمت الكتب في الخزانات وعلى الأرض. كان هذا الأستاذ متوجسا ورفض ذكر اسمه. ظل يطالع معلومات منشورة في موقع إلكتروني تابع لمركز جيو فيزيائي إسباني، تكشف تكثف نشاط بركان في جزر الكناري يوم الاثنين الماضي. «طيلة العشرة أيام الأخيرة، سجلت 7000 هزة أرضية، تراوحت قوتها ما بين 1.5 و2 و3.5 درجة على سلم «ريشتر»، في جزيرة «هييرو»، أحدثِ جزر الكناري تكوينا. السبب بركان «هييرو» الذي بدأ ينشط بشكل غير مسبوق»، يوضح الأستاذ ل«المساء». كان آخر نشاط لبركان «هييرو»، كما يوضح هذا الأستاذ، في سنة 1971. في الأسبوعين الأخيرين، استأنف البركان نشاطه. وأنت تقرأ هذا التحقيق، ما يزال بركان «هييرو» يُحدِث اهتزازات أرضية. كما أن الحجارة في المنطقة المحيطة به بدأت تنكسر نتيجة ضغطه. اضطرت هذه المستجدات رئيسَ حكومة جزر الكناري إلى إعلان التحذير البرتقالي، تحسبا لانفجار البركان. لكنْ ما الذي سيحدث للمغرب إذا انفجر هذا البركان، البعيد عن السواحل المغربية بأميال بحرية قليلة؟ «إذا انفجر هذا البركان، الذي يصل عمقه إلى 15 كيلومترا، فسيخرج منه دخان كثيف سيصل إلى المغرب بسرعة كبيرة ويغطي منطقة الصحراء المغربية بكاملها، وبالخصوص مدينة طرفاية»، يكشف الأستاذ المختص في علم «التيكتونيك»، أي الصفائح الأرضية. أمر يبدو مرعبا بالفعل. اشتدّت حدة الرعب عندما أكد لنا الأستاذ ذاته أن المغرب يوجد «خارج تغطية» ترصد هذا الخطر والاستعداد له. «ليست هناك يقظة في المغرب تجاه ما يجري حاليا في جزر الكناري. موقع المركز الجيوفيزيائي غير مُحيَّن ولا ينشر معلومات جديدة، عكس الموقع الإسباني، الذي يكشف تطورات ما يقع باستمرار. اعتدنا أن نتابع التطورات الخطيرة بالاعتماد على المعطيات الإسبانية، لأن خطر البراكين والزلازل يكون مشترَكا بين المغرب وإسبانيا وحتى البرتغال»، يردف الأستاذ نفسه. يكشف الخبير المغربي في علم «التيكتونيك» ل«المساء» حقائق أخرى صادمة مرتبطة بقصور اليقظة المغربية في هذا المجال، مشيرا إلى أنه تنشط في المغرب زلازل دون أن يتم رصدها: «كنت ضمن فريق علمي عندما ضرب زلزال تطوان في 1999. أحسّ أحد الباحثين الأجانب بالهزة الأرضية، وعندما اتصلنا بالمرصد المغربي، أشار إلى أنه لم يسجل أي زلزال، لكنْ عندما استفسرنا مرصد الزلازل الإسباني أكد لنا أنه حدثت هزة أرضية في مدينة العرائش بالضبط. حدث الأمر ذاته في القنيطرة، التي تشققت بعض منازلها بفعل هزّات أرضية لم يتم تسجيلها»، يوضح الأستاذ نفسه. المشكل مرتبط، حسب الأستاذ، الذي طغت على حديثه لهجة التذمر تارة والاستهزاء تارة أخرى، بعدم إيلاء اهتمام لمجال رصد الزلازل والبراكين والبحث العلمي في هذا المجال. «تُخصَّص للمعهد العلمي ميزانية سنوية قدرها 100 مليون سنتيم.. نحن نقاتل الآن من أجل رفع الميزانية التي سيصادَق عليها في شهر شتنبر. هناك أساتذة يشتغلون في مجلس المدينة ولا يوجد طلبة باحثون هنا»، يستطرد الأستاذ ذاته. الفراغ الذي تَحدّث عنه الأستاذ لامسته «المساء» في غياب كتب وأبحاث حول البراكين في خزانة المعهد العلمي. ليست هناك سوى مقالات علمية كتبها باحثون مغاربة وأجانب حول الموضوع. أهم هذه الأبحاث أجراها الخبير المغربي الأشهر في تخصص علم البراكين، امحمد برحمة. «المساء» التقت هذا الخبير المغربي للاطّلاع على حقيقة براكين المغرب. حمم تحت ورزازات هذا الخبير المغربي هو الآن مدير بالنيابة للمدرسة العليا للأساتذة في حي التقدم في الرباط. هناك التقيناه. لم يكن على علم بما وقع في دوار «تيفولتوت»، لم يُخبَر بذلك، كما أوضح، رغم أنه اشتغل لسنوات طويلة على براكين تلك المنطقة. في المقابل، ربط برحمة النشاط البركاني الذي ظهر في ورزازات بما يحدث من تفاعلات بركانية في المغرب، الذي يقسمه إلى منطقتين بركانيتين كبيرتين، إحداهما في الجنوب وأخرى في الوسط والشمال. ما يشتبه في أنها حمم ظهرت في دوار «تيفولتوت» تخص، كما يوضح الخبير المغربي في علم البراكين، ما يحدث داخل المنطقة البركانية الموجودة جنوب السلسلة الأطلسية. تشكل جزر الكناري امتدادا لهذه المنطقة أيضا، وهو ما قد يُفسّر تزامن نشاط بركان «هييرو» في جزر الكناري مع ظهور حمم ورزازات. ربط الأستاذ برحمة النشاط البركاني في المغرب ما بين 0.2 و12 مليون سنة ناتجة عن حركات جهوية (distensifs locaux) في مجال واسع (contexte régional) وتقربي (compressif) ناجم عن حركات اقتراب (convergente) للصفيحة التكتونية الإفريقية بالصفيحة التكتونية الأوربية، وتقربهما بحوالي 2m في السنة. أشهر البراكين الموجودة في غرب المنطقة الجنوبية هو جبل «سروا». كتلة صخرية (stratovolcan) تجذب سياحا مغاربة وأجانب سنويا، ويعيش بالقرب من مراعيها مغاربة يعيشون على الرعي، إضافة إلى سكان دواوير عدة. تصل مساحة «بركان «سروا» إلى 650 كيلومترا مربعا، وهو ما يساوي المساحة البركانية الإجمالية لفرنسا الوسطى. هذا البركان مركب من أنواع عديدة تشكل الحمم البركانية أو اللافا، المرتبطة جينيا في ما بينها كيميائيا ولها مصدر واحد، تنصهر في العمق وتخرج «لافا مختلطة»، يوضح برحمة، قبل أن يضيف أن «هذا البركان فيه «لافا» بركانية أسيدية تشكل 80 في المائة من المساحة البركانية. فبركان «سروا» يشبه، حسب برحمة، بركان «كليمينجارو»، الضخم والشهير في كينيا». كان آخر نشاط لهذا البركان قبل مليوني سنة، لكن برحمة وضع فرضية أن بركان «سروا»، الخامد، يمكن أن يستيقظ، متى ذلك؟ لا يمكن تحديد الزمن في هذا المجال. أما في ما يخص خروج «الحمم البركانية» في دوار تيفولتوت فقد أكد برحمة أنه لم يزر المكان إلى حد الآن، وبالتالي لا يمكنه أن يعطينا توضيحات حول أمور لم يرها، كما يقول. غير أن الحدث، إذا تأكد، يستدعي، حسب الخبير المغربي، يقظة مستمرة لرصد تفاعلات جديدة وتحديد حرارة المنطقة وعلامات أخرى. شرق بركان «سروا»، المجتمع في منطقة كبرى ومتصلة، يوجد بركان آخر يدعى «صغرو»، ويحتوي على «لافا» بركانية ممتدة ومتفرقة، وهو أصغر بكثير من «سيروا». خفقات القلب تتسارع في هذه اللحظة، ويبدأ الترقب، فحديث برحمة يشير إلى أن مدنا ودواوير كاملة في جنوب الأطلس الكبير موجودة فوق منطقة بركانية شاسعة فيها حمم بركانية. كان آخر نشاط لهذا البركان قبل مليونين إلى 12 مليون سنة، لكن برحمة لم يستبعد فرضية أن «يستيقظ» بركان «سروا»، الخامد، متى سيحدث ذلك؟ لا يمكن تحديد الزمن بدقة، ولكن هناك علامات، من بينها خروج الحمم البركانية في دوار «تيفولتوت»، والتي تدل على إمكانية انفجار البركان واستيقاظه. يستدعي هذا الحدث، حسب الخبير المغربي، يقظة مستمرة لرصد تفاعلات جديدة وتحديد حرارة المنطقة وعلامات أخرى. في مقابل استمرار نشاط بركان «سروا»، لا تبدو على بركان «صغرو» علامات نشاط، على اعتبار أن بركان «صغرو» هو، في الحقيقة، منطقة بركانية ممتدة ومتفرقة ولا توجد فيها كميات كبيرة من «اللافا»، عكس بركان «سروا»، المتجمع في نقطة واحدة ذات فوهة واحدة وفيه كميات من «اللافا». رغم ذلك، فبراكين «سروا «وصغرو» وبراكين جزر الكناري متشابهة، على اعتبار أنها موجودة في نفس المنطقة «التكتونية»، أي فوق نفس الصفائح التكتونية، كما يُوضّح برحمة، الذي يشير، أيضا، إلى أن أحداثا وقعت في المغرب لها علاقة بالأنشطة البركانية في المنطقة، «في الوقت الذي لا يمكن الجزم بعلاقة زلزال أكادير بالنشاط البركاني. إلا أن الارتباط موجود بين ظاهرتي الزلزال والنشاط البركاني معا وبين الحركة التكتونية المشتركة»، يفسر برحمة. يستدعي ما يحدث الآن في المنطقة البركانيةالجنوبية، وبالضبط في منطقة بركان «سروا»، على اعتبار أنه لا يوجد سكان كثر ب«صغرو» المستبعد خطره (يستدعي) يقظة حقيقية، لأن الحِمم البركانية إذا كانت ثقيلة فستكون هناك إمكانية ومتسع من الوقت من أجل إخلاء المنطقة من السكان، أما إذا كانت الحمم سائلة، فإنها ستتحرك بسرعة 20 كيلومترا في الساعة ولن تتيح وقتا كبيرا لإنقاذ ما يمكن إنقاذه. مدن تحت بركان نحن الآن وسط المغرب، وبالضبط في خنيفرة ووالماس وأكلموس ومنطقة تيداس.. هنا توجد براكين حديثة التكوين، حسب برحمة، يعود تاريخها إلى 0.2 حتى 5 ملايين سنة، وتضم حمما بركانية مشبعة. في الأطلس المتوسط، أيضا، هناك براكين كما يبرز برحمة. توجد هذه البراكين تحت إفران وفم الخنك، لكنها تتكثف، أساسا، بين «آزرو» و»تيمحضيت». يشير برحمة إلى أن لدى وزارة الطاقة والمعادن خرائط جيولوجية تضُمّ خصائص براكين هذه المنطقة. الصخور البركانية على مرأى من الزوار، خاصة في جبل «هبري» و«مشليفن» و«تيمحضيتْ». تمتدّ هذه البراكين تحت مدن أخرى كبيرة، مثل وجدة وجرادة، وهي براكين قاعدية، كما يوضح الخبير المغربي في علم البراكين ل«المساء». براكين الجهة الشرقية حديثة التكوين مقارنة ببركان «سروا». ونظرا إلى كونها حديثة، فإن خطر استيقاظها يظل قائما مقارنة بالبراكين القديمة، التي تكون خامدة. البراكين منتشرة، أيضا، على طول الحدود مع الجزائر وفي مرتفعات شرق الريف، وتحديدا في مناطق «حسي الحمر» و«حسي عين الذياب» و«دبدو» و«مريجة»، كما يبرز برحمة. في الشمال، في الناظور تحديدا، يوجد جبل «كوركو». جبل ضمِن له المهاجرون السريون «الشهرة» على مدى السنين الأخيرة. يتدارون فيه عن أنظار الأمن ويحتمون به داخل خيام من كارتون وبلاستيك إلى حين حلول موعد عبورهم الضفة. هذا الجبل المخبأ هو بركان، من نوع البراكين الناجمة عن دخول صفيحة أرضية تحت أخرى. يمتاز هذا النوع من البراكين بكونه انفجاريا بشكل كبير، ما يجعل من جبل «كوركو» بمثابة قنبلة نووية نائمة. كشف تفسير محمد برحمة كيفية تشكل بركان «كوركو» معطيات مثيرة تتعلق بصعود الصفيحة الأرضية التي تحمل القارة الإفريقية فوق صفيحة القارة الأوربية. تُقرّب حركة الصفيحة الإفريقية السواحل المغربية الشمالية بالسواحل الإسبانية بسنتيمتريْن اثنين إلى خمسة سنتيمترات في السنة الواحدة. «في يوم من الأيام، وبالضبط بعد مليون سنة تقريبا، ستلتقي القارة الإفريقية بالقارة الأوربية، وتلتصق السواحل المغربية بالإسبانية، ويختفي معبر جبل طارق»، يستطرد برحمة. في خضم هذه الحركة الصفيحية، ظهر بركان « كوركو» في الناظور، وفي ظل استمرار هذه الحركة، تزداد خطورة البركان. يصل الأمر إلى أخطر من ذلك وينذر بحدوث كارثة في حالة يكشف عنها الخبير المغربي برحمة بالقول إنه «في حالة انحدار وانزلاق الصفيحة الأوربية تحت الصفيحة الإفريقية، بقوة وسرعة وفي لحظة واحدة، سيحدث انفجار بركاني وستخرج الحمم والقذائف البركانية من الشق الذي سينجم عن هذا الانزلاق». الآن، تكتفي الوزارة بالترخيص للباحثين الأجانب، بينما كانت قد أمدّتْهم، من قبلُ، بخرائط جيولوجية وقدمت لهم مساعدات. للأسف، تم توقيف مصلحة الجيولوجيا في وزارة الطاقة والمعادن، لينتهي كل شيء. أين هي وزارة الطاقة والمعادن من كل هذه التطورات؟ كشف مصدر مسؤول ومطّلع ل«المساء» أن وزارة الطاقة والمعادن، التي تعد أبرز جهة رسمية توكل إليها مهمة مراقبة الأنشطة البركانية، عمدت إلى توقيف مصلحة الجيولوجيا، التي كانت تتكلف بدعم البحث وتتبع الأنشطة البركانية. كان توقيف المصلحة، حسب نفس المصدر، بسبب توافد وزراء ومدراء جدد على الوزارة، والذين كانت لديهم نظرة أخرى بخصوص عمل الوزارة، من خلال تشجيع مجالات أخرى، مثل الصناعة. الآن، تكتفي الوزارة بالترخيص للباحثين الأجانب، وتلجأ إلى إسناد مهمة إعداد خرائط إلى مكاتب دراسات. ترِدُ في هذه الخرائط، حسب المصدر ذاته، أخطاء فادحة، لأنه يتم إعدادها في ظرف وجيز، «كان إعداد هذه الخرائط، في السابق، يتطلب فريقا يضم ثلاثة أو أربعة باحثين، أحدهم متخصص في البراكين وآخر في علم «التيكتونيك» مثلا، مدة ثلاث أو أربع أو حتى ثمان سنوات على الأقل، لأن الأمر يتطلب، أيضا، إنجاز تحليلات ودراسات، لكن مكاتب الدراسات هذه تعد خرائط في ظرف ثلاثة إلى ستة أشهر على أقصى تقدير، من خلال اللجوء إلى التصوير الجوي»، يوضح المصدر ذاته، الذي لم يشأ الكشف عن اسمه. تحدث كل هذه الحقائق المخيفة والوقائع المثيرة دون حراك حكومي أو يقظة، كما يبدو. وقد تأكد هذا المعطى عندما اتصلت «المساء» هاتفيا بوزارة الطاقة والمعادن، لأخذ موعد قصد تزويدنا بمعطيات إضافية، إلا أن الهاتف ظل يرن، طيلة الأربعاء الماضي، دون مجيب، في الوقت الذي يزداد نشاط براكين جزر الكناري.. ويخلى السكان المجاورون لها وتظهر دلائل مروّعة حول خطر كامن تحت الأرض، قد «يعصف» بالمغرب في أي لحظة. منذ 19 يوليوز الماضي، وإسبانيا تشهد اضطرابا بسبب ثورة بركان «هييرو»، الذي يحمل اسم جزيرة صغيرة تابعة لجزر الكناري، التي لا تبعد عن السواحل المغربية سوى ب40 كيلومترا، والتي هي في الأصل جزر تشكّلت بفعل تفاعلات وانفجارات بركانية. سُجِّلت أزيد من 8 آلاف هزة أرضية فوق هذه الجزيرة، التي تصل مساحتها إلى 287 كيلومترا مربعا. يعيش المعهد الجيوغرافي الوطني الإسباني حالة «استنفار»، مقابل «عدم اكتراث» مغربي، رغم أن المشكل لا يبعد سوى بمسافة قليلة عن المدن المغربية الجنوبية. في ليلتي الثلاثاء والأربعاء الماضيين، تم تسجيل أقوى هزة أرضية بلغت ثلاث نقط ونصف سلم «ريشتر». في يوم الجمعة الماضي، رفعت السلطات الإسبانية حالة التأهب إلى الدرجة الثانية ولم تعد تفصل عن حالة الخطر القصوى سوى درجة واحدة. لم تصدر تنبيهات بهذا الخصوص في المغرب. يقيم 11 ألف شخص في هذه الجزيرة، وبينهم مهاجرون مغاربة، شرعوا في إخلاء المكان. الكل يرتقبون نشاطا بركانيا مثل الذي حدث سنة 1971 في جزيرة «بالما». أعدّت دراسة لإقامة مخيم لإيواء السكان المجليين. وصل 31 عسكريا إسبانيا إلى «تينيريفي»، معززين بست شاحنات وأربع حافلات وثلاث سيارات خفيفة، بينما تكثف عمل الوحدة العسكرية الإسبانية للإغاثة بإخلاء الأمكنة التي يُحتمَل أن تصل إليها حِمَم البركان. أما دخانه فلا يمكن الاتقاء منه، بل إنه يهدد حتى المدن المغربية الجنوبية، خاصة الساحلية، بالاجتياح، ما يعني أنه سيتمخض عن ذلك اضطراب كبير، نتيجة حدوث اختناقات ووفيات بسبب الدخان الكثيف الذي يتشكّل من غازات سامة، إضافة إلى شل حركة النقل الجوي والبحري والبري في جنوب المغرب، بل وحتى في أرجائه الأخرى. في مقابل هذا الاستنفار الإسباني، ليس هناك «اهتمام» مغربي بالظاهرة إطلاقا، كما تغيب عمليات مراقبة دورية للأنشطة البركانية في جزر الكناري، والتي تٌعتبَر من أكثر البراكين نشاطا على وجه الأرض. كانت جزر الكناري، في مرحلة متقدمة من مراحل التاريخ، وبالضبط قبل 23 مليون سنة، جزءا من تراب القارة الإفريقية، كما أنها كانت لصيقة بالسواحل المغربية وتشكل امتدادا للمناطق البركانية في جنوب جبال الأطلس. ما زال هذا الامتداد قائما، بحكم وجود المنطقتين فوق صفيحة أرضية واحدة، في حين يظهر في عرض المحيط الأطلسي خط أبيض، هو في الأصل نتيجة لنشاط براكين بحرية بعيدة عن السواحل المغربية بأميال بحرية عديدة. وإذا كانت براكين المغرب «خامدة» حاليا، فإن براكين أخرى، توجد على بعد 40 كيلومترا فقط من سواحله نشيطة، بشكل كبير. أشهر هذه البراكين، والتي تعد بمثابة خطر قد يأتي من الغرب، بركان «غوميرا» و»غران كاناريا» و«فويرتيفينتورا» و«لانزوروت»، أما أحدث هذه البراكين وأخطرها فهو بركان «بالما» و«تينيريفي» و«هييرو»، النشيط حاليا. على مدى القرن الماضي، سُجِّلت في جزر الكناري 14 انفجارا بركانيا، ما يرشحها لأن تكون من أخطر البراكين في العالم. في هذه البراكين هناك أنواع عدة من الصخور البركانية واللافا، فضلا على بركان «تيد»، الذي يعد ثالث أكبر بركان على وجه الأرض، ويصل علوه إلى 3718 مترا.
هذا ما سيحدث لو «استيقظت» براكين المغرب.. عندما ثار بركان «غريمسفوتن»، الإيسلندي، في شهر ماي الماضي، ونفث دخانا عميقا، بدا المغرب بعيدا عن شرّه، بحكم المسافة الكبيرة الفاصلة بين المنطقتين. لم يكن أحد يتوقع أن يصل تأثير دخان البركان، الذي غطى أوربا كلها، إلى المغرب، حيث شُلّت حركة الطيران لمدة طويلة وتكبّدت شركة الخطوط الملكية الجوية خسارات فادحة... هذا ما حدث عندما انفجر بركان يبعد عن المغرب بآلاف الكيلومترات، لكنْ ما الذي سيحدث لو انفجرت براكين المغرب وجزر الكناري؟ براكين جزر الكناري، المقابلة للسواحل المغربية، هي من أخطر البراكين وأنشطها على وجه الأرض. الآن ينشط أحدها، ويسمى «هييرو»، بشكل لفت انتباه الإسبان، الذين أعلنوا تحذيرا من الدرجة البرتقالية، أي أن الأمر يستدعي إخلاء المنطقة من السكان. يمكن أن يعقبَ انفجارَ هذا البركان، الموجود حاليا تحت ضغط شديد، زلزالٌ قوى قد يعصف بالمدن الصحراوية الساحلية. كما أن الدخان الذي سينفثه يُتوقَّع أن يغطي مناطق ومدنا بكاملها في الصحراء، خاصة مدينة طرفاية. أما لو «استيقظت» البراكين الموجودة تحت ورزازاتوإفران وآزرو والناظورووجدة، فستكون طامة أخرى. ظهر مؤشر احتمال استيقاظ بركان «سروا» في ورزازات بخروج حِمَم بركانية، في الأسبوع الماضي، من دوار «تيفولتوت». بركان «سروا» كبير جدا وفيه حمم بركانية بكميات كبيرة، لو قذفت بها فوهة البركان سائلة، فستنطلق بسرعة 20 كيلومترا في الساعة، ما يعني أنه يصعب على سكان الدواوير المجاورة للبركان الفرار بأرواحهم وممتلكاتهم. ويزداد الوضع خطورة في الشمال، وبالضبط في بركان و«كوروكو» في الناظور، والسبب احتمال انحدار الصفيحة الأرضية الأوربية تحت الصفيحة الإفريقية، ما يعني حدوث شرخ بشكل مفاجئ وسريع وآني، يمكن أن تخرج منه حمم ومقذوفات بركانية كبيرة ستشكّل كارثة طبيعية ضخمة. في هذا الحوار، يوضح محمد برحمة، الخبير في علم البراكين، علاقة وزارتي الطاقة والمعادن والداخلية وقطاعات أخرى بحدوث كوارث طبيعية بصفة عامة وثورات بركانية بصفة خاصة، في المغرب. يضع الخبير المغربي في علم البراكين، أيضا، تقييما ليقظة الدولة والجهات المعنية بشأن خطر هذه الحوادث، كما يبرز المشاكل التي أصبحت تعترض البحث العلمي المغربي في هذا المجال. خبير علم البراكين يكشف علاقة وزارتي الطاقة والمعادن والداخلية بخطر النشاطات البركانية برحمة: إذا تأكد ظهور حمم بركانية في ورزازات فيجب التتبع واليقظة -كيف يجب أن تكون عليه اليقظة من أجل مواجهة خطر براكين؟ بالنسبة إلي، فإن البراكين الموجودة في المغرب «خامدة» الآن منذ 0.2 مليون سنة، لكنْ يمكنها أن تستيقظ، وعندما يكون هناك دليل وحدث مثل الذي وقع في ورزازات، إذا تأكد ذلك، فيجب تتبعه ومراقبته جيدا والتنبه باستمرار. في هذا السياق، يجب على المختصين أن يكونوا في عين المكان بجميع التقنيات المتعددة، للتأكد من الحدث وأخذ عيّنات لتحليلها في المختبرات. كما يجب مراقبة المكان، بين الفينة والأخرى، لتتبع الظاهرة. -ما هي الجهة الرسمية في المغرب الموكول إليها دور مراقبة البراكين؟ ما دامت البراكين في المغرب خامدة ومنذ مدة (آخرها 0.2 مليون سنة) فليست هناك جهة رسمية توكل إليها مهمة تتبع الأنشطة البركانية. لن يكون هناك داعٍ إلى وجود مرصد للأنشطة البركانية. لقد سبق لي أن اشتغلت في المغرب وكندا ودرست براكين فرنسا، لكن مجمل أبحاثي التي أجريتُها حول الموضوع همّت المغرب، لذلك أؤكد لك أنه لا يوجد في المغرب مركز مراقبة البراكين، وفي نظري، لا داعي إلى وجوده ما دام آخر انفجار بركاني في المغرب يعود إلى ما قبل 200000 سنة. يشتغل المركز الوحيد في المغرب في مجال الجيو فيزياء، الذي يُمْكنه تقديم معطيات ورصد أنشطة الزلازل، ولكن وزارة الطاقة والمعادن، بحكم أنها تعمل في الميدان ولها مصالح جيولوجية في معظم أنحاء المملكة، تجمع معطيات في هذا الموضوع، بتعاون مع مختبرات الجيو فيزياء في المعهد العلمي والمركز الوطني للأبحاث العلمية والتقنية وجميع المختصين في هذا الميدان الموجودين في الجامعات المغربية للجيولوجيا، في الوقت الذي كانت وزارة الطاقة والمعادن تُعِدّ خرائط وتُوفد باحثين. كنت أشتغل بالتعاون مع هذه الوزارة، وقد أنجزنا خرائط جيولوجية في إطار عملنا هذا. كنا نستعمل وسائل الوزارة وسياراتها للقيام بأبحاث، هم يستفيدون من الخرائط الجيولوجية التي نُعِدّها، بينما نستفيد نحن من إجراء أبحاث. -متى انتهى تعاون الباحثين مع وزارة الطاقة والمعادن؟ لم ينتهِ التعاون مع الوزارة بل قل، وقد شمل باحثين في جامعات مغربية وحتى أجنبية، بدأ في الثمانينات وقل منذ سنة 2000. آنذاك، في شهري أبريل وماي، كانت هناك فرق بحث أجنبية كثيرة تحل بالمغرب لإجراء أبحاث ميدانية، بتنسيق مع أساتذة مغاربة، وهذا أمر كان يعود بنفع كثير على المغرب، حيث كانت هذه الفرق تنجز خرائط جيولوجية وأبحاثا تفيد البلاد. كما كانت الفرق تستفيد من اللوجستيك في الميدان من الوزارة.. الآن، لا أعرف ماذا يفعلون، لأن صلتي بهم انقطعت. -ما دور وزارة الداخلية، على اعتبار أن المشكل يهدد حياة وسلامة وممتلكات المواطنين؟ في جميع الكوارث الطبيعية، بصفة عامة، للوزارة لها دور مميز، ما دامت هي التي تسهر على حماية ممتلكات وسلامة المواطنين وتنبئهم لكي يستعدوا إذا وقع خطر طبيعي لا قدّر الله. من أجل حماية المواطنين، يمكن وزارة الداخلية أن تظل على اتصال مع وزارة الطاقة، بحكم أن لها مصالح إدارية في أغلبية مناطق المملكة ولها دراية بالموضوع، كما يمكنها التنسيق مع مصالح الجيو فيزياء ومع الباحثين المختصين في هذا الميدان، لأخذ القرار جميعا من أجل حماية المواطنين وسلامتهم. وعندما كنت أشتغل على هذا الموضوع، كنا نعمل مع فرنسيين وكنديين وإيطاليين، فضلا على جامعات «لوزان» و«جنيف» و«باريس 6» وباريس 11»، التي تجمعني علاقة بأساتذة فيها، لكن هذه العلاقات هي علاقات شخصية قائمة على التعاون على مشاريع بحثية صغيرة. أجريت بالمجان مع أن تكلفتها باهظة. وفي الميدان من قبل، كنا نستعين بوسائل وزارة الطاقة والمعادن. والآن، يمكن أن نستعين بدعم جامعة محمد الخامس -أكدال، التي نتبع لها. الآن يجب تشجيع البحث العلمي فضلا على التنسيق مع جامعات دولية ومغربية أخرى. - ما الذي يجب فعله إزاء هذا الوضع الآن؟ يجب تشجيع مشاريع الأبحاث وتمويل الباحثين. يجب، أساسا، تجديد الباحثين المغاربة، لأن أغلبهم تَقدّموا في السن، ففي أفق سنة 2020، سيحال 60 في المائة من الأساتذة الباحثين على التقاعد.. في مؤسستنا، على سبيل، سيكون هناك فراغ مهول. ولتجنب هذا الخصاص، يجب تشبيب فرق البحث الآن وعاجلا، عبر دعم الشباب الراغبين في إجراء بحوث، لأننا يمكن أن نعاني مشكلا في التدريس والبحث مستقبلا.