«الدسلكسيا» ( dyslexieأو عسر القراءة هي صعوبة تواجه بعض الأطفال في سن التمدرس، تعرقل مسيرتهم الدراسية، حيث إن أعراضها تبدو غامضة في ظل عدم وعي المجتمع بها، مما يجعل الطفل المصاب بها يُنعت بالغبي حينا وبالكسول حينا آخر، فتصبح هذه الصفات عائقا أمام تطوره الدراسي، بدل أن يتلقى الرعاية الخاصة التي تؤهله لاستغلال إمكانياته ومهارته للتعلم بطريقة تتناسب وخصوصيتَه. نحتاج اليوم إلى وعي بهذا الاضطراب داخل مؤسساتنا التربوية وداخل أسرنا، كي نوفر لأطفالنا الرعاية النفسية والدعم التربوي والعلاجي الكافيين لتجاوزهم هذه الصعوبة.. ما هي «الديسلكسيا»؟ «الدسليكسيا» أو «عسر القراءة» صعوبة مستمرة وشديدة في تعلم القراءة واكتساب مهاراتها عند أطفال أذكياء، متمدرسين بشكل طبيعي، ليست لديهم أي اضطرابات حسية أو عصبية، يعيشون في بيئة اجتماعية ثقافية طبيعية. تتميز هذه الصعوبة باستمراريتها على المدى البعيد، كما أن تشخيصها لا يتم إلا بعد مرور 6 أشهر على الأقل من الشروع في تعلم اللغة الكتابية. وحسب (Zorman, 2001) فإنها تصيب حوالي 1 إلى 8 % من الأطفال في سن التمدرس، كيفما كانت انتماءاتهم العرقية أو الجغرافية. ما هي أسبابها؟ من المؤكد أنه لا علاقة ل«الديسلكسيا» بنسبة الذكاء، ولكن من المؤكد، أيضا، أن الطفل المصاب بها يتميز بخصوصية دماغية يشوبها بعض الغموض في ظل الأبحاث المتعددة والمتجددة، ولكنْ يظل الرأي الأكثر اعتمادا هو أن الخلايا الدماغية تكون مركَّبة بشكل مختلف، مما يؤدي إلى عدم الفعالية في الربط بين قسمي الدماغ، الأيمن والأيسر. كما أن العامل الوراثي يعد من بين الأسباب القوية، حيث إن 50 % من الحالات لديهم أقارب يعانون من «الديسلكسيا». ومن الملاحظ أن عسر القراءة يصيب الذكور أكثر من الإناث، وغالبا ما يكون الشخص المصاب أعسر (gaucher). كيف تتم عملية القراءة؟ لكي نفهم عسر القراءة، يجب أن نفهم، أولا، كيف تتم القراءة، إنها عملية إدراكية معقدة جدا، تتم عبر مجموعة من النظم، ابتداء من النظام البصري، مرورا بنظام الدلالة، ثم نظام النحو والسياق، ثم نظام التحليل البنيوي، وبعد هذا كله، يأتي دور النظام الصوتي وتتم عملية القراءة عبر طريقتين مختلفين، وهما أسلوب المعنى (voie lexicale) ويعتمد على القراءة الشاملة بالتعرف البصري على مجموع الكلمة، ثم بالمرور إلى معناها. وأسلوب الترميز (voie phonologique) وتعتمد هذه الطريقة على تقسيم الكلمة إلى الحروف ثم مطابقتها مع الوحدات الصوتية، ثم، بعد ذلك، التعرف على الكلمة كوحدة متناسقة. ما هي أنواع «الدسليكسيا»؟ تختلف أنواع الدسلكسيا حسب الخلل المرتبط بأسلوبي القراءة اللذين تم توضيحهما آنفا، وهي كالتالي: -عسر القراءة الناتج عن خلل في أسلوب الترميز Dyslexie phonologique -عسر القراءة الناتج عن خلل في أسلوب المعنى Dyslexie de surface عسر القراءة الناتج عن خلل في أسلوب المعنى وأسلوب الترميز Dyslexie mixte. كيف تنعكس «الدسلكسيا» على الطفل؟ يصاب الطفل «الديسليكسي» بملل من نشاط القراءة والكتابة بصفة عامة، كما يعاني من البطء في إنجاز الواجبات المدرسية، وغالبا ما يحدث عنده تراكم في التأخر التعليمي في القراءة وفي باقي المواد المدرسية، مما يؤدي إلى اضطرابات نفسية، نتيجة الفشل المستمر، خصوصا أن النتائج لا تتماشى مع الجهد المبذول. إلا أن حدة هذه الآثار تختلف باختلاف درجة الاحتواء والاستيعاب التي ينالها الطفل من محيطه المدرسي والأسري، كما أن خضوعه للعلاج يساعده على تجاوز الكثير من العقبات. كيف نعرف أن الطفل مصاب ب»الدسلكسيا»؟ في مرحلة الروض، قد تكون بعد الأعراض بمثابة ناقوس الخطر التي يتوجب ألا نتعامل معها بازدراء، حيث قد يؤدي التأخر في الكلام أو الخلط بين الحروف المتشابهة (p/b, f,v t/d) إلى مشاكل في تعلم اللغة الكتابية في ما بعد، فالتكوين اللغوي عبارة عن مراحل لا يمكن أن نتجاوز إحداها إلى الأخرى قبل أن تكتمل، وبالتالي فأي خلل في تعلم اللغة الشفاهية سيؤثر سلبا على تعلم اللغة الكتابية، إذا لم تتمَّ معالجته. أما في المرحلة الابتدائية (ابتداء من القسم التحضيري) فهناك بعض الأعراض التي من شأنها أن تكشف لنا عن إصابة الطفل بعسر القراءة مثل نقص /زيادة /استبدال /قلب حرف أو أكثر في الكلمة، خلط في قراءة الحروف المتشابهة (ن/ ب /ت/ ي، p/b, q/d)، قراءة بطيئة /تهجئة، صعوبة في تخزين الكلمات المتداولة، حيث يكتب نفس الكلمة كل مرة بطريقة مختلفة )ثولاتاء/ ثلتاء، (mézon/ meison، صعوبة في النقل، صعوبة في الإملاء، صعوبة في الحفظ عن ظهر قلب، ضعف في التركيز و الانتباه، خوف من المدرسة، انطواء على النفس، وجود حالات مشابهة في العائلة.. لكنْ كل هذه الأعراض تظل غير كافية ويظل الطفل في حاجة إلى إجراء الاختبار عند المختص من أجل التأكد من إصابته ب»الدسلكسيا»، إذ من الوارد أن تظهر مثل هذه الأعراض في حالات أخرى، مثل التأخر الدراسي. كيف تتم العلاج؟ يبتدئ العلاج بعملية التشخيص، عن طريق مجموعة من الاختبارات المعتمَدة، ثم يكون العلاج عبر حصص العلاجية، وتتميز هذه الأخيرة على مستوى الشكل بكونها مثيرة للاهتمام وترفع معنويات الطفل، حيث تتماشى ومستواه، أما على مستوى المضمون، فهي تعتمد، بصفة عامة، على تصحيح الخلل في طرق القراءة المعطلة وتقوية المهارات العقلية والإدراكية المتدخلة في عملية القراءة. ويحتاج هذا العلاج لنجاحه إلى توحد الجهود الأسرية والمدرسية من أجل مساعدة الطفل على تخطي هذه الصعوبة، التي تواجهه، فهو يحتاج إلى التشجيع المستمر من قِبَل الأهل من أجل رفع معنوياته، كما يحتاج لمعاملة خاصة من قِبَل المدرسة لمراعاة الإشكاليات التي يعاني منها وإعطائه فرصة لاستغلال مهاراته وقدراته العقلية السليمة. سهام أمسغرو -أخصائية علاج الاضطرابات اللغوية