في وقت تتساقط أنظمة عربية كأوراق «الخريف» وتزول الأكَمة، التي كانت تخفي الغابة وينقشع غبار المعركة.. يطفو إلى السطح ما كان مسكوتا عنه في تلك الأزمنة «الغابرة». فبعد سقوط نظامي حسني مبارك والقذافي، خرج الكاتب علاء الأسواني ليقدم «وصفة» لمعالجة ما أفسدته السياسة، وهو الذي كان يعد «نجما ثاقبا» في عهد الرئيس المخلوع.. لكن صوت جابر عصفور، الكاتب والمفكر المعروف، أتى عاليا فوصف الأسواني بأنه مجرد نجم «مزيّف» من صنع النظام. لكن عصفور قبل، هو الآخر، جائزة من يد ديكتاتور ليبيا، العقيد «الهارب».. فهل تصيب لوثة السياسة المبدعين، أيضا؟!... قال الكاتب والروائي علاء الأسواني إن العزل السياسي المؤقت لمن أفسدوا الحياة السياسية في مصر على مدار 03 سنة هو أقل ما يمكن تقديمه للشعب المصري، ومن حق هذا الشعب أن يختار من يُمثّله بحق لأول مرة وأن يرى برلمانا جديدا بدونهم ويبنى دولته بإرادته الحقيقية. وأضاف الأسواني، في ندوة عُقِدت مؤخرا، أن هناك محاولة لإعادة إنشاء نظام مبارك، فمعظم من شاركوا في مساعدة النظام السابق ما يزالون أحرارا ويتحكمون في الإعلام ويُشكّلون الأحزاب السياسية ويعملون على «إجهاض» الثورة، بكل الطرق. وأكد الأسواني أن الضغوط الثورية والشعب المصري فقط ما أنجح الثورة المصرية وأجبر مبارك على التنحي، بل وتقديمه للمحاكمة وملاحقة الفاسدين، فأصالة الشعب المصري قد ظهرت بوضوح في الثورة، وأكبر دليل على ذلك أنه رغم الانفلات الأمني غير المبرَّر، لم يقم المصريون بارتكاب جرائم السلب والنهب و«ثورة الجياع»، مثلما حدث في كثير من الدول المتقدمة... وأشار الأسواني إلى أن الغرب كان يدعم مبارك حتى اللحظة الأخيرة، رغم ادعاءاته تأييدَ الثورة وإلى أن من حق الشعوب تحديد مصيرها، ولكنهم رأوا أنه من الذكاء ألا يخسروا مكانتهم وصورتهم العامة أمام شعوبهم والعالم، وإذا كانوا لم يتمكنوا من منع الثورة من الوصول إلى هدفها في إسقاط النظام، فإنهم يحاولون الآن إجهاضها وإبعادها عن مسارها. من جهة أخرى، شن الكاتب والمفكر المصري المعروف جابر عصفور هجوما على علاء الأسواني، واصفا إياه ب«النجم المزيَّف»، الذي صنعه نظام حسني مبارك المخلوع. وقال عصفور في هذا السياق، في ندوة حضرها جمهور المعرض الدولي للكتاب في الجزائر، إن مصر لن تعود «أبدا» إلى عهد ما قبل «52 يناير»، وهو العهد الذي كرّس فيه مبارك سياسية القمع والاضطهاد على جميع المستويات، ومنها الأدب». وأضاف الكاتب المصري أن «نظام مبارك صنع علاء الأسواني ليبرز أن هناك مساحة للحرية وأن لديه صدرا رحباً لقبول النقد، ولكن نجوما مزيفة، كعلاء، حالة مصيرها الزوال دائما». ومن «أوراق الثورة المصرية»، تحدث عصفور بكل «فخر» عن رفضه حقيبة وزير الثقافة في عهد مبارك «المخلوع»، قائلا: «لقد رفضتُ حقيبة وزير الثقافة، لأني لم أكن أشعر حينها بأني سأستطيع إنقاذ الثقافة المصرية والمتاحف التي بدأت تشهد موجة من السرقة والخراب، بعد انفلات الأمن وانتشار «البلطجية». وأضاف جابر، الذي شغل، ولمدة عشرة أيام فقط، منصب وزير الثقافة المصرية، التي تشكّلت عقب الاحتجاجات المطالِبة بإسقاط نظام مبارك: «شعرت براحة عندما قدمت استقالتي». وفي سياق الحديث عن الأدب العربي والنقد، قال المفكر المصري إن العالم العربي يعيش عصر الرواية ب«امتياز» وإن زمن الشعر أضحى من الماضي، وضرب عصفور مثلا في هذه النقطة بالكتاب والشاعر الجزائري عز الدين ميهوبي، الذي أدار الندوة: «لقد قدم لي ميهوبي، قبل دخولي القاعة، رواية جديدة له، وأنا أعرف عن ميهوبي «صديقي العزيز»، أنه شاعر من الدرجة الأولى.. وأنا أعتبر انتقال ميهوبي من الشعر إلى الرواية أبرزَ الحقائق التي تؤكد أننا نعيش زمن الرواية». ودعا الناقد المصري الكتّاب العرب إلى عدم التزام نمط من الكتابة في الرواية، معتبرا أن أهم تعريف للرواية هو أن يكتب الكاتب بفكره الخاص وألا يلتزم بالتقليد، لأن الرواية، كما يقول عصفور، يمكن أن تكتب رسائل أو سردا أو أخبارا وحتى وصفا وتحليلاً. إلى ذلك ألبس الجمهور «ثوب المتهم» لعصفور، عندما تعلق الأمر بفتح ملفات الجوائز والتكريمات، لاسيما أنه يعتبر قامة في الكتابة العربية، وهو ما كان يدفع الملوك والزعماء العرب إلى التسابق على تكريمه. وفي هذا الباب، لم ينكر جابر عصفور أنه قبِل جائزة العقيد، «المخلوع»، معمر القذافي، قبل أن يعلن تنازله عنها، بعد اندلاع انتفاضة «71 فبراير»، الليبية، كما قال جابر: «لم أرفض جائزة القذافي ولكنْ، بعدما اكتشفتُ حجم الجرائم التي كان يرتكبها، أعلنتُ رفضي لها، كما كنتُ قد أعلنتُ، في وقت سابق، أني أرفض لقاء القذافي». وأشار جابر عصفور إلى أن الجوائز التي يقدمها الملوك والزعماء للكتاب هي من أموال الشعوب وليست من مال الملك، وهي عادة ما تخضع للجنة تقييم يشرف عليها رموز الفكر في تلك البلدان، وهي تعد -حسب جابر- عرفانا وشكرا من شعب البلد على إسهامات الكاتب الأدبية وليس عطية من الملك.