ضجت الأوساط الثقافية العربية بالدهشة والاستهجان لدى مشاهدة الكاتب والناقد المصري جابر عصفور وهو يتقدم صف الحكومة الجديدة ليؤدي اليمين الدستورية أمام الرئيس حسني مبارك. ومبعث الخيبة التي شعر بها مثقفون كثر أن عصفور كان يقدم نفسه طوال الوقت بوصفه مثقفا تنويريا فإذا به يتخندق في صف نظام ينادي الشعب بإسقاطه. مقالات انتقادية وصفحات نقاشية عديدة فتحت عبر تويتر وفيسبوك منها مجموعة "لا لثقافة جابر عصفور الانتهازية" طرحت موضوع وزير الثقافة الجديد، وامتلأت بتعليقات حادة، منتقدة، ساخرة ومستغربة. وتواصلت الجزيرة نت مع بعض من المثقفين الذين اجتمعت آراؤهم على رفض هذه الخطوة، ففي اتصال مع الروائية المصرية ميرال الطحاوي أستاذة الأدب بالولايات المتحدة، تحدثت بنبرة حادّة غاضبة عن الوضع بشكل عام وعن خطوة عصفور بشكل خاص، وقالت إن ثورة شباب مصر أسقطت كل الأقنعة في الفن والسياسة والثقافة. وأبدت الروائية امتعاضها مما قام به جابر عصفور وقالت "هذا الرجل سقط منذ زمن طويل.. سقط حين باع كرسي طه حسين ليشتري كرسي وزارة الثقافة، هذا رجل باع تاريخ كلّ رفقائه ولم تفلح كل الأقنعة التي ارتداها أن تجمّل وجهه. كلّ من عرف واقترب من جابر عصفور يدرك ذلك". وفي دعوة صريحة لها ناشدت صاحبة "بروكلين هايتس" كل المثقفين العرب كما كل المثقفين المصريين "أن يعلنوا معي (أننا) تبرأنا من حقائب الدم والفساد.. حقائب الوزارة التي تزيّف إرادة الشعب". وختمت الروائية حديثها إلينا باعترافها أنها لا تشعر بالصدمة لما حدث وإنما فقط لم تكن تتصور أنّ بإمكان "أي مثقف أن يتدنى إلى هذا الحد. لقد صار مطلوبا محاكمته ومحاكمة وزير الثقافة السابق ومحاكمة مبارك". اختيار خاطئ جدا من جهته أبدى وزير الثقافة السوري السابق رياض نعسان آغا استغرابه الشديد لما قام به عصفور من خلال "مساندة نظام آيل للسقوط طرده الشعب" معتبرا فكرة استلام حقيبة وزارية "بالاختيار الخاطئ جدا". وأردف آغا باتصال مع الجزيرة نت "أعجب كيف يصافح مبارك ودماء شباب مصر ما تزال تنزف. أرجو من جابر أن يستقيل قبل أن يقيله الشعب رغما عنه، فالوزارة كلّها باتت غير شرعية بعد الاستفتاء الضخم الذي يهدر في الشارع المصري (الشعب يريد تغيير النظام) والمثقف لا ينحاز إلا إلى شعبه". سقطة لا تغتفر خيبة أمل الروائية رضوى عاشور ما كانت لتختفي وسط اقتناعها بأنّ هناك "ما هو أهم من جابر عصفور وأحلامه الصغيرة، وهم الملايين من المصريين الذين يتظاهرون ويرفعون أصواتهم لإسقاط النظام الذي أفقرهم وأهانهم وآلمهم بقمعه وفساده وسياساته الداخلية والخارجية". وتتساءل صاحبة "ثلاثية غرناطة" بحسرة "كيف يقبل مثقف جاد، مهما كانت توجهاته السياسية، أن يدعم هذا المجرم؟ كيف يقبل أن يقف ضد شعبه وثورة هذا الشعب؟ هذه سقطة لا تغتفر كنت أتمنى ألا يقع فيها جابر عصفور". وترى عاشور أن نظام مبارك "قد سقط ولكنه، على طريقة عتاة الطغاة، لم يسلم بسقوطه"، وطالبت بمحاكمة نظام مبارك لما ارتكبه في الأيام الماضية من جرائم ضد الإنسانية بحق المتظاهرين. مجد زائف بحرقة كبيرة تحدثت الشاعرة والروائية الجزائرية ربيعة جلطي عن موقف عصفور، وهو الأمر الذي أشعرها بالغضب كسقوط مدو لفرد من أسرة الفكر والإبداع، خاصة وأنّه "واحد من المحسوبين على أصحاب الفكر المتنور". وتضيف صاحبة رواية "الذروة" قائلة "أشعر أكثر بالشفقة على هذا المثقف الذي أخطأ مجده ونصره وخلوده الذي صاغه من كتاباته، ولو أنه أعلن رفضه للمنصب لأصبح رمزا لأجيال عديدة من المثقفين ليس في العالم العربي ولكن في العالم كله، ولكنه استحلى مجدا زائفا بينما الشعب الذي من المفروض أنه ينتمي إليه يقمع ويراق دمه في الشوارع لا لشيء إلا لأنه يطالب بحقه في الحرية والديمقراطية اللتين طالما تشدق جابر عصفور بالدفاع عنهما". ووصفت الكاتبة الجزائرية سلوك الوزير الجديد بأنه "خيانة" لدماء شعبه حين صافح حاكما مثل مبارك، واستذكرت كيف أن جابر عصفور "قفز على جائزة العقيد معمر القذافي وقبلها حين عرضت عليه بعد أن رفضها الكاتب الإسباني الإنساني الكبير غويتيسولو، تضامنا منه مع الشعب الليبي". في المقابل قد يكون الشاعر والروائي اللبناني كامل صالح أكثر من اتصلت بهم الجزيرة نت تعاطفا مع الناقد عصفور، حيث اعتبره شخصا "يستحق وبجدارة أن يقود الثقافة المصرية، فهو صاحب مسار طويل وعميق وغني في هذا السياق" ولكنه يستدرك أيضا ليقول "قبول جابر بالمنصب في هذا الوقت تحديدا، وعلى وقع صرخات المصريين المقهورين والغاضبين والطيبين، هو نقيض لمفهوم الثقافة التنويرية التي طالما سطر بها كتاباته". ويحلّل صاحب رواية "حب خارج البرد" الموضوع أكثر "النظام المصري أراد أن يقدّم مثقفا قادرا ومتزنا لإسكات الثورة، ولتجميل نفسه ما أمكن، إلا أن هذا المثقف -الذي لم يكن مفهوما للآن- كيف قبل بأن يقدم نفسه تضحية على مذبح لا رجاء منه". وتساءل "لماذا قبل بهذا الانتحار، فيما لو قال لا، لكان توّج أميرا للثقافة العشرات بل لمئات السنين المقبلة". حقائب ملوثة بالدم بدورها لم تخف الشاعرة الكويتية سعدية مفرح ذهولها من هذا الحدث "أنا مندهشة جدا جدا" لقبول عصفور الاشتراك في هذه الحكومة وفي هذا الوقت بالذات. وقد تساءلت بمجرد أن سمعت الخبر: كيف يقبل بهذه الوزراة التي تقدّم له الآن ملوثة بدماء الشباب المصري الحر؟!. وأبدت أسفها العميق وخيبتها خصوصا أنه كان أستاذها في جامعة الكويت. أما الروائي الجزائري بشير مفتي فناشد عصفور أن "يرمي" حقيبة الوزارة، لأن توليه المنصب "خيانة للشعب"، معترفا أن الوزير الجديد هو واحد "ممن ساهم بطريق غير مباشر في تكوينه المعرفي مذ كان طالبا بالجامعة الجزائرية. لكنه مع ذلك طالب منه أن "يسحب نفسه بسرعة فهو أكبر من المنصب، وشرف الكاتب فيه لا يمكنه أن يباع في هذه اللحظة الفاصلة بين زمن الاستبداد وزمن الحرية.. إنّه نداء أوجهه لضميره النقدي والثقافي حتى لا يسقط من نظري ونظر شعبه إلى الأبد". عن الجزيرة