في فبراير المنصرم، عاشت مصر على إيقاع «شبه ثورة» أو «انتفاضة» سياسية. محمد مصطفى البردعي، المدير السابق للوكالة الدولية للطاقة النووية وحائز نوبل للسلام، عاد إلى موطنه الأم بعد ثلاثين سنة من العيش خارجه. هذه العودة، حركت الأمل في نفوس جموع المواطنين المصريين، المتسيسين وغير المتسيسين، الذين هبوا من كل محافظات مصر واستقبلوه بمطار القاهرة استقبال الأبطال الفاتحين. هذه العودة، كذلك، أججت كافة التكنهات حول حظوظ البرادعي في أن يصبح رجل مصر الأول بعد أن أعلن عن ترشحه للانتخابات الرئاسية المقبلة في 2011 في لقاء صحافي على قناة «سي إن إن». عن هذه العودة، والترشيح، الذي يدعمه الكثير من المثقفين المصريين وفي مقدمتهم الروائي علاء الأسواني، قدمت قناة «آرتي» الفرنسية الألمانية السبت الماضي روبورطاجا ستعيد بثه اليوم السبت بعد الظهر. في الورقة التالية، نعرض مضمون الروبرطاج... الجموع تهتف عاليا : «الله حي، البرادعي جاي»... رجل المرحلة القادمة من تاريخ مصر، ينتظره آلاف المصريين، المتوزعين بين سياسيين من مختلف التيارات الحزبية ومثقفين ومواطنين عاديين، لكن، وعلى الأخص الشباب... مئات الشباب، الذين تحدوا السلطات المصرية، وجاؤوا من كافة محافظات مصر ليستقبلوا «محررهم» من «نظام دكتاتوري لم يعد بالإمكان الصبر عليه أكثر» مثلما تصرح شابة مصرية لقناة «آرتي» الألمانية الفرنسية.بالساعات، انتظروا «منقذهم» أو «البردعي المنتظر»، كما يحبون تلقيبه. لم يملوا، ولم تفتر حماستهم، التي اشتدت بمجرد سماع خبر وصول طائرته وأيضا لمح سيارته تخرج من المطار... مشهد مدهش. لكن، بالنسبة لعلاء الأسواني، صاحب الرواية الشهيرة «عمارة يعقوبيان»، الذي حظي شهر مارس الماضي بالتكريم في معرض الكتاب بباريس، :هو « مشهد فريد في تاريخ مصر. إنها البداية. انطلاقة باتجاه التقدم. التغيير آت لامحالة. والتغيير لا يقترن بشخص في حد ذاته. فليس بيد البردعي ما يفعله في غياب دعم الجماهير وإرادتهم الفعلية في التغيير. هذه الحشود التي أتت لاستقباله متحدية السلطات وتهديداتها هي في اعتقادي تقدم دليلا قاطعا على استعدادها للتضحية من أجل التغيير الفعلي. إنها فرصة مصر. لطالما كانت مصر تتوفر على المؤهلات وعلى إمكانية أن تكون بلدا عظيما لكن للأسف. النظام الفاسد والدكتاتوري لم يسمح بذلك». علاء الأسواني، الذي كان مرشد فريق قناة «آرتي»، برهن عبر محاور الاستطلاع التلفزي، كيف أن القضايا، التي تطرقت لها روايته «عمارة يعقوبيان»، لاتزال قضايا شائكة وآنية. ف«عمارة يعقوبيان»، قدمت بورتريهات لسكان عمارة كائنة بوسط القاهرة. كل طابق من طوابق العمارة يعكس موضوعة أو تيمة خاصة : الفقر، تصاعد التطرف الديني، طابوه المثلية، حرية التعبير المنتهكة، عنف النظام. وهي ذات الموضوعات الأثيرة على الصحف المصرية خلال هذه الفترة السابقة للانتخابات. هل سيترشح حسني مبارك للانتخابات المقبلة هو الذي قضى ثلاثة عقود في السلطة ويعاني مشاكل صحية؟ أم هل سيسعى لفرض ابنه جمال؟ أم هل هناك فرصة أمام محمد مصطفى البرادعي، المرشح المحتمل، في أن يأخذ زمام الحكم ؟ أسئلة ضمن أخرى طرحها فريق قناة «آرتي» على علاء الأسواني مثلما سألوه عن التزامه الفكري والسياسي. تقفوا خطواته إلى حيث المطار حين استقباله استقبال الأبطال المرشح «الأكثر مصداقية» ضمن المرشحين المحتملين ضد آل مبارك في الانتخابات المقبلة : محمد البردعي، الحائز جائزة نوبل للسلام سنة 2005 والمدير السابق للوكالة الدولية للطاقة النووية. فريق القناة «آرتي»، ولمدة 42دقيقة، غاص في مدينة القاهرة، التي التقط صورها من خلال نظرة علاء الأسواني. وقد ذهب للقاء «الشخصيات الحقيقية»، التي ألهمت الروائي روايته، التي حققت رقم مبيعات قياسي. فالتقى بوزير سابق، وإعلامي دعوي متشدد، وإرهابي تائب، وصحافيين يناضلون من أجل حرية التعبير أحدهم تعرض للتعذيب بسبب أفكاره وكاتب، مختص في القاهرة «المثلية». وقف علاء الأسواني أمام كاميرا «آرتي»، ليقول :«الديكتاتورية تشيد الحواجز، لذلك لست سعيدا، ولذلك أنا أكتب». ومن خلال «عمارة يعقوبيان»، دشن الكاتب فعليا لتمرد ثقافي في بلاده. بالنسبة للأسواني، بوادر التغيير قائمة. وريح الانتقال باتجاه الديمقراطية آتية لامحالة. «مصر اليوم والغد ستكون مختلفة تماما عن مصر الأمس. التغيير الديمقراطي قريب للغاية» يؤكد الأسواني بثقة كبيرة. تغيير يجسد أبرز ملامحه محمد البردعي، الوجه الجديد للمعارضة المصرية لنظام حسني مبارك. محمد مصطفى البردعي، اسم «سحري» التف حوله الكثير من المواطنين المصريين، ومنحوه دون شرط دعمهم ليحقق «خلاصهم» من دكتاتورية وفساد نظام حسني مبارك...علاء الأسواني، ومثلما سعى لأن يمنح لمحة متفائلة عن الغد عبر التفاؤل باسم البردعي، تشبث أيضا بتقديم حنين إلى مصر، على الأقل إلى قاهرة قريبة في الزمن، قاهرة الستينيات. حنين يسكنه ويسكن بعضا من مجايليه، مثل الناطق الرسمي باسم السادات، مرسي سعد الدين البالغ من العمر الآن 88سنة. الأسواني وسعد الدين وغيرهما من المثقفين، يلتقون على الأقل مرة في الأسبوع بمطعم «إيستورييل». فضاء يتيح لهم استعادة القاهرة الدولية، تماما كما كانت المدينة من قبل في الخمسينيات والستينيات. سعد الدين مرسي، يأتي للمطعم أسبوعيا كي يستطيع رشف جعة مع الأكل بكل حرية مثلما كما كان يفعل جل القاهريين دون «حرج» كما يقول التعليق... شقة الناطق الرسمي باسم أنور السادات خليقة بمتحف. يفتح ألبوم الصور... ينقب بين دفتيه عن صور للقاهرة، يعلق عليها بكثير من الاعتزاز والحنين غير المكتوم قائلا :«في تلك الفترة، كانت كل الأقمشة التي تُصنع منها أثواب وفساتين عروض الأزياء عبر العالم تعتمد في صناعتها على القطن المصري... حاليا حينما تتجول بقلب القاهرة، وترى كل هؤلاء الفتيات المتحجبات وتقارنها مع هذه الصور... تقف على مقدار التحول الذي طرأ على البلد... مصر كانت حلوة». يغادر فريق «آرتي» شقة الوزير السابق، ليذهب للقاء الإعلامي الداعية محمد مصطفى، الذي يعمل إمام مسجد بحي المقطم الشعبي إلى جانب تقديمه لبرنامج دعوي موجه للشباب على قناة «شباب» السعودية. لايخفي الداعية تشدده وانتماءه للتيار السلفي. الموسيقى حرام بالنسبة له. والتقشف أحد أبرز ملامح حياته، هو الذي يقيم بحي ميسور. وعلى قناة «الشباب»، ومن خلال برنامجه يكرس في نفوس متابعيه ضرورة التقيد بتعاليم الدين مثلما يقدمها التيار السلفي. ولامجال بالنسبة له للاعتدال أو الوسطية. بعد محمد مصطفى، تقصد كاميرا فريق «آرتي» مكتب منتصر الزيات، قيادي سابق بجماعة الإخوان المسلمين، والذي شارك الرقم 2 في تنظيم القاعدة زنزانته. الزيات، الذي تحول إلى محامي الإسلاميين، أوضح «توبته» وأكد نبذه للعنف مشددا على أن الوقت ليس وقت «إراقة الدماء بسبب أفكار متطرفة. لقد حملنا السلاح لأننا كنا نريد الإطاحة بالنظام. كنا نعتبر الأمر جهادا. لكن الدماء البريئة لا ذنب لها. علينا أن نعمل معا في سلم وسلام من أجل تحقيق التغيير». بعدها، يذهب الفريق لملاقاة رئيس تحرير جريدة «الدستور» المعارضة، ليقف على نضال الجريدة من أجل الصدور والتعبير عن آرائها ومعاناتها اليومية في الصمود أمام تبرم المستشهرين عنها. «الدستور» حملت على عاتقها دعم محمد مصطفى البردعي في حملته للحصول على تأييد الجماهير. وفي الأخير، يلتقي فريق القناة، بالصحافي الشاب، مصطفى فتحي، الذي تخصص في التحقيق في موضوع «المثلية». الصحافي، أصدر كتاب « بلد الولاد»، الذي خاضت ناشرة شابة مغامرة نشر الكتاب، الذي نفدت طبعته من السوق المصرية. مصطفى فتحي، سيقود الفريق في رحلة استكشافية عبر شوارع وأزقة القاهرة بحثا عن نقط التقاء المثليين: كل هذه المحاور، التي انبنى حولها موضوع حلقة قناة "آرتي"، شكلت عودة محمد البردعي والتحضير لاستقباله بالمطار خيطها الناظم. فالأمل، الذي يحرك نخبة مصر، وجزءا من المواطنين المصريين، يغذيه البردعي. الرجل، يقدمه داعموه على أنه رجل المرحلة القادمة من تاريخ مصر. ويشددون على أنه "فرصة" مصر الذهبية باتجاه الخلاص من الدكتاتورية والفساد. وإذا كان البردعي قد نجح في جذب نخبة مصر إليه و حشدهم حوله لبناء مشروع سياسي، فإنه أنه لايزال مع ذلك بعيدا عن تشكيل "تهديد" كبير للرئيس حسني مبارك، الذي لايزال يتحكم في زمام مصر من علو سنواته الثمانين.