انخرطت وزارة الأوقاف في عملية إغلاق مجموعة من المساجد المهددة بالانهيار في عدة مدن منذ سقوط صومعة «باب البرادعيين» في مكناس على رؤوس المصلين، الذين كانوا ينصتون إلى خطبة الجمعة، ومنذ ذلك الوقت، خضعت المساجد التي أُغلقت إما للترميم والإصلاح وأعيد فتحها في وجه المصلين أو ظلت مغلقة دون ترميم، وهو الأمر الذي سبّب موجة استنكار واسعة بلغت أقصاها في رمضان الماضي، عندما وجد مجموعة من المواطنين أنفسهم بدون أماكن لأداء الصلاة. ورغم إستراتيجية الوزارة، التي تهدف إلى حماية أرواح المواطنين بالدرجة الأولى، فإن سكان مجموعة من المدن العتيقة في فاسومكناس وغيرهما ما يزالون ينتظرون ترميم مجموعة من المساجد، التي يقولون إنها تتواجد في مناطق فيها كثافة سكانية عالية، وهذا ما يجعلها، رغم إغلاقها، تهدد سلامة المواطنين. من جهة ثانية، هناك مساجد حديثة البناء شُيِّدت بأموال المحسنين في مجموعة من الأحياء السكنية المبنية حديثا، في الدارالبيضاء مثلا، ولكنها أُغلقت، في الأخير، بعدما ظهرت عليها تشققات جعلتها مهددة بالانهيار في أي وقت. «طاحت الصومعة قفلو المساجد».. هذه هي العبارة التي عبّر بها أحد المواطنين عن امتعاضه من قرار إغلاق مجموعة من المساجد دون ترميمها، بعد حادث سقوط صومعة «باب البرادعيين»، التي راح ضحيتَها حوالي 40 شخصاً في مدينة مكناس. وفي هذه المدينة، أيضا، وبالضبط في المدينة القديمة، حيث كثافة سكانية كبيرة، يتحدث أحد المواطنين عن وضعية مسجد يعد من أقدم المساجد على الإطلاق، حيث يعود تاريخ تشييده إلى عهد الدولة المرابطية.. إنه «مسجد النجّارين»، الذي يقول المتحدث إن أبوابه أُوصِدت في وجه المُصلّين بدعوى ترميمه، ليظل مغلقا منذ العام الماضي، دون أي ترميم يذكر، فالوزارة، كما يقول رشيد، لم تقم بأي إصلاحات، والمشكل المطروح هو أنه بالقرب من المسجد هناك مجموعة من المحلات التجارية التي توجد في وسط شارع مزدحم بالسكان ومكتظ بالبنايات السكانية، وهذه المحلات التجارية، كما يقول المتحدث، يتم توسيعها في غفلة من السلطات المحلية، وهو الأمر الذي يُشكّل خطرا يهدد السكان، الذين يتخوفون من سقوط الصومعة المتهالكة. كما أن المواطنين، يضيف رشيد، محرومون، كذلك، من الصلاة في المسجد منذ سنة ويضطرون إلى قطع مسافات طويلة للصلاة في «المسجد الأعظم»، الذي ينتمي إلى عهد المرينيين، إضافة إلى ما يتجرعونه من ويلات الازدحام في طريق تعجّ بالمتاجر. جعل إغلاق مجموعة من المساجد في مختلف المدن العتيقة دون ترميمها مواطني المدينة يطرحون عدة تساؤلات، أهمها: ما جدوى ذلك إذا كانت هذه المساجد ما تزال تُشكّل خطورة على حياة المواطنين والمارة، اعتبارا لتواجد غالبيتها وسط أحياء شعبية عتيقة تعجّ بالسكان، سواء كان ذلك في فاس أو في مكناس أو حتى في طنجة، التي يشتكي مواطنوها من إغلاق هذه المساجد، ليجدوا أنفسَهم بدون مأوى للصلاة، خصوصا في رمضان الماضي، الذي أكدت مصادر مقربة ل»المساء» أنه تم اللجوء إلى مجموعة من المساجد لأداء صلاة التراويح. وغير بعيد عن مدينة طنجة، تتحدث مواطنة تقطن في مدينة شفشاون عن حريق التهم أحد المساجد العتيقة في المدينة، بعد أن تم ترميمه مؤخرا. وتعود أسباب هذا الحريق إلى سوء الترميم الذي خضع له المسجد، حيث وقع فيه تماس كهربائي تسبب في انقطاع الكهرباء على سكان الحي، ليجدوا أنفسهم رهائن للظلام. صومعة «باب البرادعيين» لا أحد ينسى ذلك المشهد المؤثر والمؤلم، الذي خلّفه سقوط صومعة مسجد «باب البرادعيين» في مكناس على حوالي 300 مصل جاؤوا المسجد لصلاة الجمعة وللإنصات إلى «الخطبة»، فالحصيلة كانت ثقيلة، حيث أصيب حوالي 75 شخصاً بجروح وقُتِل 41 شخصا تم انتشالهم من ركام الأتربة، في منظر لن ينساه سكان مدينة مكناس، الذين طالبوا، آنذاك، رفقة مجموعة من الهيآت، المدنية والسياسية، بفتح تحقيق حول ملابسات الحادث. كما أن وزارة الداخلية كلّفت لجنة خاصة بتتبع تفاصيل الحادث والاستماع إلى عدد من المسؤولين، ضمنهم ناظر الأوقاف في المدينة، خاصة بعد بروز معطيات تؤكد تقديم إمام المسجد، الهالك، عدة شكايات دعا فيها إلى إقفال المسجد وإلى إعادة ترميمه، فضلا على أن المسجد، الذي انهار سنة 2010، سبق لوزارة الأوقاف أن قامت بترميمه عام 2008، ومع ذلك، انهارت صومعته على رؤوس المُصلّين. ومباشرة بعد سقوط صومعة «باب البرادعيين» في مكناس، قامت وزارة الأوقاف بإغلاق مجموعة كبيرة من المساجد في مختلف المدن والأقاليم. كما تم إحداث عدة لجن محلية بفي مختلف العمالات والأقاليم، تتكون من ممثلي السلطات المحلية ووزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية ومهندسين وخبراء، لافتحاص بنايات المساجد العتيقة والمرافق التابعة لها لإنجاز تقارير حول وضعيتها وخطورتها على المُصلّين. وفي شهر أبريل من هذه السنة، انهار سقف مسجد في طور الترميم في حي «باب السفير» في فاس. وقد تسببَ الحادث في مقتل خمسة أشخاص وجرح آخرين، ظلوا تحت الأنقاض، والضحايا، البالغ عددهم 12 شخصا، هم عمال بناء كانوا يُرمّمون سقف المسجد، البالغ علوه 150 مترا. وكان المسجد قد أُغلِق قبل سنتين بقرار من لجنة خاصة بترميم المباني الآيلة للسقوط في مدينة فاس. ورغم اتخاذ وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية قرارَ الإغلاق كحل لدرء مخاطر انهيار صوامع المساجد، فإن بعض الأئمة أكدوا، في تصريحات متفرقة استقتها «المساء»، أن الوزارة عمدت إلى تطبيق هذا القرار فقط في شقه الأول، المتعلق بالإغلاق، ولكنها تماطلت في الشق الثاني، المرتبط بالترميم، مما جعل مجموعة من المساجد تظل رهينة للإغلاق، في ظل استنكار المواطنين الذين أصبحت الخيام ملجأَهم للصلاة... مساجد مغلقة عملت وزارة الأٌوقاف والشؤون الإسلامية، هذه السنة، على إغلاق مجموعة من المساجد على مستوى التراب الوطني، 176 منها في جهة طنجة -تطوان فقط، حيث قررت المندوبية الجهوية إغلاق 33 مسجدا في تطوان و67 في مدينة العرائش و45 مسجدا في شفشاون، إلى جانب مساجد أخرى في كل من الفحص -أنجرة والمضيق، و11 مسجدا في طنجة، من أجل ترميمها، واضعة فضاءات مهيَّأة في عدد من الأحياء لتعويض إغلاقها. وحسب مجموعة من المواطنين القاطنين بجهة طنجة -تطوان، فإن المساجد قد تحولت إلى خطر محدق يُهدّد سلامة المصلين، بعدما طالها الإهمال، إلى درجة أنهم يقولون إن تصدعات خطيرة أصابتْ جدرانها وسقوفها. وكانت مسألة الإسراع بترميم المساجد المتقادمة في طنجة قد خلقت جدلا في رمضان الأخير، بعدما كانت الجهات المعنية قد فتحت أبواب عدة مساجد بصفة مؤقتة في وجه المصلين، رغم أنه كان من المقرر أن تخضع المساجد المعنية لإصلاحات قبل شهر رمضان، وهو الأمر الذي تقول مصادر مقربة إنه لم يحدث. وفي علاقة بالمشاكل التي تعرفها مساجد مدينة طنجة، يعاني المصلون من مشكلة جديدة تتمثل في درجة الحرارة المرتفعة داخل مجموعة من مساجد المدينة، التي لا تتوفر على مكيفات، إذ يتم الاكتفاء بفتح النوافذ أو باستخدام مراوح متقادمة غير ذات جدوى، خاصة مع الحرارة المرتفعة التي تعرفها المدينة خلال فصل الصيف. وفي مدينة سيدي رحال، أغلقت المندوبية الإقليمية للشؤون الإسلامية في قلعة السراغنة نصف مساجد المدينة، إذ بلغ عدد المساجد المغلقة في المدينة، حتى الآن، أربعة مساجد من أصل ثمانية. وقد أثار إغلاق المساجد غضب السكان، الذين بادروا إلى توقيع عريضة يطالبون فيها السلطات والجهات الوصية ببيان أسباب إغلاق تلك المساجد وبإرسال لجن مختصة للتحقيق في قرار إغلاقها. يقول أحد أئمة مدينة القنيطرة: «لقد مرت أكثر من سنة على مأساة سقوط «مسجد البرادعيين» في مكناس، وقد كان المسجد آيِلاً للسقوط، ولم يهتمَّ أي مسؤول بترميمه، حتى ذهب ضحية هذا الإهمال عدد كبير من الضحايا».. بعد هذا الحدث مباشرة، جاء قرار الوزارة الوصية بإغلاق كل المساجد القديمة التي تحتاج إلى الترميم. وقد شمل هذا القرار عددا كبيرا من المساجد، سواء منها الكبيرة أو الصغيرة، وهذا أمر لا اعتراض عليه في نظر المتتبعين، لأن هناك، فعلا، مساجدَ آيلة للسقوط وتحتاج إلى الترميم أو إلى إعادة بناء، يضيف المتحدث.. إلا أن مكمن الاستغراب، في نظره، هو هذا التأخر وهذا البطء في الفعل، إذ يقول إنه «إلى حد الآن، ما زالت تلك المساجد مهجورة وما زالت تنتظر أن «يُنظر إليها» بعين الاهتمام، كما أن عددا كبيرا من المصلين حُرِموا من الصلاة في مساجدهم القريبة، وخاصة منهم كبار السن، الذين يجدون صعوبة في الانتقال إلى مساجد أخرى، بعيدة عنهم». وأعطى مثالا على ذلك بقرار الإغلاق، الذي خضع له مسجد صغير في قرية «سيدي علال التازي» في مدينة القنيطرة، ويتابع الإمام قائلا: «كان مبرر لجنة المراقبة هو أن هناك تخوفا من سقوط الصومعة، وانتظر السكان المجاورون للمسجد وقتا طويلا، وملّوا الانتظار، رغم هذا، لم يشهد المسجد أي مبادرة للترميم أو للإصلاح، فرفع السكان شكايات إلى كل الجهات المعنية وطرقوا كل الأبواب، حتى يسمح لهم بإعادة فتح المسجد، ريثما يتمَّ إصلاحه، وطرحوا حل «الاستغناء» عن الصومعة، بهدمها، إن كانت تُشكّل خطرا على سلامة المصلين، فالمهم هو أن يظل المسجد مكاناً يرفع فيه الآذان خمس مرات في اليوم، لكنهم لم يجدوا من ينصفهم، فظل الوضع على ما هو عليه». تلافيا للمشاكل الناجمة عن قرارات إغلاق المساجد في مراكش، مثلا، أقامت مندوبية وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية «مساجد متنقلة» في نقط متعددة في المدينة، لتعويض المساجد المغلقة أو تلك الموجودة في طور البناء. وقد أُحدِثت هذه الأماكن البديلة للصلاة، خاصة في شهر رمضان الماضي، لحل مشكل الاكتظاظ، الذي تعرفه المساجد، وبالتالي، تعويض عدد كبير من المساجد التي أُغلِقت قبل وبعد سقوط مئذنة مكناس، حيث أنجز القيّمون على الشأن الديني في مراكش حوالي 20 مسجدا، منها 11 في دواوير منطقة «النخيل»، قبل أن تُعمَّم الفكرة في العديد من المناطق الأخرى في المدينة.
مساجد طالها الإهمال مساجد كثيرة أُغلِقت بسبب احتمال سقوطها على رؤوس المصلين، على أساس ترميمها من جديد، لكن الإشكال الذي يُطرَح هو أن مجموعة من هذه المساجد ظلت مغلقة منذ سقوط صومعة «باب البرادعيين»، دون أن تستفيد -حسب بعض المواطنين- من أي ترميم يذكر. والغريب في الأمر أن هناك مساجد أخرى تم تشييدها في أحياء سكنية جديدة، فظهرت فيها تشققات وانهيارات، وكأنها مبنية منذ عصور خلت. وقد تم بناء غالبية هذه المساجد بمساعدة المحسنين، ولكنها لم تستوفِ معايير الجودة، فكانت نتيجة ذلك إغلاقها، كما وقع ل«مسجد اليسر» في حي السلام، في حي «الألفة» في الدارالبيضاء. ويعود تاريخ بناء هذا المسجد إلى يوم الجمعة 17 مارس 2006، ويعاني من تشققات كثيرة في جهته الخلفية، بسبب ما أسماه سكان الحي المذكور الغش في مواد البناء وانعدام الضمير. فمنظر تلك التشققات التي أصابت «مسجد اليسر»، المعروف لدى الساكنة ب«مسجد حي السلام»، جعلت الكثير من زوار الحي يقفون يتأملون هذا المسجد، المشيَّدَ حديثا، والمغلق بسبب تلك التشققات، التي جعلته قابلا للسقوط في أي وقت. بُنِي المسجد، حسب شهادات السكان، منذ أربع سنوات وكان جل الساكنة يؤدون صلاتهم فيه ليتفاجؤوا بانهياره بين عشية وضحاها، بسبب التربة التي شُيِّد فوقها، والتي كانت، حسب أحد السكان، عبارة عن حي صفيحي ومصدر لأحجار البناء، الشيء الذي أثّر على البنية التحتية للمسجد. وعقب مواطن آخر قائلا إن على وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية أن تبعث لجنة لتحديد ما إذا هل هذا المسجد قابلا للهدم، أم الترميم.. ليجيب أحد أصحاب المحلات التجارية الذي يتواجد محله في واجهة المسجد المذكور، بأن اللجنة المكلفة قدمت تقريرها وأكدت ضرورة الهدم مع الترميم. ويضيف المتحدث، في لقاء ب«المساء»، أن المشكل الذي جعل هذا المسجد لا يستفيد من أي إصلاح هو رغبة الجمعية المسؤولة عنه في هدمه بشكل كلي بغرض توسيعه والاستفادة من محلات تجارية جديدة، علما، يضيف المصدر ذاته، أن ذلك يتناقض مع قرار اللجنة، التي أكدت أن خلفية المسجد هي فقط التي تستحق الهدم. واستنكر المصدر ذاته كيف أن الجمعية قامت ببناء خيمة ب14 مليونا، في الوقت الذي كان بمستطاعها إدخال ترميمات على تلك التشققات وفتح المسجد في وجه المُصلّين، حتى يتمكنوا من الصلاة داخله، بدل الذهاب إلى الخيمة، التي أكد أنها تعرف ارتفاعا في درجة حرارتها خلال فصل الصيف وهو ما لا يتحمله العديد من المصلين، مما يجعلهم يُفضّلون قطع مسافات بعيدة للصلاة داخل أحد المساجد، لتفادي حرارة الخيمة، الخانقة.