سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
عثمان عزوزي : الاستثمار في قطاع المدارس الحرة يجب أن يكون في خدمة التربية وليس العكس نائب رئيس اتحاد التعليم الحر قال إن التعليم الحر مازال متروكا للمجهول
اعتبر عثمان عزوزي، نائب رئيس اتحاد التعليم والتكوين الحر بالمغرب وممثل جمعيات التعليم الخصوصي بأكاديمية جهة الدارالبيضاء الكبرى، أن المستثمر في القطاع يتطلع إلى الأرباح، لكن عندما تتجاوز المقاولة الحدود المعقولة في الربح إذاك تصبح أمام مضاربة وليس مقاولة. وقال عزوزي في حوار مع «المساء» إن القطاع أصبح منذ 2007 يؤدي ضرائبه بشكل منتظم. وبالنسبة إلى موضوع الحجز على حسابات بعض أرباب المدارس، أوضح عزوزي أنه لا زال الإشكال قائما ويطالب بتفعيل اتفاقية الإطار الموقعة مع الوزارات المتدخلة في القطاع من أجل إيجاد حلول عملية لكافة المشاكل التي تنعكس سلبا على التلميذ. - أين يتموقع الآن التعليم الحر بالمغرب؟ هذا السؤال يطرحه دائما المهنيون على أنفسهم، أي ما هي المكانة التي يحتلها القطاع ضمن المنظومة التعليمية المغربية؟ الإجابات كثيرة، فهناك من يعتبره منافسا، وآخرون يرونه قاطرة، والبعض يقول إنه شريك، وآخرون يعتبرونه مكملا. بالنسبة إلينا هذا السؤال له مشروعيته، ففي الوقت الذي ستتضح مكانة هذا التعليم، ستتضح معه في نفس الوقت مردوديته والهدف الذي من أجله أسس. ولحد الساعة نجد أن هناك تذبذبا في التموقع، فعندما نقول إنه شريك، فالشراكة لها قوانينها وقواعدها، وهو لحد الآن ليس بشريك، لأننا لم نجلس قط مع الطرف الآخر، أي الوزارة الوصية والمتدخلين الآخرين، للتحاور وإبداء الرأي، ولوضع تعاقد من أجل العمل، والشريك أحيانا لا يمكن أن يكون وصيا، وبالتالي يمكن القول إننا وصلنا فقط إلى التمثيلية ولا زلنا لم نرق بعد إلى مستوى الشريك أو الهيئة التي لها قوة تفعيل هذا القطاع من داخله وليس من الوصي، الذي يفرض عليك قوانينه التي تكون ملزمة أحيانا.
- يتهم بعض أرباب المدارس الحرة بأنهم «أصحاب الشكارة»، أي أنهم يغلبون الجانب المادي على التربوي وأصبح الأمر «بزنس» بالنسبة لهم. ما رأيك؟ يمكن القول إن المؤسسة الحرة تنقسم من حيث بنيتها إلى قسمين: النقطة الأولى أنها استثمار، وثانيا هي بنية تربوية. وحتى المشرع راعى هذا الأمر، فوزارة التربية الوطنية تتحدث عن مدير المؤسسة باعتباره الساهر على الجانب التربوي، بينما وزارات أخرى تعطي التراخيص الضرورية لبناء المشروع الاستثماري، حيث يمكن القول إن المؤسسة التعليمية الحرة هي مؤسسة استثمارية تربوية بامتياز، وكلمة «استثمار» لا تستفزنا، علما أنه إلى حدود سنوات خلت كنا نرفض أن يقال عن القطاع إنه قطاع مقاولاتي، وإن المؤسسة التعليمية هي مقاولة، لكن الواقع فرض ذاته، فالقطاع لديه شغيلة لها حقوق وتناضل من أجل الحد الأدنى من الكرامة البشرية، ولدى القطاع كذلك كلفة للاستثمار به، ومن المفروض أن الذي يجب أن يؤديها هو المستفيد من خدمات المؤسسة الحرة، وبالتالي فالمستثمرون يتطلعون بطبيعة الحال إلى أرباح، وإذا استعملنا كلمة «ربح» هنا يقع الخلط. فإذا كان الربح مشروعا، فإن ذلك يعتبر حلالا، لكن عندما تتجاوز المقاولة الحدود المعقولة إذاك نصبح أمام مضاربة وليس مقاولة، ونحن ضد المضاربة، لكننا لسنا ضد المقاولة، ويجب أن يكون الاستثمار في خدمة التربية وليس العكس.
- هل يشمل الطلب على المدارس الحرة جميع فئات المجتمع؟ يجب التذكير أولا بأن القطاع غير منسجم في كليته، حيث تنتشر المدارس الحرة بكل أرجاء المغرب، لكن تتمركز بشكل كبير في محور القنيطرة- مراكش. ثانيا، إذا كان الأغنياء في السابق هم من يستفيدون من مؤسساتنا باعتبارها «بريستيج» يلائم وضعيتهم الاجتماعية، فنحن نلاحظ خلال السنين الأخيرة بأن الفئات المتوسطة والفقيرة كذلك أصبحت لها قناعات بأن المدارس الحرة أصبحت ملاذا أفضل لتعليم أبنائها، وهو ما ولد ضغطا كبيرا على القطاع، فما عرفته المدرسة العمومية، للأسف، من اختلالات تولد عنها نزوح إلى المدارس الخاصة، وهنا يطرح السؤال: لماذا يغادر مجموعة من التلاميذ المدرسة العمومية للالتحاق بالمدارس الخاصة، رغم العرض غير الكافي لاستيعاب كل الطلبات المتزايدة سنة بعد أخرى؟
- هل العرض والطلب انعكس على ارتفاع أسعار الولوج إلى هذه المؤسسات؟ لوحظ خلال السنوات الأخيرة أن الفئات المتوسطة والفقيرة أصبحت تشير بأصابع الاتهام إلى المدارس الحرة بأنها هي التي تضغط على القوة الشرائية للمواطنين وتستنزف طاقتهم. وهنا وجبت الإشارة إلى أن العرض في محور القنيطرة – مراكش قليل جدا، وإذا أخذنا مثالا بمدينة من حجم الدارالبيضاء، نجد أنه في السنة الماضية بلغت نسبة التلاميذ المسجلين ما يقارب 34 في المائة من مجموع التلاميذ المسجلين في الابتدائي، أي 136 ألف تلميذ مسجل بالقطاع الخاص الابتدائي، من مجموع 380 ألفا، وهو ما يطرح إشكالات متعددة، لعل أهمها وجوب توفير أكثر من 130 ألف مقعد دراسي في الإعدادي، ولكن إلى حد الآن لا نتوفر سوى على 24 ألف مقعد. إذن هذا الفرق يفرض بذل مجهودات ليس من طرف أرباب المدارس الحرة فحسب، لأنهم غير قادرين على سد هذا العجز، بل من قبل الجميع كالمجالس المنتخبة والوزارة الوصية والهيئات الترابية لإيجاد ما يمكن تسميته بالولوج إلى العقار لبناء مؤسسات جديدة، وهي إشكالية كبيرة. في ظل هذه المعادلة غير المتوازنة بين العرض المحدود والطلب المتزايد، والذي يفاجئنا بكون الفئات الفقيرة كذلك أصبحت تطالب بمقاعد لأبنائها رغم قصر ذات اليد، ونسمع عدة عبارات مثل «غادي نحيدها من لحمي». ومعنى ذلك أن هذه الأسر ستنقص من كمية استهلاكها اليومي وستنهج سياسة التقشف من أجل تدريس أبنائها بالمدارس الحرة، حيث يغيب عن ذهنهم أن مصدر ما وصلوا إليه هو المدرسة العمومية وليس نحن. وقد لاحظنا مثلا أنه كلما تم تنظيم إضراب داخل المدارس العمومية يقابله في نفس الآن توافد طلبات متعددة لآباء يبحثون عن مقاعد بالمدارس الحرة لأبنائهم، وإذا سارت الأمور على هذا المنوال سننتظر نوعا من الانفجار الاجتماعي بالمدرسة الحرة.
- وهل استغلت المدارس الحرة هذا الوضع لكي تفرض أسعارها؟ أمام هذا الوضع القائم، اختارت بعض المدارس الحرة حلين اثنين: الأول هو الرفع من معدلات القبول بالنسبة إلى التلاميذ الراغبين في الولوج، أي أنك لن تقبل بالمدرسة إلا عند حصولك على معدل معين. وبرر أصحاب تلك المدارس ذلك بأن الدولة سبقت إلى هذا الإجراء منذ مدة في كليات الطب والهندسة...فلم لا التعليم الحر؟ وهو ما أعطى نوعا من التحكم في أعداد الوافدين على المؤسسات. أما الحل الثاني فهو الرفع من السومة أو ما يسمى بالواجبات المدرسية، ويبرر ذلك بقانون السوق، أي العرض والطلب، وهو ما سد الطريق أمام فئات اجتماعية ضعيفة للولوج إلى المدارس الخاصة، بذريعة واجب التسجيل والتأمين والكتب والأنشطة الموازية والساعات الاضافية...إلخ، وهو ما يقتضي منا الاعتذار للشعب المغربي وللرأي العام عن هذه الاختلالات. أما الحديث عن الزيادات، فيمكن القول بكل جرأة إنه إذا كانت هناك زيادات فيجب أن نتساءل : زيادات بناء علام؟ هذا القطاع لا يزال إلى حد الآن لا يعرف الحد الأدنى أو السقف الأعلى الذي يجب أن يفرض على التلاميذ عند تسجيلهم، إذ يجب أن يتم تصنيف المؤسسات من كل النواحي، ولازلنا ننتظر أن تقام دراسة، كالتي أنجزت للمدرسة العمومية وما تولدت عنه من برنامج استعجالي وقرارات مهمة. أما التعليم الحر فلا يزال لحد الساعة متروكا للمجهول.
- أين وصلت مشاكل القطاع مع إدارة الضرائب؟ تجب الإشارة أولا إلى أنه منذ 2007 أصبح قطاعنا يؤدي ضرائبه بشكل منتظم. أما بالنسبة إلى موضوع الحجز على حسابات بعض أرباب المدارس، يمكن القول إن هناك معيقات تجعل التواصل منعدما مع المتدخلين في القطاع من أجل إيجاد حل للموضوع، فخلال التوقيع على وثيقة 2007 ما بين الوزارات المتدخلة في القطاع والجمعيات الممثلة للتعليم الخاص، تم من خلالها إعفاء المؤسسات الخصوصية التي لا تتعدى قيمة الضريبة المستحقة 20 مليون سنتيم من تأدية الضرائب، وما فوق هذا المبلغ تستخلصه الضرائب من أرباب المدارس بحذف ال 20 مليون سنتيم من مجموع الضرائب المستحقة، أي إذا فرضت الضريبة على مدرسة ما بمعدل 100 مليون سنتيم، فإن على صاحب المدرسة تأدية 80 مليون سنتيم. لكن هذه الأخيرة ترتبت عنها ذعائر بسبب التأخير في السداد، وتم الاتفاق على حذف الذعائر فيما بعد، وابتداء من 2007 سوف تؤدى الضرائب سنويا. وقد تم الاتفاق مع إدارة الضرائب على هذه الأمور مجتمعة، إلا أننا فوجئنا بأن الاتفاق على حذف الذعائر المترتبة لم ينجز منه إلا الشيء القليل، وما تبقى فإن الوضع بقي متأزما، خصوصا بالنسبة إلى بعض المدارس الحرة التي لا تستطيع تأدية واجبات الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي على المستخدمين لديها، فبالأحرى تأدية ذعائر لمديرية الضرائب بالملايين.
- إذن لا يزال المشكل قائما إلى حد الآن؟ نعم، لا زال النقاش يدور في دواليب إدارة الضرائب حول من يؤدي ال 20 مليون سنتيم التي تم إعفاء أرباب المدارس الحرة منها، لأنه خلال الاتفاق الذي وقع في 2007 خصص الوزير الأول ولأجل التوافق مع الجميع ميزانية 3 مليارات سنتيم لتأديتها لإدارة الضرائب بدلا عن أرباب المدارس، لكي يصفى هذا الملف، وهذا الإجراء لم يتم إلى حد الآن، لذلك جاء قرار الخازن العام للمملكة يقضي بالحجز على منقولات وممتلكات وحسابات بنكية لحوالي 100 مؤسسة خصوصية بمختلف تراب المملكة، ضمانا لاستخلاص ضرائب مترتبة عن هذه المدارس الخصوصية منذ 1987. كما تجدر الإشارة إلى أنه تم الاتفاق على أن تعطى مهلة للمدارس بأن تهيء نفسها قبل تطبيق هذه الإجراءات الضريبية، باعتبار التحول من قطاع لم يكن يدفع ضرائب إلى قطاع منظم يدفع ضرائبه مثله مثل باقي القطاعات المنتجة. وقد تحدثنا مع المسؤولين عن المراجعة وليس الإعفاء، منذ 2007 إلى الآن، لكن قبل 2007 يجب التريث إلى حين تسوية ما بعد هذا التاريخ، لكننا لاحظنا أن كل النقط التي تناقشنا فيها لم تلق أي حلول، وأصبحت المراجعة الضريبية مثل مطرقة فوق الرؤوس تهدد أرباب المدارس الحرة، وقد طرحنا سؤالا على مسؤولي الضرائب: هل تريدوننا أن ندفع لكم تلك المليارات ونرفع من الواجبات الشهرية للتلاميذ؟ وقد سمعنا أنه في مراكش تم اقتراح رفع الواجب الشهري من 600 إلى 1200 درهم لتأدية تلك الضرائب، بل إن أحد أرباب المدارس الحرة اقترح على إدارة الضرائب العمل على إعفاء المدارس الحرة الصغيرة والإبقاء عليها بالنسبة إلى المدارس التي تربح أكثر، وبالتالي لا نريد أن تصبح الضريبة «مكسا». نحن نريد ضريبة مواطنة.
- ما هي الحلول للخروج من هذه الأزمة؟ أولا، تفعيل اتفاقية الإطار لسنة 2007، فحتى بالنسبة إلى الدولة سيعطيها مصداقيتها، إذ انبثقت عنها لجنة للمتابعة برئاسة الوزير الأول، لكنها لم تجتمع إلا مرة واحدة، وبالتالي تراكمت عدة مشاكل لم تجد طريقها إلى الحل، من ضمنها المراجعة الضريبية وأصبح القطاع يؤدي الضرائب كباقي القطاعات الأخرى بنسبة 30 في المائة، وهو ما يعتبره أهل القطاع حيفا. ثانيا، توقيف فوري لكل المتابعات، والمؤسسات التي تعتبر ذات ربح وفير ستؤدي الضرائب، لكن المدارس الحرة صغيرة الحجم، التي توجّب عليها تأدية 7000 درهم مثلا ولا تستطيع تأديتها لأن مداخيل المدرسة لا تسمح، يجب أن يتم إعفاؤها. ثالثا، توقيف المراجعات إلى حين البت في هذا الملف. ولا أتحدث هنا عن الملف الضريبي، بل القطاع ككل، وحينئذ ستكون إجابات كثيرة عن تساؤلات مثل من يعطيهم الحق في الزيادة في الواجب الشهري، ومن يعطيهم الحق في فرض واجبات باهظة للتسجيل والتأمين، ومن يعطيهم الحق في استقطاب أساتذة من مدرسة أخرى بدون مراعاة أنها ستتسبب في مشاكل للمدرسة الأخرى. لقد حان الوقت للتعامل مع القطاع على أنه قطاع منظم، بغض النظر عن التمثيل الجمعوي، الذي تنضوي تحته عدة مؤسسات حرة، حيث أعتبر أن هذا التمثيل الجمعوي أصبح الآن يعيق تطور القطاع.