من بين الأبحاث التي قد تلقي المزيد من الأضواء على ظاهرة الإرهاب، شروط انبثاقه، خلاياه، ممولوه، تفرعاته، أيديولوجيته، منشطوه الحقيقيون، الكتاب الصادر هذا الأسبوع عن منشورات لاديكوفيرت بعنوان : «في قلب الاستعلامات السرية. الخطر الإسلامي: اتجاهات خاطئة وأخطار حقيقية»، في 324 صفحة. ضافر متخصصان في شؤون الاستعلامات والاستخبار المضاد جهودهما لتعميق النظر في هذا الموضوع كتب الشيء الكثير عن تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر 2001. ولا نبالغ إن قلنا إن هذا الحدث أنتج خزانة بأكملها، تشمل البحوث والمناظرات والأطروحات الجامعية. كما أنتج خطابا مقننا بالعديد من الخبراء، منهم الجدي، فيما الغالبية متطفلة، خاصة أولئك الذين هم من أصول عربية، والذين ركبوا الموجة لاحتلال حلبات التلفزيون والمحطات الإذاعية. وكانت الذكرى العاشرة لانفجارات الحادي عشر من سبتمبر مناسبة عرض فيها العديد من الناشرين آخر إنتاجاتهم في الموضوع. وسبق أن أشرنا إلى بعض منها. إحدى التيمات التي حظيت بالاهتمام هي دور الاستعلامات السرية وخاصة الغربية، وعلى رأسها وكالة المخابرات الأمريكية (سي آي إي) أو مكتب التحقيقات الفدرالي (إف بي آي)، التي أخطأت الهدف إما بسبب عدم التنسيق فيما بينها وإما بسبب غياب المعلومات عن التحضيرات لهذه العمليات. وقد أخذت هذه الهفوات حيزا وافرا في السجال الذي أعقب الانفجارات، والذي أدى إلى إعادة هيكلة كل الأجهزة مع وضع استراتيجية شمولية للتنسيق مع بقية أجهزة الاستعلامات الغربية والدولية، ل»وأد» المبادرات الإرهابية في المهد. في فرنسا تقوم «الإدارة العامة للأمن الخارجي» مقام وكالة المخابرات الأمريكية، ويقوم هذا الجهاز بدور الرقيب الدائم لكل ما من شأنه تهديد الأمن الداخلي بفرنسا. وقد عملت فرنسا بنفس الخطة، التي اتبعتها أمريكا لما فرضت قانون «باتريوت أكت»، (قانون محاربة الإرهاب)، والذي كان من نتائجه تشديد قوانين المراقبة والتفتيش في جميع النقط الحساسة، وخاصة في المطارات، محطات القطار والميترو والأماكن العمومية. من بين الأبحاث التي قد تلقي المزيد من الأضواء على ظاهرة الإرهاب، شروط انبثاقه، خلاياه، ممولوه، تفرعاته، أيديولوجيته، منشطوه الحقيقيون، الكتاب الصادر هذا الأسبوع عن منشورات لاديكوفيرت بعنوان : «في قلب الاستعلامات السرية. الخطر الإسلامي: اتجاهات خاطئة وأخطار حقيقية»، في 324 صفحة. ضافر متخصصان في شؤون الاستعلامات والاستخبار المضاد جهودهما لتعميق النظر في هذا الموضوع: آلن شويت، وهو من مواليد 1946، حصل على دبلوم مدرسة اللغات الشرقية، والتحق عام 1972 بمصلحة التوثيق الخارجي والاستخبار المضاد، التي أصبحت لاحقا «الإدارة العامة للأمن الخارجي» ( DGSE)، التي غادرها عام 2002 . وقد أصدر آلن شويت كتبا ودراسات في موضوع الاستعلامات وأجهزتها. ويعرف عنه شغفه وتعلقه بالعالم الإسلامي. وإلى اليوم، لم يشاطر أحد المعلومات التي بحوزته عن المجتمعات الإسلامية التي عمل عليها إلا حفنة صغيرة من المسؤولين الفرنسيين. أطروحته الرئيسية هي أن الغرب يتحمل مسؤولية كبرى في انبثاق وتفاقم ما يسمى ب«الإرهاب الإسلامي». وكذلك جان غينيل، وهو من مواليد 1951، عمل صحافيا بجريدة «ليبراسيون» قبل أن ينتقل إلى أسبوعية «لوبوان»، وهو صحافي خبير في الشؤون العسكرية، أصدر عدة أبحاث في موضوع الاستعلامات والإنترنت، وكذا أسلحة الرشوة. في تقديمه للكتاب، يرى جان غينيل بأن الإرهاب والعنف السياسي، ليس بقدر مقدر على العالم العربي-الإسلامي، كما أن المجتمعات العربية ليس لها أي ميل طبيعي إلى الرشوة والديكتاتورية، بل على العكس هي ضحية لها. والكتاب هنا مقابلة يعمق فيها المؤلفان النظر في قضايا الإرهاب بصيغة الجمع. بعد الجولة الأولى التي عرضت فيها، تاريخيا وسياسيا، البؤر الساخنة والمعقدة للإرهاب الحديث في الشرق الأوسط، انتقل الحديث إلى مسار آلن شويت، الذي التحق عام 1972، بالصدفة، بالإدارة العامة للأمن الخارجي . إذ بعد باكالوريا في مادة الفلسفة، التحق شويت بجامعة الحقوق، ثم بمدرسة اللغات الشرقية ليتعلم العربية. بعد ذلك حصل على دبلوم للدراسات المعمقة في العلوم السياسية بجامعة السوربون. ولما أنهى الخدمة العسكرية، التحق بفضل مساعدة أحد رؤسائه ب«مصلحة التوثيق الخارجي والاستخبار المضاد»، حيث عمل محللا ومحررا عن العالم العربي. لم تكن لشويت أي دراية بعالم الاستخبارات، ولم يكن من عشاق الروايات البوليسية أو روايات الاستخبار. كما أن العالم العربي لم يكن ضمن نطاق اهتماماته المستعجلة. ويفسر شويت اختياره تعلم اللغة العربية، وليس العبرية أو التركية، بكون 14 دولة تتحدث هذه اللغة وبأن هذه الدول مقبلة على تحولات خطيرة بسبب الثروة النفطية وبسبب المستقبل السياسي للمنطقة. وقد دامت مغامرته داخل مصالح الاستعلامات الفرنسية مدة ثلاثين عاما وبعد عدة ترقيات توجت بمنصب رئيس مصلحة الاستعلامات وبمهام عديدة. ويؤكد آلن شويت على اللغة العربية كمفتاح مكنه من مقاربة المجتمعات العربية. إذ لما كان يبحث عن عمل، تقدم بعدة طلبات إلى شركات ومؤسسات، وفي كل مرة كان الجواب بأن هذه السركات ليست بحاجة إلى خدماته، وبأن الجزائريين المرتحلين إلى فرنسا فيهم الكفاية بحكم درايتهم بالعرب وبسيكولوجيتهم. والحقيقة أن هؤلاء النازحين ليست لهم أي دراية أو معرفة بالعرب وبالمجتمعات العربية، ولا يمكن لفرنسا أن تعتمد عليهم وعلى معرفتهم وخبرتهم من أجل إقامة علاقات اقتصادية أو ثقافية أو دبلوماسية. ويشير شويت إلى أن مدرسة اللغات الشرقية تبقى بهذا المعنى أفضل أداة لمقاربة العالم العربي. إذ يتعلم الطالب اللغة، التاريخ، الجغرافيا، الثقافة وكيفيات تفكير الدول المعنية. ومن بين الأساتذة المرموقين، الذين كونوا عدة أجيال، عالم الجغرافيا جان دريش، والمؤرخ مارسيل كولومب، والأستاذ في علوم السياسة روبير سانتوشي، الذين لقنوا للطلبة شغف التعلق بالعالم الإسلامي. وكان خريجو هذه المدرسة يلتحقون بوزارة الخارجية الفرنسية. لم ينتظر آلن شويت الحصول على دبلوم مدرسة اللغات الشرقية لزيارة الشرق، إذ منذ السنة الأولى، اقترح على خطيبته مرافقته في رحلة إلى الشرق. أقلا سيارة سيتروين من نوع 2CV للقيام برحلة قادتهما إلى العقبة بالأردن، بعد عبورهما إسطنبول، بيروت، دمشق والقدس. «كان الاستقبال الذي وفره لنا المواطنون في هذه البلدان رائعا وبمستوى سمعة الضيافة والكرم المعروفة عن أهل الشرق». لم يكن الاثنان يتجاوزان آنذاك العشرين سنة ولم تكن بحوزتهما نقود، ومع ذلك حظيا بمعاملة جيدة. شكلت هذه الرحلة نقلة نوعية في تصور آلن شويت عن الشرق، وهو مكان جغرافي، سيكولوجي وذهني يختلف ويتعارض كلية مع تصور النخبة الغربية لهذه المنطقة، وأيضا لمنطقة المغرب العربي. وتشمل هذه النخبة ليس فقط الخبراء، بل الدبلوماسيين ورجالات الإعلام. يسعى الجميع إلى تطبيق تحليلات جاهزة على الوضع المعقد لهذه المجتمعات، وثمة حرب دفينة بين أولئك الذين يسعون إلى تمريغ العالم العربي في المذلة بسبب خسارتهم في الجزائر وبين من يحاول محاربة النفوذ السوفياتي، وبين رجال الأعمال الذين رأوا في الحرب وسيلة قد تمكن إسرائيل من الحصول على حدود آمنة ومعترف بها. «كانت تلك أولى تباشير العنف القادم في المنطقة» يقول شويت. إن الفرحة التي عبرت عنها القنصليات والبعثات العسكرية الموجودة في البلدان العربية بعد هزيمة يونيو لعام 1967 برهنت عن الحقد الذي يكنه الغرب للعرب. بدفع إسرائيل الفلسطينيين إلى اليأس دفعتهم حتما إلى العنف. وبتبخيس النخب العربية شجعت الدكتاتوريات العسكرية والأصوليين. وبعد استعراض انبثاق ظاهرة الإرهاب في بلاد المشرق وربطها بمسبباتها الاقتصادية (الفقر ورغبة الاستفادة من خيرات البلد البترولية)، الثقافية والسيكولوجية (مواجهة غطرسة الغرب وتصرفاته الاحتقارية للعرب)، تركز النقاش حول ظهور منظمة القاعدة وعرابها أسامة بن لادن. ويشير آلن شويت، معارضا الرأي السائد بأن أسامة بن لادن لم يكن في البداية سوى قطعة صغيرة على مساحة الشطرنج، التي كانت تشمل العديد من المنظمات الراديكالية الموقعة للبيان التأسيسي في شهر فبراير 1989 بعنوان: «الجبهة الإسلامية العالمية للجهاد ضد اليهود والصليبيين». وقد صدر البيان عن الجناح العالمي للإخوان المسلمين المصريين وذراعه المسلح الجماعة الإسلامية. وجاء التوقيع باسم: رفاعي أحمد طه، أيمن الظواهري، مير حمزة، فضل الرحمان خليل وأسامة بن لادن. ويرى آلن شويت أن أيمن الظواهري هو الذي حرر هذا البيان وليس أسامة بن لادن، الذي كان يفتقر إلى المؤهلات الأدبية. هذا البيان كان تتويجا لفكر هذه الشبكة ولفكر سيد قطب. وبما أن الظواهري كان يفتقر إلى الكاريزما وإلى الإمكانيات المادية، عكس أسامة بن لادن، لم يتقدم أمام المجاهدين. في البداية، في التسعينيات، كان من الصعب التعرف على استراتيجية الجماعة التي كان يتزعمها. حتى مصالح الاستعلامات الأمريكية نظرت إلى العرب، الذين ساهموا في حرب أفغانستان، والذين فضلوا البقاء إلى جانب طالبان، بعد اندحار السوفيات، نظرة فولكلورية. لكن النواة الصلبة التي بقيت في عين المكان كانت مكونة من الإخوان تحت زعامة أيمن الظواهري. ولم يلتحق أسامة بن لادن بهذه المجموعة إلا فيما بعد. شرع الظواهري في وضع الخطوط العريضة لاستراتيجية جديدة، فيما عهد لخالد الشيخ محمد بمهمة الإشراف والتسيير العسكري. ويوجد هذا الأخير منذ بداية صيف 2011 رهن الاعتقال بسجن غواتانامو. وفي الوقت الذي اعتقد الكثيرون بأن العنف عرف آخر لحظاته باندحار السوفيات في أفغانستان، كان الفرنسيون أقل تفاؤلا. إذ على ضوء العمليات الإرهابية التي قادها جزائريون على التراب الفرنسي بعد 1992 أدركت فرنسا بسرعة أن الإطار تغير بالكامل وبأن الإرهاب لم يعد كما كان عليه في السبعينيات والثمانينيات. لم يكن هناك مجال للحوار مع هؤلاء النشطاء الجدد. كانوا يعملون من دون أي تراتبية ومن دون نظام محدد. كما لم تكن لهم أي مطالب فورية. كانت لهم استراتيجية من دون تكتيك. كانت إرادتهم تقوم على أن يترك الغرب تنظيماتهم تعمل بكل حرية بهدف قلب الأنظمة القائمة، بمعزل عن الوسائل، سلمية كانت أو عنيفة. على أي لم تكن لهم أي رغبة في الحوار. ثم هناك حالة بعض الأنظمة العربية التي سخرت الإرهاب لضرب المصالح الغربية باحتجاز الرهائن. أما في حالة الإرهاب الإسلامي فإن الأمر أعقد بذلك بكثير. إذ يقدم الجهاديون مطالب شمولية ولا يمكن الجدال أو النقاش فيها. يتحمل الإعلام، يقول آلن شويت، مسؤولية كبرى في تأجيج فتيل الإرهاب. إذ يلعب دور المتواطئ من خلال طريقة معالجته للأحداث. كما يتحمل ما يسمون بالخبراء وأشباه الخبراء مسؤولية جسيمة في هذا التعتيم. يعرف الإرهابيون والمتطرفون أن الإعلام حليفا لهم، وأن العمل الإرهابي عمل إجرامي. لكن لمعرفة الحلقات التي تنشطه يجب القيام بتحرٍّ علمي وليس بإطلاق إشاعات أو الدخول في تكهنات بائخة. وبعد أن تكون»الشرطة العلمية» قد قامت بتحرياتها يجب في هذه الأثناء إبلاغ المسؤولين السياسيين الذين تعود لهم مهمة اتخاذ القرارات.
التنسيق بين أجهزة الاستعلامات الدولية وبعد تشخيص مجهري للوضع الجيو-سياسي ولأسباب انبثاق الإرهاب بصيغة الجمع، والإشارة إلى أن أعلى نسبة من ضحاياه هي من المسلمين، والدور المزدوج والمبهم للمملكة العربية السعودية، وانحصار الحل السياسي في القضية الفلسطينية، تركز النقاش على الثورات العربية، فأولئك الذين فوجئوا باندلاع ثورات الربيع العربي لم يرغبوا بالتمعن في الحقيقة، فكلمة «مفاجئة» أصبحت موضة على مانشيتات الصحافة، وخاصة لدى السياسيين الذين يسعون إلى حجب عمائهم، لكن الأمر لا يعدو كونه إيمانا كاذبا، فمنذ 15 سنة أرسلت مختلف المصالح بوزارة الخارجية الفرنسية مذكرات إلى السلطة السياسية رسائل تحذر فيها من وجود العالم العربي على برميل بارود، ولا ينقصه سوى عود ثقاب. وقد كان من الممكن أن تقع هذه الأحداث منذ خمس سنوات. ويذكر آلن شويت أنه حرر وبعث رسائل في هذا الاتجاه، إذ في 11 من أبريل من عام 2001 التقى وزير الداخلية التونسي عبد الله الكعبي، الذي أخبره بأن «الأوضاع في تونس تزداد سوءا يوما بعد يوم، والناس سيخرجون إلى الشارع». وفي مذكرته أشار شويت إلى الخناق الذي أحكمته عشيرة الطرابلسي على القصر وعلى وزراء الانفتاح وأيضا على المستثمرين الأجانب، بغية التحكم في ثروات البلاد مع إحكام قبضة القمع عليهم. وخلص إلى القول بأن العرب والمسلمين، مثلهم مثل جميع الأمم، يفضلون الديمقراطية والحرية على الديكتاتورية والاستعباد. وهذا هو أحد أسرار هذه الانتفاضات.