سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
منار اسليمي: إننا أمام منظر سياسي تصر فيه نخب قديمة على مواجهة القوانين السوسيولوجية للتغيير قال إنه من الممكن الحديث عن إيقاعات متعددة داخل مسار «حركة 20 فبراير»
يرسم عبد الرحيم منار اسليمي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة محمد الخامس بالرباط، ملامح المشهد السياسي بالمغرب، ويشرَح الأعطاب التي تشكو منها الأحزاب السياسية في أفق دخول غمار الاستحقاقات الانتخابية المقبلة. في الحوار كذلك، يقدم اسليمي نظرته حول الصراع الدائر حاليا بين حزب العدالة والتنمية والحكومة ومدى تأثيره على الخريطة السياسية، معرجا على التغييرات العميقة التي مست المشهد السياسي جراء الدينامية الاجتماعية في الشارع المغربي، ومواقف النخب من المستجدات الطارئة على الساحة السياسية المغربية. - في ظل كل الحراك السياسي والاجتماعي الذي يعرفه المغرب، كيف تقرأ ملامح الدخول السياسي والاجتماعي الحالي؟ أعتقد أنه من الممكن الحديث عن إيقاعات سياسية مختلفة داخل مسار سبعة أشهر من تاريخ انطلاق حركة 20 فبراير بدل الدخول السياسي، فمسار السبعة أشهر الماضية يبين أن المغرب خضع فيه لتأثيرات ما يجري في العالم العربي، إذ بادرت السلطة داخل هذه المدة الزمنية إلى تقديم أجوبة سياسية عن مطالب الشارع، وهي أجوبة مختلفة بالدستور وغير الدستور. والمغرب يقف حاليا عند أول اختبارات تنزيل الوثيقة الدستورية التي شهدت تعبئة سياسية قوية. ويبدو أن المرحلة الحالية يختزلها الفاعل السياسي في فكرة وحيدة هي انطلاق النقاش المسطري داخل البرلمان حول القوانين الانتخابية، لكن المنظر السياسي للمغرب يشير إلى أننا الآن أمام مغربين: المغرب السياسي بفاعليه ونخبه وهمومه الانتخابية، والمغرب الاجتماعي بصمته واحتجاجه، وبينهما يمكن رصد علامتين كبيرتين. الأولى هي علامة الانتظار الموجودة داخل المغرب الاجتماعي الذي ينتظر تحويل التعبئة القوية حول الدستور والتصويت ب«نعم» إلى إجراءات ميدانية. والثانية تتعلق بعلامة قلق وتوتر لدى الفاعل السياسي، لكنه توتر وقلق مختلف بين السلطات العمومية التي تراقب الشارع وإفرازاته التوقعية المقبلة وتقيس بميزان ضعف أو تقوي الاحتجاج وبين توتر وقلق الفاعل الحزبي على مكانته في مغرب ما بعد 25 نونبر وبين العلامتين يتم إنتاج خطاب سياسي مضطرب وسلوكات سياسية مرتبكة من مثل تواريخ الانتخابات وأرقام اللائحة الوطنية وبالتالي فالعنوان السياسي والاجتماعي للحظة الحالية في المغرب هي ضبابية المشهد القادم أمام السلطات العمومية والفاعل الحزبي، مقابل وضعية انتظار وإعادة صياغة الشعار والخطاب والمطالب والتنظيم، تعيشها الحركات الاحتجاجية وكل خطأ يرتكب من طرف الطبقة السياسية يقوي شرعية دينامية الاحتجاج، ويبدو لحد الآن أن هناك مؤشرات تبين أن الطبقة السياسية مقبلة على أخطاء في إنتاج مغرب ما بعد 25 نونبر إذا لم يقع الانتباه إليها في المدة الزمنية المتبقية، لأنه يبدو من غير الطبيعي إصرار النخب البرلمانية والحكومية المسؤولة عن تدبير المرحلة الماضية على العودة إلى الواجهة. فلحد الآن توضح الصورة أننا أمام منظر سياسي تصر فيه نخب قديمة على مواجهة القوانين السوسيولوجية للتغيير الاجتماعي والسياسي. - استنادا إلى تحليلكم السابق للمشهد السياسي، في تقديركم ماهي التحديات المطروحة على الأحزاب فيما يخص الدخول السياسي الجديد؟ الأحزاب السياسية هي التي تصنع حاليا المرحلة القادمة رغم احتجاجات بعضها، لأن الفاعلين السياسيين اشتغلوا فترة طويلة خارج المساطر وأقصد هنا مفاوضات الداخلية والأحزاب السياسية حول القوانين الانتخابية، وهي حالة تدل على شيئين، الأول يرتبط بالهامش الذي انتزعته الأحزاب السياسية من وزارة الداخلية لأول مرة، وأعطي مثالا هنا بعدد نسخ مشروع القانون التنظيمي لانتخاب أعضاء مجلس النواب. الشيء الثاني يتصل بكون أن مجموعة من الأحزاب السياسية مارست التهديد بما فيها الصغرى وحققت مجموعة من المكاسب . لكن الانتقال إلى داخل الأحزاب السياسية يبين أن أربعة منها على الأقل مهددة بفتن سياسية، وهنا أعني الأحزاب السياسية التي نسميها بالكبرى وان كانت متوسطة وهي لا تتجاوز الستة. فالأحزاب السياسية غير مدربة على قواعد الديمقراطية وهناك آليات جديدة أكبر منها مثل لائحة وطنية للشباب والنساء، ولن تكون قادرة على وضع معايير لتجنب الهزات الداخلية. أكثر من ذلك فداخل اللجان والمكاتب السياسية والتنفيذية والأمانات العامة للأحزاب هناك فئتان من القيادات، الفئة الأولى تفكر من منطلق توازنات الدولة وتعي طبيعة المخاطر الموجودة، وهي فئة قليلة وضعيفة لا تملك القرار داخل البنية الحزبية أما الفئة الثانية، ولها منطلق تفكير براغماتي نفعي محدود وبسيط يقف عند الانتخابات والمقاعد وتأمين المواقع للخلف السياسي من الأبناء والبنات وباقي المكونات العائلية وهي الفئة التي تملك القرار، وهنا تكمن صعوبة ماهو قادم في الأحزاب السياسية في تدبير أول اختبار سياسي بعد التصويت على الدستور. - هل يستطيع المشهد السياسي أن يتخلص من مظاهر الأزمة التي يعيشها منذ الانتخابات التشريعية لسنة 2007؟ يلاحظ أولا أن النقاش حول انتخابات 25 نونبر انطلق بما يسميه الفاعلون الحزبيون بالبحث عن التوافق، وهذا أول خلل يؤكد أننا لازلنا في نفس حالة انتخابات 2007 رغم وجود وثيقة دستورية، فالخطورة هنا في تقديري والتي ستكون لها تداعيات في المدى القصير والمتوسط، هي أن الطبقة السياسية تفكر بالوضع السياسي لمرحلة دستور 1992 و1996 رغم وجود وثيقة جديدة. حيث إن جزءا من الطبقة السياسية له ذاكرة لا توظف التاريخ السياسي بطريقة مستقبلية وإنما تصر على العودة إلى الاشتغال بأدوات هذا التاريخ السياسي ومنها أداة ما يسمى ب«التوافق» ورفض المساطر. ونسجل ثانيا أن الأحزاب السياسية مقبلة على تدافع داخلي أكبر مما كان عليه الأمر في انتخابات 2007 . ومشاريع القوانين الرائجة حاليا لا تساعد على حل هذا التدافع، مما سيجعلنا نعيش نفس الهجرات والترحال ما قبل الانتخابي الذي تستفيد منه الأحزاب الصغرى، الشيء الذي يؤشر على نفس وضعية التشتت، فحظوظ كل حزب قائمة في انتزاع مقعد أو مقعدين على الأقل، فالظاهرة الحزبية في المغرب ترفض التجميع، والقوانين في صياغتها تبدو رخوة. - يتزامن الدخول السياسي الحالي مع متغيرات جديدة يعرفها الحقل السياسي المغربي من قبيل الإصلاح الدستوري واستمرار حركة عشرين فبراير في التظاهر، على ضوء ذلك هل يمكن أن تكون هذه العناصر محددات أساسية لسير المشهد السياسي في المرحلة المقبلة؟ بإمكاننا القول إن ما يجري أمامنا لحد الآن، يظهر أن هناك توجهين في تقييم الأوضاع. يقوم التوجه الأول للسلطات العمومية التي تتوفر على بنك معلومات حول ما يجري في الشارع، وهي تفكر وتقترح من مدخل الحفاظ على توازنات الدولة وتشترك معها في ذلك بعض القيادات الحزبية، أما التوجه الثاني فهو مشترك بين نخب حزبية كبيرة التي لايهمها لا حركة عشرين فبراير ولا غيرها، إذ تعتبر حركة 20 فبراير «مجرد سحابة عابرة»، ولا تميز بين الحركة والدينامية. والخطورة توجد في هذه النزعة الثانية من التفكير، فهل الذي يريد العودة إلى البرلمان رفقة زوجته وابنه أو ابنته يفكر بمنطق توازنات الدولة؟ أكثر من ذلك أن الدولة لحدود اللحظة لا يبدو أنها مستعدة لاستعمال أدواتها المشروعة للحد من هذه النزعة الثانية الحاملة لمخاطر مقبلة. فالاحتجاج الذي شهده المغرب خلال السبعة أشهر الماضية غير مجموعة من القواعد لا تنتبه إليها بعض مكونات الطبقة السياسية. - هل يمكن القول إن الصراع الدائر حاليا بين حزب العدالة والتنمية ووزارة الداخلية والحكومة من جهة أخرى ينذر بدخول سياسي لا يخلو من توترات سيما مع قرب موعد الانتخابات؟ حزب العدالة والتنمية لسنة 2007 ليس هو حزب ما قبل انتخابات 25 نونبر المقبلة، لقد تغيرت مجموعة من المعطيات في هذا الحزب منها أنه لازال الكثير يتناوله من مدخل ديني، ولكن الحزب ابتعد شيئا ما نحو السياسة وهذا شيء عادي، لكونه ابتعد عن مرحلة نشأته التي كانت تبين أن أغلب مكوناته جاءت من حركة التوحيد والإصلاح. والمعطى الثاني أن الحزب ارتكب مجموعة من الأخطاء من المنتظر أن تؤثر عليه في المرحلة القادمة، وستوظفها أحزاب أخرى فيما بعد بشكل جيد، ومن هذه الأخطاء الطريقة التي تعامل بها مع احتجاجات الشارع وفي نفس الوقت موقفه من بعض مقتضيات الدستور إلى درجة أنه يقدم نفسه بأنه حسم قضايا خلافية كبيرة في وثيقة 2011. وفيما يخص المعطى الثالث هو أن حزب العدالة والتنمية فقد جزءا من دعاماته الانتخابية، وأقصد هنا جماعة العدل والإحسان، التي ينفي الحزب نفسه أن الجماعة تصوت على مرشحيه، ولكن يكفي هنا مقارنة المواقع القوية للعدل والإحسان بالدوائر التي يفوز فيها الحزب بمقعدين . وفقدان هذا الدعم هو ما يفسر احتجاج حزب العدالة والتنمية على تاريخ أكتوبر الذي كان من المتوقع أن تجري فيه الانتخابات، فهو ينتظر زمن ما قبل نونبر لإصلاح ذات البين مع الجماعة . لهذا، فاحتجاج حزب العدالة والتنمية كان متوقعا لسبب بسيط هو أن العدالة والتنمية ظاهرة احتجاجية، لكن المثير للانتباه هو تأرجح حزب العدالة والتنمية بين الاحتجاج والهجوم على وزارة الداخلية، وبين بيانه الأخير الذي يقدم فيه سيرته الذاتية لوزارة الداخلية والسلطات المعنية. في الواقع، نحن أمام حزب مشتت التفكير في هذه المرحلة، وقد ارتكب خطأ في عرض نفسه كبديل سياسي وتقديم نفسه بالمعادلة التي تقول «إما أنا وإما لاشيء»، فهذا خطاب جديد في حزب العدالة والتنمية، ومن يعود إلى بيانه الأخير سيلاحظ أنه يذكر السلطات العمومية ببعض مواقفه داخل المسار السياسي الذي عاشه المغرب في السبعة أشهر الماضية، ويؤكد بنوع من الوضوح غير القابل للتأويل في جملة قوية أنه انحاز إلى السلطة في الدعاية للدستور مما يعني أن الوقت بالنسبة إليه قد حان للمشاركة في ما يسمى في السياسة بتدبير «قطعة الحلوى». وحزب العدالة والتنمية يبذل مجهودا كبيرا خلال مرحلة ما قبل الانتخابات لإيجاد عدو افتراضي قد يكون هو وزارة الداخلية أو «البام» أو الحكومة، فلا أحد يعرف من هو هذا العدو، وهذا المجهود سيكون له تأثير على العدالة والتنمية، لأن الصورة التي بناها في السنوات الماضية يعمل حاليا على محوها بدون أن يدرك ذلك.