جزاء سينمار.. هي الحكمة العربية التي تفسّر المنهج الذي تتعامل به الولاياتالمتحدة مع حلفائها غير الغربيين، و«الميكافيلية» هي المفهوم الغربي الذي يفسّر هذه المنهجية، منهجية اللا منطق، حيث لا وجود مطلقا لمبادئ الوفاء بالعهد أو المعاملة بالمثل أو حماية الأصدقاء (العملاء). لا وجود لصداقة تدوم مع أحد. لا وفاء يستمر. لا مكان لحليف أو صديق.. المعيار الوحيد هو المصلحة الأمريكية، التي تخلو من الأخلاق والصداقة والأعراف والتقاليد. منطق الغدر بالعميل والحليف، الذي أفنى عمره ونفسه في خدمة بلاد «العمّ سام». منطق اللا وجود لحقوق الإنسان أو أي مصطلحات أو مفاهيم أخرى تحمل شبها بأي شيء يتعلق بالإنسانية.. منطق الغدر برجال أوجدتهم الولاياتالمتحدة لقمع شعوب أوطانهم خدمة لمصالحها في المنطقة لتتخلى عنهم سريعا بتُهَم مختلفة بين إيواء طالبان والإرهاب والتجسس والاتجار في المخدرات، بعد استنفاد قدراتهم على القيام بأدوارهم أو تراجع قوتهم ونفوذهم أمام قوى المعارضة أو ظهور البديل الآخر، الذي يمكنه أن يقدم خدمات أفضل... عملاء وحلفاء تخلّت عنهم أمريكا لصالح بديل وحليف آخر ووضعتهم في كفّ مزادها العلني ليتم «بيعهم» بأبخس الأثمان، بعد أن اعتقدوا لبرهة ولحظة صغيرة أن قوة الولاياتالمتحدة يمكن أن تضمن لهم الاستمرار في السلطة ونسوا وتناسوا أن الضمانة الوحيدة هي ضمانة الشعب وأن السلطة الوحيدة هي سلطة الشعب فقط وليست سلطة «العم سام».. إنهم، باختصار، رجال وحلفاء في المزاد العلني الأمريكي... «لطالما قدّم للأمريكيين خدمات جليلة وجعل نفسه شرطي الخليج الجديد بعد أن تمت الاطاحة بصديقهم شاه إيران.. دفعته الولاياتالمتحدة إلى خوض حرب غير مبرّرة مع إيران. كما منحته، في شخص سفيرتها أبريل جلاسي، الضوء الأخضر لغزو الجارة الأخرى الكويت.. أوهمه البيت الأبيض ب»العراق الكبير»، الذي يدخل الكويت ضمن خريطته السياسية وبالسيطرة على آبار النفط فيها لاستعادة الأموال الضخمة التي خسرها في حربه مع إيران... وجد نفسه، بين ليلية وضحاها، يساق إلى مقصلة التاريخ، بعد إخراجه من حفرة العنكبوت الصغيرة بشعر أشعث وعيون لم تذق طعم النوم والراحة قط، وبعد أن شنّتْ عليه حليفته السابقة وعدوته الحاضرة حربها الشعواء بدعاوى باطلة لاستنزاف ثرواته وتفكيك جيشه وإذلال شعبه وتدمير حضارته وتاريخه ومحاكمته التي شكلت «محاكمة» للضمير العربي، الغارق في سباته العميق، علّه يفيق يوما، قبل أن يعدم الثور الأبيض الأخير... تنكّروا له بعد أن أيّدوا انقلابه على السلطة.. دعموا نظامه وزوّدوه بالأسلحة الكيماوية المحرّمة دوليا للتخلص من إيران الشيعية.. صمتوا عن أعماله وحروبه وهفواته الداخلية.. انقلبوا عليه وفتحوا له كل الملفات السابقة والساخنة وقرّروا إهدار دمه ودماء شعبه وسرقة ثرواته في إطار إستراتيجية «الإرهاب»، الجديدة، التي رسمتها أمريكا بالتعاون مع حليفتها إسرائيل، بغية إزالته وإزالة الخطر المحدق بها دائما.. أدخل الجيش الأمريكي إلى المنطقة لأول مرة في التاريخ ليطرودوا قواته من الكويت، بعد «مباركتهم» غزوه لها.. هدّد بضرب الكيان الصهيوني فدفعه إلى الاستنجاد برجالاته في البيت الأبيض، والنتيجة صدق كلمات أحد المسؤولين الصهاينة الذي قال يوما «إن نجاح إسرائيل لا يعتمد على ذكائها بقدر ما يعتمد على غباء أعدائها»... رئاسة الدولة العراقية إنه صدام حسين عبد المجيد التكريتي (وُلِد في قرية العوجة في مدينة تكريت، التابعة لمحافظة صلاح الدين في ال28 من أبريل من العام 1937، ذلك المزارع الصغير الذي امتهنت عائلته الزراعة في حقول أنيل والفرات، قبل أن يخرج إلى الدنيا ويجد نفسه في أحضان خاله عبد الله طلفاح، الذي أبقاه تحت رعايته حتى سن السادسة عشرة، حيث انتقاله إلى بغداد والتحاقه بالثانوية الوطنية التي ستربط اسمه بحزب البعث القومي العربي في فترة عرفت رواجا وانتشارا للحس الثوري القومي في فترة الخمسينيات من القرن الماضي، ذلك التيار الذي كان وراء إسقاط حكم عبد الكريم قاسم من خلال الإنقلاب المدبّر من أعضاء الحزب، وعلى رأسهم صدام حسين، نتيجة لسياسة قاسم العشوائية ونظامه الاشتراكي والداعم للغرب وسياساته عام 1963. ليصل حزب البعث بذلك إلى السلطة برئاسة عبد السلام عارف، الذي أضحى رئيسا للجمهورية وصدام حسين نائبا للرئيس، مؤسسا بذلك جهاز المخابرات العراقي الذي، عرف باسم «حنين» وبدأ بمحاكمة كل من كانت لهم ولاءات خارجية وقام بتعيين من يثق بهم في المناصب الأمنية الحساسة... أصبح صدام رجل السلطة القوي، الحاكم الفعلي للعراق، قبل أن يصل إلى الحكم بشكل رسمي عام 1979 بسنوات. بدأ، ببطء، في تدعيم سلطته على الحكومة العراقية وحزب البعث، فقام بربط علاقات خاصة مع أعضاء الحزب الآخرين. وبسرعة، أصبحت لدى صدام دائرة دعم قوية داخل الحزب، وبسرعة، أيضا، صار مهندسَ السياسات العراقية الخارجية ليمثّل العراق في جميع المواقف الدبلوماسية... في نهاية السبعينيات، ظهر صدام كحاكم فعلي للعراق بشكل لا يقبل التأويل، الشيء الذي منحه لقب «سيف العرب»، خاصة بعد أن شرع في تعزيز قوته اجتماعيا وسياسيا واقتصاديا بين القوميين والإسلاميين، متبنيا بذلك إنشاء جهاز أمني لحماية السلطة من الانقلابات العسكرية والتمردات المفاجئة ليصل بالعراق الى القمة والتطور، خاصة بعد الارتفاع الكبير الذي عرفته أسعار النفط في فترة السبعينات وتحقيق الدولة موارد مالية كبيرة ساعدت على النهوض بالأمة العراقية سياسيا واقتصاديا وتعليما (تأسيس الحملة الوطنية لمحو الأمية، حملة التعليم الالزامي المجاني، توفير العناية الصحية المجانية، المعونات للمزارعين، إنشاء أفضل أنظمة الصحة المجانية في العالم»... في عام 1979، بدأ الرئيس أحمد حسن البكر في إبرام معاهدات مع سوريا، التي يتواجد فيها حزب البعث، والتي كانت ستقود إلى الوحدة بين الدولتين ليمنح من خلالها الرئيس السوري آنذاك، حافظ الأسد، منصب نائبا الرئيس في ذلك الاتحاد، لكن استقاله الرئيس أحمد حسن البكر بتاريخ 16 يوليوز 1979 حال دون ذلك وأصبح صدام حسين الرئيس الجديد للعراق، الذي بدأ سياساته بإعدام الجواسيس والمتآمرين على حزب البعث العراقي، الذين ارتبطوا بحافظ الأسد، بعد وصفهم بالخونة والمتآمرين ليتم اقتيادهم لمواجهة مصيرهم رميا بالرصاص خارج قاعة الإجتماعات وأمام ومسمع الحاضرين، متجها في نفس الوقت إلى تعزيز علاقاته الدولية الخارجية، خاصة مع الاتحاد السوفياتي، الذي أرسل إلى العراق أسلحة وخبراء كان لهم دور بارز في وضع معالم المفاعل النووي العراقي «تموز 1»، الذي لم ير النور بسبب قصف القوات الإسرائيلية له بحجة إنتاج مواد نووية تسليحية تهدد أمنها وأمن المنطقة... لتندلع بذلك الحرب العراقية -الإيرانية، التي أنهكت العراق ماديا وعسكريا وفتحت عليه أبواب الجحيم، بعد غدر الدول الغربية به وتشجيعه على غزو الكويت في عام 1990، للتخلص من قوة العراق التي بدأت تهدد المنطقة، ويبدأ الحصار القاتل بعد ذلك حتى دخول القوات الأمريكية واحتلال العراق (9 أبريل 2003» وإنهاء حكم صدام وإغتياله على مرآى الأمة العربية والإسلامية في صبيحة عيد الأضحى المبارك. الورقة البيضاء.. سرّي للغاية في كتابه «مقاضاة جورج دبليو بوش بجريمة القتل»، يروي المدعي العام الأمريكي لفنسنت بفليوسي، سيناريو الإعداد للحرب والتخلص من صدام حسين، الذي شكّل لسنوات طويلة حليفا دائما للولايات المتحدة وادارة بوش الأب كيف أنه «كان الجميع يعلم أن صدام حسين لا يمتلك أسلحة دمار شامل، لكن الادارة الأمريكية، وبمساعدة الإعلام في شخص بوش، عمدت مرارا وتكرارا وفي غمرة انهماكها بالتهيئة لشنّ الحرب وإعدادها الملف العامّ وذرائع نشوبها، إلى تقديم المعلومات الاستخباراتية عكس حقيقتها، فاقتاد الولاياتالمتحدة بالخداع والمكر وزجّ بها في أتون الحرب. غالط الحقائق بذرائع واهية. لفّق الحجج في ثناياها واستخدم الكذب والتزوير لتبرير شنّ الحرب على العراق وغزوه دون أي مسوغ قانوني ودون أي اهداف سوى السيطرة على منابع النفط والغاز فيه، من جهة، وحماية أمن حليفته إسرائيل، من جهة ثانية، ففي اللقاء الذي جمعه بتوني بلير (يضيف بفليوسي) يوم 31 من يناير 2003 وقبل شهرين فقط من شنّ الحرب، كان تقرير ال»سي أي إي»، في نسخته التي كتب عليها «سري للغاية»، قد أبان لهم، بمعيّة مستشاريهم، أنْ لا وجود لأسلحة الدمار الشامل لدى العراق وأن صدام حسين غير قادر على شنّ الحرب أو على ضرب أي دولة في الجوار، لكنْ رغم ذلك، حُذِفت هذه الخلاصة المنشورة باسم «الورقة البيضاء» وحذف معها كل استنتاج يؤكد صحة هذه الحقائق ليتم تغييرها واستبدالها بورقة أخرى تؤكد امتلاك صدام حسين تلك الأسلحة، مما سيبرّر لهم شنّ الحرب عليه»، ويستطرد بفليوسي قائلا: «كانت ردّة فعل توني بلير سيئة جدا وتضامن معه مستشاره في الشؤون الخارجية، ديفيد مايننغ، الذي قال إنه لا وجود لمبرّر قانوني لشنّ الحرب وإن هذا التقرير عبارة عن تضليل للحقائق فردّ عليه بوش بقوله: إذن، حتى تكون لدينا ذريعة قوية نرسل طائرات تجسّس وطائرات «يوتو» ونصبغها بألوان زائفة للأمم المتحدة على أن تحلّق فوق العراق بشكل مكثف حتى يقوم صدام حسين بإسقاطها، وهنا نعتبر ذلك دليلا على خرقه قرارات الأممالمتحدة ويوفر لنا بالتالي الذريعة والمبرّر لشنّ الحرب على العراق!...