«يكفي أن يكون زوجها شقيق أسامة بن لادن، لنعرف أي كلام كتبت وأي موضوعات تناولت... زرعت نفسها في قلب أسطورة الشيخ محمد بن لادن، الذي خلف 54 ابنا كان من بينهم أسامة وزوجها يَسْلم... ارتضت العيش وسط أفراد تلك الأسرة الممتدّة، متحدّية التقاليد والأعراف السعودية، بعد أن سقت نفسها كأس الحرية الذي تجرّعته لسنوات طويلة من حياتها في العاصمة السويسرية جنيف، حيث ولادتها من أب سويسري وأم إيرانية... عايشت تطور المملكة العربية السعودية بعد بروز النفط والبترول فكتبت كل ما عايشته ورأته بأم عينيها وما تناهى إلى سمعها من أشقاء وشقيقات أسامة بن لادن، الذي طالما حاولت تجنّبه أو الحديث معه بعد وصفه لها بالغريبة والأجنبية وبالمرأة التي تفتقر إلى قواعد السلوك الاجتماعي... كتبت عن مكونات عائلة بن لادن وطبيعة العلاقات بين أفرادها: كيف يعاملون ويتعاملون، ما هي مشاريعهم وارتباطاتهم بالعائلة المالكة السعودية؟ منْ وقف إلى جانب مَنْ في أحداث ال11 من شتنبر، بعد أن طار أسامة وشقيقته شيخة لمجابهة السوفيات، الذين احتلوا الأرض الإسلامية، وأضحى بذلك «بطل» المملكة العربية السعودية لسنوات طوال، قبل أن يتحوّل إلى زعيم «القاعدة» ويضحى أول الرجال المطلوبة رؤوسهم للعدالة الأمريكية... بعد يومين، جاءنا صاحب الابتسامة الساحرة، من جديد، رفقة شقيقيه إبراهيم وخليل، ذوَي الشعرين المجعدين وأحذيتهما سميكة النعل، إضافة إلى شقيقتهما فوزية، التي بدت لي أشبهَ بمراهقة أوربية حيث «تي -شيرتها» الصيفي وشعرها المتموّج الطويل ونظاراتها الشمسية الكبيرة، كما كانت هناك، أيضا، والدته الإيرانية، تلك المرأة الناعمة، ذات الوجه المستدير الجميل والشعر الطويل المصبوغ باللون الداكن، بفستانها الأسود الطويل وغطائها الإسلامي البسيط، الذي تضعه على رأسها... تقرّبتُ إليها سريعا وشرعتُ أتبادل معها الحديث بالفارسية، قبل أن أنتقل سريعا إلى الابتسامة الساحرة وصاحبها الذي أثار في داخلي حب الاستطلاع. بدأنا ثرثرتنا البسيطة باللغة الإنجليزية، التي سرعان ما تطورت إلى محادثة طويلة، ونحن نجول في حديقة المنزل... فقد كان يسلم هادئا في بداية الأمر، يمتلك سلطة لافتة وعينين ساحرتين ولطيفتين وثاقبتين، نحيفا بعض الشيء.. برونزي اللون، لكنه وسيم، تعلو وجهَه، على الدوام، ابتسامة رائعة وساحرة لم أر لها مثيلا طيلة حياتي، تكشف عن طيب قلبه وسحر كلماته، التي أخذ يلفظها من فمه الصغير قليلا وقد بدأنا نتجول حول المدينة... الصحبة الفاتنة كان يَسْلم في الثانية والعشرين، أكبر مني بقليل، مختلف عن كل أصدقائي، يُسلّم بطريقة مختلفة... يتصرّف كراشد... يفعل ما يحلو له... لكنه في المقابل رجل يعتمَد عليه من طرف والده، الشيخ محمد. ينبع من محياه حسّ القيادة في شكلها الطبيعي إلى درجة أن تصرفاته الثابتة والرزينة قد جعلت والدتي تُسحَر به وتنشد توجيهاته، لكنني رغم ذلك لم أكن أجد فيه سوى الرجل الذي أتودّد إليه... الرجل الطريف والجميل الذي بدأت أشعر باللذة والسعادة في صحبته الفاتنة... الوقوع في الحب كان يَسْلم يتصف بالهدوء والبصيرة، يمتلك ذهنا حادا وإرادة صلبة، يتذكر تفاصيل كل ما أقوله له، يتفهمني في كل شيء، يتلقف كلماتي قبل أن أنطق بها. بدأ يشعرني بالسعادة والحاجة إليه، لكونه الشخص الوحيد الذي يمكنني الاطمئنان إليه... وعندما لم يكن لدي وقت للوقوع في الحب، وقعت في حبه فجأة. وقعت في حبّه دون شعور. وبتنا، مع مرور الوقت، نتطلع إلى لقاء بعضنا البعض بلهفة شديدة كل يوم تقريبا. أمضينا كل لحظة فراغ معا. وفي لحظة ما، تذكّرت طلاق والدي وأخذت أبكي... حضنني إلى صدره، وقد أخذت دموعي تغمر عيناي، وقلت له، حينها، إنني رغم حبي لك فإنني لا أريد أن أتزوج أبدا... لا أريد مطلقا لأولادي أن يتخلى عنهم والدهم يوما، كما تخلى والدي عني وعن شقيقاتي، لكنه سرعان ما أخذ يربت على ظهري، مواسيا، وأوصل لي، دون أن ينبس بكلمة واحدة، أنه لن يفعل ذلك أبدا... حينها، شعرت بالأمان أكثر من أي وقت مضى... خليلا... وليس طالب زواج كان إحساسي بالأمان مع يَسْلم يجعلني أعُدّ نفسي أسعد إنسانة على وجه الأرض. لكن تفكيري الدائم في والدتي وهجر والدي لها كان يُشعرني بالخوف، ولعلّ هذا الخوف هو الذي جعلني أنظر في بداية علاقتي بيَسْلم إلى الأخير بوصفه خليلا وليس طالب زواج محتمَلا وأبا لأولادي. لكن أمورا كثيرة رأيتها فيه كانت تُحفّزني على الاقتراب منه أكثر فأكثر وعلى التفكير في الزواج منه. ومن أكثر الأمور التي جذبتني إليه كونه بدا لي كثير الاستقلالية، وهو الأمر المحبّب لي كذلك... لم أسمع منه كلمه نابية على الإطلاق، رغم بعض تصرفاتي المزعجة له، خاصة تحدّثي في الهاتف مع أصدقائي لفترات طويلة. وبدأت علاقتنا الغرامية تتعدى كونَها مجرد عشق صيف عابر، وبدأ يَسْلم يُشركني حياته الخاصة ويعرّفني على عائلته الواسعة. وكم كانت دهشتي كبيرة جدا عندما علمت أن لديه 53 شقيقا إلى درجة أنني لم أتمكن حتى من تخيُّل كل ما يعنيه ذلك الأمر عمليا، لكنه ضحك وقد بدت صدمتي بادية على وجهي، مؤكدا لي أن عائلته فريدة وكبيرة بشكل غير معتاد، حتى بالمقاييس السعودية... المشاركة في الكفاح بدأ يَسْلم يحدّثني أكثر فأكثر عن أفراد عائلته، قبل أن تسنح الفرصة لي بالتعرف على شقيقه الأكبر سالم، لدى مروره بسويسرا. أحببت فيه مدى انفتاحه وتألقه بالمقارنة مع يَسْلم، فسالم يتمتع بميل كبير إلى اللهو وعزف «الهامونكا» بإتقان، لكنني أدركت، للمرة الأولى، أن علاقتهما تقوم على صراع معقد على السلطة، نظرا إلى أن سالم (30 عاما) يتصرف مع يَسْلم بشكل قد يكون «أبويا»، وهو ما نفر منه يَسْلم على الدوام، وقال لي حينها، بانزعاج شديد: «يعتقد سالم أن مجرد كونه على رأس العائلة يؤهله لأن يصبح مسؤولا عني، إلا أنني لا أحتاج إلى إذن منه لفعل أي شيء أريده». حينها، شعرت أنني أتشارك مع يَسْلم في الكفاح أنا مع والدتي ويََسْلم مع شقيقه سالم... شروط الزواج بعد ظهر أحد الأيام ومع اقتراب انتهاء الربيع، وبينما نحن نتجول في حديقة المنزل، وقد بدأنا في الحديث عن المستقبل، قال لي إنه سيعود إلى السعودية قريبا لكنه يريد أن يعرف، قبل ذلك، أمرا ما. علمت، حينها، أنه سيتحدث لي حول الزواج، فقلت له سأجيب عن تساؤلك الذي أعرفه مسبقا وقبل أن تنطق به بشرط واحد هو أن تكمل دراستك، فأجاب على الفور سأفعل، شريطة أن تتزوجيني... ضحكت حينها وقلت له إنني سأفكر في الأمر، رغم أن كلينا يعلم أنني أعني بذلك الموافقة المطلقة... وهكذا، بقي يَسْلم في منزل والدتي بعد انتهاء عطلتهم الربيعية وقد بات خطيبي الآن وباتت والدتي تشعر بالأمان نحوي وقد أصبحتُ في عهدة شخص آخر الآن. وبدأنا، كأي شابين سويسريين، نرتاد الملاهي الليلية، نرقص حتى ساعات الصباح من كل يوم، وفي احدي الليالي، قال لي يَسْلم وبصراحة ألا أرقص مع شقيقه سالم إذا ما دعاني إلى ذلك، لأنني إذا فعلت ذلك فقد يأخذ سالم انطباعا سيئا عني. ومنذ تلك اللحظة، تعرّفت على أول القوانين السعودية، الغريبة والمتعددة، والتي بموجبها سأفقد احترامي إذا رقصت مع رجل آخر، حتى ولو كان شقيق زوجي... أسطورة محمد بن لادن أصبحت ويَسْلم خطيبين رسميين في أكتوبر من العام 1973، بعد أن تأكدت والدتي أنني سأتزوج يَسْلم الآن، هدأ بالها وطرنا سريعا، في نونبر، إلى لبنان، مسقط رأس فلاسفتي المفضلين، حيث خليل جبران وكتابه «النبي»، الذي رافقني طيلة فترة مراهقتي.. ذلك الكتاب البديع، الأشبه بقصص الجن. أما لبنان فهو بالنسبة إلي جزء من العالم العربي وموطن لرجال الحكمة والفن والرياضيات، حيث بيروت الأشبه بألف ليلة وليلة وحيث الثراء والألوان والروائح وضوء الشمس المتوسطية البرتقالية الصفراء.. هناك، التقيت بأشقاء يَسْلم.. علي، طويل القامة، ذي المظهر الشرق أوسطي، حيث إن والدته لبنانية، وثابت، ذي البشرة السوداء والمنظر الإفريقي، حيث والدته الإثيوبية.. وأدركت، حينها، للمرة الأولى، أن الشيخ محمد بن لادن، والد يَسْلم، قد تزوج من 22 امرأة... أدخلت نفسي، دون شعور، في متاهة العلاقات العائلية التي أردت من خلالها إزاحة الستارة المبهمة حول قصة غرامي الرائعة مع يَسْلم وبدت الخيوط تتشكّل من عبد اللطيف، ذلك الأب السعودي الذي التقيته وتعرفت عليه في نهاية أكتوبر بعدما طرنا إلى الولاياتالمتحدة للتسجيل في جامعة كاليفورنيا رفقة يَسْلم.. علم عبد اللطيف، حينها، أنني مخطوبة من أحد أبناء بن لادن، وهو يَسْلم، قبل أن يخبرني أنه يعرف العائلة جيدا، فوالده كان يعمل لدى الشيخ محمد بن لادن، الذي توفي في العام 1967، وبالتالي كان عبد اللطيف أول شخص يفتح عيني على الطرف الآخر من العالم وتحديدا على خبايا الأسطورة السعودية المحيطة بالشيخ محمد بن لادن، الذي كان يشتغل لديه تقريبا كل شخص متواجد في جدة... وكم كانت دهشتي كبيرة عندما قال لي إن الشيخ محمد بن لادن قد أبصر النور وهو لا يملك شيئا لكنه أنشأ واحدة من أقوى شركات البناء في الشرق الأوسط وشيّد من خلالها قصور ملوك وأمراء السعودية وغيرهم ورمّم المواقع الإسلامية المقدسة.. وباختصار شديد، قال لي إنه عملاق بين الرجال، بطل بين المغاوير، عمل بجهد يفوق جهد أي كائن حي على وجه الأرض، بقي صادقا، ورعا، تقيّا، أحبه الجميع.. وكنتُ أنا مغرمة بولده يَسْلم...