«يكفي أن يكون زوجها شقيق أسامة بن لادن، لنعرف أي كلام كتبت وأي موضوعات تناولت... زرعت نفسها في قلب أسطورة الشيخ محمد بن لادن، الذي خلف 54 ابنا كان من بينهم أسامة وزوجها يَسْلم... ارتضت العيش وسط أفراد تلك الأسرة الممتدّة، متحدّية التقاليد والأعراف السعودية، بعد أن سقت نفسها كأس الحرية الذي تجرّعته لسنوات طويلة من حياتها في العاصمة السويسرية جنيف، حيث ولادتها من أب سويسري وأم إيرانية... عايشت تطور المملكة العربية السعودية بعد بروز النفط والبترول فكتبت كل ما عايشته ورأته بأم عينيها وما تناهى إلى سمعها من أشقاء وشقيقات أسامة بن لادن، الذي طالما حاولت تجنّبه أو الحديث معه بعد وصفه لها بالغريبة والأجنبية وبالمرأة التي تفتقر إلى قواعد السلوك الاجتماعي... كتبت عن مكونات عائلة بن لادن وطبيعة العلاقات بين أفرادها: كيف يعاملون ويتعاملون، ما هي مشاريعهم وارتباطاتهم بالعائلة المالكة السعودية؟ منْ وقف إلى جانب مَنْ في أحداث ال11 من شتنبر، بعد أن طار أسامة وشقيقته شيخة لمجابهة السوفيات، الذين احتلوا الأرض الإسلامية، وأضحى بذلك «بطل» المملكة العربية السعودية لسنوات طوال، قبل أن يتحوّل إلى زعيم «القاعدة» ويضحى أول الرجال المطلوبة رؤوسهم للعدالة الأمريكية... أحسسْتُ أنني مجبَرة على كتابة هذا الكتاب عن كواليس حياتي، التي عشتُها في كنف عائلة بن لادن في المملكة العربية السعودية، وعلى أن أبدأها بالحديث عن أحداث ال11 شتنبر، ذلك التاريخ الذي شكّل لي ولعائلتي أحد أهم التواريخ مأساوية، فهذا التاريخ حمل معه مآسي وويلات وأزهق معه أرواحا كثيرة وحكم بالموت على حياة الآلاف من الناس الذين اعتبرتهم أبرياء على الدوام... هذا التاريخ سلب من العالم إحساسه بالحرية والأمن وشكّل لي، على الخصوص، كابوسا من الخوف والحزن والهول جعلني، لسنوات عديدة، سجينة نفسي... سقوط نيويورك... كان صباح ال11 من شتنبر قد أخذ يشكّل بداية رائعة لأحد أيام الصيف الآبقة، حيث أتواجد بلوزان.. أستمتع بقيادة سيارتي رفقة ابنتي الكبرى وفاء... نستمع إلى أغاني فيروز، الساحرة والآسرة، التي أخذتنا معها من معالم الطبيعة السويسرية إلى معالم لبنان الساحرة، حيث الجداول والكهوف والتلال، وحيث أريج الورود التي تعلوها النحلات العسلية وتتناوب على قطف أريجها، لكن رنّات الهاتف المتكرّرة، والتي بدت «مُصرّة»، أخرجتنا من تلك العزلة الروحية الممتعة... من الجانب الآخر، بدا لي صوت خافت في البداية، وقد شرع في الصراخ دون توقف وهو يقول: «أمر مريع يقع الآن... إنني أشاهد الأخبار... أمر لا يصدق: لقد ضربت طائرة ما أحد بُرجَي مركز التجارة العالمية... شعرت حينها أن هذا الصوت لا يتحدث معي إطلاقا بقدر ما يتحدث مع إنسان آخر، أقفلت الهاتف، لكنه سرعان ما عاد إلى الرنين من جديد وعاد الصوت إلى مزيد من الارتفاع والصراخ... صرخ بأعلى صوت: «تمهلي، تمهّلي، يا كارمن، أنا جون... تمهلي، هناك طائرة أخرى وهي تتوجه الآن مباشرة إلى البرج الثاني... يا إلهي، لقد ضربت البرج الثاني... لقد سقطت نيويورك»... أسامة.. أسوأ مخاوفي انحبست أنفاسي. لم أعد أستطع استنشاق الهواء. ركنت السيارة، بعد أن انشطر شيء في داخلي، خاصة لحظة وصف لي جون الضربة الثانية وبعد تأكيده أن طائرات مجهولة أخذت تضرب برجي مبنى التجارة العالمي... شعرت أنها ليست حادثة غريبة فقد كنت مقتنعة تماما أن هجوما مخططا له ومقصودا قد وقع على بلد أحببته واعتبرته موطني الثاني... تجمّدت وتصلّبت أعضائي وشرعت ابنتي وفاء في البكاء... انهالت عليّ موجات من الرعب وأنا أدرك أن ظل أسامة بن لادن، شقيق زوجي يَسْلم، قد أخذ يلقي بظلاله على كل تفاصيل هذا العمل المأساوي... هرعت مسرعة عائدة إلى المنزل، بعد أن عرّجت لموافاة ابنتي الأخرى نور في مدرستها الثانوية، وقد بدت أعراض الصدمة بادية على وجهها، بعد أن علمت بالخبر... وكذلك كان حال ابنتي الوسطى، نجيّة، التي وجدناها متسمّرة أمام شاشات التلفاز وقد عادت للتو من معهدها، تشاهد بأم أعينها ما يحدث الآن في نيويورك على محطة «سي. إن. إن»... ازدحم المنزل سريعا من كل حدب وصوب بأصدقائنا ممن يسكنون في الأمكنة المجاورة وبدأنا نتناوب على الانتحاب والاتصال هاتفيا بكل من نعرفهم هناك... بدا لي الاتصال بصديقتي ماري مارثا، التي تسكن في كاليفورنيا كأولوية.. كنت أحتاج إلى سماع صوتها، فقد سبق لها أن سمعت بالهجوم المزدوج في نيويورك وأبلغتني أن طائرة ثالثة ضربت «البنتاغون» للتو... حينها، فقط شعرت أن العالم قد أخذ يدور خارج محوره، وحينها فقط، شعرت أن أسوأ مخاوفي قد تحققت، خاصة بعد أن ظهر وجه شخص واحد وأخذ اسمه يتردد في ذاكرتي على الدوام... إنه أسامة بن لادن، عمّ بناتي، الذي تشتركن معه في الاسم فقط دون أن تلتقينه قط... أسامة الشقيق، الأصغر لزوجي يَسْلم وأحد أشقائه المتعدّدين، الذين يفوق عددهم الخمسين... أحسستُ بشعور سقيم لرؤية صورة ذلك الرجل الذي لم أحبَّه قط مند تعرفي عليه في السعودية قبل سنوات طويلة.. لم أحبَّ ذلك الشاب اليافع، الذي طالما امتلك حضورا مهيبا بقامته الطويلة وقراراته الصارمة.. شديد التقوى والديانة، المرهبة بالنسبة إلى معظم أفراد عائلة بن لادن، الممتدة.... صاحب العقيدة المتزمتة خلال السنوات التي عشتها وسط عائلة بن لادن في السعودية، كان أسامة يجسّد لي كل ما ينفّر من ذلك البلد، القاسي... ينفرّني من العقيدة المتزمّتة التي أخذت تتحكم في حياتنا جميعا... فهناك عنجهية السعوديين وكبرياؤهم.. وهناك التعاطف مع الشعوب التي تشاركهم معتقداتهم.. وهناك الازدراء بالدخلاء. تقليد متزمّت.. وقلت حينها مع نفسي إنني لا استطيع أن أقدم حياة مُرّة لبناتي هنا في السعودية، وبالتالي يجب علي أن أشرع في قطع علاقتنا بالمملكة، خاصة أنني كنت أراقب أسامة وقد أخذ يزداد سطوة وشهرة قبيحة... يزداد غوصه اللولبي وحقده وكراهيته المستميتة للولايات المتحدةالأمريكية ولكل شيء «غربي»... فعندما قامت القوات السوفياتية باحتلال أفغانستان، عمد بن لادن، بكل ما أوتي من قوة، إلى مساندة المجاهدين الأفغان في حربهم ضد محتل بلدهم.. ذهب إليهم بنفسه وماله دون تردد.. لكنه عاد إلى موطنه السعودية، بعد انسحاب السوفيات. وقد «أصبح» بطلا للجميع بالفعل، بطلا بعقيدته وأفكاره المعادية للغرب، بطلا بأعماله المساندة للمسلمين في أي مكان.. يجبه الجميع داخل الأسرة ويتخوفون منه في نفس الوقت، رغم أن هناك من هم أكبر منه سنا. تتوجّس النساء خيفة كلما سمعن اسمه يتردّد هنا أو هناك... يسارعن إلى ارتداء البرقع كلما علمن بدخوله المنزل... فهو لم ينظر إلى أي من نساء بن لادن مباشرة بقدر ما يسارع إلى أن يشيح بوجهه إلى الطرف الآخر ويشرع في محادثة أي منهن...