كيف كانت حياة السيدات الأوليات للبيت الأبيض؟ وأي دور لعبنه في المسار السياسي لأزواجهن؟ وكيف كانت علاقتهن بالمجتمع الأمريكي؟ وكيف واكبن نشأة وتطور الولاياتالمتحدةالأمريكية لتصبح أكبر قوة عالمية؟...من مارتا واشنطن إلى ميشيل أوباما حلقات تزيح الستار عن حياة وأسرار السيدات الأوليات بالولاياتالمتحدةالأمريكية على مدار التاريخ. أشاعت غريس كوليدج كسيدة أولى الفرح داخل البيت الأبيض، وكان الانسجام الواضح بينها وبين زوجها كالفن كوليدج سببا في فوزه في السباق الرئاسي لعام 1925. وقد سخرت غريس نفسها لخدمة الصم، وكانت الأولى التي تودع البيت الأبيض عبر أثير الراديو بعبارة: وداعا. المدللة التي اهتمت بالصم كانت غريس مدللة والديها، اللذين لم ينجبا غيرها عام 1879. إذ وفر لها والدها المهندس الميكانيكي ومفتش البواخر حياة مرفهة، كما أفرطت والدتها لميرا في تدليلها. وفي سن الرابعة ستغادر غريس مدينة بيرلنوتون بفيرمونت للمكوث عند أسرة يال في نورثمبتون بولاية ماسشوسيتس حتى تتمكن والدتها من رعاية والدها الذي أصيب في حادثة خطير. ظلت غريس مدة سنة عند أسرة يال، وتغيرت طباعها كفتاة مدللة بفضل مرافقتها للآنسة جوان يال المعلمة بمدرسة كلارك للصم حتى أن الصغيرة غريس قررت أن تحتذي بالآنسة يال في كبرها بعد عودتها إلى والديها. تلقت غريس تعليمها الأولي والإعدادي والثانوي والجامعي بمسقط رأسها، وبعد تخرجها أرادت تحقيق حلم الطفولة فتوجهت إلى نورثمبتون عند عائلة يال حيث بدأت تعطي دروسا للأطفال الصم بمدرسة كلارك. السيدة كوليدج في ربيع عام 1905 التقت غريس بالمحامي كالفن كوليدج من فيرمونت، لكن والدتها عارضت هذه العلاقة لأنها وجدت كالفن لا يناسب ابنتها. أصرت غريس على كالفن كزوج للمستقبل بعد أن وجدت أنهما يتقاسمان أشياء كثيرة، وتم الزاوج في خريف عام 1905 في منزل أسرة غريس رغم أنف والدتها. وصفت غريس علاقتها بكالفن بأنها مثالية، وأن لا أحد فهمه كما فهمته هي والعكس صحيح. أحب كالفين زوجته وعشق أناقتها وحبها للأسرة وابتسامتها وروحها المرحة، وكانت لا تناقشه فيما لا يحب حتى أنها أذعنت لعدم رغبته في تعلمها السياقة، وكثيرا ما كان ينتقد سوء طهيها بالفكاهة. عرفت السيدة كوليدج بعشقها لرياضة البيسبول، وكانت ممارسة جيدة لها، ووصفت ضرباتها بأنها أحسن مما يفعل الرجال أنفسهم. وكثيرا ما شوهدت تدخن، لكنها حرصت ألا تلتقط لها أي صورة وهي تمسك سيجارة. اكتملت فرحة آل كوليدج حين رزقا بطفلين: جون عام 1906، وكالفن جونيور عام 1908، وسخرت غريس جل وقتها لرعاية أسرتها الصغيرة بعيدا عن السياسة التي انخرط فيها زوجها. وعندما أصبح كالفن حاكما لبوسطن ظلت غريس مع ولديها بفيرمونت، وكانت تقضي وقت فراغها في تعلم التزلج على الجليد والرقص والعزف على البيانو وأيضا في تربية الحيوانات الأليفة، وخاصة الكلاب، دون أن تنسى مسؤوليتها كإدارية بمدرسة كلارك. وعند دخول الولاياتالمتحدةالأمريكية الحرب العالمية الأولى انخرطت غريس في الصليب الأحمر الأمريكي لتقديم الإسعافات الأولية للجنود الأمريكيين الجرحى.
فرح داخل البيت الأبيض في عام 1920 وجدت غريس نفسها في دائرة الضوء حين تم اختيار زوجها في منصب نائب الرئيس لوارين هاردنغ، فغادرت فيرمونت نحو واشنطن واستقرت بفندق ويلارد مع أفراد أسرتها، وحين عانت السيدة الأولى فلورانس من متاعب صحية من الكلى عام 1922 وخضوعها للجراحة تولت غريس مباشرة مهام الإشراف على البيت الأبيض. وفي عام 1923 وخلال تواجدها بفيرمونت في زيارة لأهل زوجها تقلت غريس نبأ وفاة الرئيس وارين هاردنغ بسان فرانسيسكو. وكتبت في مذكراتها: «تلقت مكالمة هاتفية تخبرنا أن الرئيس قد مات، نظر إلي زوجي ثم إلى والده ودارت في رأسي عبارة أنا ولست أنا». غادر آل كوليدج صوب واشنطن للمشاركة في تأبين الرئيس، وأقاما في فندق ويلارد ولم يطلبا من السيدة الأولى فلورانس مغادرة البيت الأبيض حتى فعلت ذلك من تلقاء نفسها. أصبحت غريس السيدة الأولى الجديدة يوم 2 غشت 1923، وبقدومها أشاعت الفرح داخله بروحها المرحة، وحتى نقاشاتها مع الرئيس كانت مرحة. وخصصت في حديقة البيت الأبيض ركنا خاصا بحيواناتها الأليفة من العصافير والببغاوات والكلاب أيضا. في 7 من يوليوز 1924 فجع آل كوليدج بوفاة كالفن جونيور جراء تسمم حاد في الدم، لكنهما تجاوزا مصابهما بوجود ابنهما الأكبر جون. كان أكبر تحد يواجهه آل كوليدج هو الانتخابات الرئاسية لعام 1924 التي فاز بها كالفين بسهولة بفضل زوجته غريس، التي كسبت قلوب الناخبين بأناقتها وروحها المرحة، وقيل إنه لولا رقابة زوجها لكانت أكثر دينامية. في عام 1927 ضاعت السيدة الأولى وحارسها الخاص بمنطقة بلاك هيل خلال جولة صباحية، وبعد بحث مضن تم العثور عليهما، فكان أن صب الرئيس جام غضبه على حارسها وأقاله من مهامه، وهو ما أغضب السيدة الأولى فقامت بزيارة حارسها وأسرته ضد رغبة الرئيس. وقبل انتهاء مهامها كسيدة أولى طلبت غريس من الكونغرس، في سابقة من نوعها، سن قانون لحماية محتويات البيت الأبيض، وقامت بجرد أشيائه الثمينة. واعتبرت غريس أن أهم انتصار لها كسيدة أولى تخصيص دعم مالي لمدرسة كلارك للصم قدره مليونا دولار. كما التقت بهيلين كيلر، وهي تعتبر أحد رموز الإرادة الإنسانية، حيث إنها كانت فاقدة السمع والبصر، واستطاعت أن تتغلب على إعاقتها وتم تلقيبها بمعجزة الإنسانية. ما بعد البيت الأبيض عند انتهاء مهامها كسيدة أولى ودعت غريس كوليدج الشعب الأمريكي عبر أثير الراديو بعبارة: غودباي، أي وادعا. وعاد آل كوليدج إلى نورثمبتون حتى تكون قريبة من مدرسة كلارك، أما الرئيس السابق فشرع ينشر مقالات في المجلات الأمريكية. وفي عام 1933 أصيب كالفن كوليدج بأزمة قلبية أدت إلى وفاته، وبدا الحزن الشديد على وجه غريس خلال حفل تأبينه، الذي حضرته السيدة الأولى السابقة لوهوفر والسيدة الأولى الحالية إليانور روزفلت. وبعد أن تجاوزت محنتها بدأت غريس تنشر مقالات في بعض المجلات، وقامت برحلة إلى أوربا، ثم عادت لتعتني بأحفادها دون أن تنسى حبها لرياضة البيسبول، وكانت تتابع مباريات فريقها ريد سوكس لمدينة بوسطن عبر أثير الراديو. في صباح عام 1957 أسلمت غريس الروح في نفس اليوم والشهر الذي توفي فيه ابنها الأصغر كالفن جونيور.