أؤكد أنني مثل المصريين جميعا أعتز بالقوات المسلحة المصرية، لكنني أجد من واجبي أن أوجه النقد إلى سياسات المجلس العسكري الذي يقوم الآن بمهام رئيس الجمهورية... منذ أيام، توجه آلاف الشبان إلى وزارة الدفاع ليرفعوا إلى المجلس العسكري مطالب الثورة التي لم تتحقق.. كانوا يريدون التعبير عن آرائهم بطريقة سلمية متحضرة، فماذا حدث؟..! أحاطت بهم الشرطة العسكرية وحاصرتهم ثم هجم عليهم مئات البلطجية واعتدوا عليهم بالزجاجات الحارقة والسيوف والقنابلالمسيلة للدموع وأوقعوا مئات المصابين.. هذا الاعتداء المروع على متظاهرين سلميين حدث أمام أفراد الشرطة العسكرية الذين لم يحركوا ساكنا لحماية الضحايا، مما يدل على وجود تعليمات بعدم التدخل. هذا التصرف غير مقبول من أفراد الشرطة العسكرية، فلا يمكنهم أن يتخلوا عن واجبهم في حماية المواطنين ويتفرجوا عليهم بينما يتم ذبحهم بالسيوف من قبل مجموعات من البلطجية المأجورين من النظام السابق، إن الرسالة التي أراد المتظاهرون إيصالها إلى المجلس العسكري تحمل مطالب الثورة المصرية التي لم يحقق المجلس العسكري مطلبا واحدا منها بعد انقضاء ستة شهور على تنحي مبارك، وهي تتلخص في التالي: أولا: معظم القضاة المصريين شرفاء يحكمون ضمائرهم في عملهم، لكن النظام القضائي في مصر غير مستقل، حيث إن إدارة التفتيش القضائي، التي تملك محاسبة القضاة، تتبع وزير العدل الذي يعينه رئيس الدولة، وقد طالب القضاة مرارا بنقل تبعية التفتيش القضائي من وزارة العدل إلى المجلس الأعلى للقضاء، لكن المجلس العسكري لم يستجب. كما أن هناك قضاة يتم انتدابهم كمستشارين في هيئات الدولة المختلفة مقابل مكافآت مجزية، بينما هم في الوقت نفسه ينظرون في قضايا قد تتعلق بالجهات التي يعملون فيها كمستشارين. آخر المفاجآت في هذا الصدد وثيقة مهمة نشرتها حركة 6 أبريل (لعل ذلك قد ضاعف من غضب المجلس العسكري عليها)، الوثيقة تؤكد أن السيد المستشار مصطفى سليمان أبو اليسر، الذي تولى التحقيق مع حسني مبارك، يعمل مستشارا لشركة مصر للطيران التابعة لوزارة الطيران المدني، ولنا أن نتخيل مدى الحرج الذي قد يستشعره المستشار المذكور إذا عهد إليه بالتحقيق في بلاغات إهدار المال العام المقدمة ضد الفريق أحمد شفيق. عندئذ سيكون المستشار يحقق مع الوزير الذي كان يصرف له مكافآته الشهرية.. إن إلغاء انتداب القضاة للعمل في هيئات الدولة شرط أساسي لتحقيق استقلال القضاء، لكن المجلس العسكري لا يستجيب له. هناك قضاة أشرفوا على انتخابات مزورة كما أثبتت أحكام محكمة النقض، وقد طالب شيوخُ القضاة المجلسَ العسكري مرارا باستبعاد هؤلاء القضاة، لكن المجلس لا يستجيب. إن العمل على تحقيق استقلال القضاء وتطهيره مطلب أساسي للثورة لا بد من تحقيقه حتى يطمئن الرأي العام لعدالة المحاكمات. ثانيا: مع احترامنا لشخص ومقام السيد النائب العام المستشار عبد المجيد محمود، فإنه بعد أن تم تعيينه في منصبه بواسطة حسني مبارك، اضطر إلى مواءمات سياسية في قضايا كثيرة، ولعل النموذج الصارخ لذلك أن النيابة العامة في عهده لم تقم بدورها في التفتيش على أماكن احتجاز المواطنين. لقد كان آلاف المصريين يعذبون ببشاعة في مقار أمن الدولة وأقسام الشرطة، بينما السيد النائب العام لا يأمر وكلاء النيابة بالتفتيش على الضباط.. بل إن الفريق أحمد شفيق بعد إقالته من رئاسة الحكومة تم تقديم 24 بلاغا ضده بتهمة إهدار المال العام، وبعد مرور ثلاثة أشهر كاملة فإن النائب العام لم يأمر بالتحقيق معه حتى هذه اللحظة.. المطلوب الآن تعيين نائب عام جديد يعبر عن روح الثورة. وقد طرحت أسماء مثل المستشار زكريا عبد العزيز والمستشار هشام البسطويسى، وهما من القضاة العظام الذين تفخر بهم مصر كلها.. إن إقالة النائب العام مطلب أساسي للثورة. ثالثا: مازال المجلس العسكري مصرا على إحالة المدنيين على محاكم عسكرية.. كيف يحال عشرات الألوف من المصريين المتظاهرين على محاكم عسكرية بينما ينعم قتلة المتظاهرين ورموز الفساد بكل ضمانات القضاء المدني الطبيعي؟.. عندما طالبنا المجلسَ العسكري بحل المجالس المحلية وحل الحزب الوطني، رفض بشدة وأعلن على لسان أعضائه أنه لن يتخذ أي إجراء استثنائي، وانتظرنا طويلا حتى تم حل الحزب الوطني والمجالس المحلية بحكم المحكمة؟.. نحن سعداء باحترامكم للقانون يا أعضاء المجلس العسكري، لكننا ننبه سيادتكم إلى أمرين: 1 إن إحالة المدنيين على محاكمات عسكرية مخالفة صارخة لمبادئ القانون وللاتفاقيات الدولية التي وقعتها مصر. 2 إن محكمة القضاء الإداري في قنا قد أصدرت مؤخرا حكما بمنع محاكمة المدنيين أمام محاكم عسكرية، وقضت بالإفراج عن كل المعتقلين على ذمة أحكام عسكرية وإعادة محاكمتهم أمام القاضي الطبيعي.. لماذا، إذن، لا تلتزمون بالقانون وتنفذون هذا الحكم؟.. إن منع محاكمة المدنيين أمام القضاء العسكري مطلب أساسي للثورة. رابعا: خلال الثورة، قدم الشعب المصري ألف شهيد، وألف وأربعمائة مصري فقدوا عيونهم من الرصاص المطاطي، بالإضافة إلى 5 آلاف مصاب، وألف مفقود في الغالب تم قتلهم ودفنهم في أماكن مجهولة.. بعد ستة أشهر كاملة على هذه الجرائم البشعة، لم تتم إدانة ضابط واحد من قتلة المتظاهرين.. الوحيد الذي تمت إدانته أمين شرطة هارب، وهو يبدو مطمئنا إلى أن أحدا لن يقبض عليه إلى درجة أنه يتصل، وهو هارب، ببرامج التلفزيون ليطلع المشاهدين على وجهة نظره في الموضوعات المختلفة.. لقد طالبنا وزير الداخلية، اللواء عيسوي، بإيقاف الضباط المتهمين بقتل المتظاهرين عن العمل لأنهم يضغطون على أهالي الشهداء حتى يغيروا شهادتهم لصالحهم، لكن وزير الداخلية يبدو مصرا على حماية القتلة وتوفير الظروف المناسبة لكي يفلتوا من العقاب، فهو لم يوقفهم عن العمل، بل إن بعض الضباط المتهمين بقتل المتظاهرين، مثل وائل الكومي في الإسكندرية، تمت ترقيتهم ونقلهم إلى إدارات ذات امتيازات فصاروا يحصلون على ثلاثة أضعاف راتبهم الأصلي.. إن وقف الضباط المتهمين بقتل المتظاهرين عن العمل حتى تنتهي محاكمتهم مطلب أساسي للثورة. خامسا: أثناء الثورة، رأى المصريون بأعينهم مجموعات القناصة الذين اعتلوا أسطح المنازل وقتلوا عشرات المتظاهرين بدم بارد، بل إن هناك فيلما مصورا يوضح مجموعة من القناصة وهم يعتلون سطح وزارة الداخلية في القاهرة وقائدهم يوجههم لقتل المتظاهرين.. أين هؤلاء القناصة ولماذا لم يقبض عليهم حتى الآن؟ لقد قال وزير الداخلية إنهم غير تابعين لجهاز الشرطة، ثم صدرت وثائق تؤكد أنهم تابعون للشرطة. وهنا نجد أنفسنا أمام احتمالين: إما أن وزير الداخلية لا يعرف ما يحدث في وزارته، وإما أنه لا يقول الحقيقة، وأي احتمال منهما كفيل بإقالته. إن الكشف عن القناصة ومحاكمتهم مطلب أساسي للثورة. سادسا: منذ بداية الثورة طالبنا المجلس العسكري بتطهير أجهزة الدولة من أتباع النظام الفاسد، وحذرنا من أن تركهم في مواقعهم سيدفعهم إلى التآمر ضد الثورة... للأسف، لم يستجب المجلس العسكري لمطالبنا وترك النظام القديم على حاله، وها نحن ندفع الثمن.. معظم أحداث الفوضى والاعتداءات مدبرة من أتباع النظام السابق. منذ أيام، قبض المعتصمون في الإسكندرية على ضابط أمن دولة مندس بينهم وصادروا بطاقته. هذا الضابط كانت مهمته أن يندس وسط المتظاهرين ليرشق قوات الجيش بالحجارة حتى تطلق النار على المتظاهرين.. قبل ذلك بأيام، اعترفت مجموعة من البلطجية أمام النيابة بأن عضوا بارزا في الحزب الوطني دفع لهم مبالغ طائلة من أجل فض اعتصام أهالي الشهداء في حديقة سعد زعلول بالإسكندرية. حتى الدكتور السباعي، الطبيب الشرعي الشهير، الذي كان يكتب تقارير شرعية وفقا لطلبات ضباط الشرطة، بعد أن تم استبعاده لمدة شهرين، عاد بالأمس (يقصد الاثنين) إلى ممارسة عمله بطريقة عادية، ويبدو أنهم سيحتاجون في الفترة القادمة إلى تقاريره المطبوخة... إن تطهير أجهزة الدولة من فلول النظام السابق مطلب أساسي للثورة. سابعا: لأن الإعلام الحكومي لم يتم تطهيره، فقد استعاد بقوة دوره القديم في تضليل الرأي العام وتشويه صورة الثورة. من ضمن الأكاذيب التي يرددها الإعلام أن الثورة قد سببت الأزمة الاقتصادية في مصر. هذا الكلام مغلوط تماما، أولا لأن الأزمة الاقتصادية الطاحنة تسبب فيها نظام مبارك وكانت سببا مباشرا في قيام الثورة.. ثانيا لأن الثورة المصرية لم تتول السلطة، وبالتالي فإن كل المشكلات التي حدثت بعد تنحي مبارك، المسؤول الوحيد عنها هو المجلس العسكري الذي يقوم بمهام رئيس الجمهورية.. إذا كانت السياحة والاستثمار قد تأثرا سلبا فإن السبب في ذلك تدهور الحالة الأمنية. الشرطة المصرية غائبة منذ ستة شهور، ومن حقنا هنا أن نسأل: ماذا فعل المجلس العسكري من أجل استعادة الأمن حتى يستعيد الاقتصاد المصري عافيته؟!.. لماذا تركت الشرطة العسكرية المتظاهرين في قنا يقطعون خط قطار الصعيد لمدة أسبوع كامل؟!.. لماذا لم تتدخل الشرطة العسكرية أثناء هدم كنيسة أطفيح وأثناء حرق الكنائس في إمبابة؟!.. إن إقالة وزير الداخلية الحالي وإعادة هيكلة جهاز الشرطة من أجل تحقيق الأمن مطلب أساسي للثورة. ثامنا: لماذا يبقى حسني مبارك في شرم الشيخ، وهل من الطبيعي أن يختار المتهم المدينة التي يحب أن يحاكم فيها؟ هل صحيح أن حسني مبارك قد سافر إلى السعودية وعاد أكثر من مرة؟ لماذا لا نرى صورة واحدة له، وما هذه التقارير المتضاربة عن صحته؟ لماذا لا ينقل إلى مستشفى سجن طرة ويعامل كأي مسجون آخر؟ لماذا لا يسمح بزيارته كمتهم عادي؟ ولماذا لم يسمح لأعضاء اللجنة التي زارت جمال وعلاء مبارك برؤيتهما في السجن؟ أليس من حق المصريين أن يعرفوا الحقيقة؟ إن محاكمة حسني مبارك وأسرته بطريقة عادلة مطلب أساسي للثورة. هذه مطالب الثورة التي ينادي بها المتظاهرون في كل مكان.. كلها مطالب عادلة مشروعة، وكلها في يد المجلس العسكري أن ينفذها لكنه لا يستجيب.. إن الأزمة التي تعاني منها مصر الآن نتيجة طبيعية لسياسات المجلس العسكري التي اتسمت بالبطء والتخبط والتجاهل الكامل لما يريده المصريون. إن الطريق إلى مستقبل مصر يمر عبر تحقيق مطالب الثورة ولا يمكن بحال تأجيلها أو التهرب منها. أيها السادة أعضاء المجلس العسكري، هل أنتم حقا مع الثورة؟! الديمقراطية هي الحل.