كل اللحظات الكبرى في تاريخ البشرية خلقتها ثورات، لكنْ لم تتمخض عن كل الثورات لحظاتٌ كبرى.. وأغلب الثورات بدأت بشرارة أوقدها أناس بعضهم لا يعرفون معنى الثورة.. لكنْ لم تكنْ كل الثورات عفوية، إذ منها ما كان حصيلة تأطير وتخطيط ويستند إلى نظرية.. إنها ثورات أفراد ضد جماعات وثورات جماعات ضد مجتمعات وثورات مجتمعات ضد أقليات، مستضعَفين ضد طغاة... حدث هذا منذ غابر الأزمان وما يزال يتكرر اليوم في أزمنة وأمكنة غير متشابهة وتكاد تكون متناقضة، منها ما كان فاتحة تاريخ جديد، حيث ما بعدها قطيعةٌ مع ما قبلها، ومنها ما كان وظل خارج منطق التاريخ، مر كوقع الزر على الرمل لم يترك صدى، ومنها ما كان دمويا وعنيفا وقاسيا، ومنها أيضا ما كان سلسا وسلميا وهادئا، فمن «ثورة العبيد» على الإمبراطورية الرومانية، بزعامة سبارتاكيس، في القرن الأول قبل الميلاد، و«ثورة الزنوج» على خلفاء بني العباس، مرورا ب«ثورات الأحرار» في عصر الأنوار، وصولا إلى «الثورات الرقمية»، المعاصرة، التي «يكتبها» الشباب العربي اليوم، تتعدد أساليب الثورة والمنطق واحد: الرغبة في إرساء واقع جديد، الرغبة في التحرر والانعتاق... ثورة العبيد ضد روما قادها المصارع سبارتاكيس، وقضى عليها القائد الروماني نيوس بومبيوس، المعروف باسم «بومبي» عام 73 ق. م. وسبارتكيس هو العبد الذي خاض الثورة ضد الرومان، والتي سميت ثورة العبيد الثالثة (توفي في عام 71 ق. م.)، حيث أُسِر وبيع كعبد لأحد الرومان كانت لدية مدرسة لتدريب العبيد لاستخدامهم كممبارزين ومصارعين في حلبات خاصة تقام لأجل المتعة. ثار هو والعبيد الآخرين الذين كانوا معه. وألحقوا هزائم عديدة بالجيش الروماني إلى أن قتل في آخر معركة، وبموته انتهت الثورة وصلب العبيد الآخرون في الساحات العامة. بدأت حكاية سبارتاكوس عندما أنشأ لنتولس بتياتس (lentulus Batiates) في كبوا مدرسة للمصارعين، رجالها من الأرِقّاء أو المجرمين المحكوم عليهم، ودرّبهم على مصارعة الحيوانات أو بعضهم البعض، في حلبة الصراع العامة أو في البيوت الخاصة. ولم يكن ينتهي الصراع حتى يقتل المصارع. وحاول مائتان من هؤلاء المصارعين أن يفروا ونجح منهم 78، وتسلحوا واحتلوا أحد سفوح بركان فيزوف وأخذوا يُغِيرون على المدن المجاورة، طلباً للطعام. اختاروا لهم قائداً من أهل تراقية، يدعى سبارتاكيس (Spartacus)، الذي ولد في 109 قبل الميلاد وتوفي في 71 قبل الميلاد. ويقول فيه أفلوطرخس إنه «لم يكن رجلاً شهماً وشجاعاً فحسب، بل كان، إلى ذلك، يفوق الوضع الذي كان فيه ذكاء في العقل ودماثة الأخلاق». وأصدر هذا القائد نداء إلى الأرقاء في إيطاليا يدعوهم إلى الثورة، وسرعان ما التف حوله 70 ألفاً، ليس منهم إلا من هو متعطش للحرية وللانتقام. وعلمهم أن يصنعوا أسلحتهم وأن يقاتلوا في نظام أمكنهم به أن يتغلبوا على كل قوة. زرعت انتصارات سبارتاكيس الرعب في قلوب أثرياء الرومان وملأت قلوب الأرقاء أملاً، فهرعوا إليه يريدون الانضواء تحت لوائه، وبلغوا من الكثرة حداً اضطر معه أن يرفض قبول متطوعين جدد بعد أن بلغ عدد رجاله 120 ألفاً، لأنه لم يكن يسهل عليه أن يُعنى بأمرهم. صار بجيوشه صوب جبال الألب، وغرضه من هذا «أن يعود كل رجل إلى بيته، بعد أن يجتاز هذه الجبال». ولكن أتباعه لم يكونوا متشبعين، مثله، بهذه العواطف الرقيقة السليمة، فتمردوا على قائدهم وأخذوا ينهبون مدن إيطاليا الشمالية ويعيثون فيها فساداً... أرسل مجلس الشيوخ قوات كبيرة، بقيادة القنصلين، لتأديب العصاة. والتقى أحد الجيشين بقوة منهم كانت قد انشقت على سبارتكيس وأفناها عن آخرها. وهاجم الجيش الثاني قوة العصاة الرئيسية فهزمته وبددت شمله. سار سبارتكيس، بعدئذ، صوب جبال الألب والتقى في أثناء سيره بجيش ثالث يقوده كاسيوس فهزمه شر هزيمة، ولكنه وجد جيوشا رومانية أخرى تقف في وجهه وتسد عليه المسالك فولى وجهه شطر الجنوب وزحف على روما. وكان نصف الأرقاء في إيطاليا متأهبين للثورة، ولم يكن في وسع أحد في العاصمة نفسها أن يتنبأ متى تنشب هذه الثورة في بيته. وكانت تلك الطائفة الموسرة المترفة، التي تتمتع بكل ما في وسع الرق أن يمتعها به، ترتعد فرائصها خوفا حين تفكر في أنها ستخسر كل شيء: السيادة والملك والحياة نفسها. ونادى الشيوخ وذوو الثراء بقائد قدير، ولكن أحداً لم يتقدم للاضطلاع بهذه القيادة، فقد كان القواد كلهم يخافون هذا العدو الجديد العجيب، ثم تقدم كراسيس (crassus) في نهاية المطاف وتولى القيادة، وكان تحت إمرته 40 ألفاً من الجنود، وتطوع كثير من الأشراف في جيشه، لأنهم لم ينسوا كلهم تقاليد الطبقة التي ينتمون إليها، ولم يكن يخفى على سبارتكيس أنه يقاتل إمبراطورية بأكملها وأن رجاله لا يستطيعون أن يصرفوا شؤون العاصمة بله الإمبراطورية نفسها إذا استولوا عليها. فلم يعرّج، في زحفه، على روما وواصل السير حتى بلغ ثورياي، مخترقاً إيطاليا كلها من شمالها إلى جنوبها، لعله يستطيع نقل رجاله إلى صقلية أو إلى إفريقيا. وظل، سنة ثالثة، يصُد الهجمات التي يشنها عليه الرومان، ولكن صبر جنوده نفذ وسئموا القتال، فخرجوا عليه وعصوا أوامره وأخذوا يعيثون فساداً في المدن المجاورة. والتقى كراسيس بجماعة من أولئك النهابين وفتك بهم، وكانوا 12 ألفاً و300، ظلوا يقاتلون إلى آخر رجل فيهم. وفي تلك الأثناء، كان جنود بمبي قد عادوا من إسبانيا فأرسلوا لتقوية جيوش كراسيس، وأيقن سبارتكيس أنْ لا أمل له في الانتصار على هذه الجيوش، فانقض على جيش كراسيس وألقى بنفسه في وسطه، مرحباً بالموت وسط المعمعة. وقتل بيديه ضابطان من ضباط المئين، ولما أصابته طعنة ألقته على الأرض وأعجزته عن النهوض ظل يقاتل وهو راكع على ركبته إلى أن مات وتمزق جسمه.. ولم يعد ممكنا أن يتعرف عليه أحد. وهلك معه معظم أتباعه. وفر بعضهم إلى الغابات وظل الرومان يطاردونهم فيها وصلب ستة آلاف من الأسرى في الطريق الأبياوي، الممتد من كبوا إلى روما. وتركت أجسامهم المتعفنة على هذه الحال عدة شهور، تطميناً لجميع السادة وإرهاباً لجميع العبيد. ولد سبارتاكوس (Spartacus) عام 109 ق. م. ومات في 71 ق. م.) كان عبدا «غلادياتور» رومانىا قديما واستطاع أن يقود واحدة من أشهر الثورات التي قام بها العبيد ضد أسيادهم في العالم القديم «الحرب الغلادياتورية (Gladiatorial War). ويعتبر إلى حد الآن مصدر الهام لأناس كثيرون وتمثيلا حيا لقيم نبيلة، كالحرية ورفض الظلم والتضحية بالنفس في سبيل تحقيق أهداف سامية. المعلومات المتوفرة عن سبارتاكيس قبل أن يقوم بالثورة قليلة جدا، وليست هناك تفاصيل كثيرة، غير أنه ولد في تراكي (Thrace) التي توجد حاليا في شبه جزيرة البلقان، ويقال إنه كان عسكريا (أو مرتزقا) في الجيش الروماني وإنه هرب وألقي عليه القبض وبيع كعبد وحمل على مدرسة المقاتلين (الغلادياتور) المشهورة في كابوا (شمال نابولي -إيطاليا). في سنة 73 قبل الميلاد، استطاع سبارتاكيس أن يحرر نفسه هو و70 من زملائه العبيد بالسكاكين التي استولوا عليها من مطابخ المدرسة، حيث هربوا من أسيادهم وتحصنوا في جبل «فيزوفيوس»، وتبعه آلاف العبيد الذين سمعوا قصته وتشجعوا على أن يكسروا قيودهم. ويقال إن عددهم وصل إلى 100.000 عبد فأسسوا جيشا رهيبا استطاع أن يهزم الجيش الروماني في أكثر من معركة تحت قيادة سبارتاكيس. في سنة 72 (ق. ع. ح.) زحف سبارتاكيس بجيشه على بلاد الغال (وتضم حاليا فرنسا وشمال إيطاليا وهولندا) وبعدها غير اتجاهه وزحف على الجنوب نحو صقلية، حيث تمكَّن من السيطرة على معظم جنوب إيطاليا. وقد رغب في أن يقطع شمال إيطاليا من ناحية الألب، لكن الثوار الذين معه رفضوا، فرجع على لوسانيا. وألحقت ثورته هزائم متوالية نالت من «كرامة» الجيش الروماني وهددت هيبة روما نفسها، مما سبب إحراجا كبيرا لروما ولمجلس الشيوخ، الذي أراد أن ينهي هذه الثورة بأي طريقة، فكلفوا الجنرال ماركوس ليسينيوس كراسوس (Marcus Licinius Crassus) فقاد جيشا نظاميا ضخما اتجه به إلى الجنوب، ليقضى على الثوار العبيد، الذين كانوا يعتمدون على حرب العصابات كتكتيك أساسي. نجح سبارتاكيس في أن يخترق التحصينات الرومانية ويهرب بجيشه أكثر ناحية الجنوب. تدخل جيش بومبي وطارد الثوار العبيد الذين هربوا إلى الشمال. واستطاع كراسيس، الذي استمر في مطاردتهم حتى حاصرهم في لوكانيا، وهناك نجح الجنيرال الروماني في هزم الثوار وقتل قائدهم سبارتكيس وصلب أكثر من 6000 عبد من الذين تم أسرهم في المعركة