كان المذيع قد بدأ حواره مع شاهد العيان بمناداته ب(أخ أبو عبدو)، وما إن هم بطرح السؤال عليه حتى صرخ شاهد العيان في وجه المذيع: (لا تقل لي أبو عبدو... أنا اسمي فلان ومن بيت فلان بحماة... حاجة بقى نتخبى)، صرح شاهد العيان باسمه الحقيقي غاضبا وكأنه أراد أن يتحدى الأسماء المستعارة التي يظهر بها بعض شهود العيان للحديث عن الشأن السوري على شاشة المحطات الفضائية. لا أحد يدري ماذا حدث لشاهد العيان الشجاع الذي صرح باسمه الحقيقي على شاشة واحدة من الفضائيات التي يصنفها النظام السوري ب(فضائيات التحريض والفتنة)، وقال ما قاله من وقائع ينكر الإعلام السوري حدوثها، ولا أحد يعلم إن كان حيا أو ميتا... حرا أو معتقلا في فرع أمن يحتمل أن يتحول فيه بمهارة فائقة من شاهد إلى شهيد، لكن الجميع يعلم بالتأكيد أن الإدلاء بشهادة لإحدى الفضائيات تناقض رواية العصابات المسلحة والإرهابيين والسلفيين والمندسين، ليست مزحة ولا لعبة، وهي ليست نشاطا اجتماعيا للتعبير عن رأي في برنامج (سيرة وانفتحت) مع زافين، أو للدردشة والتباسط مع معتز الدمرداش في (تسعين دقيقة) أو لبث الشكوى الوطنية والوجدانية مع الست منى الشاذلي في (العاشرة مساء)... بل هي باختصار عمل انتحاري متهور، لا يقل خطورة عن السير على حبل ممدود بين حافتي ناطحتي سحاب متجاورتين، أو القفز المظلي من مروحية عسكرية في حقل ألغام دون أي سابق خبرة أو تدريب، أو رمي سيجارة مشتعلة قرب خزان وقود... فشاهد العيان معرض للملاحقة والاعتقال والاستهداف في الحياة والممتلكات والأهل... وهو إذا ظهر باسم مستعار، يتلقى نيران التشكيك من رشاشات (الدنيا) الأوتوماتيكية ومدفعية (التلفزيون السوري) الثقيلة وبندقية صيد (الإخبارية السورية)، وإذا ما ظهروا بأسمائهم وشخصياتهم الحقيقية تمت مطاردتهم واعتقالهم، فأنس الشغري ابن مدينة بانياس ما زال معتقلا منذ أكثر من شهرين لأنه قدم (باسمه الصريح) شهادة عيان على ما كان يجري في بانياس، والأستاذ نجاتي طيارة مازال قيد الاعتقال منذ أسابيع عدة لأنه كان يرد على اتصالات المحطات الفضائية به ويشهد، بشحمه ولحمه، على ما يجري لمدينته حمص على أيدي الشبيحة وأجهزة الأمن. وهناك العشرات من الذين أدلوا بشهادات لمحطات فضائية تم اعتقالهم بتهمة (التخابر مع محطة فضائية)، وهي ليست مزحة عند أجهزة الأمن، وفي ظل نظام يستطيع أن يبتدع نصا في قانون العقوبات في القرن الحادي والعشرين اسمه (تهمة التخابر مع محطة فضائية)، وهذه ليست مزحة وإن كانت تبدو كذلك! شهود العيان في المحطات الفضائية ليسوا هواة حب الظهور أو من المصابين بإدمان الثرثرة على الهاتف... إنهم أشخاص يستغيثون وينقلون استغاثات أهلهم وإخوتهم في مدن وقرى محاصرة... أو يهددها الحصار بحمام دم وعمليات دهم واعتقال... نعم قد يرتبكون، وقد ترتجف أصواتهم، وقد يرتبكون إذا ما سئلوا عن أماكن وجودهم بدقة خشية من تعقب أجهزة الأمن، وقد سبق لشهود عيان أن اعتقلوا عبر تسريب أرقامهم من قبل عملاء للنظام السوري داخل محطات عربية، وأعرف شخصيا أكثر من محطة باتت تتعامل مع أرقام شهود العيان التي ترد عليها بسرية تامة خشية وصولها إلى أيدي أجهزة الأمن السوري التي جندت بعض العاملين في تلك المحطات من أجل أن يجهزوا على آخر منفذ أمل أمام صوت يصرخ ويستغيث وهو يرى أبناء مدينته وقريته يموتون أمام عينيه، أو وهو يرى إعلام بلده يكذب إلى درجة القهر ويزوّر آلام الضحايا إلى درجة تجريم الشهداء وقتل القتيل والمشي في جنازته... وهذه ليست مزحة أيضا. كل من ينتقد ارتباك أو ضعف أداء شهود العيان عليه أن يعود إلى ضميره المهني قبل الأخلاقي ليسأل: لو سمحت السلطات السورية بدخول مراسلي المحطات الفضائية، لنقل ما يجري على أرض الواقع، هل كان سيكون لشهود العيان أي دور؟! إن هذا التعتيم الإعلامي الجائر، الذي لم نر له مثيلا في أي أحداث مماثلة، يجعل شاهد العيان حلا وليس خيارا... حل قد لا يتمتع بالمهنية الكافية، ولا يعرف كيف يتعامل مع الأسئلة المتلاحقة أحيانا، ولا يتحدث العربية الفصحى بلا أخطاء... لكنه يعرف جيدا أن ما يجري لا يمكن السكوت عليه، لأن من يُستهدفون هم أهله وإخوته، ومن يُقتل هم أبناء وطنه، وما يُهدم هو بيته وبيوت جيرانه... فهل عليه أن يجلس صامتا حتى لا يأتي من يصطفون في صف القتلة لكي يداعبوه بدعابتهم السمجة: شاهد عميان... أم إن العميان حقاً هم عميان البصائر والقلوب الذين وهبوا أنفسهم وأقلامهم وقنواتهم الفضائية كي يغطوا على الحقائق، ويزرعوا وردا فوق تراب المقابر الجماعية! الانتخابية المصرية.. ماركة مسلجة لثورة مصر! أغرب أو أطرف فضائية من نوعها أنجبتها ثورة مصر، فضائية اسمها (الانتخابية المصرية)، هذه الفضائية وضعت أسماء من يرشحون أنفسهم لانتخابات الرئاسة المصرية ومقاعد مجلس الشعب المصري وصورهم، وراحت تستقبل رسائل إس أم إس من أجل التصويت لهم... وإلى جانب هذا النشاط الانتخابي الذي تموله رسائل الموبايل، نشطت الفضائية الانتخابية كي ترصد آراء الناس في استطلاعات عشوائية في الشارع عن مواصفات الرئيس الذي يريدونه... وها هنا نرى دراما من نوع خاص بطلها رجل الشارع الذي يتحدث في زمن الحرية بلا رقيب ولا حسيب، فعمرو موسى، في رأي أحد هؤلاء، من رجال العهد السابق (ما هو كان وزير خارجية وعارف كل حاجة)، والبرادعي (لأ... ده برنامجه مش واضح)، وأيمن نور لا يستحق أكثر من 6 في المائة (ده لو طلع له)، ويأتي رجل غاضب ليحدد مواصفات الرئيس المطلوب: (إحنا عايزين الريس اللي يجري ورا الشعب... مش الشعب يجري وراه). ولا تقصر (الانتخابية المصرية) في عرض الأغنيات الوطنية، يتخللها بين الحين والآخر إعلان عمر سليمان تنحي مبارك... كلحظة فارقة، إذ لولا هذه اللحظة لما ولدت هذه الفضائية أصلاَ! حقا عجايب زمن الحرية لا تنتهي... وهي عجائب سنرى الكثير منها على لائحة البث الفضائي، كتعبير عن زمن يولد من جديد بطرافته وتجهمه... لكن أين من طرافة أو تجهم زمن الحرية، ذلك التجهم الأسود الذي يسمم كل مناحي الحياة في زمن الاستبداد! طالب إبراهيم: البارجة الألمانية وروايات أخرى! صاحب رواية (البارجة الألمانية التي هاجمت السواحل السورية لدعم الجماعات المسلحة، ووقعت في فخ نصبته لها مخابرات الجيش السوري) المحلل السياسي طالب إبراهيم، والذي قدم هذه الرواية في محاضرة في بانياس، سجلها لها بالصوت والصورة ناشطون ونشروها على اليوتيوب كفاصل ترفيهي لمن يحب أن يروّح عن نفسه قليلا، هذا المحلل السياسي، الذي يسافر في دنيا التشبيح السياسي وزاده الوهم والخيال، يتحدث في برنامج (بانوراما) على قناة «العربية» ليتهم مراسلها يوسف الشريف، وهو واحد من أفضل مراسلي «العربية» وأكثرهم توازنا ومهنية بلا استثناء، بأنه كان يمشي في مؤتمر أنطاليا مع ضابطة استخبارات إسرائيلية من الموساد، وعندما علقت منتهى الرمحي، باسمة، على هذه الرواية التي تشبه رواية البارجة الأمنية، أكد طالب إبراهيم بعد أن أدرك أن وقت البرنامج قد انتهى أن لديه دلائل على هذا الاتهام... أما السيدة منتهى فقد وعدت باستضافة يوسف الشريف لتسأله عن الأمر... وبما أنني أعرف أن طالب إبراهيم لن يفي بوعوده ويقدم لنا الدلائل التي بحوزته... فإنني أتمنى من منتهى الرمحي أن تفي بوعودها وتستضيف يوسف الشريف، علنا نفهم منه سر انكشاف أمره أمام طالب إبراهيم، دون خلق الله أجمعين، بمن فيهم الثلاثمائة شخص الذين حضروا مؤتمر أنطاليا وعشرات الإعلاميين الذين غطوه!