في كتاب «القوة» لروبرت غرين (The 48 Lawes of Power) عند القاعدة 15 يصوغ هذا القانون في (لعبة شطرنج القوة) على الشكل التالي: (اِسحق عدوك سحقا كليا: لقد عرف كل القادة العظام أن العدو المرهوب يجب سحقه بصورة كاملة. وكانوا يتعلمون ذلك أحيانا بالطريقة الصعبة والتجربة المريرة، فإذا تركت جمرة واحدة مشتعلة مهما كان احتراقها داكنا خافتا، فإن نارا ستندلع منها في آخر الأمر، ذلك أن التوقف في وسط الطريق يؤدي إلى خسارة ما هو أكثر مما لو كانت الإبادة كلية، فالعدو سوف يتعافى وسيبحث عن الانتقام فاسحقه...). اسحقه... واسحقه سحقا كاملا، ليس بالجسد وتفتيت العظام وذرها في الريح والرغام، بل اسحقه روحيا فلا يبقى له أثر. في تدمر في الثمانينيات، قتل عشرات الآلاف شر قتلة. ويقسم لي من كان في المهجع ستة أنه عاصر يوما لا ينساه من حضور ثلاث مشانق طيارة، فكانوا يخرِجون الشاب بتبان قد أغلقوا فمه بلاصق، فيضعون الحبل حول عنقه ثم ينترونه فيطير في الهواء ويلعبط ويتشنج ويترجرج ماطا رجليه مع خروج الروح مثل موت الضفادع بالضربة الساحقة، فيأتي العتل الزنيم ضاحكا فيتعلق بالجثة كي تنخلع الرقبة تماما، فيأتي طبيب الإجرام ليقول قد سلم الأمانة! فيرمونهم فوق بعض في سيارة مفتوحة تحتشد فيها جثث خيرة شباب سوريا ليقبروا جماعيا. يقول النزيل: أقسم بالذي فطرني أنه استمرت المشانق تعمل بكل الطاقة حتى غروب ذلك اليوم، أما عدد من شنق فلا أعلم، ولكنها كانت وجبة مفعمة بأرواح المئات الغاصة بالأنات.. ونسمع هذه الأيام عن فظاعات من هذا القبيل لمشانق في سجن صيدنايا بدون محاكمات، ففي تدمر كان هناك قضاة مجرمون من أمثال بهجت سلمان! أما في صحنايا فزبانية جهنم. كانت غلطة حافظ الأسد في شتاء عام 1982 كبيرة حين مسح نصف مدينة حماة وأبقى النصف! وهذه الغلطة سوف يحاول ابن حافظ الأسد إصلاحها متأخرا، فالآن ليس مسح نصف المدينة براجمات الصواريخ بل كامل المدينة، فهذا ما كان يجب أن يفعله الأسد الأب فأخطأ، وترك بذلك هذه المهمة بكل أوزارها للأسد الشبل! ولسوف يقوم الابن بعدم تكرار هذه الخطيئة والخطأ.. هذه المرة، سوف يحاول الابن إصلاح خطأ الأب ومعه روح القدس من قم ولبنان بمسح مدينة حماة من خارطة الوجود، معتمدا تنزيل النص المقدس لوزير الخارجية المعلم: لنعتبر أن حماة غير موجودة على الخارطة. فهذه هي مفردات قاموس حزب البعث! ولكن هل هذا ممكن مع التكنولوجيا الحديثة؟ الجواب في مقولة فيرنر هايزنبيرج، الفيلسوف والفيزيائي الألماني، حين ذكر لصديقه إنريكو فيرمي، وهو يتوقع هزيمة هتلر قبل اندلاع الحرب: ولكن كيف؟ قال هايزنبيرج: ولكن متى كانت الحرب عقلانية..؟ إن منظر المذبوح القاشوش في حماة يقول إن الغرائز الوحشية البدائية هي التي انطلقت وتتحدث.. نحن نجن في سوريا ونفقد عقولنا، وما أخشاه أن تعم حفلة الجنون كل الأطراف.. إن 300 ألف قتلوا في البوسنة مع وجود التقنيات الحديثة، فما المانع من تكرارها على يد صرب سوريا! لقد مسحت نصف مدينة النواعير في شتاء عام 1982م ولم تخرج صورة واحدة للسطح مذكرة بهيروشيما سورية، حيث لم تخرج أيضا سوى ثلاث صور من هيروشيما. أما حماة فلا صورة، وهي غلطة المعارضة بقدر إتقان عمل الأسد الأب بالذبح في الظلمات. ويقول المسيري عن غلطة بني صهيون إنها ارتكبت هذا اللون من الخطأ القاتل، فلم تنظف فلسطين من كل وجود عربي فتبقي على النقاء العرقي من بني صهيون فوق أرض فلسطين، واليوم عدد عرب 1948 يزيد عن مليون! كان على بني صهيون والأسد الأب أن يفعلوا ما فعله هانيبال في معركة «كاناي» مع روما، فلا يرجع سوى واحد بالخبر بعد ذبح ثمانين ألفا مثل لحم السلامي! ثم أخطأ هانيبال في عدم مسح روما، ولم تكن غلطته بل غلطة الطبقة الأوليجاركية في قرطاج التي لم تمد هانيبال بمزيد من الجند! فاستفادت روما من الدرس فمسحت مدينة قرطاج، فهلك بالسيف والنار 450 ألفا من الأنام، وساقت روما بعدها خمسين ألفا ممن تبقى من العبيد إلى أسواق روما للبيع والتسلي والخدمة. لقد مسحت روماقرطاج وحرثتها بالمحراث! كان على الأسد الأب أن يفعل هذا مع حماة فيحرثها بالمحراث ويقول قولة المعلم: لنعتبر أن حماة غير موجودة على الخريطة! ولكنه أخطأ! واليوم، تتعافى حماة ويخرج نصف مليون يتحدَّون نظام الأسد الصغير الذي يكشر عن أنيابه ويبرز مخالبه. درس قرطاجنةوروما أتقنه جنكيزخان مع باميان في إيران، فقتل كل متحركٍ ولو كان اهتزاز نبات وزحف حشرة ونفس رضيع. وفعل مثل ذلك تيمورلنك مع حلب، وترَك أصفهان منارات من الجماجم. وفعل مثل ذلك ستالين باقتلاع شعب الشيشان بكامله من أرضه وحمله في شاحنات وإلقائه في سيبيريا ليهلك نصفه، فهل من غرابة في ولادة دافيدوف من رحم المأساة؟ يذكر بيتر شو لاتور، الكاتب الألماني، أنه كان في حماة في مجزرة 1982م وقد ارتفعت صورة هائلة للوحش الكبير فوق أكوام الجثث، في ذلك الشتاء القبيح قال: لقد عرفت لماذا حرم الإسلام الصور؟ حماة بين فبراير 1982م ويوليوز 2011م.. ماذا يمكن أن يحصل مع المعركة الثانية فيها؟ إنني أتوقع مجزرة جديدة يتكرر فيها ما حصل في درعا على أبشع وأفظع، ربما سيقتل ألف أو أكثر من الحمويين الذين أصبحوا في وجه العاصفة بجنب نهرهم العاصي، ولكن هل ستكون نتيجة المعركة الثانية مع الأسد الصغير مثل معركتهم السابقة مع الأسد المفترس الكبير؟ أذكر جيدا ثورة إيران في وجه الشاه، وهو درس عجيب من انقلاب الأدوار فبعد أن كانت ثورة تحولت إلى حرس وملالي يستقبلون تشاوسيسكو ويدعمون صديقه الأسد، وهذا يحكي قصة انقلاب الأدوار في التاريخ من تحول الضحية إلى طاغية والعكس بالعكس. كان ذلك في إيران في 8 غشت 1979م وقد بلغت الثورة ذروتها، فخرج الشاه بالحوامات يحصد المظاهرة المليونية من عل، وسقط يومها حوالي 4500 شخص، منهم 600 امرأة، ولم تعد مشافي طهران تتسع للجثث، فضلا عن عشرات الآلاف من المجروحين.. هذا ما سيحصل في حماة وستكون ذروة الثورة السورية، تماما مثل مخطط انتفاض القلب، يصل إلى الذروة وبعدها الانخفاض، أو مخاض الحامل بعد موجة من التقلصات تزداد شدة واقترابا إيذانا بالوليد الجديد، هذا ما سيحصل مع مواجهة حماة الثانية حين يقتل الرقم الكبير بيد المفلح بدون فلاح الرأس الأمني الجهنمي للعملية، ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله، ينصر من يشاء وهو العزيز الحكيم، وتكون بشارة بأفول نجم الدولة الأسدية في بلاد الشام. من المهم جدا للثورة في سوريا أن تتحمل قربان الدم فتُقُبِّل منها ولم يتقبل من الآخر الذي قال لأقتلنك.. قال الحموي لئن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك إني أخاف الله رب العالمين.. هل سيحصل في يوليوز 2011 في يوم جمعة نصرة حماة (يقصد أمس) ما حصل في 8 غشت من عام 1979م في طهران فتكون الذروة مؤشرا على نهاية الحمى البعثية في الجسم السوري المنهك بالطاعون الحزبي والجذام الطائفي وإيدز الحكم العائلي.. أنا متفائل، وأرجو أن يتراجع النظام ويتعلم من درس التاريخ، وتنجو حماة من المذبحة القادمة.. ولكن التاريخ يقول لنا دوما إنه جسر من الآلام فوق نهر من الدموع.