هناك قاعدة ذهبية يعرفها جيدا خبراء التسويق وعباقرة الماركوتينغ وجهابذة التواصل: «لامبالاج» لا يقل أهمية عن البضاعة التي داخله، بل أحيانا يكون أهم منها... لذلك تتبارى المحلات الراقية في تنميق الأكياس التي توضع فيها الملابس، ويحرص أصحاب المطاعم الفاخرة على طريقة التقديم أكثر من حرصهم على الأكل، وفي النهاية يربحون أضعاف ما يجنيه مطعم شعبي يقدم وجبات لذيذة على مائدة وسخة. حتى وإن بدت العبارة غريبة بعض الشيء، فإن «الشكل أحيانا هو المضمون»، كي نستعمل معجما يفهمه عشاق الشعر والشعارات، الذين يهمنا أمرهم في هذا العمود ماداموا يمثلون، مع شعاراتهم، «الشكل» الذي نود الحديث عنه، أما «المضمون» فيمثله «الدستور كوثيقة قانونية، هذا طبعا إذا سلمنا بأن هناك شيئا «مضمونا» في هذه البلاد! مع ذلك سطّرْ على المضمون رجاء: الدستور حظي بتأييد أكثر من ثمانية وتسعين في المائة من الأصوات، حسب أرقام الطيب الشرقاوي... هذا هو المضمون، أما الشكل فهو كالتالي: كي تصل إلى هذه النتيجة، «جيشت» الدولة حشودا من «الشماكرية» وقطاع الطرق وأصحاب السوابق وأخرجهم في تظاهرات مقرفة، رافعين الرايات وصور الملك في مشاهد اعتقدنا أننا شيعناها في مقبرة المغرب القديم مع إدريس البصري... لاعتبارات لا تتطلب كثيرا من الشرح، لا يمكن أن نفصل البضاعة عن «لامبالاج» في الاستحقاق الذي شهدته بلادنا يوم الجمعة الماضي، الوثيقة الجديدة مثل سالفاتها تخضع لسلطة التأويل، وتحتوي على بنود يمكن أن تلغي بنودا أخرى تبدو متقدمة حين تأخذها بشكل معزول، لذلك فإن الوجه الحقيقي للدستور هو الحملة التي خاضتها الدولة للتصويت عليه، لأن الوثيقة في النهاية مجرد تعاقد لا يساوي «بصلة» إذا لم تطبق بنوده، ومن يلجأ إلى «الشماكرية» لتمرير «نعم»، قادر على تجميد تطبيق الدستور وتركه حبرا على ورق. لقد رأيتهم بأم عيني في شارع محمد الخامس بالرباط: أشخاص هائجون يهتفون باسم الملك، يشتمون حركة العشرين من فبراير بشكل هستيري، يحملون لافتات كتبت لهم بعناية تنهش في أعراض قادة «العدل والإحسان» وتحرّض على أعضاء الجمعية المغربية لحقوق الإنسان وقادة اليسار الرافضين للدستور... في مشهد يدعو إلى القلق على السلم الاجتماعي في هذه البلاد. لنقلها بصراحة: الطريقة «الوسخة» التي تريد بها الدولة دفن حركة العشرين من فبراير، تعكس أن التعديل الدستوري كان مجرد مناورة للالتفاف على غضب الشارع، وأن الاستفتاء لم يكن توجها صادقا نحو المستقبل، بقدرما كان ردا تاكتيكيا على وصول عدوى الثورات العربية إلى المملكة. توسيع صلاحيات رئيس الحكومة، وترسيم الأمازيغية، ورفع القداسة ولو لفظيا عن الملك... كلها مكتسبات لا يمكن لأحد أن ينكر أهميتها، لكن من الصعب أن تثق في تعاقد يدافع عنه أشخاص لا يفرقون بين «تعديل الدستور» و«تعديل جوان»!