في ثانوية «سحنون»، أدلى محمد المغراوي، رئيس جمعية الدعوة إلى القرآن والسنة، بصوته صبيحة أمس الجمعة. وقد امتنع المغراوي، الذي كان مرفوقا بأحد أفراد عائلته ومقربيه، عن الدخول إلى المعزل عندما طلب منه المسؤول عن مكتب التصويت ذلك، على اعتبار أن شيخ سلفيي المغرب حسم في أمر تصويته بوضع ورقة «نعم» داخل الظرف، ورد المغراوي على المسؤول عن المكتب رقم 169 بأن «هذا العمل الذي نقوم به ديانة»، قبل أن يسأله عن جدوى المهرجانات التي تم تنظيمها لتحفيز المواطن على التصويت ب«نعم»، ويضع ورقة الموافقة على الدستور داخل الظرف أمام أعين المراقبين ويودعها داخل الصندوق. «عيد» المغاربة حركة غير عادية عرفتها مؤسسة تعليمية في منطقة حي «الازدهار» صباح أمس الجمعة.. نساء من مختلف الأعمار يلجن المؤسسة التعليمية والبسمة تعلو وجوههن، وكأنهن متوجهات إلى عرس أو مناسبة سارة. «راه اليوم عيد المغاربة والمسلمين»، بهذه العبارة لخصت «ربيعة»، أستاذة في السلك الثاني، حالة الفرح التي تغمرها وهي تدخل القاعة المخصصة للتصويت ب«نعم» أو «لا» على مشروع الدستور الجديد. يوم الجمعة «عيد المسلمين»، كما هو معروف ومتداول، وهذا الأمر يبدو عاديا ومعلوما، لكن «عيد المغاربة» في رأي ربيعة -التي جلبت معها ابنتها «سمية» التي تتابع دراستها بالسنة الأولى في كلية الحقوق بجامعة القاضي عياض إلى مكتب التصويت للإدلاء بورقة «نعم» لفائدة الدستور الجديد- «يتمثل في الاحتفال اليوم (أمس الجمعة) بالدستور»، متوقعة أن يتم التصويت الإيجابي عليه بنسبة تفوق 70 في المائة. في المؤسسة التعليمية نفسها حيث الحركة كانت غير عادية، تحلقت مجموعة من النساء والفتيات البالغات سن التصويت حول «ربيعة» التي كانت بصدد شرح كيف سينهض الدستور بأوضاع المرأة، وأنه بعد إقرار هذا الدستور «إن شاء الله» يبقى «الدور عليكن من أجل النضال لتثبيت هذه الحقوق وتنزيلها على أرض الواقع»، تؤكد ربيعة أمام النسوة محاولة تحسيسهن بالدور المطلوب منهن لعبه مستقبلا. مبروك علينا هاذي البداية.. بالقرب من شارع آسفي، تعالت شعارات بعض الشباب المؤيد للدستور.. كانت ثمة قافلة تضم حوالي خمس دراجات نارية، على متنها شباب يرتدون أقمصة بيضاء (تيشورتات) كتبت عليها عبارة «نعم للدستور من أجل حياة أفضل». وظلت أفواج من المواطنين (أغلبهم شباب ونساء) تجوب شوارع المدينة الحمراء على إيقاع الهتاف بعبارة: «هي هو.. مبروك علينا هاذي البداية مزال مزال». مكاتب عديدة وفي حي الداوديات، اضطر كثير من المواطنين إلى التنقل بين عدد من مكاتب الاستفتاء قبل معرفة المكتب الذي سيؤدون داخله واجبهم الوطني بالتصويت على أول دستور في العهد الجديد، وذلك راجع، حسب المواطنين أنفسهم، إلى كون الجهات المعنية لم تحدد بدقة مكاتب التصويت حسب العناوين، كحال سيدة عجوز، في عقدها الثامن، وجدت نفسها مضطرة إلى قطع مسافة أخرى، بعد أن حضرت إلى المكتب الأقرب من محل سكناها، والذي تعودت على التصويت فيه كلما حل موعد انتخابي، لكن المنظمين هناك أخبروها بأن اسمها غير موجود ضمن اللائحة التي يتوفرون عليها، دون أن ينفوا، في حديث إلى «المساء»، أن مجموعة من البطائق وقعت فيها أخطاء تتعلق بأرقام مكاتب التصويت. إلى ذلك، شهدت مكاتب الاستفتاء على مشروع الدستور الجديد في مختلف أحياء مدينة مراكش، إلى حدود منتصف أمس، إقبالا ملحوظا من قبل المواطنين من مختلف الفئات العمرية. ورغم ارتفاع درجة الحرارة في المدينة الحمراء، فإن الرغبة في تأدية الواجب الوطني جعلت آلاف المراكشيين ينتظرون دورهم لقول كلمتهم في أول دستور في عهد الملك محمد السادس. كما عملت الجهات المسؤولة على توفير طاقم بشري وأمني مهم حتى تمر عملية الاستفتاء في ظروف جيدة. وفي تصريحات استقتها «المساء»، عبر عدد من المواطنين، الذين توجهوا إلى مكاتب الاستفتاء منذ الساعات الأولى من يوم أمس الجمعة، عن أملهم في أن يحقق الدستور الجديد تطلعات الشعب المغربي في مجال الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وضمان مبدأ تكافؤ الفرص بين المواطنين، من أجل ترسيخ مبادئ وآليات الحكامة الجيدة، وتحقيق العدالة الاجتماعية والعيش الكريم لكل المواطنين دون تمييز، واستكمال بناء دولة الحق القانون. وعلق أحد المشاركين في الاستفتاء بعد خروجه مباشرة من مكتب التصويت قائلا: «خرجنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر»، متسائلا عن مرحلة ما بعد الدستور التي تحتاج من المغاربة جميعا إلى الانخراط بشكل إيجابي في مسلسل الإصلاح، «حتى لا نفوت على المغرب فرصة التنمية الحقيقية المنبنية على مبدأ الحكامة الجيدة»، يضيف المتحدث.