صرخت إحدى السيدات، التي كانت عند مدخل شارع الدارالبيضاء بمدينة وجدة «أعباد الله عتقو الروح. الولد قتلوه..». تجمهر العديد من المواطنين والمارة صباح ذلك اليوم حول فريد الذي كان مطروحا أرضا بعد أن كست جسده الدماء. كانت عيناه مغرورقتين بالدموع وكان يسعل بصعوبة. بعد ذلك سقطت يداه من فوق صدره. بدأ جسد فريد يرتجف حين صاح أحد المواطنين من وسط الجمع المحيط به «شهّدوا ليه مسكين، راه يموت». وهو ما فعله أحدهم قبل أن تلتحق سيارة الإسعاف، التي لم تجد ما تسعفه. صحبة السوء والمخدرات الكل يعرف فريد: سكان الحي وأصحاب الدكاكين والمحلات التجارية المصطفة ب»روت كازابلانكا». كان يتخذ له مكانا بإحدى عتبات الدكاكين المغلقة حيث يبيع السجائر بالتقسيط. كان شابا في مقتبل العمر، لا يتجاوز عمره الخامسة والعشرين سنة، معتدل القامة، ضعيف البنية، هادئ الطبع، محبا للحديث وشغوفا بسيجاراته التي يعمل جيدا على «بَرْمِها» بعد ملئها بمخدر الشيرا. كان لا يستقر له «المجاج» صباحا عند خروجه من بيت والديه من حي كولوش البعيد عن مقر نشاطه اليومي إلا بتدخين لفافة أو اثنتين. في أحد المساءات أمسكه أحد الأشخاص من كتفه وطلب منه سيجارة. التفت فوجد أحد شبان الحي المعروف بتعاطيه المخدرات، رغم ما يقال عنه بأنه «تاب» في الآونة الأخيرة. رفض فريد أن يعطي السيجارة لغريمه، الذي يدعى سعيد، والذي طالما أمضى معه ليالي في شرب الخمر وتدخين السجائر الملفوفة. ليلة السيجارة الخبيثة كان سعيد معروفا بسوابقه العدلية وكان سيء الطبع متقلب المزاج، حاد الطبع وعديم التواصل، ولم يكن يحب أن يتحداه أحد من الأنداد ولا أن يُقابل طلبه بالرفض. كان الغضب يتقد في عينيه وأحس بالمهانة، هو الذي يضرب له ألف حساب في المجالس والمقاهي.لكن فريد ظل يجابهه بالرفض واللامبالاة كلما كرر طلبه، فانصرف سعيد في النهاية منكسرا يجر أذيال الخيبة. جريمة الحقد والضغينة التحق فريد كعادته بمكانه، الذي يبيع فيه السجائر بالتقسيط في حدود الساعة العاشرة من صبيحة اليوم الموالي، ثم أخرج سيجارة وبدأ يحشوها بالشيرا، وبعد ذلك أشعل سيجارته الملفوفة وشرع في تدخينها بنهم قبل أن يلمح غريمه قادما نحوه. أحس فريد بأن حدثا ما سيقع، فانتصب واقفا في مكانه بعد أن استنفر كل قواه العقلية وحواسه الدفاعية. نظر إليه سعيد نظرة فيها حقد بعدما لم يستطع أن ينسى ما حدث ليلة أمس. تراجع فريد إلى الوراء بعدما رأى سعيد يتقدم نحوه. وفي الوقت الذي حاول الفرار، استل سعيد سكينا ووجه إليه ضربة أصابته في يده بعد أن حاول إمساكها دفاعا عن نفسه، ثم عالجه بضربة ثانية أصابته في الفخذ.استجمع سعيد كل قواه وتركيزه ووجه إلى نَدِّه ضربة قوية في الصدر اخترقت رئتيه ومزقت أعلى بطنه.ضربة كانت كافية لإطفاء حياة فريد وإخماد النيران الملتهبة داخل صدر سعيد.أصيب التجار والمارة والسكان بالذهول ووقف المواطنون كل يحاول فَهْمَ ما جرى ويكرر الواقعة لمن حضر متأخرا، مضيفا إلى ذلك بعض التفاصيل. فرار الجاني وإلقاء القبض عليه بتازة توصلت مصالح الأمن بمعلومة مفادها أن شخصا تلقى طعنة سكين في الصدر في طريق الدارالبيضاء بمدينة وجدة ونقل في حالة حرجة إلى قسم المستعجلات بمستشفى الفارابي حيث لفظ أنفاسه الأخيرة قبل ولوجه باب المستشفى، فانتقلت عناصر الشرطة القضائية والمجموعة الحضرية للأمن إلى عين المكان لمعاينة الواقعة وحاصرت مكان الجريمة الواقع بالقرب من منزل أسرة الجاني الذي تمكن من الفرار. وحسب شهود عيان، فقد نشب خلاف حول سيجارة بين الشابين المعروفين بتعاطيهما مخدر الشيرا ليلة قبل الجريمة واستؤنفت المناوشات صباح اليوم الموالي، حيث وقعت المواجهة واستل سعيد سكينا ووجه إلى غريمه فريد طعنة سقط على إثرها مضرجا في دمائه أمام المارة وأصحاب المتاجر الذين أصيبوا بالدهشة والهلع بحكم معرفتهم بالضحية والقاتل. استنفرت قوات الأمن وحررت مذكرة بحث في الموضوع ونجحت في إلقاء القبض على الجاني في اليوم الموالي للجريمة بمدينة تازة، وتم تسليمه إلى الشرطة القضائية بوجدة، التي باشرت معه البحث والتحقيق قبل أن تُحيله على العدالة بتهمة الضرب والجرح بالسلاح الأبيض المفضيين إلى الموت.