تعيين أول سفير أمريكي في إفريقيا بالمغرب: خطوة استراتيجية تعكس دور المملكة المحوري في القارة والعالم    بسبب سوء الأحوال الجوية.. تعليق الدراسة في شمال المغرب    نجم إسبانيول يعرب عن رغبته في الانضمام إلى أسود الأطلس    اضطرابات مرورية بالحسيمة بسبب الثلوج وجهود مكثفة لإعادة فتح الطرق    إدانة مدير أكاديمية درعة تافيلالت الأسبق ومتهمين آخرين ب14.5 سنة سجنا في قضية اختلالات مالية    ندوة تبرز الإنجازات في الصحراء    النيابة العامة تفتح تحقيقا في واقعة سقوط طفلة بركان في بالوعة    تعليق الدراسة يوم الإثنين بسبب اضطرابات الأحوال الجوية بالمناطق الشمالية    وزير الطاقة الإسرائيلي يصدر أمرا بقطع إمدادات الكهرباء عن قطاع غزة    8 مارس ... تكريم حقيقي للمرأة أم مجرد شعارات زائفة؟    الكاف تعلن موعد جمعها العام الاستثنائي في القاهرة    تقرير أممي: المغرب يوفر آفاقًا جذابة للمستثمرين في السياحة    من هو ثاني أسرع لاعب في دوري أبطال أوروبا … !    جهاز الخدمة السرية الأمريكي يطلق النار على رجل مسلح قرب البيت الأبيض    التساقطات المطرية تساهم في الرفع من حقينة سدود المملكة    ارتفاع مثير للمنازل المهجورة في كوريا بسبب شيخوخة السكان    موظفو الأحياء الجامعية بالمغرب يضربون ويدعون للاحتجاج أمام مقر وزارة التعليم العالي    مغربي ضمن الفائزين بجائزة الامارات الدولية للقرآن الكريم    تأثيرات منخفض "جانا" على المغرب    الثلوج الكثيفة تغلق الطريق الوطنية رقم 2 في جبال الريف    انتقادات لنجاعة الرقم الأخضر للتبليغ عن تجاوزات السوق في ظل غياب تسقيف رسمي للأسعار    الغزياني تقود "نساء UMT" بسطات    نحو إدارة موانئ مستدامة    العملات الرقمية.. استخدام واسع للمغاربة ترافقه أحكام بالإدانة وترقب لصدور قانون مؤطر    وداعًا نعيمة سميح...    نعيمة سميح .. من برامج اكتشاف المواهب إلى صوت المغرب الخالد    عمر أوشن يكتب: ليلة غنت نعيمة سميح للمعتقلين السياسيين "ياك أجرحي"    سوريا تحقق في "المجازر المروعة"    القول الفصل فيما يقال في عقوبة الإعدام عقلا وشرعا    الأمازِيغ أخْوالٌ لأئِمّة أهْلِ البيْت    السمنة .. وباء عالمي    اتحاد طنجة يخطف تعادلا من العاصمة العلمية    غزة.. حماس تدعو لبدء مفاوضات المرحلة الثانية من الهدنة ووفد إسرائيلي سيتوجه إلى الدوحة    ملاعب للقرب تفتح أبوابها للشباب بمقاطعة سيدي البرنوصي    عبد الوهاب الدكالي ل "أكورا": نعيمة سميح فنانة استثنائية-فيديو-    المغرب يستورد أزيد من 600 ألف طن من الزيوت النباتية من روسيا    حقيقة الأخبار المتداولة حول خطورة لحوم الأغنام على صحة المغاربة..    اتفاق نهائي بين نهضة الزمامرة والفرنسي ستيفان نادو لقيادة الفريق خلقا لأمين بنهاشم    كم هدفا يحتاج المصري محمد صلاح ليصبح الهداف التاريخي لليفربول؟    نورة الولتيتي.. مسار فني متألق في السينما الأمازيغية    المرصد الجهوي للحق في المعلومة بجهة فاس مكناس يصدر تقريراً حول القانون رقم 31.13 المتعلق بالحق في الحصول على المعلومات    تفكيك شبكة إجرامية بماربيا لها ارتباطات ب"المافيا المغربية"    نساء فيدرالية اليسار تطالبن بإصلاحات جذرية للحد من تهميش المرأة المغربية    الدرك الموريتاني يحبط عملية تهريب مهاجرين بسيارة إسعاف قرب نواذيبو    إنتر ميلان يفوز بشق الأنفس على مونزا ويعزز صدارته للدوري الإيطالي    أمسية رمضانية أدبية احتفالا بإبداع الكاتب جمال الفقير    من هو "كارليس مينيارو" الذي فجع برشلونة برحيله قبيل انطلاق مواجهة أوساسونا؟    رحلت عنا مولات "جريت وجاريت"    الصين عززت جهودها القضائية لمكافحة الفساد في 2024 (تقرير)    علماء صينيون يكشفون أسرار الحياة في أعمق نظام إيكولوجي بحري على الأرض    المغرب وإعادة تشكيل التوازنات الجيوسياسية والاقتصادية في إفريقيا    إيران ترفض دعوات أمريكية للتفاوض    تسجيل أزيد من 24 ألف إصابة بجدري القردة بإفريقيا منذ مطلع 2025    أفضل النصائح لخسارة الوزن    عمرو خالد: هذه ملامح استراتيجية نبوية ناجعة للتعامل مع تقلبات الحياة    اضطراب الشراهة عند تناول الطعام: المرض النفسي الذي يحوله تجار المكملات الغذائية إلى سوق استهلاكي    مقاصد الصيام.. من تحقيق التقوى إلى بناء التوازن الروحي والاجتماعي    خبير يدعو إلى ضرورة أخذ الفئات المستهدفة للتلقيح تجنبا لعودة "بوحمرون"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



دستور 2011.. عندما يلبس التغيير جبة الاستمرارية
نشر في المساء يوم 28 - 06 - 2011


تمهيد

مما لا شك فيه أنه منذ خطاب الملك في 9 مارس الماضي، والذي تحدث فيه عن تعديل دستوري يطال بعض مقتضيات وبنود دستور 1996 الذي عمر لمدة تناهز عقدا ونصف العقد من الزمن، صار جميع المهتمين والفاعلين والمتتبعين يترقبون نص المشروع النهائي الذي سيفرزه عمل اللجنة الاستشارية لمراجعة الدستور التي عينها الملك لهذه الغاية.. وفعلا فقد جاء خطاب
الملك الأخير ليوم الجمعة 17 يونيو ليشكل مناسبة التعرف على الملامح العامة والخطوط العريضة لدستور 2011..
ولعل الانطباع العام الذي سيتولد لدى أغلب الديمقراطيين هو أن المشروع الحالي لم يستجب، منهجا ومضمونا، لكل التطلعات ولم يصل إلى مستوى كل الانتظارات الحقوقية والديمقراطية، مثلما لم يرق إلى درجة التقاط كل نبض الشارع الذي شكلت حركة 20 فبراير أحد تعبيراته الحيوية الهامة، فضلا عن أنه أتى دون حجم طموحات ومطالب عدة قوى حقوقية وديمقراطية وازنة وفاعلة في المجتمع، سواء منها التي ظلت تطالب بإرساء أسس دستور شعبي ديمقراطي، مبنى ومعنى، أو التي ما فتئت تطمح إلى التأسيس لنظام سياسي قوامه وعماده «الملكية برلمانية هنا والآن»..
وقبل الحديث عن بعض الملاحظات والانطباعات الأولية -حول المنهجية وشكل ومضمون النص- التي تعضد هذا الموقف العام من المشروع الدستوري ككل، نشير إلى أن تركيزنا على الثغرات والنقائص ومواطن القصور ليس موقفا عدميا أو رغبة ذاتية في تقمص أدوار الرفض والممانعة، ولكن دقة المرحلة -في اعتقادي المتواضع- تحتاج أكثر إلى من يصدح بحقيقة الأشياء كما هي، وإلى من يرصد خبايا النصف الفارغ من الكأس أيضا، مادام التهليل للإيجابيات و«القفزات النوعية» في الدستور والديمقراطية يجد عادة من يتولاه من إعلام رسمي وغيره من فلول جوقة التطبيل والتصفيق والإشادة والمدح المبالغ فيه للنص حتى وهو يُتلى شفويا على المسامع والآذان قبل أن يصير، في وقت لاحق، وثيقة مكتوبة بين أيدي الجميع.
منهجية إعداد الدستور وشكله
- الملاحظة الأولى التي يمكن تسجيلها، قبل الخوض في أي مضمون، هي أن المنهجية التي اتبعت في صياغة هذا الدستور لم تكن ديمقراطية البتة، حيث حكمها منطق التعيين «الفوقي» من لدن الملك، سواء لأعضاء اللجنة الاستشارية لمراجعة الدستور أو لرئاسة الآلية السياسية للمتابعة التي أنيطت بمستشار ملكي، مما جعل كل مراحل المراجعة وكافة تفاصيلها المواكبة واللاحقة منحصرة ومحتكرة ضمن الدائرة الضيقة للمؤسسة الملكية دون غيرها من المؤسسات والسلط.
- الملاحظة الثانية، في نفس السياق، هي أن اللجنة المعينة لمراجعة الدستور لم تستوعب في تركيبتها كل الحساسيات والتعبيرات المجتمعية والشخصيات القانونية والحقوقية المشهود لها بالكفاءة والخبرة والاستقلالية والتجرد، وكذا الأكاديميين والخبراء من مدارس فقهية دستورية مختلفة، وإنما اقتصرت التمثيلية داخل اللجنة من بين صفوف هاته الفئة الأخيرة على من هم محسوبون على مدرسة فكرية دستورية واحدة تميل نحو التقليدانية وتغليب منطق المحافظة والاستمرارية على روح التغيير ومسايرة التشريع الدستوري المعاصر بكل مقوماته..
- الملاحظة الثالثة هي أن الخطاب الملكي ل9 مارس -والذي جاء بفعل تأثير ضغط الحراك الجماعي والتظاهرات الأولى لشباب حركة 20 فبراير- كان قد وضع سبعة مرتكزات لمضمون التعديلات على الدستور، وسجلت على إثره تخوفات مشروعة ومبررة بأنها قد تكون توجيها للجنة إلى ألا تتجاوز سقف تلك المرتكزات أو إلى ألا تجتهد إلى حدود أكبر منها، وهو الأمر الذي يفسره ويعضده عدم تضمن الخطاب المذكور أية إشارة أو تلميح إلى وضعية أو مآل الأبواب والفصول المتعلقة بالمؤسسة الملكية في خضم الإصلاح المعلن عنه.. وبالتالي فهذه التخوفات زكتها، في نهاية المطاف، الصيغة النهائية للمشروع المعروض حاليا والذي لا يرقى إلى كل التطلعات والانتظارات وسقف المطالب الشعبية، ومن ضمنها مطالب حركة 20 فبراير، فتم إنتاج نص دستوري في آخر المطاف هو عبارة عن عرض مفصل على مقاس المرتكزات السبعة ليس إلا...
- الملاحظة العامة التي يمكن أن يعطيها كل قارئ موضوعي لنظام الحكم وطبيعته في هذا المشروع، هي أنه يحمل في طياته خليطا هجينا من أنماط الحكم، فهو يدمج، في نمط واحد وفي جملة وفقرة واحدة، نظام الملكية الدستورية الديمقراطية والاجتماعية مع نظام الملكية البرلمانية الذي يعتبر نظاما سياسيا متفردا بذاته وله مقوماته الخاصة ويستجيب لمعايير الانخراط في نظام سياسي كهذا.
- الملاحظة العامة الإضافية في الشكل، في علاقته بالمضمون أيضا، هي أن ما قدم إلينا الآن على أنه تقدم طفيف في بعض البنود والمقتضيات، سواء في حقل الحريات والحقوق أو فصل السلط... إلخ، يجعلنا نصف طبيعة النظام السياسي الذي يقدمه إلينا هذا العرض السياسي الذي بين أيدينا وكعنوان كبير وأولي له، بكونه نظام حكم أكثر بقليل من نظام الملكية التنفيذية وأقل بكثير من نظام الملكية البرلمانية كما هي متعارف عليها عالميا في الديمقراطيات البرلمانية العريقة.
- الملاحظة الأخيرة في الهندسة الشكلية لأبواب وفصول الدستور هي أنه جاء مكثفا من حيث كم الفصول وجاء مغرقا أحيانا في التفاصيل والمساطر والشكليات التي قد يكون مناسبا جدا تركها للقوانين التنظيمية أو الخاصة، حتى لتكاد تخال أنك لست أمام دستور يضع الخطوط العريضة والمبادئ العامة للدولة والمحاور الكبرى لكل السلط والمؤسسات، وإنما أمام قوانين خاصة متفرقة في مضامينها ومجتمعة في وثيقة واحدة.. وفي اعتقادي، فإن هذا التكثيف الكمي غير مبرر وغير ذي فائدة، وليس من المستبعد أن المشرع الدستوري قد يكون قصد ذلك لرغبة كامنة لديه في جعل النص الدستوري مفتقدا السلاسة وسهولة الإدراك والاستيعاب لفصوله، قصد إلباس هذه الأخيرة هالة من التعقيد والصعوبة الشديدين اللذين يجعلانها في غير متناول فهم العامة وكل المواطنين والناخبين الذين قد يجدون أنفسهم، دائما أو أحيانا، تحت رحمة اللجوء إلى المشرع الدستوري نفسه للشرح والتأويل أو إلى استشارة الفقه الدستوري الرسمي أو الاستعانة بذوي الخبرة في فك رموز التقنيات القانونية والمساطر الشكلية التي تعرف بها عادة كل القوانين الخاصة بالمقارنة مع نصوص الدساتير المعدة بمثابة القوانين الأكثر سموا في الدول والمجتمعات.. وبالتالي فالتفصيل والجانب الكمي في المشروع لا يمكن عده نقطة حسنة على أية حال..
مضمون الدستور
1 - كما قلت في فقرة سابقة، ثمة خلط ودمج خاطئ وفي غير موقعه لنظامي حكم مختلفين.. (الملكية الدستورية ثم الملكية البرلمانية)، في نوع مما يمكن أن نصفه ب«المناورة اللفظية» غير البريئة لتمويه العامة والمواطنين والناخبين وإيهامهم بأن مطلب الملكية البرلمانية قد تم تضمينه في الدستور.. لكن ما يلبث المشرع الدستوري أن يعود إلى طبيعته الحقيقية بأن تحدث فقط في الفقرة الثالثة من الفصل الأول، والمتعلقة بالثوابت، عن «الملكية الدستورية» حصريا دون ذكر باقي صفات نظام الملكية كما وردت في الفقرة الأولى.. وهذه «مناورة لفظية» جديدة أيضا تحتمل أكثر من قراءة أو تأويل..
2 - وردت الأمازيغية كلغة رسمية في فقرة لاحقة ومستقلة عن الفقرة السابقة التي انفردت بها اللغة العربية وتم استعمال فعل «تظل» في بداية هذه الفقرة والذي يفيد الاستمرارية وعدم القطيعة التامة مع المرحلة السابقة، والأحرى -في اعتقادي- كان هو أن يردا معا في فقرة واحدة جنبا إلى جانب مع استعمال عبارة «إلى جانب» لإعطاء دسترة الأمازيغية زخما ومعنى ومصداقية أكبر..
3 - استبعاد التنصيص على صفة «الدولة المدنية» وعدم الاستجابة للتنصيص على «حرية المعتقد» كما تكفلها المواثيق الدولية.. والاكتفاء فقط بصيغ محافظة تحيل على الاستمرارية ولا تنحو إلى التغيير والقطيعة مع نظام الخضوع والولاءات السائد إلى حد الآن.. مع أنه كان الأمر يقتضي نوعا من الحزم والجرأة وعدم الإذعان لضغوط القوى والجهات المحافظة في هذا الموقع أو ذاك كلما أثير أو رفع المطلب القاضي بمدنية الدولة وضمان حرية الاعتقاد..
4 - لم يتم تخصيص مبدأ سمو المواثيق والاتفاقيات الدولية على التشريع الوطني بفقرة صريحة خاصة ومتفردة، مثلما لم ترد هكذا على سبيل الإطلاق دونما تقييد وإعطائها مكانة خاصة -كما كانت تطالب بذلك القوى الديمقراطية والحقوقية- بل تم إيرادها فقط في تصدير الدستور، وتم رهن هذا السمو بتدابير وشكليات المصادقة المسبقة مع رهنه أيضا بالهوية الوطنية وبأحكام الدستور وبالقوانين الوطنية..!!
يتبع...
عبد المجيد أيتحسين - ناشط حقوقي وجمعوي
مهتم بالشأن الدستوري


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.