أعلن الملك محمد السادس عن ميلاد الوثيقة الدستورية، الأولى في عهده والسادسة في تاريخ المغرب منذ الاستقلال، بعد ثلاثة أشهر من المشاورات مع مختلف الفرقاء السياسيين والنقابيين وهيئات المجتمع المدني، تطلبت من اللجنة الاستشارية لعبد اللطيف المنوني، الذي كلف بهذه المهمة، عقد جولات من اللقاءات والاطلاع على نحو مائة مذكرة بمطالب الإصلاحات الدستورية، وهي اللجنة التي تمت مرافقتها من قبل لجنة المتابعة التي رأسها المستشار الملكي محمد المعتصم، وانتهت تلك المشاورات بوضع دستور جديد يقوي من سلطات الحكومة ويمنح البرلمان صلاحيات أوسع، ويعطي المواطنين مزيدا من فرص المشاركة في تحديد السياسات العمومية، ويرفع بنود الدستور إلى 180 بعدما كانت في الدستور السابق 108 مواد، بزيادة 72 مادة جديدة جاءت بمكاسب إضافية. ولأول مرة، يتم وضع دستور مغربي بمنهجية جديدة تعتمد إشراك مجموعة من الفاعلين في المجتمع، بعدما كانت الدساتير الخمسة التي شهدها المغرب، منذ ظهور أول دستور عام 1962، توضع من طرف فقهاء دستوريين أجانب لكي «يمنح» بعد ذلك للمغاربة. وأكد العاهل المغربي أن من معالم فصل السلط وتوضيح صلاحياتها، التي جاء بها الدستور الجديد، تقسيم الفصل ال19 في الدستور الحالي إلى فصلين اثنين، فصل مستقل يتعلق بالصلاحيات الدينية الحصرية للملك كأمير للمؤمنين ورئيس للمجلس العلمي الأعلى الذي تم الارتقاء به إلى مؤسسة دستورية، وفصل آخر يحدد مكانة الملك كرئيس الدولة وممثلها الأسمى ورمز وحدة الأمة، والضامن لدوام الدولة واستمرارها ولاستقلال المملكة وسيادتها ووحدتها الترابية والموجه الأمين والحكم الأسمى، المؤتمن على الخيار الديمقراطي، وعلى حسن سير المؤسسات الدستورية والذي يعلو فوق كل انتماء. من جهة أخرى، كشفت مصادر مطلعة ل«المساء» أن الثلاث ساعات الأخيرة قبل الخطاب الذي وجهه الملك محمد السادس إلى الشعب المغربي، مساء يوم الجمعة الماضي، شهدت تحركات واتصالات مكثفة أفضت إلى إدخال بعض التعديلات على مسودة الدستور، التي كان قد سلمها محمد المعتصم، رئيس لجنة الآلية السياسية، إلى زعماء الأحزاب السياسية والمركزيات النقابية. وشملت هذه التعديلات التي أدخلت على مسودة الدستور الفصل 135 الخاص بالجهات والجماعات الترابية، حيث كانت المسودة الأولى تنص على أن مجالس الجهات تنتخب بالاقتراع العام، وهو ما تم تداركه في النهاية بالتنصيص على أن مجالس الجهات والجماعات تنتخب بالاقتراع العام المباشر. كما أن الفصل 179 لم يدرج فيه المجلس الاقتصادي والاجتماعي ضمن الهيئات والمؤسسات المدسترة ليتم تدارك الأمر في الصيغة النهائية لهذا الفصل. وبدوره الفصل 88 من الدستور تغيرت صيغته التي تقول: «لا تكون الحكومة منصبة إذا صوتت الأغلبية ضد برنامجها»، كي تصبح الصيغة النهائية «تعتبر الحكومة منصبة بعد حصولها على ثقة مجلس النواب، المعبر عنها بتصويت الأغلبية المطلقة للأعضاء الذين يتألف منهم، لصالح برنامج الحكومة». كما شملت التعديلات أيضا كلا من الفصل 37 الذي تضمن في المسودة الأولى «المواطنة المسؤولة»، قبل أن تصبح المواطنة الملتزمة»، إضافة إلى الفصل 19 الذي تكررت فيه كلمة «التكافؤ» في العلاقة بين الرجل والمرأة مرتين قبل أن تستبدل بكلمة «المناصفة». ولم تقف التعديلات عند هذا الحد، بل شملت أيضا الفصل 41 الذي كانت إحدى فقراته تشير إلى أن المجلس العلمي الأعلى هو الجهة الوحيدة المخولة بإصدار الفتوى، وهو ما اعتبره البعض احتكارا للدين ووصاية على الأصوات المستقلة من العلماء، ليتم تعديله وتصبح صيغته كالآتي: «ويعتبر المجلس الجهة الوحيدة المؤهلة لإصدار الفتاوى المعتمدة رسميا، بشأن المسائل المحالة عليه، استنادا إلى مبادئ وأحكام الدين الإسلامي الحنيف، ومقاصده السمحة».