كانت تحصل خلال الدروس الحسنية بعض الطرائف أو التدخلات الجانبية، عندما يلاحظ الحسن الثاني أمورا تستوجب التدخل، بوصفه عارفا بأمور الدين وليس فقط كرجل دولة أو كأمير للمؤمنين. ويحكى مرة أن المرحوم عبد الحميد احساين، أحد مشاهير قراء القرآن في المغرب، كان يقوم بدور السارد خلال درس ألقاه الملك بنفسه، وكان موضوع الدرس هو الحديث النبوي الشهير عن جبريل عليه السلام الذي نزل على النبي ليعلم الناس أمور دينهم، وهو حديث طويل، فكان عبد الحميد احساين يلقي الحديث فقرة فقرة، والملك يفسر كل فقرة على حدة قبل أن ينتقل إلى الفقرة التالية، ونظرا إلى كون احساين كان من قراء القرآن المجودين فقد كان يلقي كل فقرة بطريقة مجودة على الطريقة المغربية، بحيث يستغرق ذلك وقتا، وعندما تكرر ذلك قال له الحسن الثاني بالدارجة «ازرب وبلا غنة»، والغنة من مصطلحات علم التجويد، فارتبك عبد الحميد احساين وبدأ يسرع في القراءة حتى ضحك الحسن الثاني. وفي إحدى المرات، كان الشيخ محمد الأزرق، وهو أحد علماء القرويين، يلقي درسا من دروسه أمام الملك الراحل من غير ورقة، لأن النظر في الورقة عيب لدى علماء القرويين القدامى، فحدث أن ارتبك أمام الملك فنسي بعض الأمور ولم يستطع الكلام، فالتفت إلى الملك وقال له «والله يا سيدي لقد أعطاك الله هيبة خاصة»، فضحك الحسن الثاني والحاضرون. القرضاوي وتجديد الدين وحصل بينه وبين يوسف القرضاوي عام 1981 خلاف بسيط، حيث كان القرضاوي يلقي درسه حول الحديث النبوي عن تجديد الدين كل مائة سنة، فذكر رواية واحدة لهذا الحديث تقول»... من يجدد لها دينها»، فتدخل الملك وقال له إن هناك رواية أخرى تقول «... من يجدد لها أمر دينها»، لكن القرضاوي، حسب من حضروا ذلك الدرس، اعتبر تدخل الملك نوعا من الإهانة الشخصية له، وأن ملكا لا ينبغي أن يقاطع رجل دين لأنه لا يعلم تفاصيل التخصص العلمي. وكانت بعض التعليمات التي تعطى للعلماء بألا يكثروا من رفع أيديهم أثناء إلقاء الدرس، وعدم رفع الصوت، لكن بعض العلماء كانوا يخرجون عن تلك التعليمات في بعض الأحيان بسبب طبيعة الموضوع، فيتدخل الملك بإشارة من يده أو وزير الأوقاف، وأحيانا كان الملك يتسامح إذا كان الموضوع يفرض ذلك، كما كان الملك أحيانا يتدخل في حالة خروج المحاضر عن موضوع الدرس، ويطلب منه الارتباط بالموضوع. بعض العلماء الذين كانوا يأتون من الخارج، من الصين أو من الدول التي كانت خاضعة للاتحاد السوفياتي، كانوا ينبهرون بتلك الدروس التي يحضرونها لأول مرة. إلى درجة أنه في إحدى المناسبات ألقى عالم من مسلمي الصين قصيدة ارتجالية أمام الملك، يتحدث فيها عن الحسن الثاني والدروس الحسنية. بطلان معاهدة اتحاد المغرب العربي وفي رمضان 1989، بعد توقيع معاهدة اتحاد المغرب العربي بمراكش التي تم توقيعها يوم17 فبراير من نفس العام، وهو اليوم الذي صادف يوم جمعة، ألقى الحسن بن الصديق، أحد أفراد العائلة الصديقية المعروفة بالشمال، درسا في موضوع «الدين بين الاتباع والابتداع»، تناول فيه بعض نماذج من البدع المنهي عنها والتي انتشرت في عصرنا الحالي، ومن ضمنها العقود التي تبرم وقت صلاة الجمعة، مذكرا بقوله تعالى في سورة الجمعة «يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع»، إذ قال معلقا: «فإذا تشاغل عنها مسلم ببيع، أو بأي شيء من الأشياء، كان ذلك العقد وذلك البيع باطلا ولاغيا ولا يترتب عنه أثره، وهكذا»، حينها تدخل الملك الحسن الثاني قائلا: «أتمم الآية يا فقيه»، فتلا بن الصديق قوله تعالى: «فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله، واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون»، فعاود الملك المقاطعة، منبها إياه إلى ضرورة إتمام الدرس في غضون خمس دقائق، إذ فهم الحسن الثاني أن بن الصديق يغمز إلى بطلان معاهدة اتحاد المغرب العربي التي وقعت يوم جمعة بمراكش، بعد صلاة الجمعة وقريبا من موعد صلاة العصر. نهاية الحرب الباردة وفي نفس السنة، ألقى العالم الأمريكي خالد عبد الهادي يحيى، أستاذ الدين والتاريخ بجامعة بوسطن بالولاياتالمتحدةالأمريكية، درسا في موضوع «الهدف من الوجود» انطلاقا من قوله تعالى: «وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون»، وذلك بعد أن تلا شاب مقرئ من إحدى جمهوريات الاتحاد السوفياتي آنذاك بعض الآيات القرآنية بشكل لاقى استحسانا لدى الملك والحاضرين، وكانت الظروف ظروف الحرب الباردة بين المعسكرين الغربي والشرقي، فتدخل الحسن الثاني في نهاية الدروس وقال: «قبل الختم أريد أن أشير إلى ظاهرة لم تكن في الحسبان ولم تكن من جملة مخططاتنا، ذلك أن موسم رمضان، شهر القرآن، شهر الوحي، أراد الله سبحانه وتعالى أن يجتمع هنا أشخاص من قارات مختلفة، ولغات مختلفة، وألوان مختلفة، وأراد الله أن نسمع في يوم واحد مقرئا محترما جيدا طيبا من الاتحاد السوفياتي، وأن ننصت إلى محاضر شاب غيور كله حماس من الولاياتالمتحدة. أظن أن هذا التواجد سيجعلنا نعطي للديانة الإسلامية وللدين الحنيف وسنة النبي صلى الله عليه وسلم تعريفا آخر، وهو أن نقول: إن الإسلام أصبح مدرسة سلوك سياسي، ولا أقول تعايش، لأن التعايش فيه شيء من الإرغام، وشيء من المضض. الإنسان يتعايش لأنه لا يمكنه أن يفعل شيئا آخر». أنصاص أطربت الملك ومن الطرائف التي حدثت في تلك الدروس أن الدكتور التهامي الراجي الهاشمي، المتخصص في علم القراءات والرسم القرآني، ألقى على الملك الراحل بعض الأبيات الشعرية التي تدخل في باب الأنصاص القرآنية، مما أضحك الحسن الثاني الذي استحسن تلك الأنصاص وطلب المزيد منها. والأنصاص مصطلح متداول بين أصحاب القراءات في المغرب للتعبير عن مجموعة من القواعد التي تؤطر الكلمات الخارجة عن القياس في رسمها أو ضبطها أو في كيفية أدائها، كما تؤطر هذه الأنصاص الكلمات المتشابهة في التقديم والتأخير والحذف والإضافة، مع التنصيص على أماكن وجودها في القرآن الكريم إما بواسطة السور أو بواسطة الأحزاب والأرباع والأثمان، وهي عبارة عن قواعد منظومة في أراجيز مختصرة أو مطولة، ينظمها الفقهاء لتلامذتهم بطريقة عفوية وبلغة عامية أحيانا أو على شكل الشعر الملحون من أجل تقريب الكلمات التي تقع فيها الأخطاء عند كتابتها أو النطق بها من التلاميذ المتعلمين . ومن بين تلك الأنصاص التي كان الحسن الثاني يستحسنها لأنها تدخل جوا من المرح على الجلسة: اللا بالنون معرق أوَ لم يان محقق؟ واسألوا الغادي مقلق لقد تاب وافهمني العنات المطلوقات أربعة بدات نحكيهم شي خوذات في دار المُلكية أحس بوحدة يرى الله خودا زلالة مفروضة شريفة علوية المحصنة تفريد زادت قلبي تنكيد لابس قفطان جديد قيمتو ألف مية حرامة لوالة سرتية زلالة خلاتني في حالة ودموعي مجرية داخلت الله عليك وجدك وأبيك واللي لقاني بيك بجاه الطُلَبة. قرارات اتخذها الحسن الثاني في رمضان اتخذ الحسن الثاني عدة قرارات ذات علاقة بالشأن الديني في المغرب خلال شهر رمضان، وبعضها تم الإعلان عنه أثناء الدروس الحسنية نفسها، منها قراره التاريخي الذي أعلن عنه في ختام درس ألقاه عام 1966 والذي فسر فيه الحديث النبوي «من رأي منكم منكرا فليغيره..» والمتعلق بإجبارية الصلاة في المدارس الابتدائية والثانوية والعليا. ومن القرارات التي اتخذها الملك الراحل في موسم رمضان قراره بالمحافظة على اللغة العربية والحضارة الإسلامية من خلال إدخال مادة الحضارة والفكر الإسلاميين في برنامج ومناهج التعليم العالي، واعتبارها مادة أساسية يتوقف نجاح الطالب على نجاحه فيها، وذلك خلال أحد الدروس التي ألقاها هو بنفسه، لكن ذلك القرار لم يتم تطبيقه بنفس التفاصيل التي أعلن عنها. ومنها كذلك قرار إنشاء دار الحديث الحسنية سنة 1964، وهي المؤسسة التي أريد لها أن تضطلع بمهمة تخريج علماء مقتدرين في كافة العلوم الشرعية، وكذلك التقليد المعروف بالمسيرة القرآنية في رمضان وبثها عبر موجات الإذاعة وفي التلفزيون من قبل المقرئين المغاربة، برواية ورش، وحصل في الثمانينيات أن أصبحت المسيرة القرآنية تتلى بصوت المقرئ المصري الشهير عبد الباسط عبد الصمد، لكن طبعا برواية ورش. ويروي من حضروا تلك الدروس أن الملك الراحل كانت لديه غيرة كبيرة على قراءة القرآن برواية ورش وعلى الطريقة المغربية، وأعطى تعليماته في تلك الفترة بكتابة المصحف بالرسم المغربي.