بعد أزيد من 24 سنة قضاها متنقلا بين مدن مغربية مختلفة ومشتغلا في مهن بسيطة، عاد إلى جوار أمه في دوار «سيدي الرباط» في جماعة «سيدي وساي»، بإقليم اشتوكة آيت باها (جنوب مدينة أكادير). بدأت رحلة تشرده بعد طلاق أمه من أبيه ووفاة أحد إخوته في حادثة سير، ليهيم على وجهه منذ ذلك التاريخ، فبعد انتقال أمه إلى العيش مع زوجها الثاني في قرية «سيدي الرباط»، كان هو قد بدأ رحلة التيه بين دروب مدينة الدارالبيضاء وغيرها من المدن التي ظل يتنقل بينها طيلة 24 سنة، ولم ينتبه من «تيهه» إلا وهو في عقده الخامس. فجاء قاصدا قرية «سيدي وساي»، التي وبعد سنتين من تواجده فيها، لم يستطع أن يتواصل مع أهلها أو يقيم علاقات طبيعية مع أفراد الدوار، نظرا إلى طبيعته الانعزالية، حيث يحكي أحد أهالي القرية أنه لم يكن يتبادل التحية مع السكان، مما جعل الجميع متوجسين منه ولم يتجرأ أحد على اقتحام «عوالمه» الخاصة، التي ظلت طي الكتمان إلى أن تفجرت حقدا جارفا على أمه وإخوته وعلى أطفال أبرياء لا ذنب لهم. حاولت أمه أن تعيده من حالة «شروده» الدائم وأن تمنحه فرصة أخرى للعودة إلى «الحياة» فساعدته على الزواج من فتاة من منطقة «هوارة»، في محاولة منها لأن تعيد ابنها إلى طبيعته وأن تسهّل اندماجه في الحياة وأن تدفعه إلى تحمل المسؤولية، رغم أنه صار في الخمسين من عمره. مضت على زواجه تسعة أشهر، ظل فيها يقيم في نفس البيت مع والدته، التي كانت تتولى أغلب مصاريف البيت، في حين كان هو يشتغل حمالا في الأسواق. إلا أن مشاعر السخط والحقد كانت تستبد به كلما نشب شجار بينه وبين أمه حول عجزها عن الاستمرار في إعالته، هو وزوجته. كانت أمه تحثه، في كل مرة، على ضرورة أن يستقل بنفسه وأن يعول نفسه وزوجته، ولم تهدأ نار الحقد في نفسه إلا ليلة إضرامه النار في جميع أفراد أسرته. لم تكن الأسباب التي بسطها في محاضر التحقيق لدى الدرك الملكي في «ماسة»، والتي «برّر» بها جريمته سوى الحقد الذي يُكنّه لأمه، بدعوى أنها تفضل أخواته عليه وتخصهن بمعاملة تفضيلية وتتهمه، دائما، بالعجز والكسل وبعدم القدرة على تحمل المسؤولية.. لم يزده كل ذلك إلا حقدا على حقد تجاه أمه وأخواته وأبنائهن، الذين اغتنم فرصة تواجدهم في بيت أمه من أجل قضاء أيام من عطلة الصيف في شاطئ القرية ليقدم على تنفيذ هذه الجريمة الشنعاء، بعد أن أغاظته «الأجواء» التي كان فيها أخواته رفقة أبنائهن. قصد إحدى محطات البنزين، القريبة من جماعة «سيدي وساي»، واقتنى كمية من البنزين، احتفظ بها إلى أن حل الليل. وبعد أن تناول مع أفراد أسرته وجبة العشاء، أمر زوجته بأن تُحضِر له بعض السجائر واغتنم فرصة خروجها ليهجم على بقية الأفراد ويشرع في صب البنزين في كل شبر من البيت. لم ينتبهوا إلى ما يجري إلا بعد كان قد أن أضرم النار في الجميع وأحكم إغلاق الباب وقطع التيار الكهربائي عن المنزل ولاذ بالفرار... انتبه الجيران إلى الصراخ، المنبعث من البيت، فتدخلوا لإنقاذ ما يمكن إنقاذه. كانت النار قد «التهمت» وجوه أزيد من تسعة أفراد، من بينهم الأم وأختان له وامرأة حلت ضيفة عليهم وأبناؤهن... تحكي إحدى الجارات، عاينت الموقف، أن لحم إحدى الضحايا صار «مهترئا» بسبب شدة الحريق، فبدأ يتساقط على الأرض... كان المنظر مقززا والجريمة مرعبة بشكل كبير. انتشر خبر الفاجعة في كل أنحاء الدوار، وبعد ذلك، في كل أرجاء البلاد. نُقل الجميع إلى مستشفى الحسن الثاني في أكادير لتلقي العلاجات، في حين تم إرسال حالتين بلغت حروقهما الدرجة الثالثة إلى المستشفى الجامعي ابن رشد في الدارالبيضاء، فيما لقي طفلان حتفهما، وهما ابنة أخت الجاني (وعمرها سنتان) وطفل آخر (لم يتجاوز بعد السنة السادسة)، فيما لقيت أخته من أمه حتفها في مستشفى ابن رشد في الدارالبيضاء. في ظل الأجواء المريعة التي خلفتها الجريمة في نفوس أهل دوار «سيدي الرباط» وعلامات الاستفهام الكبرى التي ظلت تحيط بظروف الجريمة، كان البحث جاريا على مرتكبها، بعد أن تم تعميم إعلان البحث عنه لدى جميع مصالح الأمن في المنطقة ل«يخرج»، أخيرا، من غابات «ماسة» إلى تزنيت، وهناك إلى المحطة الطرقية في إنزكان، حيث كان يستعد للسفر إلى الدارالبيضاء، لكنْ تم التعرف عليه داخل المحطة، ليتم إخطار الشرطة بوجوده هناك. تم القبض عليه وتسليمه إلى درك «ماسة» من أجل التحقيق معه. وبعد تحرير محضر في الموضوع، تمت إحالة الجاني على الوكيل العام للملك في محكمة الاستئناف في أكادير من أجل استكمال التحقيق ومعرفة الدوافع الحقيقية التي كانت وراء هذه «المحرقة البشرية»، التي ذهب ضحيتَها ثلاثة من عائلة الجاني، فيما أصيب باقي الأفراد بحروق خطيرة