سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
هيئة الدفاع تنسحب من محاكمة نيني احتجاجا على متابعته بالقانون الجنائي ونيني يرفض الجواب عن أسئلة القاضي ممثل النيابة العامة يثور في وجه المحامين ويتهمهم بخرق المهنة والدفاع يعتبر سلوكه خارجا عن اللياقة والاحترام
الساعة تشير إلى العاشرة صباحا. الجميع يترقب وينتظر نهاية محاكمة لم تتوفر فيها شروط المحاكمة العادلة، بدءا بضيق القاعة وانتهاء برفض الدفوعات الشكلية والطلبات الأولية التي تقدم بها الدفاع. حضر محامون وصحافيون وحقوقيون وفنانون كانوا يعتقدون أنها المرة الأخيرة التي سيرون فيها رشيد نيني، مدير نشر جريدة «المساء»، داخل قاعة المحكمة، فيما توقع البعض أن يصدر الحكم في ذلك اليوم. شوق القراء إلى كاتب أشهر عمود في المغرب دفعهم إلى أن يرفعوا أكف الضراعة إلى الله العلي القدير بأن يفرّج عنه وبأن ينوّر بصيرة الذين اعتقلوه لتصحيح أخطائهم وإعادة الأمور إلى نصابها، في وقت ينشد الجميع التغيير نحو الأفضل، وأن ينعم المغاربة ببلد ديمقراطي حر يتمتع فيه الصحافي بحرية التعبير. الألم يعتصر قلوب الحاضرين من عائلته وأقاربه وأصدقائه والعاملين بشركته وقرائه ممن يكنون للماثل أمام هيئة المحكمة كل أسمى معاني الحب والتقدير، فوضعه في الزنزانة جعلهم يشتاقون إلى حديثه ومجالسته وتوجيهاته في العمل، هو المهووس بالخبر و ما وراءه والمتتبع لما يجري ويدور في وطنه، هو الصحافي والكاتب والمواطن. الجميع يتطلع إلى النهاية، والسؤال الذي كان حاضرا بقوة هو: هل ستبت المحكمة في الملف اليوم؟ انسحاب الدفاع افتتح القاضي الجلسة ونطق بالأحكام المتعلقة بالطلبات الأولية والدفوعات الشكلية، وتهم إرجاء البت في الدفع المتعلق ببطلان المتابعة وطلب معاينة مقري مديرية مراقبة التراب الوطني والفرقة الوطنية للشرطة القضائية، فيما رفض باقي الدفوعات المثارة. وبعد النطق بالأحكام طلبت هيئة الدفاع مهلة للتنسيق بين أعضائها، فرفعت الجلسة حوالي 20 دقيقة لتعقد من جديد. بعد ذلك شرع خالد السفياني، منسق هيئة الدفاع، في كلمته التي قال فيها: «كنا نتمنى أن تعرف المحاكمة تطورا إيجابيا رغم ما عشناه من مرارة منذ انطلاق الجلسة الأولى. كنا ننتظر أن يعيد ممثل النيابة العامة التكييف، ولكن مع كامل الأسف لم يقم بذلك، وظل متمسكا بحقه في ملاءمة غير مشروعة، ورغم ذلك قلنا: سنستعمل بعض وسائل الدفاع التي يمنحها لنا القانون والتمسنا استدعاء الشهود، وكنا نتمنى أن يأتي هؤلاء ليوضحوا إن كانت الوقائع صحيحة أم لا، لكن المحكمة اتخذت قرارا يحرمنا لحد الآن من أدنى شروط الدفاع ومن أدنى شروط المحاكمة العادلة. في محاكمات سابقة كنا نواجه الحكومة المغربية، والآن لا نواجه خضما. أمامنا أسماء لم يعلن أي اسم منها أنه يريد متابعة رشيد نيني. لدينا فراغ مطلق فيما نواجه، ولا نعرف إن كان الذين ذكرت أسماؤهم متضررين أم لا. وجدنا أنفسنا في حالة فراغ وأمام وضع شعرنا فيه بالمرارة العميقة. أصدرتم قراركم بخصوص الطلبات الأولية والدفوعات الشكلية. لا نناقش ذلك، لكنه ينبئ عما سيأتي. لما يقال إن تعليل الأمر في الاعتقال هو الذي يشكل خرقا شكليا، والتبريرات التي أعطاها وكيل الملك هي المخالفة للقانون, نجد أنفسنا أمام سور كبير يحول بيننا وبين شروط المحاكمة العادلة. كل ما قاله رشيد نيني صحيح وهناك حجج على ذلك. وفي الوقت الذي تساءلنا:هل يمكن اتهام ملك البلاد بالتحريض على الإرهاب عندما تحدث عن وقوع تجاوزات في أحداث 16 ماي؟ نشر في أحد المواقع أن «السفياني يطالب باعتقال الملك». ما يهمنا هو ما يجري أمامكم, ولا يخيفنا موقع ولا جهة ولا الذين اعتقلوا نيني. لكن ثالثة الأثافي هي عندما يفرض علينا أن نبقى متابعين بالقانون الجنائي، وهذا قرار يحترم. فرض علينا أن نناقش انطلاقا من القانون الجنائي، ولا يمكن أن يسجل علينا أننا قبلنا أن نناقش ملفا يتابع فيه صحافي بتهمة القانون الجنائي ولا أن نفتح الباب أمام هذه المتابعات التي نرفضها بشكل مطلق. متأسفون جدا ومتألمون لأننا -باسم كل هيئة الدفاع- نرفض بالمطلق أن يحاكم صحافي في إطار ممارسته الصحافية بالقانون الجنائي. لقد حرمنا من العديد من وسائل دفاعنا، ولهذا نعلن بكل ألم وأسف انسحابنا من المحاكمة.
الدفاع وغضبة ممثل النيابة العامة
عندما أنهى السفياني كلمته، قال له القاضي: نعرف عنكم الشجاعة. فأجابه السفياني أن «الأمر لا يتعلق بالشجاعة، بل بموقف مبدئي لا علاقة له بالشجاعة وإن مرافعتنا ستكون عبر وسائل الإعلام». انسحاب الدفاع جعل ممثل النيابة العامة يثور، فتغيرت ملامحه وأخذ يتهم هيئة الدفاع بخرقها قانون مهنة المحامين، وبدأ الضجيج داخل المحكمة، فأمر القاضي ممثل النيابة العامة بألا يتدخل، غير أنه استمر في الصياح ولم يسمع ما قاله داخل القاعة، وأراد مصطفى الرميد، كممثل لنقيب المحامين بالدار البيضاء، وبصفته عضوا في مجلس الهيئة، أن يرد على ممثل النيابة العامة، غير أن القاضي رفع الجلسة، فتوجه أعضاء هيئة الدفاع نحو بهو المحكمة ورفعوا شعارات تندد بسلوك ممثل النيابة العامة. عقدت الجلسة مرة أخرى ودخل المتتبعون الجلسة باستثناء هيئة الدفاع. وحده الرميد دخل ليرد على ممثل النيابة العامة، غير أن القاضي طلب منه أن يتحدث معه على انفراد، فرفعت الجلسة من جديد لتعقد بعد ذلك، حيث قال الرميد: «بصفتي عضو مجلس الهيئة وممثلا للنقيب كنت حاضرا في الجلسة لما قررتم رفعها. وقد حدثت أثناء ذلك عدة أمور. لقد قرر الدفاع الانسحاب بناء على اتفاق بين هيئة الدفاع وبين موكلها السيد رشيد نيني. هذا الاتفاق يدخل في إطار العلاقة الخاصة التي تربط المحامين بالموكلين والمطبوعة بالخصوصية، والتي التي ليس لأحد التدخل فيها طالما أنها تمت في إطار القانون، إلا أنه عندما قرر الدفاع الانسحاب أخذ ممثل النيابة العامة يصيح في وجه الدفاع ويوجه إليه الاتهامات وتجاوز مستوى اللياقة والاحترام الواجب تجاه هيئة الدفاع ووجه تهمة مخالفة المهنة للمحامين، وقد صرح أحد المحامين بأن ممثل النيابة العامة قال إن انسحاب الدفاع هو انسحاب السفلة، وباسم هيئة الدفاع نعبر عن استيائنا، وأن المفروض هو أن تكون العلاقة مبنية على الاحترام، وما رأيناه لا يدخل في هذه الخانة.وعلى ضوء جواب ممثل الحق العام سنتخذ الإجراءات التي نراها قادرة على رد الاعتبار». رشيد نيني والقاضي بعد استنكار الرميد واحتجاجه على ممثل النيابة العامة، قام هذا الأخير وقال إنه لا يحق لأي شخص أن يمس بكرامة الدفاع. مضيفا «كنت دائما من الذين يكنون كامل التقدير والاحترام لهيئة الدفاع ودائما أقرن لفظة الدفاع ب«المحترم» وأعتبر مؤسسة الدفاع جزءا من العدالة وأن وظيفة المحامين الأشاوس والفرسان لا يمكن لأي طرف أن يقدح فيها». وقد نفى ممثل النيابة العامة أن يكون قد وجه كلمات تقدح في هيئة الدفاع، فيما قال القاضي إنه لم يسمع أي كلمة قدح، مضيفا أنه لو سمع ذلك لاتخذ الإجراءات الضرورية. واعتبر الرميد أن ما قاله ممثل النيابة العامة كاف لإرجاع الأمور إلى نصابها، ليضيف أن من حق الدفاع أن ينسحب متى شاء وأن النيابة العامة لا دخل لها. بعد ذلك انسحب الرميد لتخلو القاعة من أصحاب البذلات السوداء، فيما ظل رشيد نيني وحده في القاعة، إضافة إلى باقي الحاضرين من صحافيين ومتتبعين وأسرته. كان الجميع يرغب في سماع ما سيقوله مدير نشر «المساء»، الذي لم يتحدث منذ انطلاق المحاكمة. وقال نيني في البداية: «أولا، أنا غير مستعد للجواب عن أسئلة المحكمة، وأعتبر أن محاكمتي هي محاكمة للرأي ولحرية التعبير، وثانيا لم أبلغ عن أي جريمة لأي جهة. وفي إطار مهنتي كصحفي أشرت بكل حسن نية إلى مجموعة من المواضيع على شكل أعمدة موجهة إلى الرأي العام وإلى القراء. هذه المقالات استقيتها من مصادر أعتبرها موثوقة، وهي ملك لقرائنا، كما أعتبر أن مصادري، التي اعتمدتها في هذه المقالات، هي كل الأدلة التي أتوفر عليها، وليس من حقي أن أدلي بها لأي جهة كانت. أنا لم أحقر أي مقرر قضائي، ولم يكن في نيتي ذلك من خلال ما كتبت. أعتبر أن الأحكام القضائية قابلة للنقد. لم يكن في نيتي التأثير على السادة القضاة أو على القضاء من خلال الكتابات التي كتبتها، ولو أنه يشرفني أن يكون من بين القضاة النزهاء من يقرؤون مقالاتي، وأنا كصحفي أتشبث بما كتبته جملة وتفصيلا، وأتشبث بحقي في متابعتي كصحفي بمقتضيات القانون الصحافي وليس بمقتضيات القانون الجنائي كما هو الآن في هذه المحاكمة. وبناء عليه أعتقد أن شروط المحاكمة العادلة تنتفي في محاكمتي، خصوصا بعد رفض الطلبات الأولية والدفوعات الشكلية التي تقدم بها دفاعي. وعليه، فإني أمتنع عن متابعة هذه المحاكمة». بعد هذه الكلمة سأل القاضي: سي رشيد.. المحكمة تريد بعض التوضيحات في الملف. نيني: أنا غير مستعد للجواب ولا أريد الاستمرار في محاكمة بالقانون الجنائي. القاضي: هناك أشياء تريد المحكمة أن تعرفها. نيني: أتشبث بكل ما كتبت ولا أرغب في التوضيح، وهذا هو موقفي. القاضي: سي رشيد.. عدم الجواب حق مشروع، وإذا بينت القصد يكون أفضل. نيني: موقفي واضح وفهمت السؤال. القاضي: يمكنك أن تفكر. نيني: موقفي نهائي. القاضي: هناك مقالات كتبت ونحن لا نبحث عن المصدر ولكن نريد التوضيح. نيني: موقفي مبدئي وأرفض الجواب. القاضي: في إطار ما كتبته من مقالات نريد أن نسألك... نيني: أرفض التعليق. القاضي: سي رشيد.. المحكمة يمكنها أن تمنحك وقتا للتفكير. رشيد نيني: أرفض الجواب وموقفي واضح. بعدما رفض مدير نشر «المساء» الجواب عن أسئلة القاضي ورفض المساعدة القضائية، تقدم ممثل النيابة العامة بملتمساته، التي طالب فيها بتطبيق عقوبة حبسية نافذة في أقصاها وبمؤاخذة رشيد نيني بجميع الأفعال المنسوبة إليه ومنعه من مزاولة مهنة الصحافة في جميع الدوريات والمجلات الصادرة بالمغرب. وعندما كان ممثل النيابة العامة يرافع وهو يقرأ من أوراق كتبها، كان ينظر إلى كاتب الضبط وكأنه يملي عليه مرافعته، وقلما توجه بنظره إلى القاضي. سرد ممثل النيابة العامة جميع الأعمدة التي كتبها رشيد، والتي بدا أنه يحفظها عن ظهر قلب، وتقدم بمرافعته ليعلن القاضي دخول الملف مرحلة التأمل خلال جلسة يوم 9 يونيو الجاري, فرفعت الجلسة، فيما بدأ الحاضرون يرددون شعارات هاتفة باسم رشيد نيني، الذي خرج من القاعة وهو يبتسم ويبادلهم إشارة النصر. نصر تمنى الحاضرون أن يكون نصرا حقا على الظلم وعلى الذين أرادوا الزج بمدير «المساء» في غياهب زنازن وضعت للمجرمين وليس للصحافيين. غادر الجميع المحكمة بعدما أصابهم الذهول من كلمات ممثل النيابة العامة، التي طالب فيها بالعقوبة الحبسية وبالمنع من مزاولة المهنة، في انتظار النطق بحكم يعلم الله وحده مضمونه.
انسحاب المحامي هو موقف لعدم تزكية طروحات النيابة العامة كيف تنظر إلى انسحاب هيئة دفاع رشيد نيني من جلسة المحاكمة؟ إن الموقف الذي يتخذه المحامي والقاضي بالانسحاب من المحاكمة لا يتم إلا باتفاق مع الموكل أساسا، ثم إن هذا الموقف يعتبر بشكل صريح وواضح بأن المحامي أو هيئة الدفاع عموما لا يمكن أن يزكي موقف النيابة العامة في محاكمة صحافي عن أعماله الصحافية بمقتضى القانون الجنائي، وهو رفض قاطع لهذا السلوك الذي يعتبر سابقة خطيرة، واستمراره في المحاكمة يزكي موقف النيابة العامة لشهرها سلاح المتابعة وفق المقتضيات العامة لأفعال منظمة بمقتضى قانون خاص. ما رأيك في اعتبار النيابة العامة انسحاب الدفاع مخالفا لقانون المهنة؟ ليس في انسحاب المحامي أي خرق لقانون المهنة، بل هو موقف فيه تعبير صريح عن عدم الرضى عن الجو العام الذي تتم فيه المحاكمة وعن سلوك النيابة العامة أو حتى المحكمة نفسها التي تبت في القضية، إذ يتضح من خلال موقفها القاضي برفض كل الدفوع وكل الطلبات الأولية والعارضة والدفوعات الشكلية، أنها مقتنعة بصواب المتابعة في الإطار الذي اختارته النيابة العامة. الانسحاب وإن لم يكن منظما بمقتضى قانون المهنة، ليست فيه أي مخالفة لقانون المهنة، والتقاليد المهنية غنية بهذا السلوك، إذ استعملنا ذلك في المحاكمات السياسية الكبرى، سواء في محاكمتي مراكش أو القنيطرة أوغيرهما، في أحلك الظروف السياسية المظلمة في تاريخ المغرب. هل الانسحاب يكون في صالح المتهم، خصوصا أنه لم يجب عن التهم المنسوبة إليه؟ ينبغي التفريق بين المتابعة الجنائية والجنحية فيما يخص المتابعات الجنائية. إذ أن المحاكمة لا يمكن أن تتم إلا بحضور المحامي، وإن انسحب هذا الأخير، فإن المحكمة ملزمة بتنصيب محام في إطار المساعدة القضائية للمتهم. في هذه الحالة يصمت المحامي عن الكلام، في الوقت الذي فضل المتهم عدم الجواب عن التهم المنسوبة إليه، والتي يعتبرها غير عادلة كما جاء في تصريح نيني. أما في حالة المتابعة الجنحية، وخصوصا في قضية رشيد نيني، فإن الدفاع، باتفاق مع المعني بالأمر، قرر الانسحاب تأكيدا للموقف الذي أوضحته في جوابي الأول، والصمت هو خير جواب عن هذه المتابعة التي لم تتم في إطار قانونها الواضح. عضو هيئة دفاع «المساء» - النقيب عبد الرحيم بنبركة