كان اليوم يوم جمعة من شهر مارس، حين سقط شاب في الثلاثة والعشرين من عمره في مقهى أزرو بحي الأندلس على يد جانيين شابين يدمنان الخمر والمخدرات والأقراص المهلوسة، حيث تلقى الشاب طعنة في الفخذ بمدية كبيرة وضربة أخرى على مؤخرة الرأس بعد شجار مع غريميه، أحدهما يسمى «ب. الهاشمي» ويلقب ب«ولد الطليانية»، والآخر يدعى «ط. عبدالعزيز» ويلقب ب«عزيز لكحل». نقل الضحية إلى مستشفى الفارابي، لكنه فارق الحياة بمجرد وصوله إليه بسبب نزيف عميق دام ساعات طوال. وبعد انتقال مصالح الأمن الولائي بوجدة إلى عين المكان وبعد التحريات تمكنت من التعرف على الجاني والبحث وإلقاء القبض عليه وبحوزته أداة الجريمة، التي كانت ملطخة بدماء الضحية. وقد اعترف الجاني بجريمته، التي اقترفها بمعية شريك له قام بضرب الضحية على رأسه، بعد نشوب مشادة بينهما وبين الضحية. وقد سلم الجميع إلى العدالة بتهمة الضرب والجرح بواسطة السلاح الأبيض المفضي إلى الوفاة والسكر العلني وتعاطي المخدرات وربط علاقة جنسية غير شرعية. رفقاء السوء كانت الساعة تشير إلى التاسعة صباحا من أحد أيام شهر مارس الماضي حين استيقظ أمين (23 سنة) من نومه بعدما أحس بيدي أمه تداعبان وجهه. ابتسمت وهي تراه ينهض.كان أمين يستعد للسفر في الصيف إلى فرنسا عند خاله، الذي يمتلك شركة هناك، وكان فقط ينتظر إكمال الترتيبات المتعلقة بالتأشيرة. أزاح الغطاء عنه وسأل أمه إن كانت وجبة الفطور جاهزة، قبل أن يضيف بأنه سيغادر المنزل لرؤية بعض أصدقائه. كانت الأم تخاف على ابنها من رفقاء السوء، لا سيما أن المقهى التي يرتادها تستقبل رفقاء له من ذوي السوابق العدلية والمتعاطين لجميع أنواع المخدرات من أقراص «القرقوبي» ومن الشيرا وأنواع الخمور، بالإضافة إلى النادلة حنان التي تعشقه وتطارده عبر الهاتف وتثير حفيظة أقرانه. كان أمين يشعر بالخوف حين دخوله ذلك المقهى، لكنه لم يكن يستطيع الابتعاد عن ندمائه من أقرانه، الذين كان «يقتل» معهم الوقت ويتبادل النظرات مع حنان التي كانت تعشقه حتى الموت. خلع أمين ملابسه بسرعة ثم ارتدى «تي شورت» وسروال «بلو جينز» قبل أن ينتعل حذاء رياضيا من الماركات الرفيعة المعروفة التي يتباهى بها أمام أقرانه وهو يقول: «هاذ الكسوة انتاع فرنسا. جابها لي خالي». خرج أمين بسرعة إلى الشارع. كان جسده في المغرب وروحه في فرنسا. كان باستمرار يحلم بالرحيل إلى فرنسا. لم يدر كيف وصل إلى المقهى التي كان يتجنبها ويخشى العاطل من شبابها والجانح من روادها، وخصوصا اثنين من أقرانه من ذوي السوابق العدلية، اللذين كانا يروجان المخدرات ويستهلكانها في الوقت ذاته.كان يرى في عينيهما الحقد والحسد يتطايران كالشرارة، خصوصا لما علما بقرب سفره إلى فرنسا وحب حنان النادلة له من دونهما. لم يدر كيف استجاب لنداء حنان حتى وجد نفسه داخل المقهى أمام نَدَّيْه الهاشمي وعبد العزيز اللذين قضيا ليلة حمراء وبلعا عددا من الأقراص الحمراء. حقد وجريمة ما إن سمع الاثنان اسمه ورأياه حتى اشتعلت نار الحقد والغيرة في صدريهما وهاجت غريزة حب امتلاك النادلة وإقصاء المنافس القوي بوسامته وأناقته والمستقبل الموعود الذي ينتظره في فرنسا. تراجع العقل أمام الغريزة وغابت الحكمة وحل محلها التهور والعنف ولبس الإنسان حيوانيته.استل الهاشمي مدية وتسلح عبد العزيز بسلاح آخر وتقدما إليه وهما أشبه بثورين هائجين.لم يفهم أمين ماذا يجري وتراجع إلى الوراء مرعوبا.شلت حركته وهو يرى أمامه السكين، ثم أحس بشيء قاس يمزق فخذه الأيمن بسرعة مصحوبا بألم تفجر داخله. بعد ذلك تلقى ضربة ثالثة على رأسه غشي عينيه إثرها شيء أشبه بالغمام وشَعَر بالوهن، فيما عجزت رجلاه عن حمله فَخَرَّ على كراسي المقهى أمام جمع من المتفرجين المفزوعين من هول ما وقع. رحل أمين إلى الدار الآخرة قبل أن يرحل إلى الديار الفرنسية ويحقق حلمه الذي راوده وكان قاب قوسين أو أدنى من تحقيقه.