شهدت منطقة العطاوية، نواحي مراكش، في الآونة الأخيرة موجة من الاحتجاجات الغاضبة، نتجت عنها مواجهات عنيفة بين المتظاهرين وقوات الأمن، كما خلفت إصابات بليغة أحيانا في صفوف الطرفين. ولم ينته بعد مسلسل شد الحبل بين سكان المنطقة والجهات الوصية على قطاع السقي، بعد تشبث كل طرف بمطالبه التي يعتبرها شرعية. «المساء» انتقلت إلى منطقة العطاوية البعيدة عن مدينة مراكش بحوالي 75 كيلومترا، لتروي تفاصيل «بركان» تعود قصته إلى أزيد من 40 سنة. في البداية كانت كلفة السقي تقدر بدرهمين مقابل الساعة الواحدة، خلال الفترة الممتدة بين 1975 و1985، لتنتقل بعد ذلك إلى 18 درهما في حدود سنة 1990. ثم عادت الجهات المعنية لترفع الفاتورة من جديد لتصل إلى 28 درهما مقابل ساعة السقي الواحدة. واستمر الأمر على ما هو عليه إلى حدود سنة 2009، وفي مستهل سنة 2010، أعلنت الجهات المعنية عن زيادة جديدة، بلغت 53 درهما للساعة، في أفق رفعها إلى 63 درهما في وقت لاحق. وهي الزيادة التي كانت بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير. هكذا لخص «الطاهر»، أحد الفلاحين بالمنطقة والعضو بإحدى الجمعيات السقوية بها، تفاصيل الزيادات المتكررة التي عرفتها فاتورة السقي، والتي زادت من حدة الغضب والاحتجاج ضد الجهات المسؤولة، توجت بعدد من الوقفات والمسيرات الاحتجاجية، انتهت أغلبها بمواجهات عنيفة مع القوات العمومية. سنة جافة وزيادات متكررة بدأت شرارة الاحتجاج الذي شهده إقليمقلعة السراغنة في الآونة الأخيرة، والتي أخذت بزمامها مجموعة من جمعيات السقي، بكل من تساوت العليا، وزمران الشرقية والغربية، والبالغ عددها 56 جمعية، عبر مراسلات متعددة لكل من الديوان الملكي، ووزارة الفلاحة، وعامل إقليمقلعة السراغنة، ورئيس الجهة، ورئيس المجلس الإقليمي، ومدير مكتب الحوز، لتأتي مرحلة الوحدة في إطار فديرالية، أطلقوا عليها اسم «فيدرالية الأزهار للمجتمع المدني تساوت العليا»، والتي أصبحت المحاور المباشر مع ممثلي القطاع الوصي على السقي، المتمثل في المكتب الجهوي للإستثمار الفلاحي بالحوز، بالإضافة إلى تنظيم وقفات ومسيرات احتجاجية، توجت بإيقاف الزيادة الأخيرة التي تم اقتراحها، والمحددة في 53 درهما للساعة، والأداء مرتين في السنة عوض ثلاث مرات المقترحة من قبل الجهات المعنية. ونظرا لكون سنة 2011، سنة جفاف بامتياز بمنطقة إقليمقلعة السراغنة، كما جاء في تقرير مكتب الحوز شهر مارس الماضي، حيث إن معدل الصب لم يتجاوز 37 في المائة، بالإضافة إلى التقلبات المناخية التي عرفتها المنطقة هذه السنة، كظاهرة الجريحة والبرد «التبروري» والأمطار العاصفية، مما كان له انعكاس على ضعف المحصول لهذه السنة فإن كل هذه العوامل وغيرها، جعلت فلاحي المنطقة يطالبون الجهات المسؤولة بإعفائهم من أداء فواتير السقي لموسم 2010-2011، وتخفيض تكلفة السقي إلى أقل من 20 درهما لساعة السقي الواحدة في السنوات القادمة، في أفق تحويل ثمن الفاتورة إلى ثمن رمزي، يقتصر على أداء أتعاب الصيانة والتوزيع فقط، كما نص على ذلك الخطاب الملكي، إثر الشروع في تشييد سد «مولاي يوسف»، حيث أكد فيه الراحل الحسن الثاني آنذاك، أنه بعد مرور 30 سنة على تأسيس السد المذكور، سيتم إعفاء الفلاحين من أداء فاتورة السقي، وسيكتفي الفلاحون بالمنطقة بأداء مبالغ رمزية. هذا الأمر جعل العديد من الفلاحين، ومنذ شهر شتنبر من العام الماضي، يتوقفون عن أداء فاتورة السقي، كما أن عددا من الفلاحين اضطروا إلى قطع شجر الزيتون وبيعه لأصحاب الحمامات، بعدما عجزوا عن أداء فواتير السقي للجهات المعنية. وشهدت منطقة زمران الشرقية والغربية، أول انتفاضة ضد غلاء فاتورة السقي، بتنظيم آلاف الفلاحين لمسيرة احتجاجية شهر أبريل المنصرم، في اتجاه مقر ولاية جهة مراكش تانسيفت الحوز. وقد قطع خلال هذه المسيرة الآلاف من الفلاحين ما يزيد عن 20 كيلومترا مشيا على الأقدام، قبل أن يتم توقيفهم من قبل القوات العمومية، بحضور ممثلين عن السلطات المحلية. وبعد الجلوس إلى طاولة الحوار، تم الاتفاق على توقيف فاتورة الأداء، ورفع الأمر إلى الوزارة الوصية، بعدما طالب ممثلون عن الفلاحين بالإعفاء من أداء فاتورة السقي، خلال موسم 2010-2011، وتخفيظ تكلفة السقي إلى أقل من 20 درهما للساعة الواحدة من السقي. تأجيج الغضب من جديد
حسب إفادات بعض الفلاحين وممثلين عن جمعيات السقي بمنطقة العطاوية، فإنه بدأ الترويج وسط الفلاحين، عن بعض الإرهاصات بإعادة توزيع الفاتورات على الفلاحين بشكل تدريجي، وبنفس السعر المحدد سابقا، وهو ما تسبب في تأجيج غضب الساكنة من جديد، من خلال إعلان عدد من جمعيات السقي، المنضوية تحت لواء «فيدرالية الأزهار» عن وقفة احتجاجية، بتاريخ 18 ماي المنصرم أمام مقر باشوية العطاوية. وفي خطوة استباقية لاحتواء الغضب، عقد رئيس دائرة العطاوية، لقاء استعجاليا جمع بين ممثلي جمعيات السقي بالمنطقة، وممثل عن المكتب الجهوي للاستثمار الفلاحي بالحوز، أكد خلاله هذا الأخير أن الأمور لازالت كما في السابق، وأن الفلاحين ملزمون بدفع فاتورة السقي كاملة، ولا وجود لأي إعفاء أو تخفيظ في فاتورة السقي. وقد خلف قرار المكتب الجهوي للاستثمار الفلاحي بالحوز، ردود أفعال قوية لدى الساكنة، التي اعتبرت نتائج الحوار غير مجدية. مواجهات بين القوات العمومية والمتظاهرين كانت البداية وقفة احتجاجية أمام مقر باشوية العطاوية سلمية، للتنديد بقرار المكتب الجهوي للاستثمار الفلاحي بالحوز، ثم تحولت إلى مسيرة احتجاجية، شارك فيها أزيد من 4 آلاف من سكان المنطقة، وجابت معظم شوارع «العطاوية». وبعد وصول عدد المشاركين إلى أزيد من 14 ألف مشارك، حسب تقدير المشاركين، غيرت المسيرة التي عرفت مشاركة ممثلين عن حزب اليسار الاشتراكي الموحد، والجمعية المغربية لحقوق الإنسان فرع مراكش، وجهتها في اتجاه مقر ولاية جهة مراكش تانسيفت الحوز، لملاقاة محمد مهيدية والي الجهة. وبعد أن قطع الغاضبون ما يزيد عن 25 كيلومترا مشيا على الأقدام، وبالضبط عند مدخل الجماعة الحضرية «تملالت»، أجبرت القوات العمومية المتظاهرين على التوقف، بعدما نصبت «جدارا بشريا» لمنع المتظاهرين من إتمام المسير نحو مقر ولاية جهة مراكش، مما نتج عنه مواجهات وصفت بالعنيفة، خلفت إصابات في صفوف الطرفين، كما اعتقلت قوات الأمن 6 متظاهرين، تم الإفراج عنهم بعد ذلك. وفي الوقت الذي عقد فيه لقاء بين ممثلين عن الفلاحين، والسلطة المحلية في شخص الكاتب العام لعمالة إقليمقلعة السراغنة، والمدير الجهوي للاستثمار الفلاحي بالحوز، بالإضافة إلى رئيس الدائرة وباشا «تملالت»، قصد الخروج بنتيجة تضع حدا لمعاناة آلاف الفلاحين بالمنطقة، واصل حوالي 1000 متظاهر المسير نحو الهدف المسطر سابقا، وحسب إفادة بعض الفلاحين من عين المكان، فإن هذه الفئة لم تكن تعلم باللقاء سالف الذكر، لتواصل المسير إلى حدود منطقة «الطلوح» القريبة من مراكش، حيث تم تفريقها بالقوة مرة أخرى، مما أسفر عن مواجهة ثانية في نفس اليوم، وصفها شهود عيان بالأعنف من الأولى. هذا في الوقت الذي أسفر اللقاء المذكور عن تأجيل أداء الفواتير إلى وقت لاحق، في انتظار رفع الأمر إلى الوزارة الوصية. الماء ماؤنا والأرض أرض أجدادنا يعتبر سد «مولاي يوسف» أو «الباراج»، كما يصطلح عليه أهل المنطقة، من أول السدود الكبرى المنصوص عليها في التصميم الخماسي 1968-1972. شرع في تشييده يوم الأربعاء 17 جمادى الثانية 1385 ه، الموافق ل 14 أكتوبر 1966، وتم تدشينه يوم 22 شعبان 1390ه، الموافق ل23 أكتوبر 1970، تحت الرئاسة الفعلية للراحل الملك الحسن الثاني. تبلغ المساحة الإجمالية التي يسقيها سد «مولاي يوسف» الموجود بجماعة «أبادو»، دائرة أيت أورير عمالة تحناوت، حوالي 30 ألف هكتار، تستفيد منه 21 جماعة قروية وحضرية، بكل من زمران الشرقية والغربية، وتملالت ومنطقة «العطاوية». يحكي أحد شيوخ المنطقة الذي التقته «المساء» بمركز العطاوية، أنه في سنة 1962، اجتمع مدير مكتب الحوز آنذاك، الفرنسي «باسكو»، بعدد من فلاحي إقليمقلعة السراغنة بمدينة سيدي سليمان، من أجل شرح مقترح مشروع فلاحي كبير بالمنطقة، التي كانت تشكو من الجفاف ويعيش أهلها على الزراعة البورية، يقام على أرض فلاحية موحدة، سيتم تجهيزها من قبل الدولة، مقابل أن يدفع الفلاحون ثمن التجهيز بشكل تدريجي مدة 20 سنة، بالنسبة للفلاحين الذين يملكون أكثر من 5 هكتارات. وهكذا انطلق المشروع الفلاحي الضخم، بتأسيس سد «مولاي يوسف»، حيث استفاد الفلاحون من السقي بالمجان مدة 10 سنوات، قبل أن يتم فرض مبلغ درهمين مقابل ساعة واحدة من السقي، في أفق الإعفاء من الأداء بشكل نهائي بعد إتمام التكلفة المالية المخصصة لإنجاز السد، تحت شعار «الماء ماؤنا والأرض أرض أجددنا». السواقي الترابية .. هدر للماء والمال يقصد فلاحو المنطقة ب«السواقي الترابية»، تلك السواقي التي لم يتم تجهيزها إلى حدود اليوم، وعلى الرغم من ذلك، يجد بعض الفلاحين بعدد من المناطق، أنفسهم مضطرين لدفع ثمن التجهيز. كما أن هذا النوع من السواقي «التقليدية» يعرف ضياعا كبيرا في الماء، إما بسبب التبخر أو بعد خروجه عن مسار الساقية التقليدية. ويبلغ عدد «السواقي الترابية» بالمنطقة، والتي أصبحت تشكل مصدر قلق كبير لدى الفلاحين، خاصة أنهم يدفعون الثمن مقابل الساعات وليس مقابل الكميةّ، التي تصل إلى ضيعاتهم وحقولهم، حوالي 20 ساقية. ويتعلق الأمر بكل من سواقي: بوزنكو، السويقية، بوحمامة، المشاوية، العثمانية، الكرنانية، العراضية، الغنامية، البرهمية، الطاهرية، الباحولية، الشعرية، النوجانية، المباركية، الشعيبية العطاوية، وغيرها من السواقي التقليدية التي لازالت لم تجهز بعد.
المحصول هزيل والفاتورة ثقيلة «المحصول هزيل والفاتورة قد فيل»، بهذه العبارة علق «الطاهر العلوي»، ذو ال 67 من عمره، وعلامة الغضب لا تفارق محياه، على محصوله السنوي من القمح والزيتون، بسبب عاملي الجفاف وارتفاع فاتورة السقي. «ولادي 8 كلهم تايخدمو في الفلاحة... وندمت أشد الندم لأني ما قريتهمش، وقلت ليهم تبعو حرفت جدودكم»، يضيف «الطاهر العلوي»، وهو يتجرع مرارة الندم والحسرة، على فلذات كبده، الذين وجدوا أنفسهم لا يتقنون شيئا غير الفلاحة. لم يتجاوز المحصول الفلاحي ل«الطاهر العلوي» السنة الماضية، 20 قنطارا من القمح الصلب، و3 أطنان من الزيتون، كلفته 20 ألف درهم كمصاريف الإسمنت والأدوية إضافة إلى اليد العاملة، وحصلت الجهة المكلفة بالسقي على مبلغ 12 ألف درهم كتكاليف للسقي. وبعملية حسابية بسيطة وجد «الطاهر العلوي» نفسه في خسارة دائمة، علما أنه لا يملك سوى 5 هكتارات مجهزة للسقي. ومن جهته أوضح «عبد الكبير فوزي»، أحد الفلاحين الشباب، الذي استكمل عقده الرابع، أن 100 هكتار التي يتولى زراعتها رفقة 30 من عائلته، والتي لم تجهز منها الجهات المعنية إلى حدود اليوم سوى 20 في المائة، لتبقى 80 في المائة من الأرض تسقى بواسطة «السواقي الترابية»، أن منتوجه لسنة 2010، والذي بلغ 500 قنطار من الحبوب، و50 طنا من الزيتون، كلفه حوالي 500 ألف درهم، كمصاريف الاسمدة والأدوية و اليد العاملة، في حين وصلت فاتورة السقي إلى مبلغ 120 ألف درهم، «لفضل داوه صحاب السقي» يضيف «عبد الكبير» الذي أصبح يفكر في استثمار جديد غير الاستثمار الفلاحي.